تُظهر أحداث التاريخ أن صراع أوروبا على الهيمنة قد أثّر -على نحو مباشر أو غير مباشر- في آسيا. على سبيل المثال، أضرّ انخراط اليابان في كثير من حروب الهيمنة العالمية السابقة بالسلام والأمن في شرق آسيا. صحيح أن اليابان كانت مسالمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لكن يبدو أنها بدأت تشعر بالقلق مجددًا في ظلّ التغيرات العالمية المضطربة، إذ يُحاول بعض السياسيين اليابانيين إحياء حلم إصلاحات ميجي القديمة. مع ذلك، فإن سياسة اليابان المتمثلة في تعزيز “منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة”، مع اعتبار الصين “أكبر تحدٍّ إستراتيجي” لها، محكوم عليها بالفشل؛ لأن التنمية السلمية والتعاون بين الصين واليابان يصبّان في المصالح الأساسية للبلدين وشعبيهما.
يتطلب بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية رؤيةً للأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام، والتآزر العالمي. ويعارض هذا المجتمع -بطبيعة الحال- “التعددية العنيفة المنغلقة والإقصائية”، ويدعو بدلًا من ذلك إلى “التعددية السلمية” المنفتحة والمتساوية والمربحة للجميع.
تعتمد المبادئ الأربعة للأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام على تقدم المبادئ الخمسة للتعايش السلمي في العصر الجديد، إذ تكتسب هذه المبادئ أهمية متساوية للعالم. ولا تُعدّ هذه المبادئ الأربعة مجرد دليل إرشادي لتحسين حوكمة الأمن العالمي؛ بل تُمثّل أيضًا مجموعة من القواعد الأخلاقية الدولية؛ ولذلك فهي تدعو إلى إنهاء الصراعات الحالية في الشرق الأوسط وأوروبا، ومنع امتداد الصراع الأوروبي إلى شرق آسيا.
الأمن المستدام هو الهدف، والتوجه القيمي يتماشى مع المصالح الأمنية لجميع الدول، في حين أن الأمن المشترك والشامل والتعاوني هو المنهج. ولن يختار الناس طريق الأمن المشترك والشامل والتعاوني إلا عندما يعتقدون أن الهدف والتوجه القيمي يتماشى مع مصالحهم الأمنية المستدامة.
من الصعب جدًّا إقناع من يخوضون صراعًا بقبول “الأمن المشترك”؛ لذلك، لا يمكننا حثّ الناس على إدراك أهمية “الأمن المشترك” لحماية مصالحهم الحيوية، وتعزيز “الأمن التعاوني”، وتحقيق الأمن المستدام للجميع، إلا من خلال توعية الناس بأهمية “أمنهم المستدام”.
ولتحقيق الأمن المستدام، ينبغي للعالم أن يتخلى عن سياسات القوة والتفكير الجيوسياسي التقليدي، وأن يسعى جاهدًا إلى تحقيق “السلام والتعاون عبر البحر والبر”، أي التعاون السلمي بين الدول البحرية وغير البحرية.
إن بناء مجتمع يتمتع بأمن مستدام، وتنمية مستدامة، وثراء ثقافي في شرق آسيا يتماشى مع روح مبادرة الأمن العالمي، ومبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الحضارة العالمية، بالإضافة إلى هدف رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) المتمثل في تعزيز الأمن، وتعزيز التنمية الاقتصادية، والتقدم الاجتماعي والثقافي، فضلًا عن أنه يصب في مصلحة شعوب دول شرق آسيا.
من العوامل المشتركة بين الحربين العالميتين والصراعات الروسية الأوكرانية والإسرائيلية الفلسطينية المستمرة هو الصراع على السيطرة الإقليمية. وتستند وثائق اليابان الثلاث، بما في ذلك إستراتيجية الأمن القومي الجديدة، وإستراتيجية الدفاع الوطني، وبرنامج بناء الدفاع، التي صاغتها حكومة فوميو كيشيدا قبل خروجها من السلطة في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، إلى ما يُسمى بالواقعية الجديدة. وقد غيّرت هذه الوثائق، التي تكرر ذكرها لقضية جزر دياويو، نموذج التنمية السلمية لليابان بعد الحرب، وسياستها تجاه الصين؛ مما شكل تهديدًا حقيقيًّا للأمن القومي الصيني.
يعتمد سعي رئيس الوزراء الياباني الحالي، شيغيرو إيشيبا، إلى تحسين العلاقات الصينية اليابانية على خمسة عوامل رئيسة: “التزامه بالوثائق السياسية الأربع الموقعة بين الصين واليابان؛ وبيان رئيس الوزراء السابق توميتشي موراياما لعام 1995 بشأن القضايا التاريخية؛ ومبدأ الصين الواحدة في قضية تايوان، ومعارضته (استقلال تايوان)؛ ومعالجته السليمة لنزاع جزر دياويو من خلال الحوار والتشاور؛ والتزامه بالآراء الليبرالية التي دعا إليها رئيس الوزراء الياباني السابق تانزان إيشيباشي”. إذا فعل ذلك، يمكن للصين واليابان اتباع رؤية أمنية جديدة مشتركة وشاملة وتعاونية ومستدامة، تُلبي متطلبات العصر الجديد.
إذا أرادت الصين واليابان تجنب الصراع وخفض التكاليف الأمنية، فعليهما إدارة خلافاتهما البحرية بكفاءة، والالتزام بمبادئ الوثائق السياسية الأربع. تشير الوثائق إلى البيان المشترك الصيني الياباني الصادر عام 1972، ومعاهدة السلام والصداقة الصينية اليابانية لعام 1978، والإعلان الصيني الياباني المشترك لعام 1998، والبيان المشترك بشأن تعزيز العلاقات الإستراتيجية ذات المنفعة المتبادلة على نحو شامل الصادر عام 2008.
أما الدول الآسيوية فعليها أن تدعو إلى “السلام والتعاون عبر البحر والبر”؛ مما سيساعدها على تحقيق تنمية مشتركة ومستدامة، ويضمن أمن جميع الدول من خلال التعاون السلمي بين الدول البحرية وغير البحرية. يقوم هذا النموذج على المساواة والمنفعة المتبادلة والشمول والانفتاح، ويعزز التعايش السلمي. ومن الأمثلة الجيدة على هذا النموذج مبادرة “الحزام والطريق”.
تُعدّ هذه المبادرة خيارًا حتميًّا للصين لتعميق الإصلاح وتعزيز الانفتاح، مع تطوير العلاقات الثنائية، والتعاون المتعدد الأطراف؛ من أجل تقاسم ثمار التنمية الاقتصادية.
إذا اتخذت دول مبادرة “الحزام والطريق” الأمن المشترك منهجًا لها، والأمن الشامل إستراتيجيتها، والأمن التعاوني منهجها، وسعت إلى إنشاء مجتمع أمني مشترك، مع تعزيز الترابط والتعاون المربح للجميع، فسيكون من الممكن بناء أكبر منطقة أمنية مستدامة في العالم بحلول منتصف هذا القرن.
المصدر: صحيفة الصين اليومية (China Daily) الصينية
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.