بريكس بلسمختارات أوراسية

لماذا يمثل الخليج أهمية خاصة لروسيا؟


  • 13 ديسمبر 2023

شارك الموضوع

إن رحلة الرئيس الروسي إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي أعقبتها مباشرة زيارة الرئيس الإيراني إلى موسكو، أعادت إلى الأذهان الأهمية التي اكتسبها الخليج في الشؤون الدولية، وخاصة في السياسة الخارجية الداخلية لروسيا.

لا يعني ذلك أن المنطقة لم تكن موضع اهتمام من قبل؛ بل كانت هناك دائمًا أسباب لمراقبتها من كثب، ومع ذلك، كان هذا الاهتمام مرتبطًا- في المقام الأول- بقضايا الموارد الطبيعية، والصراع الجيوسياسي المرتبط بها.

الآن تغير هيكل النظام الدولي؛ أولًا: تضطلع ما تسمى بالقوى الوسطى بدور أكبر بكثير مما كان عليه قبل عشرة أو خمسة عشر عامًا، وهذا النفوذ يتنامى على حساب الدول الكبيرة. ثانيًا: أصبحت السياسة الإقليمية تحددها- على نحو متزايد- قوى إقليمية، حتى لو كنا نتحدث عن منطقة تتلاقى فيها مصالح ضخمة لعدة قوى خارجية.

وغني عن القول إنه في ملف إدارة أسواق النفط، أثبتت آلية (أوبك بلس)- بشكل مدهش- قدرتها على مقاومة الاضطرابات العسكرية والسياسية العالمية. التوتر داخل التجمع يتزايد، ولكن حتى الآن تم التوصل إلى حلول وسط. من الصعب المبالغة في تقدير أهمية ذلك لروسيا بالمعنى الاقتصادي (الدخل) والسياسي (التأثير في العمليات العالمية). مسألة تدفق الأموال إلى الخزانة الروسية، لا تقتصر على تنظيم أسعار النفط فحسب؛ بل إنها تتعلق أيضًا- من حيث المبدأ- بالتفاعل الناجح مع الأنظمة الملكية العربية. وهم ينظرون- باهتمام- إلى الفرص التي توفرها السوق الروسية المتحررة من الوجود الغربي، ويستكشفون سبل التحايل على القيود التي تفرضها الولايات المتحدة وأوروبا. وبطبيعة الحال، لا أحد يريد تعريض نفسه لإجراءات واشنطن العقابية؛ لأن الولايات المتحدة لديها كثير من الفرص للتعدي على مصالح الشركاء العرب منذ فترة طويلة؛ ومن هنا يأتي تعاملهم الحذر جدًّا.

العلاقة المتوترة بين القيادة السعودية والإدارة الأمريكية في عهد بايدن معروفة للجميع. ولا يتعلق الأمر فقط بقضية صحفي “واشنطن بوست”، أو تناول موضوع الحقوق والديمقراطية. لقد أدركت الرياض- بوضوح- التحولات العالمية، ووسعت إطار علاقاتها كثيرًا، وعلى الولايات المتحدة أن تقبل ذلك رغم كل ما لديها من مشاعر استياء. أما الدول التي كانت في السابق في وضع تابع، فقد نشأت فرصة ممتازة لتغيير الوضع، والتخلص من الوصاية الغربية.

الموضوع المشترك بين روسيا ودول الخليج هو الوضع في الشرق الأوسط. وبشكل عام، فإن العودة الجدية لموسكو إلى هذه المنطقة بدأت مع العملية في سوريا عام 2015، حيث غيّر التدخل الروسي مجرى الأحداث، ثم نظرت الدول الرائدة، وفي المقام الأول المملكة العربية السعودية- لأول مرة- إلى روسيا بوصفها عاملًا مهمًّا حقًّا لاستقرار المنطقة، وبعد ذلك بدأ التفاعل الواسع النطاق بين الطرفين.

تعيش المنطقة اليوم في ظل كارثة يتعرض لها قطاع غزة، قد تكون نتيجتها مثيرة للجدل؛ فمن ناحية، وضعت القضية الفلسطينية الجميع في مأزق، ومن ناحية أخرى، من الممكن ألا تحدث تغييرات جوهرية. والمهمة التي يتفق عليها الجميع هي أن هناك حاجة إلى هيكل إقليمي جديد. رغبات الجميع مختلفة، ولكن لا أحد لديه وصفة جاهزة. وبهذا المعنى، فإن مشاركة جميع الأطراف، ليس فقط المهتمين؛ بل أيضًا أولئك الذين لديهم نفوذ على بعض الأطراف في المنطقة، يُعد أمرًا إلزاميًّا.

وأخيرًا، فإن الموضوع ذا الأولوية لروسيا هو الصراع الأوكراني. ومن الغريب أن دول الخليج كانت مرتبطة بهذا الصراع ارتباطًا وثيقًا. إن التعاون العسكري التقني مع إيران، والدبلوماسية الهادئة التي تنتهجها المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، لحل قضايا المنطقة المعقدة، والروح المستقلة العامة لدول الخليج، تؤدي دورًا أكبر في الظروف الحالية مما كان يمكن لأي شخص أن يتخيله قبل عامين.

تُعاد الآن هيكلة السياسة والدبلوماسية الروسية بطريقة جديدة. وبعد أن انتهت الأوهام الروسية عن الغرب في السياسة الخارجية الداخلية، “لم يعد هناك سوى المواجهة في هذا الاتجاه”. الآن، تتشكل سياسة روسية جديدة، وأحيانًا بشكل عفوي تمامًا. ومع ذلك، فيما يتعلق بالخليج، فإن الأمر يستحق الحديث عن الحاجة إلى مزيد من النشاط الروسي، وتعزيز السياسة الروسية في المنطقة.

ومن الواضح أن الصين تقف في مكانة متميزة؛ بسبب حجمها ودورها العالمي، ولكن هذا هو السبب وراء أهمية أي طرق فعالة لتحقيق التوازن. هناك قوى أخرى في شرق آسيا وجنوبها، ولكن هناك عنصر التنافس مع بكين، غير أن الدول الغنية والمؤثرة في غرب آسيا، وفي المقام الأول ممالك الخليج، تشكل ثقلًا موازنًا.

علاقات إيران، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، صعبة بعضها مع بعض، لكن هذه الدول الثلاث ستنضم إلى مجموعة “بريكس بلس” بدءًا من الشهر المقبل، وهذا تغيير مميز. هذا النوع الواعد من المنظمات الدولية ليس ناديًا للأشخاص ذوي التفكير المماثل؛ بل مجموعة من أولئك القادرين على التأثير في العمليات المهمة بطرائق مختلفة، ويتفقون على نتيجة هذا التأثير. المهمة ليست سهلة، ولكنها ليست مستحيلة، وفعالة.

المصدر: مجلة روسيا في السياسة العالمية

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع