أدب

ما بين الفولغا والنيل (2/1)


  • 22 مارس 2024

شارك الموضوع

بين الفولغا والنيل

نستعرض في السطور التالية عددًا من المقالات التي نُشرت في الكتاب الذي يحمل عنوان “بين الفولغا والنيل”، وهي مستمدة من مجلة “الأرشيف الشرقي”، وهي دورية علمية يصدرها معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، وتضم عددًا من الوثائق الأرشيفية والمذكرات، بالإضافة إلى بعض المقالات التي تستند إلى البيانات الحديثة. يكتب هذه المقالات عدد من أساتذة معهد الاستشراق، بالإضافة إلى عدد من الباحثين الآخرين التابعين للمراكز البحثية الأخرى المختصة بعلوم الاستشراق، في كل من موسكو، وسانت بطرسبورغ، وقازان، وخاباروفسك. ومن أبرز هؤلاء الباحثين الذين شاركوا في كتابة مقالات هذا الكتاب: فلاديمير بلياكوف، وجينادي جورياتشكين.

يضم كتاب “بين الفولغا والنيل” 24 مقالًا في 396 صفحة. يُستهَل الكتاب بمقدمة قصيرة للدكتور حسين الشافعي، رئيس المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم، يليها المقال الأول بعنوان “لقاءات مع جمال عبد الناصر.. من أرشيف دبلوماسي”، تأليف المستشرق الروسي فلاديمير بلياكوف. والدبلوماسي الذي يشير إليه عنوان المقال هو الدبلوماسي السوفيتي البارز فلاديمير ميخائيلوفيتش فينوجرادوف. والمقال عبارة عن تقرير كتبه الدبلوماسي السوفيتي البارز (1921- 1997) الذي شغل منصب نائب وزير الشؤون الخارجية للاتحاد السوفيتي آنذاك. ولا يكتفي فينوجرادوف في هذه المذكرات بذكر اللقاءات التي جمعته مع الرئيس جمال عبد الناصر فحسب، ولكنه يلقي الضوء أيضًا على السياسات التي انتهجها الاتحاد السوفيتي السابق تجاه منطقة الشرق الأوسط في تلك الحقبة التاريخية، والتي لا تزال تدور حولها النقاشات حتى وقتنا الحالي.

 يشير التقرير إلى أن الاتحاد السوفيتي السابق قدم العون العسكري لمصر، وفي الوقت نفسه قدم النصح للرئيس عبد الناصر لأن يتبنى موقفًا أكثر واقعية، قد يسهّل إيجاد السبل لتسوية سياسية بشأن الصراع العربي- الإسرائيلي. ويستمد هذا المقال أهميته من أنه عبارة عن نصوص تلك المذكرات التي ظلت في حوزة الابن ألكسندر فلاديميروفيتش، مثلها مثل باقي الأرشيف الخاص بوالده فينوجرادوف، الذي أبدى موافقته على النشر.

يتحدث فينوجرادوف في مذكراته عن لقائه الأول بالرئيس جمال عبد الناصر، فكتب يقول:

 “بادئ ذي بدء، كنت قد التقيت ناصر لأول مرة في ظروف استثنائية، وذلك في فبراير عام 1970، حيث تم تكليفي باستدعاء السفير المصري في موسكو السيد غالب وأخبرته: الآن منتصف اليوم، وبناء على تعليمات من ناصر، أبلغك أنه سيصل إلى موسكو بعد ساعة في زيارة سرية إلى موسكو، وسنتوجه الآن مباشرة من مقر الوزارة إلى المطار لاستقباله”.

ثم ينتقل فينوجرادوف في مذكراته عن الحديث عن أول زيارة له للقاهرة في شهر مارس (آذار) عام 1970، ثم يتذكر حضوره ضمن الوفد السوفيتي برئاسة ألكسي نيكولافيتش كوسيجين؛ لتقديم واجب العزاء والمشاركة في جنازة ناصر. ويختتم فلاديمير بلياكوف المقال بفقرة تعلن تقديم أوراق اعتماد فينوجرادوف سفيرًا للاتحاد السوفيتي في القاهرة في الثاني والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1970 للرئيس المصري الجديد أنور السادات.

ينتقل الكتاب إلى المقال الثاني بعنوان “مهمة البارون طونوس.. مرور 229 عامًا على تعيين أول قنصل روسي في مصر”، وقد كتبه المستشرق ديمتري فرومين. يتناول المقال حق روسيا في تعيين قناصل لها في جميع مدن الدولة العثمانية، التي تستدعي الضرورة وجودهم فيها، في عام 1774، وفقًا للبند الحادي عشر من معاهدة السلام “كوتشوك كينارجي” المبرمة بين تركيا وروسيا.

وبناء على هذه الاتفاقية، أنشأت روسيا قنصلية لها في مصر، وأصدرت الإمبراطورة يكاترينا الثانية في الثلاثين من أغسطس (آب) عام 1784 مرسومًا بتعيين البارون فون طونوس قنصلًا عامًا لروسيا في مصر. وفي السابع والعشرين من يوليو (تموز) عام 1785 رُفِعَ العلم الروسي فوق مقر القنصلية الروسية العامة في مدينة الإسكندرية، وسط احتفال بهيج.

يشير المقال إلى محاولة الوالي علي بك الكبير الاستقلال بمصر عن الإمبراطورية العثمانية، وذلك في أثناء اندلاع الحرب بين روسيا وتركيا 1768- 1774، وسعيه إلى الحصول على تأييد القنصل الروسي في مصر. ويذكر المقال أيضًا تدخل القنصل الروسي لحماية أهل الإسكندرية الأقباط والتجار الأوروبيين من بطش “صالح أغا”، مبعوث مراد بك لجباية الضرائب بالقوة والتهديد.

ثم ينتقل بنا كتاب “بين الفولغا والنيل” إلى المقال الثالث، الذي يحمل عنوان “القوات المصرية في حرب القرم.. والحرب الروسية التركية (1877-1878)”، حيث يورد المقال أن القوات المصرية واجهت القوات الروسية في حرب الشرق، أو ما يعرف بـ”حرب القرم”؛ بسبب خضوع مصر لسيطرة الإمبراطورية العثمانية، وشاركت مصر بأربعين ألف جندي. ويشير في جزء آخر من المقال أن إجمالي الجنود المصريين المشاركين في حرب الشرق قد بلغ تجاوز 50 ألفًا.

وكانت الوحدات العسكرية المصرية المشاركة في تلك تحت لواء الجيش التركي من أحفاد محمد علي (1805- 1848)، وتكون ذلك الجيش، لأول مرة، من الفلاحين المصريين، ودرّبه أفضل الخبراء الأوروبيين من الإنجليز والفرنسيين والإيطاليين والروس والبولنديين وغيرهم، وزُوِّدَ بالأسلحة الحديثة من أوروبا، والأسلحة المصرية الصنع، وكانت لديه خبرة جيدة من الحملات الكثيرة للباشا خارج الحدود.

يشير المقال إلى مشاركة الشاعر الكبير محمود سامي البارودي في حرب الشرق. كما أرخ عبد الحمن الرافعي في كتابه “عصر إسماعيل” لتلك الحقبة. ويؤكد المؤلف أن مشاركة المصريين في الحرب على روسيا كان من الممكن أن تكون سببًا قويًا ورسميًا لجفاء العلاقات مع الدولة المصرية، بيد أن هذا لم يحدث لعدة أسباب، منها: أولًا: عزلة روسيا السياسية في أوروبا في ذلك الوقت، ومصالحها في الشرق حتمت على الدبلوماسيين التابعين للقيصر تبني سياسات مرنة تجاه مصر. ثانيًا: أرادت روسيا إضعاف عدوها الأبدي (الإمبراطورية العثمانية) على أمل أن تجعل مصر أحد حلفائها؛ ولذلك لم يُلقِ اشتراك القوات المصرية في الحروب الروسية التركية بظلاله على أواصر الصداقة بين البلدين بشكل عام. ويروي المؤلف في نهاية المقال مصير الجنود المصريين الأسرى والمصابين والشهداء.

ينتقل الكتاب إلى المقال الرابع بعنوان “المدينة الروسية في سيدي بِشر (1920- 1922) من صفحات مجلة (في المهجر)”، وقد كتبه المستشرق الروسي فلاديمير بلياكوف، حيث يتناول الكاتب في هذا الجزء من الكتاب وصول بعثة من المهاجرين الروس قوامها 4350 شخصًا، أغلبهم من المرضى والجرحى الذين أُودعوا في المستشفى الميداني بحي العباسية، ثم نُقل الأصحاء منهم إلى معسكر التل الكبير على حافة الصحراء بين الإسماعيلية والقاهرة، ثم كانت المرحلة الثالثة لنقلهم إلى معسكر آخر أكثر راحة في حي سيدي بشر بالقرب من مدينة الإسكندرية في يونيو (حزيران) 1920. ومع حلول صيف عام 1922 كان عدد كبير من اللاجئين قد هجروا المعسكر، واستوطنوا في مدن مختلفة داخل مصر، ولكنهم تمركزوا بشكل أساسي في مدينتي الإسكندرية والقاهرة، وتم ترحيل المهاجرين الذين لم يتمكنوا من تسوية أوضاعهم داخل مصر، إلى صربيا وبلغاريا.

ويعرض المقال حياة هؤلاء اللاجئين في المعسكرات، والانقسامات التي حدثت بينهم، والأنشطة التي مارسوها داخل هذه المعسكرات، وتأسيس كنيسة القديس ألكسندر نيفسكي.

ويستكمل المستشرق الروسي فلاديمير بلياكوف حديثه عن أحوال المهاجرين الروس في مصر في المقال الخامس الذي يحمل عنوان “المهاجرون الروس في مصر عام 1920”.

ثم ينتقل الكتاب إلى المقال السادس للكاتب نفسه، الذي يحمل عنوان “الموجات التاريخية للهجرة الروسية إلى مصر”. يتناول الكاتب موجات الهجرة الروسية إلى مصر التي بدأت عام 1774، واستمرت حتى عام 2007 وفقًا للمعلومات الواردة في المقال. وتؤكد البيانات تزايد أعداد المهاجرين الروس إلى مصر تدريجيًا.

وفي مقال لفلاديمير بلياكوف، نقرأ المقال السابع بعنوان “في خدمة الملك المصري.. من مذكرات أناتولي ماركوف”. وأناتولي ماركوف هو مهاجر روسي عثر على عمل دائم ولائق، ولم يعانِ أي صعوبات مالية، حيث عمل على مدار ثلاثين عامًا فيما يسمى الشرطة الأنجلو- مصرية، في الفترة من عام 1922 إلى عام 1952، أي في فترة وجود النظام الملكي المصري، وقبيل اندلاع ثورة يوليو (تموز) 1952، حيث تقدم ماركوف باستقالته، وتفرغ لكتابة مذكراته، وقد نشرها في البداية في مجلة المهاجرين في باريس تحت اسم “الشرقي”، وتتكون هذه المذكرات من أربعة أجزاء غير مترابطة، تغطي فترات حياته المختلفة.

 والجزء الذي يعنينا في هذه المذكرات هو الجزء الذي يتناول خدمته في الشرطة الأنجلو– مصرية. غادر ماركوف مصر عام 1950، متجهًا إلى الولايات المتحدة، واستقر في سان فرانسسكو. ويشير ماركوف في مذكراته أن أكثر من نصف أعضاء الجالية الروسية قد غادروا مصر، وذلك نتيجة للقانون الذي أصدرته الثورة المصرية بأن تكون نسبة الموظفين المصريين في أي شركة أو مؤسسة 75 %، والعمال 90 %، ومثَّلَ ذلك ضربة قوية لجميع الأجانب المقيمين داخل مصر. وتضم مذكرات ماركوف روايات شائقة لشاهد عيان عن الأوضاع في مصر بين عامي 1920 و1940، تجذب انتباه القارئ، عن الجاليات الأجنبية، والعادات السائدة في البلاد في تلك السنوات. كما ضمت مذكراته شهادته على أحداث الحرب العالمية الثانية، ومعركة العلمين.

ينتقل الكتاب إلى المقال الثامن بعنوان “من أوروبا إلى أوروبا، عبر إفريقيا- مصر قاعدة ترانزيت لعودة أسرى الحرب السوفيت السابقين إلى الوطن (1944- 1945)”، للمستشرق الروسي فلاديمير بلياكوف. يشير المقال إلى تأثير الحرب العالمية الثانية في إفريقيا، واتخاذ قوات الحلفاء شمال إفريقيا قاعدةَ انطلاقٍ لفتح جبهة ثانية في جنوب أوروبا. كما يشير المقال إلى وصول الأسرى السوفيت إلى الأراضي المصرية عام 1944 من إيطاليا، استعدادًا لنقلهم مرة أخرى إلى وطنهم عبر بلدان الشرق الأوسط وإيران، نظرًا إلى صعوبة نقل الأسرى السوفيت من خلال أقصر طريق إلى وطنهم، بسبب استمرار العمليات العسكرية، بناء على قرار السلطات البريطانية ترحيلهم من إيطاليا إلى مصر.

وفي المقال التاسع الذي يحمل عنوان “بين الغرباء.. الأسرى الأتراك في روسيا 1877- 1880″، لفلاديمير بلياكوف، يتناول الكاتب نهاية حقبة السبعينيات من القرن التاسع عشر، ووجود الأسرى الأتراك في روسيا بعد انتهاء الحرب التي دارت بين روسيا وتركيا في الفترة من عام 1877 إلى عام 1878، حيث أظهر المنتصرون كرم الضيافة تجاه الأسرى، وهو ما يعد من خصائص الشعب الروسي. وأبرز ما جاء في المقال هو حصول ما يقرب من 45 أسيرًا تركيًا على الجنسية الروسية طواعية، بل وصل الأمر إلى اعتناقهم الديانة المسيحية، كما تخلوا عن أسمائهم التركية، وأصبحت لديهم أسماء روسية. كما أن الحكومة الروسية هيأت مستوى معيشة جيدًا للجنود الأسرى الأتراك، وسُمح لهم بالحصول على فرص عمل للتكسب والتربح منها.

وفي المقال العاشر الذي يحمل عنوان “طلاب قناة السويس.. الهجرة في عيون المراهقين”، للمستشرق فلاديمير بلياكوف، يشير المقال إلى أنه كان يوجد بين اللاجئين الروس الذين رُحِّلُوا من نوفوروسيسك على أيدي الإنجليز في ربيع عام 1920، مجموعة من طلاب فيلق الدون، الذين ظلوا على الأراضي المصرية مدة من الزمن، امتدت إلى أكثر من عامين. وكانت فكرة النفي في نظر هؤلاء الشباب المراهق تختلف عن فكرة النفي للبالغين، حيث كان النفي في نظرهم عبارة من مغامرة ممتعة، ولم يمثل لهم مأساة. ويوضح المقال كيف قضى هؤلاء الشباب فترة المنفى لقرابة ثلاث سنوات، ولكنهم اضطروا في النهاية إلى مغادرة الأراضي المصرية على غير رغبتهم، ويستعرض حياتهم منذ نقلهم من نوفوروسيسك إلى الإسكندرية على متن السفينة “ساراتوف”.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع