مختارات أوراسية

ما هو القاسم المشترك بين هزيمة بايدن في المناظرة وموقف ماكرون في الانتخابات؟


  • 2 يوليو 2024

شارك الموضوع

حدثان سياسيان لافتان للنظر حدثا في الأيام الأخيرة، هما مناظرة المرشحين للرئاسة الأمريكية، التي انتهت بإحراج كبير لجو بايدن، وفشل حزب إيمانويل ماكرون في الانتخابات البرلمانية المبكرة في فرنسا، وقد أثارا- على نحو حاد- مسألة حالة الغرب المؤسسية. ومن المحتمل أن يكون التصويت العام في بريطانيا العظمى حلقة وصل في هذه السلسلة، حيث من المتوقع أن يتكبد حزب المحافظين الحاكم حاليًا هزيمة غير مسبوقة.

لكل حالة أسبابها الخاصة، ولكنّ هناك نمطًا واحدًا مشتركًا ظاهرًا، يكمن في الافتقار إلى فهم كيفية حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية المتنامية، وهو ما يضع حدًا للتيار السياسي السائد، الذي قُبِلَ باعتباره القاعدة بعد نهاية الحرب الباردة. ينتظر الناخبون الأفكار والمقترحات، ولكي تظهر؛ هناك حاجة إلى نقاش أساسي، لكن ذلك لم يُنفّذ في العقود الأخيرة.

أولًا: جاءت “نهاية التاريخ”. كان يُنظر إلى اختفاء الاتحاد السوفيتي على أنه دليل على الانتصار غير المشروط للنموذج الغربي. وقد أثر هذا في السلوك السياسي الخارجي والداخلي في الغرب، وخاصة في أوروبا، حيث انتصرت الوسطية، فتناوبت الأحزاب الحاكمة في السلطة، وشكلت تحالفات (المحافظين، والاشتراكيين، والليبراليين، وبعض المجموعات الهامشية التي تقدمت إلى الأمام فترة وجيزة)، ولكن المسار لم يتغير إلا قليلًا. كان يعتقد أن هذا لم يكن ضروريًّا؛ لأن الاتجاه العام كان واضحًا، وكانت التعديلات الطفيفة فقط ممكنة. وفي الواقع، أصبح الاقتصاد السياسي عالميًّا، وأقل تحديدًا داخل البلاد.

في الولايات المتحدة، كان الوضع مختلفًا؛ لأنها كانت على قمة الهرم العالمي، ولكنّ هناك شعورًا بالسياسة المحددة سلفًا. أصبحت الولايات المتحدة تعتمد- على نحو متزايد- على مكانتها المهيمنة في العالم؛ ومن ثم، كان أي زعيم بحاجة إلى تعزيزها.

في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصبح من الواضح أن العولمة الليبرالية لا تحل جميع المشكلات فحسب؛ بل تخلق أيضًا مشكلات جديدة، حتى في البلدان الأكثر تقدمًا. أصبح الشعور بالمشكلات، وعدم اليقين بشأن المستقبل، أقوى. حدثت تغييرات في الشخصيات والأحزاب، التي خلطت الأوراق نفسها. لم تكن هناك إجابات في النموذج المعمول به، لكن التوتر الداخلي تزايد، وكان التمايز هو ظهور أجندة بديلة. وبدلًا من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، برزت إلى الواجهة موضوعات المساواة، والاهتمام بالهويات، ولو كانت وهمية، إلى الحد الدلالي.

السؤال عما إذا كانت هذه خدعة متعمدة من المؤسسة، أو تطور منطقي للمفهوم الليبرالي. هناك آراء متباينة، لكن هذه الظاهرة أدت إلى استقطاب حاد في الأجندة الاجتماعية والسياسية، ليس وفقًا لنموذج القرنين التاسع عشر والعشرين، عندما كان الخلاف الأيديولوجي يدور حول الأساس المادي للتنمية. الآن يسعى النقاش السياسي العام إلى اللجوء إلى المقدمات الأخلاقية، وهذا يجعل المحادثة الموضوعية مستحيلة. تعتمد المناهج على القيمة، أي إنها تقييمية، وليست أيديولوجية مطبقة. وهذه الأخيرة، سواء أكنت متفقًا معها أم لا، تعني ضمنًا مجموعة من التدابير العملية لحل مشكلات المجتمع الملحة.

تواجه المؤسسة الحاكمة الحركات الاحتجاجية بطرائق مختلفة؛ الطريقة الأولى: تصنيف المعارضين على أنهم غير مقبولين أخلاقيًّا، وإعلان منعهم من الوصول إلى السلطة، واعتبار ذلك معركة للحفاظ على الديمقراطية. الطريقة الثانية: استبدال وجوه جديدة من داخل المؤسسة بالشخصيات التقليدية. الطريقة الأولى لوحظت في كل مكان. ومن الأمثلة الصارخة على الخيار الثاني ماكرون الوسطي المرن والمبالغ فيه، الذي رشحته الدوائر الحاكمة قبل سبع سنوات، وسط حالة من الذعر من فوز ترمب، وأنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

كما ترون، كلتا الطريقتين تفشل. ولم تعد محاولات قمع الشعبويين وتهميشهم ناجحة. هناك مطلب لنضال أيديولوجي هادف، تُقتَرح من خلاله حلول مختلفة لقضايا مهمة، ويحاول القادمون الجدد إلى المشهد السياسي الإشارة إلى ذلك. إنهم لا ينجحون دائمًا، ومع ذلك هناك تقدم.

ما التغييرات التي سيؤدي إليها هذا الوضع؟ ومتى؟ الأمر غير معروف. على الرغم من الإثارة المفرطة المثيرة للقلق لدى التيار الرئيس، فإن الثورات الاجتماعية لا تحدث، و”تطبيع” المهمشين السابقين عملية مضادة؛ فهم يتكيفون أيضًا مع الإطار الحالي. ومع ذلك، فقد بدأت عملية تغيير الأجيال السياسية، ولن يمر ذلك التغيير دون أن يترك أثرًا.

المصدر: مجلة روسيا في السياسة العالمية

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع