تقدير موقف

ما الحسابات الإيرانية والأمريكية في المفاوضات المقبلة؟


  • 28 يونيو 2025

شارك الموضوع

ينتظر الجميع في المنطقة والعالم جولة المفاوضات المقبلة بين الولايات المتحدة وإيران، ليس فقط لتثبيت وقف إطلاق النار بين الطرفين، ولكن أيضًا للتأكد من عدم شن حروب جديدة في ظل “عدم اليقين الأمريكي” بتدمير كل المنشآت النووية الإيرانية واليورانيوم المخصب، لا سيما نحو 400 كيلو جرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، فلا يستطيع أي طرف حتى الآن تأكيد ما إذا كان دُمِّرَ أو نُقل إلى مكان آمن.

ورغم تأكيد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في قمة حلف دول شمال الأطلسي (الناتو) في لاهاي اجتماع الوفدين الأمريكي والإيراني هذا الأسبوع، ثم نفي وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي وجود هذا الاجتماع، فإن واشنطن وطهران أكدتا أن الاتصالات والمحادثات مستمرة بينهما لحين الاتفاق على موعد ومكان جولة المفاوضات السادسة، التي كان مقررًا لها يوم 15 يونيو/ حزيران الجاري، وتوقفت بسبب الهجوم الأمريكي على إيران صباح الجمعة 13 يونيو/ حزيران الجاري.

وترسم تصريحات الطرفين خلال الساعات والأيام التي أعقبت الضربة الأمريكية، والرد الإيراني على قاعدة “العديد” في قطر، ملامح المعادلات والحسابات التي يفكر فيها الطرفان. تصريحات المرشد العام للثورة الإيرانية بأن إيران انتصرت على إسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية تؤكد أن مساحة التراجع لدى إيران محدودة جدًّا، وتشير الإفادات التي قدمها مسؤولون أمريكيون للكونغرس، إلى جانب تصريحات الرئيس ترمب ووزيري خارجيته ودفاعه، إلى تمسك واشنطن بخطوطها الحمراء التي تقوم على “صفر تخصيب لليورانيوم”، و”صفر أجهزة طرد مركزي”، مع التفكير بالسماح لإيران باستيراد اليورانيوم لتشغيل مفاعلات النظائر الطبية، وتحلية المياه، وإنتاج الكهرباء، وهو ما يُظهر أن “المواقف الأولية” التي سوف يطرحها الطرفان على أي مائدة مفاوضات باتت واضحة تمامًا، وفيها نقاط خلافية كثيرة تؤكد أن سقف “الحسابات الصفرية” الذي ساد خلال الجولات الخمس السابقة من المفاوضات، التي كانت قبل الحرب الإسرائيلية الإيرانية، لم يتغير كثيرًا.

وهذه “المواقف المبدئية” من طهران وواشنطن لا تشير فقط إلى إمكانية فشل الجولات المقبلة من المفاوضات، بل يمكن أن تقود إلى العودة مرة أخرى إلى الحرب في ظل “الشك وعدم اليقين” بتدمير المنشآت النووية الإيرانية، وتأكيد المرشد الأعلى بأن الأصول النووية لم تتأثر كثيرًا.

فما الملفات التي يمكن أن يركز عليها الطرفان في أي مفاوضات مقبلة؟ وماذا يعني تصريح المبعوث الأمريكي ستيفن ويتكوف بأن واشنطن تعمل على “اتفاق شامل” مع طهران؟

الحسابات الأمريكية

أولًا- تثبيت وقف إطلاق النار

حتى الآن لا يزال وقف إطلاق النار “هشًّا” و”شفهيًّا”، ولا يوجد أي التزامات متبادلة بين إسرائيل والولايات المتحدة من جانب، وإيران من جانب آخر. وتهدد الولايات المتحدة ليل نهار بأنها يمكن أن تعود من جديد إلى ضرب إيران حال تأكد لها وجود نية إيرانية لاستئناف البرنامج النووي.

ويزيد التقرير الاستخباراتي المسرب إلى “النيويورك تايمز” و”سي إن إن” من وكالة مخابرات البنتاغون، واللغط بشأن تدمير أو عدم تدمير كل البرنامج النووي، الشك في خطوات الطرفين خلال المرحلة المقبلة؛ ولهذا تحتاج إيران والولايات المتحدة في جولة المفاوضات المقبلة إلى “تثبيت” وقف إطلاق النار، واكتشاف “مساحات التعاون” بين طهران وواشنطن لعدم العودة مرة أخرى إلى القتال.

ولعل ضغط الرئيس الأمريكي ترمب على نتنياهو لعدم إلقاء قنابل على إيران بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ يعطي مؤشرًا على رغبة واشنطن في عدم العودة مرة أخرى إلى القتال، سواء من جانب إسرائيل، أو التورط الأمريكي المباشر في هذه الحرب من جديد. وقد تكون الجولة المقبلة من المفاوضات فرصة لتوصيل رسالة بهذا المعنى إلى إيران، وهي رسالة يمكن أن تسهم بقوة في نجاح المفاوضات القادمة بين طهران وواشنطن.

ثانيًا- الصواريخ البالستية 

منذ عام 2005، وهناك حديث أوروبي أمريكي إسرائيلي عن ضرورة تقييد البرنامج الصاروخي الإيراني؛ ولهذا قالت واشنطن وحلف دول شمال الأطلسي (الناتو) إنهما دشنا قاعدتين للدفاع الجوي في بلغاريا ورومانيا عام 2007 لاعتراض الصواريخ الإيرانية.

واليوم، مع وجود صواريخ إيرانية فعالة وقوية، استطاعت هذه الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب، مثل صواريخ “الحاج قاسم” و”خيبر” و”سجيل” و”خرمشهر”، أن تتجاوز كل الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأمريكية، بات هناك حديث قوي لتقييد مديات الصواريخ الإيرانية حتى لا تذهب بعيدًا، لكن مع عدم استسلام إيران، فإن موافقتها على هذا الطرح يبدو مستحيلًا.

فالطرح الأمريكي يقوم على عودة إيران إلى صواريخ “الكروز البطيئة” التي يمكن أن تصل إلى إسرائيل خلال 5 أو 6 ساعات، وأن يكون مداها قصيرًا لا يتجاوز 70 كم، وأن تتوقف كل المراكز البحثية وعلماء تطوير الصواريخ عن العمل، وهو أمر يصعب على إيران، التي تقول إنها انتصرت على الإسرائيليين والأمريكيين معًا، قبوله.

وتعتقد إسرائيل أنها نجحت خلال أيام الحرب الاثني عشر في تدمير 50% من منصات إطلاق الصواريخ، ونحو 75% من الصواريخ البالستية، بالإضافة إلى تدمير خطوط إنتاج “الوقود الصلب” الذي تعمل به الصواريخ البالستية الطويلة المدى، و”فرط الصوتية” التي تجاوزت جميع طبقات الدفاع الجوي الإسرائيلي.

ثالثًا- معدلات التخصيب

سوف تكون هذه القضية شائكة جدًّا، حيث تسعى إيران إلى التمسك ببرنامجها النووي الذي تقول إنه تضرر بالفعل، ومع ذلك سوف تواصل العمل على برنامج نووي سلمي، لكن الولايات المتحدة وإسرائيل تسعيان إلى فرض معادلة جديدة اعتمادًا على الرواية الأمريكية والإسرائيلية التي تقول إنهما دمرتا بالفعل البرنامج النووي الإيراني وأعادتاه سنوات طويلة إلى الوراء.

وتتلخص المطالب الأمريكية في فرض اتفاق عنوانه “صفر تخصيب”، و”صفر أجهزة طرد مركزي”. وبديلًا عن البرنامج النووي الإيراني، تطرح واشنطن تشكيل “تحالف لتخصيب اليورانيوم” في المنطقة، أو في سلطنة عُمان، ينتج اليورانيوم بنسبة تخصيب لا تزيد على 3.67%، ويُوزَّع هذا اليورانيوم على كل دول المنطقة، ومنها إيران، وهذا يعني أن إنتاج اليورانيوم سوف يكون خارج الأراضي الإيرانية، ويُمنح لها حسب عدد المشروعات السلمية التي تعمل بالطاقة النووية ونوعيتها.

وهناك فكرة أخرى تتعلق بهذا الملف، وهي إمكانية السماح لإيران بنسبة تخصيب لا تزيد على 1%، حتى تكون نسبة التخصيب أقل من نسبة 3.67% التي كانت في اتفاق عام 2015، الذي انسحب منه الرئيس ترمب في 8 مايو/ أيار 2018.

رابعًا- أين يورانيوم 60%؟

الهدف الرئيس للولايات المتحدة من هذه الاتصالات والمفاوضات مع إيران هو التأكد من تدمير نحو 400 كيلو جرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، التي يقول الرئيس ترامب إنها دُمِّرت في الهجوم الأمريكي، في حين أن مجمع الاستخبارات، وخاصة مخابرات وزارة الدفاع الأمريكية، شكك في ذلك.

ويرى البعض أن هذه الكمية تكفي لإنتاج نحو 9 قنابل نووية إذا ما غيرت إيران “عقيدتها النووية” بعد الحرب، واتخذت قرارًا بامتلاك القنبلة النووية، وهو قرار كان ممنوعًا التفكير فيه قبل الحرب بسبب وجود فتوى من المرشد الأعلى للثورة في إيران بتحريم “استخدام” السلاح النووي.

ومصير هذه الكمية من اليورانيوم العالي التخصيب سوف يكون في مقدمة الأهداف التي سوف يسعى إليها المفاوض الأمريكي ستيفن ويتكوف لمعرفة مصيرها. ويتوقع أيضًا أن تناور إيران بهذه الورقة المهمة للحصول على أكبر قدر من المكاسب.

خامسًا- حلفاء إيران

تسعى الولايات المتحدة إلى “طلاق إستراتيجي” بين إيران وحلفائها في المنطقة، خاصةً في لبنان والعراق واليمن. وخلال الحرب الإسرائيلية الإيرانية، لم يتدخل حزب الله والجماعات المسلحة في العراق، وأطلق الحوثيون صاروخين فقط على إسرائيل خلال 12 يومًا من الحرب.

وتنظر الولايات المتحدة إلى حلفاء إيران في المنطقة بوصفهم “عوامل عدم استقرار” في المنطقة، لكن الموقف الإيراني بعد الحرب لم يتضح بشأن هؤلاء، فهناك تيار داخلي في إيران يدعو إلى التركيز على الداخل، في حين يرى تيار آخر في هؤلاء حلفاء إستراتيجيين لإيران لا يمكن التخلي عنهم، أو التضحية بهم. وهناك تيار ثالث يرى أن إيران يمكن أن تطلب اندماج هؤلاء الحلفاء في السياسات الوطنية في كل من العراق واليمن ولبنان.

 المطالب الإيرانية

أولًا- الضمانات

رغم عدم الثقة بالولايات المتحدة، فإن طهران سوف تطلب من واشنطن ضمانات دائمة ومستدامة بشأن أي اتفاق مستقبلي بين البلدين. ويمكن لإيران أن تطلب “ضمانات من الكونغرس”، بمعنى أن يمرر الكونغرس أي اتفاق مستقبلي مع إيران حتى لا ينسحب منه الرئيس ترمب، أو أي رئيس أمريكي آخر، لا سيما أن الرئيس ترامب هو الذي انسحب من اتفاق “5+1” في 8 مايو/ أيار 2018، وهو ما دفع إيران إلى زيادة معدلات التخصيب إلى 60%.

وقد تصل هذه الضمانات إلى إلغاء ما يسمى آلية “سناب باك” التي تسمح للدول الأوروبية بإعادة فرض العقوبات الأممية تلقائيًّا إذا رأت دول الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) أن إيران لم تلتزم باتفاق يوليو/ تموز 2015.

ثانيًا- رفع العقوبات

تحفيز إيران لكشف المعلومات عن اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، أو العودة إلى التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة النووية بعد أن علق البرلمان الإيراني التعاون مع الوكالة، وهو أمر لا يمكن أن يمر دون تقديم “شيء كبير” للإيرانيين، وأقرب شيء يمكن أن يكون على طاولة المفاوضات هو “رفع العقوبات الاقتصادية” عن إيران، ورفع التجميد عن مليارات الدولارات الإيرانية التي جمدتها الولايات المتحدة منذ عام 1979.

وبالفعل أعلن الرئيس ترمب أن الصين يمكن أن تشتري النفط الإيراني، لكنه في الوقت نفسه تحدث عن بقاء “العقوبات القصوى” على طهران. ومن المؤكد أن تقديم “جزرة لإيران” سوف يكون حاسمًا في إقناع الحكومة الإيرانية لشعبها بأي صفقة مقبلة مع ترمب.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع