مقالات المركز

ماذا بعد ترشح بوتين للرئاسة؟


  • 12 ديسمبر 2023

شارك الموضوع

يستعد عدد من دول العالم لإجراء انتخابات رئاسية في العام القادم، ويترقبها الكثيرون، لا سيما في دول محورية لها ثقل في النظام الدولي، مثل روسيا، والولايات المتحدة، يتوقع أن تنعكس نتائج هذه الانتخابات على المشهد السياسي العالمي؛ ومن ثم أعلنت إيلا بامفيلوفا، رئيسة لجنة الانتخابات المركزية في روسيا، الاستعداد لمرحلة تجهيز وتأمين عالية في ظل الأخطار الأمنية والعسكرية الحالية؛ وعليه، ستنعقد الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة في روسيا يوم 17 مارس (آذار) 2024، ويتولى السلطة المرشح الفائز بأعلى نسبة تصويت، لمدة ست سنوات، ولكن إذا لم يفُز مرشح في نتائج هذه المرحلة، فسوف تنعقد جولة الإعادة في أبريل (نيسان) 2024، وتشير التقديرات إلى عقد الانتخابات في موعدها المقرر، وذلك لعدة أسباب، منها: أولًا: تأكيد نجاح النظام السياسي الروسي أمام المجتمع الدولي في تأمين العملية الانتخابية، وعقدها بنزاهة برغم الأزمات الراهنة، خاصة في حالة أي هجمات أوكرانية. ثانيًا: مواجهة أي مخططات أمريكية لشن هجمات إلكترونية لإفشال سير العملية الانتخابية.

مفهوم البوتينية في ظل النظام السياسي الروسي

 يصف الدستور روسيا بأنها دولة فيدرالية ذات نظام ديمقراطي، ويروج الكرملين لمفهوم ما يسمى بـ”الديمقراطية السيادية“؛ لتمييزها عن الديمقراطية الليبرالية الغربية. تأثر النظام السياسي الروسي بشخصية الرئيس فلاديمير بوتين منذ توليه الحكم عام 2000، والجدير بالذكر أنه ركز كثيرًا على إعادة بناء الدولة، حيث عمل على تحييد تأثير نفوذ الأوليغارشية عن طريق إنهاء تأثيرهم في العملية السياسية، كما استعاد السلطة المركزية لموسكو على 85 كيانًا من الكيانات الاتحادية، هذا إلى جانب إعادة هيكلة القوات المسلحة لتكون أداة للسياسة الخارجية الروسية. أنتجت هذه السياسات ما تُعرف بـ”البوتينية”؛ نتيجة التغيير الكبير الذي شهدته البلاد على يديه منذ توليه الحكم، وهيمنته على السياسية الروسية، وهي تعنى تطبيق الديمقراطية، ولكن بطرق شبه دكتاتورية.

حظوظ الرئيس فلاديمير بوتين في الانتخابات الرئاسية القادمة 2024

 نظرًا إلى قوة الرئيس بوتين في روسيا، يذهب بعض المراقبين إلى الاعتقاد أنه لا يواجه أي منافس جدي في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وهذا ما يفُسر لنا أيضًا تصريحات المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف بأن: “بوتين هو- بطبيعة الحال- السياسي والفاعل الأول في الدولة”، وذكر أيضًا: “اليوم لا منافس له في روسيا، ولن يكون له منافس”. كما صرح نائب رئيس ديوان الرئاسة بأنه “من دون بوتين.. ليس ثمة روسيا”. تعزز هذا الاعتقاد بعد الاستفتاء الشعبي عام 2020 على تعديل الدستور بناء على طلب الرئيس بوتين، وجاءت موافقة المجلس الأدنى في البرلمان “مجلس الدوما الروسي“، التي سمحت لبوتين بالترشح مجددًا للرئاسة عام 2024، وهو ما يسمح له (حال انتخابه) بالبقاء في الحكم حتى عام 2036، بالإضافة إلى تعديل قوانين أخرى تفسح له المجال للترشح بدون منافس، ومنها أنه يجب أن يكون الرئيس قد أمضى 25 عامًا على الأقل في روسيا، وألا يكون حاملًا لجنسية أجنبية. وفق المراقبين الروس، سيحاول بوتين- بشتى الطرق- البقاء رئيسًا مدى الحياة؛ ولهذا تعد هذه الانتخابات المقبلة حقبة جديدة له، والذي يؤكد ذلك هو حرص بوتين على منع أي تدخل داخلي أو خارجي غير قانوني في تلك الانتخابات، خاصة أن تطور مجريات الحرب بين روسيا وأوكرانيا بحاجة إلى استقرار سياسي.

موقف الرأي العام الروسي من سياسات بوتين

يرى كثير من المحللين السياسيين في روسيا أن بوتين لديه نقاط قوة كثيرة يمكن الاعتماد عليها في برنامج ترشحه؛ فعلى الصعيد الداخلي، حقق كثيرًا من الإنجازات في ظل الحرب، منها تراجع معدل البطالة ليصل إلى 3.7%، وزيادة إنتاجية محاصيل الحبوب الروسية لأكثر من 150 مليون طن، بالإضافة إلى زيادة صادرات النفط إلى الهند، مما أدى ذلك إلى تحسين الاقتصاد على الرغم من العقوبات الغربية، وزيادة حجم الإنفاق العسكري، كما أنشأ علاقات قوية مع دول الشرق الأوسط، والصين، وأمريكا اللاتينية، وانعكس ذلك في استطلاع أجراه مركز عموم روسيا لدراسة الرأي العام “فتسيوم”، الذي أفاد بأن: “نحو 80% تقريبًا من الشعب الروسي يؤيدون الرئيس بوتين، ويثقون به”، وهو ما يوضح أن الغالبية من الأصوات ستدعمه رئيسًا للبلاد.

فيما يتعلق بموقف الرئيس بوتين تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة، سنجد أنه ألقى بالمسؤولية على الولايات المتحدة؛ لكونها الحليف الأول لإسرائيل، متهمًا إياها بانتهاج سياسة فاشلة في تعاملها مع الحرب التي أظهرت “ازدواجية المعايير” المبنية فقط على مصالحها الأنانية، وبذلك تخلى بوتين- لأول مرة- عن مواقفه الحيادية في قضايا الشرق الأوسط، ليتبني اتجاهًا مؤيدًا للشعب الفلسطيني، وربما يرجع الأمر إلى ثقل القضية وأهميتها، ودعم عدد كبير من دول الجنوب العالمي لها؛ ومن هنا يمكن القول إنه استطاع بدهائه السياسي كسب الرأي العام العالمي، وليس الروسي فقط، لتتحول الحرب إلى فرصة كبيرة لروسيا من أجل تعزيز علاقاتها مع الشرق الأوسط، وكل ذلك يخدم الهدف الأكبر؛ وهو إضعاف نفوذ الولايات المتحدة وهيمنتها؛ من أجل فرض نظام عالمي جديد متعدد الأطراف؛ لأن أي حرب تدعمها الولايات المتحدة تفقدها كثيرًا من الموارد، وهو ما يصب في صالح روسيا، خاصة في حربها مع أوكرانيا، التي قد يكون لها الأثر الأكبر في تعديل سياسة بوتين تجاه قضية فلسطين، والتوجه شرقًا، لا سيما مع إيران، التي تحظى بأهمية لروسيا أكبر بكثير من أهمية إسرائيل.

الخاتمة

استمرار ولاية بوتين أمر غير مؤكد حتى الآن، لكنَّ هناك أسبابًا عدة- كما ذُكر آنفًا- تجعله الأنسب في هذه المرحلة، غير أنه تظل هناك تحديات أمامه، لا سيما الحرب الروسية الأوكرانية، ومع ذلك، يظل احتمال استمراره في منصبه أمرًا مرجحًا بقوة.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع