مقالات المركز

مآلات الدعم الهندي لإسرائيل في الحرب على غزة


  • 14 أكتوبر 2023

شارك الموضوع

في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، بينما كانت إسرائيل على وشك التوصل إلى اتفاق مع المملكة العربية السعودية يفضي إلى تطبيع العلاقات بينهما، في استكمال لمسار السلام الذي انطلق مع اتفاقات إبراهام عام 2020 مع أربع دول عربية أخرى، أطلقت حركة حماس، التي تسيطر على الأراضي الفلسطينية في غزة، عملية عسكرية غير مسبوقة، أطلقت عليها “طوفان الأقصى”، استخدمت فيها أكثر من خمسة آلاف صاروخ، مصحوبة بهجمات برية وبحرية وجوية لقوات النخبة بها. وقد أدت العملية إلى مقتل أكثر من (1200) إسرائيلي، وإصابة (2700) آخرين.

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن بلاده في حالة حرب، وبدأت قوات جيش الدفاع الإسرائيلي بشن غارات جوية كبيرة، يفترض أنها ضد أهداف تابعة لحماس، لكنها أدت إلى تدمير قطاع غزة المكتظ بالسكان، وقُتل أكثر من 1100 شخص، وجُرح أكثر من 5000  آخرين (أرقام غير نهائية تزيد بمعدل سريع)، أغلبهم مدنيون في الأيام الأربعة الأولى فقط من الهجمات التي شنها جيش الدفاع الإسرائيلي، وأدى تدمير أكثر من (500) مبنى سكني إلى تشريد ما يقدر بنحو (250) ألف شخص. وفي الوقت نفسه، أعلنت إسرائيل فرض حصار على قطاع غزة من حيث الوقود، والغذاء، والكهرباء. ومع أن المواطنين الإسرائيليين سوف يلومون نتنياهو بالتأكيد على الفشل الاستخباري الكبير فور انتهاء الحرب على غزة، فإن أحزاب المعارضة وافقت في الوقت الحالي على أن تكون جزءًا من حكومة وحدة وطنية للحرب.

وأعرب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، على حسابه الرسمي على موقع X (تويتر سابقًا)، عن دعم الهند المطلق لإسرائيل. وقال: “إننا نتضامن مع إسرائيل في هذه الساعة الصعبة”. وكرر رئيس الوزراء هذه الرسالة عندما اتصل به نتنياهو بعد ثلاثة أيام من عملية حماس، ليعلن عبر X: “إن الهند تدين الإرهاب وجميع أشكاله ومظاهره بقوة، وبشكل لا لبس فيه”. وبينما أعربت كثير مِن الدوائر الإسرائيلية والغربية عن تقديرها لموقف الهند، لكنه لم يكن ردًّا موفقًا، وكان يحتاج إلى كثير مِن الدقة، مثل إعادة تأكيد دعم نيودلهي الطويل الأمد لحل الدولتين، الذي يدعو إلى التعايش السلمي بين إسرائيل وفلسطين.

لذا قامت وزارة الشؤون الخارجية الهندية بإعلان موقف أكثر توازنًا من تصريحات المسؤولين الهنود على موقع X، مُشيرة إلى أن: “السياسة الهندية في هذا الصدد كانت دائمًا متوازنة. ولقد دعت دائمًا إلى استئناف المفاوضات المباشرة من أجل إقامة دولة فلسطين ذات السيادة، والمستقلة، والقابلة للحياة، التي تعيش داخل حدود آمنة ومعترف بها، جنبًا إلى جنب في سلام مع إسرائيل”. جاء هذا الموقف بعد التزام الدبلوماسية الرسمية الهندية الصمت. وربما كان تخفيف حدة موقف مودي مِن الحرب مدفوعًا بثلاثة عوامل:

  1. القلق مِن الدول الإسلامية في الخليج ومصر، وبعضها حلفاء جدد لحكومة ناريندرا مودي.
  2. احتمال تفاقم الغضب بين السكان المسلمين المحليين.
  3. الصراع السياسي الداخلي بين حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم وحزب المؤتمر الوطني الهندي (الكونغرس) المُعارض.

داخليًّا، أصدر حزب المؤتمر بيانًا عبّر فيه عن دعمه الطويل الأمد لحقوق الشعب الفلسطيني في الأرض، والحكم الذاتي، والعيش بكرامة واحترام. ودعا الحزب إلى وقف فوري لإطلاق النار، وبدء المفاوضات بشأن جميع القضايا العالقة، ومنها القضايا الحتمية التي أدت إلى الصراع الحالي. هاجم حزب بهاراتيا جاناتا البيان الصادر عن لجنة العمل التابعة للكونغرس باعتباره متساهلًا مع الإرهاب. وكما هو متوقع، أدى هذا إلى اتهامات مُتبادلة بين الحزبين، تهدف إلى حشد أصوات الشارع الانتخابي الهندوسي- الإسلامي. وقد قال رئيس وزراء ولاية آسام، هيمانتا بيسوا سارما، على موقع X: “قرار الكونغرس به أوجه تشابه مذهلة مع تصريحات باكستان وطالبان؛ فالدول الثلاث لا تدين حماس، ولا تستنكر الهجمات الإرهابية على إسرائيل، وتلتزم الصمت بشأن الرهائن- النساء والأطفال. إن التضحية بمصالح الأمة من أجل سياسة الاسترضاء هي جزء من الحمض النووي لهم”.

يرى تيار مودي الحاكم أن السياسة الخارجية الهندية رهينة بسياسة أصوات الأقلية التي يمثلها حزب الكونغرس، والتي يحاول الحزب أن يستغلها في الانتخابات المقبلة عبر “استرضاء الأقليات، ولا سيما المسلمون”. وفي السنوات القليلة الماضية، خففت الهند من خطابها المؤيد للفلسطينيين، حيث أصبحت العلاقات مع إسرائيل أوثق على مستوى القيادة والاقتصاد. والهند اليوم هي أكبر مشترٍ للأسلحة من إسرائيل، لكن تاريخ العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية معقد، ويتطلب استجابة دبلوماسية دقيقة.

وإذا استمر الصراع مدة طويلة، فمن المرجح أن تكون هناك عواقب سلبية على الهند. وسوف يؤثر سلبًا في آفاق الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)، الذي صُوِّرَ خلال قمة مجموعة العشرين كبنية تحتية تجارية متعددة الأطراف بقيادة الهند، ويربط الطريق المقترح الهند بالإمارات العربية المتحدة من خلال رابط بحري، يليه خط سكك حديدية يمر عبر المملكة العربية السعودية، والأردن، وإسرائيل، ويتصل أيضًا بأوروبا من خلال ميناء حيفا.

ويُمكن أن تتضرر العلاقات الهندية- العربية، لا سيما في الخليج العربي، حيث يعمل ما يقرب من (8.5) مليون هندي، أي ما يمثل (65) في المئة من جميع الهنود العاملين في الخارج؛ نتيجة دعم نيودلهي غير المشروط لإسرائيل، خصوصًا في ظل ما تقوم به تل أبيب من سياسات تدميرية في حق الشعب الفلسطيني في غزة. ومع خطر أن ينتشر الصراع في الشرق الأوسط، سيرتفع سعر النفط، الذي كان مرتفعًا عند (84) دولارًا للبرميل قبل عملية “طوفان الأقصى”، لتتجاوز أسعار النفط (100) دولار للبرميل، وباعتبار أن الهند هي ثالث أكبر مستورد للنفط الخام في العالم؛ ما سيجعلها تتأثر كثيرًا بالتضخم، وتباطؤ النمو الاقتصادي.

كما تعد إسرائيل ثالث أكبر شريك للهند في آسيا، والعاشر على مستوى العالم. وفي السنة المالية 2022-2023، بلغ إجمالي التجارة الثنائية 10 مليارات دولار. وفي ظل حالة التعبئة الإسرائيلية المُستمرة، وتوقف الدورة الاقتصادية، فإن هذا يعني أن هُناك أزمة متصاعدة في مجال الشحن، وارتفاع تكاليف الشحن، وجداول التسليم غير المؤكدة، مما يؤثر في سلاسل التوريد. وللهند أيضًا استثمارات كبيرة قد تتضرر في إسرائيل، مثل (TCS، State Bank of India، Jain Irrigation،Sun Pharma، Tech Mahindra)، من بين شركات أخرى لديها استثمارات هناك.

لذا يبدو أن ضربة حماس قد أتت في لحظة غير مناسبة للهند، حيث كانت البلاد قد بدأت بالسيطرة على التضخم والتباطؤ الاقتصادي للخروج من ظلال جائحة (كوفيد 19). ويعقد الأمر تعامل رئيس الوزراء مودي، حيث عمل على تعزيز العلاقات مع كل من العالم العربي ومصر، واقترب كثيرًا من الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية؛ مما شكل خرقًا على حساب باكستان. وقد وقعت الهند بالفعل اتفاقية تجارة حرة مع الإمارات العربية المتحدة، ودخلت في تحالف اقتصادي جديد (I2U2) مع إسرائيل، والولايات المتحدة، والإمارات العربية المتحدة. كما عززت نيودلهي العلاقات مع السعودية على هامش قمة مجموعة العشرين عندما طرحت فكرة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا.

ما سبق يُحتِّم على الهند- إن أرادت أن يُعترَف بها كقوة صاعدة عالميًّا، ولا سيما بين بلدان الجنوب العالمي- أن تحافظ على علاقات جيدة مع العالم العربي. وإن إدانة استخدام الإرهاب كسياسة دولة، كما تفعل إسرائيل، والضغط عليها “للالتزام بقواعد الحرب”، تسهم في رسم صورة إيجابية عن سياسات نيودلهي، خاصةً أن الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب أهدرت التوازنات بين السياسة والاقتصاد؛ ما أحدث ضررًا كبيرًا في النموذج الإسرائيلي الذي يضعه المسؤولون الهنود مسارًا لتطوير أمتهم تكنولوجيًّا واقتصاديًّا وزراعيًّا. الهند الآن على مُفترق طُرق إذا طال الصراع أو انتشر، فإن أي موقف غير متوازن سيضر بمصالحها على المدى القريب مع منطقة الشرق الأوسط.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير


شارك الموضوع