أبحاث ودراساتالأمن السيبراني وتكنولوجيا المعلومات

مبادرة الحزام والطريق.. كارثة “إنتل” والثورة الصناعية الرابعة


  • 9 ديسمبر 2023

شارك الموضوع

توطّدت العلاقات بين الصين وروسيا وإسرائيل سريعًا في أعقاب سقوط جدار برلين، وكان ذلك في مجالات عدّة، منها الدبلوماسية، والتجارة، والاستثمار، ومشروعات البنى التحتية، والشراكات التعليمية، فضلًا عن التعاون العلميّ، والسياحة. وتسعى إسرائيل إلى توسعة علاقاتها الدبلوماسية، والاقتصادية، والإستراتيجية مع المنطقة الاقتصادية الأسرع نموًّا في العالم، كما تسعى إلى تنويع أسواق التصدير التي تتعامل معها، تزامنًا مع الابتعاد عن الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا.

وفي الوقت نفسه، فإن الصين وروسيا تتطلّعان إلى التكنولوجيا الإسرائيلية المتطوّرة، وتثمّنان موقع إسرائيل كجزء من مبادرة الحزام والطريق. وفي السنوات الأخيرة، نمت الاستثمارات الصينية في إسرائيل نموًّا لافتًا.  وتتضمّن تلك الاستثمارات شركات التكنولوجيا الحديثة والحساسة، فضلًا عن إنشاء وتشغيل مشروعات بنى تحتية أساسية، مما يشكّل مصدر قلق للولايات المتحدة.

وفي المقابل، تكمن علاقة روسيا بإسرائيل في تزويدها بالشباب المتعطشين إلى العلم، وخرّيجي علوم الكمبيوتر، وعلوم الطيران، وعلوم المواد (Material Sciences)، بالإضافة إلى مساعدة الأعمال الإسرائيلية- الروسية المشتركة التي تتضمّن عمليات تجسسية في الغرب، خاصةً في الولايات المتحدة.

ينبني هذا التقرير على دراسة العلاقات الإسرائيلية- الروسية- الصينية، ويرتكز على مواد متاحة للجمهور، بالإضافة إلى لقاءات أجريت مع عدد كبير من المسؤولين الحاليين والسابقين في كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وقد كان مصدر القلق الرئيس لديهم هو محاولة السيطرة على الشركات الأمريكية التي تملك تكنولوجيا ومعلومات حساسة، ويتم ذلك من خلال محاولة تملّك تلك الشركات، أو السيطرة عليها بشتى السبل المتاحة.

ويقدّم تشغيل مشروعات البنى التحتية لكلٍّ من الصين وإسرائيل فرص تجسّسٍ فريدة، وقدرة لافتة على النفوذ الاقتصادي، والسياسي. ويخلص التقرير إلى مجموعةٍ من الأسئلة المفتوحة التي تستدعي مزيدًا من التحقيق لفهم حجم الأخطار المرتبطة بالسيطرة والنفوذ الصيني والإسرائيلي المتزايدين على الإنترنت، والمكونات الرئيسة للثورة الصناعية الرابعة.

مبادرة الحزام والطريق.. مستقبل الثورة الصناعية الرابعة

بعد نجاح زيارة نتنياهو إلى الصين في مايو (أيار) عام 2013، بدأت الاستثمارات الصينية بالتدفّق نحو إسرائيل (مقارنة بنحو 15 مليار دولار عام 2011). ومع التوتر السائد بين الولايات المتحدة والصين، لا شكّ في زيادة هذا الاستثمار. ولم تبذل إدارة الرئيس ترمب، أو بايدن، جهدًا لوقف هذا التدفّق، بالرغم من الخطاب الحاد بشأن التهديد المتمثل بالتقدم التكنولوجي الصيني [1] [2]. وقد أنشأت شركة “هواوي” مركز بحوث وتطوير في إسرائيل، وفي أيار(مايو) من عام 2018، زار مؤسس شركة “علي بابا”، جاك ما، إسرائيل، وأعدّ الخطط للاستثمار في مشروعها “أمة الشركات الناشئة”. وكانت الدولة الإسرائيلية تحاول تحقيق هذا المستوى العالي من العلاقات التجارية التكنولوجية مع الصين، بالرغم من الضغط الأمريكي من القرن الماضي[3].

لقد زادت الاستثمارات الصينية في شركات التقنية العالية الإسرائيلية بمعدل ثلاثة أضعاف بين عامي 2013 و2017، حتى وصلت إلى 25 مليار دولار. وقد تتفوّق الصين على الولايات المتحدة بكونها أكبر مصدر للاستثمارات الخارجية المباشرة، فقد أصبح لأكثر من ألف شركة إسرائيلية ناشئة فروعٌ في الصين، في حين أنشأت شركات صينية، مثل “هواوي”، و”ليجيند”، و”شاومي”، مراكز أبحاث لها في إسرائيل[4].

يقول نتنياهو: “إننا نريد مزاوجة التكنولوجيا التي لدينا مع القدرة الصينية”[5]. فنطاق الاستثمارات الصينية في إسرائيل يشمل “معظم قطاع التكنولوجيا المتقدم”، ويتضمّن هذا السيارات الذاتية القيادة، والسيارات الكهربائية، حيث يقيم أكبر مصنّعي السيارات الصينية مراكز بحوث وتطوير[6].

ومع رفع كل من ترمب وبايدن من أهمّية تهديد الهيمنة التكنولوجية الصينية في آسيا والمحيط الهادئ، فإن عقوباتهما وضغطهما على الصين ينطبقان على جميع الدول باستثناء إسرائيل. وفي المقابل، فإن إسرائيل تتجه إلى ملء هذا الفراغ.

لقد دفع الضغط الأمريكي الشركة التايوانية المصنّعة لأشباه الموصلات (TSMC) إلى التخلّي عن أكبر عملائها، ووقف المبيعات لشركة “هواوي”… في المقابل، نجحت الولايات المتحدة في منع الشركة الهولندية (ASML) من بيع آلتها الأكثر تطوّرًا في الطباعة الحجريّة لشركة (SMIC). وفي حين تعتري الصدمة قطاع صناعة أشباه الموصلات، يبدو أنّ إسرائيل لم تتأثر بذلك.

في الواقع، لقد أصبح “وادي السيليكون” في إسرائيل أحد القلائل المستفيدين من التداعيات الناتجة عن المنافسة التقنية الصينية- الأمريكية.

وقد ارتفعت صادرات أشباه الموصلات الإسرائيلية إلى الصين بنسبة 80% عام 2018. ويُعزى ذلك الارتفاع إلى زيادة مبيعات شركة “إنتل” للصين من مصنعها المحدث مؤخرًا في إسرائيل، التي اعتبرها البعض التفافًا على العقوبات التجارية الأمريكية. وبحسب كبير المحللين في الشركة الاستشارية الخاصة بأشباه الموصلات في شنغهاي (ICWise)، جي يو وينجون، فإن بكين كانت تبحث عن هذه التقنيات المتطورة لدى إسرائيل بسبب القيود الأمريكية المفروضة على التصدير. وفي حديث له مع الصحافة، قال جي يو إنّه “بسبب الحرب التجارية، أصبح تعاون الصين وإسرائيل أقوى مما كان عليه سابقًا”[7].

ولكن أكثر ما تريده الدولة الإسرائيلية هو التوسّع في مجال قاعدتها الصناعية ذات التقنية العالية؛ حتى تتمكن من صناعة الآلات التي تصنع الآلات.

تستخدم آلة (ASML) الأشعة فوق البنفسجية الحادّة… التي بدورها تجعل من الممكن صناعة المعالجات الدقيقة، وشرائح الذاكرة، وغيرها من المكوّنات المتطوّرة الأسرع والأقوى، وهذه المنتجات أساسية لكل من مستهلكي الإلكترونيات والتطبيقات العسكرية على حدٍّ سواء[8].

آلة صناعة الشرائح في صلب اهتمام الصين ثنائي الاستخدام

[9]

إن تبادل الخبرات والمعدات بين الصين والشركة التايوانية لأشباه الموصلات (TSMC) يقلق وزارة الدفاع الأمريكية:

يوجد أكثر من 3000 مهندس لأشباه موصلات غادروا تايوان للعمل في شركات البرّ الرئيس، بحسب تقارير “بيزنس ويكلي”. ووفقًا لمحلّلين لدى معهد تايوان للبحث الاقتصادي، فإنّ هذه الأرقام تبدو دقيقة. ويشكّل هذا نحو واحد على عشرة من مجموع مهندسي تايوان البالغ عددهم 40 ألفًا، العاملين في مجال البحوث والتطوير المتعلّق بأشباه الموصلات[10].

من المتوقّع مع مرور الوقت أن يسهل بناء معدّات أشباه الموصلات العالمي بسبب استخدام الذكاء الاصطناعي في عملية الإنتاج، وهو مجال تتمتّع فيها الصين بموقع قوي، وربما رائد، فالملكية الفكرية ليست عائقًا أمام إنتاج الشرائح، لكن المشكلة الأساسية هي أنها بحاجة إلى مئات من العمليات الأخرى التي تحتاج كل واحدة منها إلى دقّة مطلقة.

تُعدّ شركة (TSMC) أكثر الشركات المتطورة في صناعة الشرائح في العالم، حتى إن شركة “إنتل”، المعروفة رسميًّا بأنها الشركة الرائدة في ذلك، تأتي في المرتبة التي تليها بسبب المصاعب الكبيرة في عملية إنتاجها “الرقاقة الكبيرة”.

وقد هبطت أسهم “إنتل” بنحو 6 % مساء الجمعة بعد تقرير نشرته “بلومبيرغ” عن أن شركة “مايكروسوفت” تخطّط لتصميم شرائحها الخاصة لأجهزة الكمبيوتر المحمول، وأجهزة الكمبيوتر، والخوادم أيضًا[11].

واللافت أن عمليات التصميم والإنتاج الخاصة بشركة “إنتل” كانت تتم في إسرائيل، وليس في ولاية أوريغون، أو مدينة “فينيكس” في ولاية أريزونا الأمريكية. وقد تباهى الإعلام الإسرائيلي بكون إحدى أهم علميات “إنتل”، وهي تصنيع العقدة 10 نانومتر، شأنًا إسرائيليًّا بحتًا[12].

في عام 2017، كتبت صحيفة “جيروزاليم بوست” عن استثمار “إنتل” الضخم في إسرائيل. وقد جاء في العنوان الرئيس: المدير التنفيذي لشركة “إنتل”: “نعدّ أنفسنا شركة إسرائيلية تمامًا كما نعتبر أنفسنا شركة أمريكية[13]. وقد يسأل المرء عن سبب تمركز أكبر شركات صناعة الأمن القومي في بلد معروف بتجسسه الصناعي على الولايات المتحدة، وكذلك عن المستفيد الأول من ذلك.

في الوقت الراهن، تراجعت مكانة “إنتل” بعد أن كانت أهم مصنّع لوحدة المعالجة المركزية لأجهزة الكمبيوتر (CPU) في العالم. يأتي ذلك مترافقًا مع تداعيات أساسية على قطاعات خوادم الشركات، ومراكز البيانات. وأصبح المصنّع الأول للـ(CPU) على بعد 100 ميل من البر الرئيس الصيني، وعلى أرض دولة تقع على جزيرة لطالما حاربها زعماء الحزب الشيوعي الصيني المتعاقبون.

لقد أنفقت “إنتل” 20 مليار دولار على عملية إنتاج “الرقاقة الكبيرة” (القالب الموحّد) التي- ببساطة- لا تعمل[14]، فكانت الأرباح بين 10% و20% كحدٍّ أقصى، وستكون هذه إحدى أكبر كوارث الإنتاج في التاريخ، على فرض أننا صدّقناه. ففي الواقع، قد تكون عملية التصميم هي المرحلة الملأى “بالأخطاء” (مشكّلةً الأبواب الخلفية المتكاملة لإسرائيل) التي لم تجعل التصميم “آمنًا”، وقد يكون هذا التفسير الآخر لمشكلات “إنتل”.

أما شركة (AMD) ففاقت أرباحها 90% من تصنيعها “الشريحة الصغيرة”، وهذا يعني أنه بإمكانها تصنيع قوالب رقاقات سيليكون “صغيرة”، ثمّ تجميعها معًا من خلال نظامها الحاصل على براءة اختراع “للذاكرة المخبّأة اللا نهائية”. كان هذا النظام في الماضي بطيئًا جدًّا، لكنّ شركة (AMD) جعلته فعّالًا؛ ما يعني أرباحًا إنتاجية ضخمة، وهو ما يمكّنها من التحكّم بكمية الإنتاج وفقًا لاختلاف التصاميم. ولم تنجح هذه العملية فحسب، بل إنها أثبتت فعالية عالية في صناعة المنتجات الأقل سعرًا.

وبالرغم من عدم وجود منافس لها، فإن الشركة تتقاضى أموالًا إضافية للاستحواذ على تصاميم معالجة تكنولوجية جديدة، مثل (ARM/RISC)، والمنافس الوحيد لها هو شركة “آبل”، التي تستخدم نظام (ARM)، لكنها ما زالت تنافس سوقًا مختلفةً تمامًا.

وبعيدًا عن أزمة فيروس كورونا التي زادت الطلب على أدوات العمل من المنزل، فإنّ ما حافظ على تقدّم شركة “إنتل” هو أنّ المصانع والشركات مرتبطة بخوادم وشرائح مراكز المعلومات من شركة “إنتل”، مع برامج متخصصة مثبتة. وهذا هو السبب في استمرار تدفّق الأموال، فإثبات برامج ومعدّات (AMD) المختصّة واعتمادها يتطلّب سنوات، وقد بدأت العملية فعلًا، وتسير جيّدًل.

يتساءل الجميع عن وقت توافق الإنتاج مع الطلب. ولكنّ مراقبي الصناعة لا يرون حلًا سريعًا أو بسيطًا لذلك[15].

وتؤثّر مجموعة (EPYC) من معالجات (AMD) لمراكز البيانات على شركة “إنتل” تأثيرًا كبيرًا؛ فلديها ضعف القدرة على المعالجة (على الأقلّ)، وتستخدم طاقة أقل من المعدّل بنسبة 30% كحدٍّ أدنى، وأحيانًا أقلّ. وهذا مهمّ لمراكز البيانات العملاقة ومصفّات الخوادم، حيث قد تصل فاتورة الكهرباء الشهرية إلى الملايين في المراكز الكبيرة. وإضافة إلى ذلك، تستدعي الحرارة المرتفعة تكاليف تبريد، ومساحات إضافية.

فماذا لو كنت بحاجة إلى توسعة مركز البيانات الخاص بك، ثمّ كان بإمكانك شراء معالجات (AMD) الأقلّ تكلفة، التي لديها ضعف القوّة، وبتكلفة تشغيل أقل بـ30%، فضلًا عن أنّ نسبة الثغرات الأمنية فيها تساوي (حرفيًّا) عُشر المشكلات الموجودة في أجهزة “إنتل”؟ هل يكون اتّخاذ القرار أمرًا صعبًا؟

بنيامين نتنياهو يهنّئ مدير “إنتل” التنفيذي “براين كرزانيتش”على استحواذ شركته على “موبيلاي/Mobileye” الفرعية

مع أن ترمب قد أيّد قرار (TSMC) إقامة منشأة لتصنيع شرائح 5 نانومترات على الأراضي الأمريكية[16] [39]، فإن ما أشيع هو أن مصنّعي الرقائق التايوانية كانوا ينتظرون نتائج الانتخابات الأمريكية قبل البدء بأي خطوات ملموسة. ومن المقرّر أن ينتج المصنع نحو 20 ألف رقاقة شهريًّا، تلبّي- بالكاد- نصف متطلبات شركة “آبل”، ولا تكون كافية لمنافسة المصنع الموجود في تايوان. وشرائح الـ5 نانومترات من شركة (TSMC) معدّة لبدء إنتاجها في عام 2024، وهو الوقت الذي ستكون فيه منتهية الصلاحية عندما يُفتَتح المصنع. وشركة (TSMC) التايوانية في قيد الاستثمار في شرائح 3 نانومترات.

قالت شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات إنها ستؤجل بدء الإنتاج الضخم في مصنعها في أريزونا إلى عام 2025؛ بسبب نقص العمال المهرة والفنيين اللازمين لنقل المعدات إلى المنشأة[17].

وفقًا لوكالة الأمن القومي، فإن التعاقد مع شركة تايوانية للرقائق لأغراض عسكرية حساسة هي أقلّ من أن تُعد آمنة بسبب العلاقات الوثيقة بين تايوان والبرّ الرئيس، يخلق فرصًا للتسلل الصيني إلى أي منشأة تابعة لشركة “TSMC”. وإلى ذلك، فإنّ مطالب الحزب الشيوعي الصيني الصارمة والمتكررة بضم تايوان، مِن المفترض أن تؤدّي إلى حرب. وعلى أيّ حال، فإن الثورة الصناعية الرابعة على بعد 100 ميل من الصين، وشركة “إنتل” خارج اللعبة.

وفي الفترة نفسها، حين كانت الولايات المتحدة تفاوض الصين بواسطة “كيسينجر”، وكان الرجل مشغولًا أيضًا بتأسيس (B.I.R.D.) و(B.S.F.)، وهما منظمتان حصلتا على قنوات قانونية إلى إسرائيل لنقل التكنولوجيا الأمريكية إلى كل مكان، وإلى أيٍّ ما كان، ومتى ما أراد الصهاينة ذلك. وكان كيسينجر يتولّى أيضًا تقويض معاهدة الدفاع التايوانية مع الولايات المتحدة [18]، وتقليلها، بعد أن ربط موارد العمّ سام بإسرائيل[19].

واللافت في الأمر هو أن المكونات الأساسية للتقنية الأمريكية العالية، ومفاتيح الثورة الصناعية الرابعة كانت تُطوَّر في تايوان بالتوازي. وفي أعقاب تفكك شركة “إنتل”، أصبحت هذه أمورًا لا غنى عنها[20]. أما التطورات الحالية فتؤكد أن وزارة الخارجية تتخبّط لإصلاح هذا الخطأ الفادح[21].

ولم يخبر أحد الحكومة الأمريكية بالعيوب (“ملتداون” و”سبيكتر”) قبل أن تُنشر علنًا في بداية شهر يناير (كانون الثاني). وبالنتيجة، لم تستطع الحكومة تقييم الآثار الناتجة على الأمن القومي، أو البدء بالدفاع عن الأنظمة الفدرالية خلال الأشهر التي كان الباحثون والشركات الخاصة يعانون فيها من الأزمة. وفي حين أخبرت شركة “إنتل” مجموعة من شركات التكنولوجيا الدولية الخاصّة، وبعضها في الصين، لم تعلم وزارة الأمن الداخلي، ولا الحكومة الأمريكية بالأمر، إلى أن انتشر في بداية شهر يناير (كانون الثاني)[22].

والعيوب الموجودة الآن في وحدات المعالجة المركزية التي تنتجها “إنتل” مرتبطة بتقنيّي تصميم الوحدات الإسرائيليين، فكارثة “إنتل” في معالجاتها من نوع 10 نانومترات[23] سببها  “عيوب في التصميم”، الذي لا يمكن تقسيمه جزئيًّا للالتفاف على المشكلة على المدى القصير؛ ما يجعل من ريادة “إنتل” في مجال إنتاج وحدات المعالجة المركزية أمرًا صعبًا. وأعتقد أن هذه “العيوب في التصميم” هي أجزاء مصممة بذكاء لتشكّل أبوابًا خلفية يمكن من خلالها الوصول إلى أجهزة الكمبيوتر[24].

تحدث الباحث الأمني في الولايات المتحدة “كريستوفر دوماس” في مؤتمر “ديفكون” الأمني عام 2018[25] [26] عن المركز المتضمّن بعمق (DEC) الموجود في رقائق التحكّم الصناعية (x86) من شركة “فيا/ Via”، التي تُنتَج باستخدام التصميم الأساسي نفسه المستخدم في هيكل معالجات (x86) من شركتي “إنتل” و(AMD)، الذي يسمح بالوصول الكامل إلى النظام المستهدف. ويمكن تفعيل المركز المتضمّن بعمق (DEC) من خلال استخدام رموز مجموعات التعليمات والتجاوزات في الآلات المتعددة الموجودة في أمن جميع المعدات والبرامج. وهناك رأي سائد بأن هذا الباب الخلفي القويّ قد تصوّره ونفّذه الإسرائيليون[27].

يتمتع جهاز الحاسوب الأكثر تطورًا من خلال برنامج ويندوز من شركتي “إنتل” أو (AMD) بالقدرة على تحديث الترميز الصغير فيه. ويستخدم هذا الترميز، الموجود داخل وحدة المعالجة المركزية، لترجمة التعليمات الفردية لتشغيل البرامج و”العمليات في الوقت الحقيقي”. وقد تكون هذه العمليات حسابية ومنطقية، أو “غير ذلك”. وما نناقشه هو الوصول إلى المراكز الداخلية للمعالجات الدقيقة، بغضّ النظر عن الضمانات المكفولة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن معظم الدوائر المتكاملة المستخدمة على مدى خمسة وعشرين عامًا تقريبًا يمكن فحصها على أساس أنها وحدة وظيفية في أسنان مجموعة عمل الاختبار المشترك (JTAG).

وخطوط (JTAG) متوافرة على اللوحات الرئيسة، وتمنح إمكانية الوصول إلى مراكز الدوائر الداخلية المتكاملة؛ لأن وظيفتها تتمثّل في اختبار الأقسام الفرعية في جميع المنتجات الجاهزة. وتوفّر هذه الخطوط إمكانية الوصول إلى الباب الخلفي في الجهاز ما دام المستخدم لم يفصلها. ومن الدوائر المتكاملة الأخرى مصفوفة البوابات المنطقية القابلة للبرمجة (FPGA)، وصُمِّمت خصيصًا لغرض التشغيل، ولكنّها لا تتمتّع بالقدرة التشغيلية الحقيقية؛ فهي ببساطة تنتظر تهيئة الآليات العملية وبرمجتها وتحميلها عند بدء تشغيل مصفوفة (FPGA). وفي الأنظمة العسكرية، تُبذَل كل الجهود للتأكد من وصول التعليمات إلى المصفوفة بشكل آمن وصحيح، لكنّ كثيرًا من مصفوفات (FPGA) أُبرِمَت عقود لعملها مع كيانات خارج حدود الولايات المتحدة، أو الدول الحليفة المصنّعة للأسلحة، وهو ما يسبّب مشكلات.

ومثال ذلك مصفوفة (ProASIC3 FPGA)، المعروفة باسم (PA3)، المصمّمة أمريكيًّا، والمصنّعة في الصين لشركة (Actel)، المعروفة حاليًا باسم (Microsemi)، المستخدمة في الآلات التي تتراوح بين تطبيقات السيارات، والفضاء، والجيش الأمريكي. ويبدو أنه من المتعمّد أن تحتوي على باب خلفي مدمج كما أظهرته جامعة “كامبريدج”ـ ومختبرات “كو فاديس” في إنجلترا[28].

ويخالف بعض الباحثين فكرة وجود نيّة متعمّدة بالقول إنه لا يوجد دليل على التصميم المتعمّد[29]. ولدى غيرهم رأي آخر بأن الأبواب الخلفية موجودة في كل مكان، في انتظار أن تُستَغل[30].

ومع ذلك، فإن التأخير في تصميم وحدة المعالجة المركزية 10 نانومترات من “إنتل” يعدّ كارثة؛ لأن ذلك يعني أنّ “سبيكتر” و”ملتداون” قد اكتشفتا العيوب الأمنية في بداية عام 2018. وقد أنتجت شركة (AMD) فجأة، وهي المنافس الأول لشركة “إنتل”، عائلة المعالجات الأسرع والأكثر كفاءة التي سمّتها بنية “زن 2/Zen II”.

وتتفوّق وحدات المعالجة المركزية هذه على “إنتل” من حيث السعر، واستهلاك الطاقة، والأداء. وقد زادت بنية شركة (AMD) “زن 3/Zen III” هذه الأرباح كلها مع إعادة تصميم “عقدة” 7 نانومترات. أمّا عقدة “زن 4/Zen IV ” بمقياس 5 نانومترات، فقد طرحت بين منتصف عام 2021 وأواخره. أمّا شركة “إنتل” فتزعم- في الوقت نفسه- أن تصميمها على مقياس 10 نانومترات قد طُرِحَ في منتصف عام 2022.

وتقترب الشركة من خسارة موقعها بوصفها رائدة في صناعة وحدات المعالجة المركزية. ويعتقد البعض أنها أكبر من أن تفشل، وأن لديها كثيرًا من الأموال التي تستطيع صرفها في طريقها إلى النجاح؛ من خلال شراء أي شركة تعلم أنها تصنّع وحدات المعالجة المركزية لأجهزة الكمبيوتر لكي تبقى في الصدارة، وتستمرّ مراكز بيانات الشركة وخوادمها بإبقاء هذه الوحدات قيد الخدمة؛ فهذه السوق عملاقة، وكثيرة الربح، والشركات الكبرى لا تغيّر معدّاتها أو برامجها المختصّة إلا بعد انتهاء دوراتها التقليدية، التي تكون مدتها بين خمسة أعوام وسبعة. وعندما ظهرت الأخطاء البرمجية “سبيكتر” و”ملتداون” في أواخر عام 2017/ 2018، ارتفعت أرباح شركة “إنتل”، حتى عندما انخفض أداء شريحتها انخفاضًا كبيرًا من أجل زيادة الحماية الأمنية.

ما الذي حصل؟ هل بدأت شركة “AMD” عملها؟ لا، لقد زادت أرباح شركة “إنتل” ثلاثة أضعاف بعد أن وسّعت مراكز بياناتها قدرة الخوادم الاستيعابية بسرعة لتولّي المهمّة من خلال استخدام خزائن الخوادم الموجودة في شركة “إنتل”، ولكنّ شركة “AMD” والمصنّعين في “TSMC” لم يبقوا مكتوفي الأيدي، واستمروا في الحفاظ على الصدارة في الأداء، واستهلاك الطاقة، ولا سيما في سوق خوادم وحدات المعالجة المركزية. وسوق هذه الشركات تشكّل 60% من السوق بشكل عام، فهي المكان الذي توجد فيه الأموال، وتنام فيه قضايا الأمن القومي. وقد بدأت شركة “AMD” بتقويض هيمنة شركة “إنتل” كثيرًا، وهذا يعني انتهاء “إنتل” بوصفها شركة مصنّعة لوحدات المعالجة المركزية، وقد لا يبقى لها سوى تخصصات، مثل المركبات الذاتية القيادة، وأنظمة الإنترنت اللا سلكي من الجيل الخامس، وأدوات iOT بحجم أقلّ بنحو 70%.

فقط أريد القول إنّ المركز سيكون هنا في القدس، بقيادة “أمنون”. سيتولّى جميع جهود مركبات “إنتل” المستقلّة، في جميع أنحاء الشركة، وليس فقط هنا في إسرائيل. وسنضع العمليات الحاصلة هنا في رتبة أعلى من العمليات الحاصلة في الولايات المتحدة. فاللافت هو أنّه عندما تريد أن ترى صناعات المستقبل، التي أظنّ أنها صناعات الوقت الحاضر، عليك أن تأتي إلى إسرائيل. أنا مسرور جدًّا لأن “إنتل” قامت بذلك[31].

ووحدات المعالجة المركزية الاستهلاكية (خوادم، أجهزة كمبيوتر، وأجهزة كمبيوتر محمول) الأكثر تطوّرًا في العالم تبنيها حاليًا الشركة التايوانية لأشباه الموصلات (TSMC). والشركة نفسها تصمّم وتصنع بطاقات (AMD) و(Nvidia) لتسريع الجرافيك، التي تعدّ أساسية في صناعة أجهزة الكمبيوتر العملاقة في العالم، فضلًا عن عمليات الأبحاث والتطوير المتعلّقة بمجال الذكاء الاصطناعي.

والتداعيات الجيوسياسية ضخمة؛ بسبب مطالب الصين بالسيطرة على تايوان. ففي قضية أمن قومي غير مبالغ فيها، قد لا يكون لدى الحكومة الأمريكية خيار غير رفض مشاركة (TSMC) التقنيات الأحدث، وكذلك أمثالها من صانعي الشرائح. ومع أن شركة “إنتل” تتعرض لكثير من المعوّقات[32]، فإن عملياتها الصناعية واستثماراتها ضخمة جدًّا بحيث إذا أخذنا المنظور الوطني وحده، فإنه لا يمكن ترك هذه الشركة تموت موتًا طبيعيًّا؛ ولذلك، فإنّ المجمع الصناعي للجيش الأمريكي قد يمنحها ضخًّا كبيرًا من تقنيات إنتاج وحدات المعالجة المركزية الحديثة.

يُعد كلّ من “كايدنس ديزاين/[33]Cadence Design” و “أبلايد ماتيريالز/Applied Materials[34]” من روّاد العالم الأمريكيين في صناعة الآلات التي تصنع الآلات، فلا شيء يتحرّك بدونهما.

ولقد ازدادت كارثة الأمن القومي الأمريكي سوءًا بعد نقل “إنتل” معظم مراكز التصنيع والتصميم الأكثر تطوّرًا إلى إسرائيل، لكن وسائل الإعلام الأساسية والمجلّات الصناعية تتجنب الحديث عن هذه المسألة. وقد نقل عملاء الاستخبارات الإسرائيلية والروسية كثيرًا من التكنولوجيا الأمريكية المتطورة إلى الخارج، بخلاف نصيحة أحد مؤسسي “إنتل”، آندي غروف، اليهودي الهنغاري الذي هرب من الاضطهاد السوفيتي ولجأ إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وفي عام 2004، حذّر الجميع من خطر نقل هذه القطاعات، وحذّر من أن الوقت يسير بعكس مصلحة الولايات المتحدة في هذا الإطار[35].

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2003، بعد انفجار فقاعة الإنترنت، اجتاحت صناعة الأجهزة الإلكترونية وتكنولوجيا المعلومات والبرامج الأمريكية موجةٌ ضخمةٌ من التعهيد والإسناد الخارجي. وقد قال “غروف” عن هذه الإهانة:

ثمّة عدد كبير من الأشخاص المجتهدين والمدرّبين جيدًا عاطلون عن العمل. وتشير استعادة الوظائف في الدورات الاقتصادية السابقة، وغياب ذلك في الدورات الحالية، إلى أنّ شيئًا ما قد اختلف… حتى إذا بدأت هذه المراجعة اليوم، فإنّ الوقت لن يكون في صفّنا، وستكون أفعالنا لاحقًا قليلةً جدًّا، ومتأخرةً جدًّا، ومحبِطةً جدًّا، حتى لي.

وتصريحات بعض روّاد صناعة التكنولوجيا، كمدير “إنتل” التنفيذي، براين كرزانيتش، الذي يعتبر شركته إسرائيلية[36]، ما هي إلا دلائل على مبايعات أعمق على مستوى “وول ستريت” والمديرين التنفيذيين. وعلى ما يبدو، فإنّ أشكال الإعلام المختلفة، والإعلام البديل تحديدًا، مهتمّة بالأمير “أندرو” أكثر من اهتمامها بروّاد الصناعة الذين قد يكونون زاروا جزيرة “إبستاين” برفقة “بيل غيتس”، و”بيل كلينتون” [37] [38].

ما ورد في الدراسة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع