وحدة الدراسات الصينية

لماذا استطاعت شيزانغ أن تخلق معجزة تنموية؟



شارك الموضوع

في صباح يوم الخميس، أُقيم تجمع كبير في ساحة قصر بوتالا بمدينة لاسا لإحياء الذكرى الستين لتأسيس منطقة شيزانغ (التبت) الذاتية الحكم في جنوب غرب الصين. وقد قاد شي جين بينغ، الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، رئيس الدولة، رئيس اللجنة العسكرية المركزية، وفدًا من اللجنة المركزية للحزب للمشاركة في الاحتفال. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الحزب والدولة التي يُسجل فيها هذا الحدث. ومنذ انعقاد المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، أولى شي اهتمامًا كبيرًا بالعمل في شيزانغ، وأبدى عناية عميقة بأبناء جميع القوميات في المنطقة، وأرسى سياسات الحزب الخاصة بحوكمة شيزانغ في العصر الجديد. وقد رسمت هذه السياسات المسار، وقدمت التوجيه الأساسي لعمل شيزانغ في العصر الجديد، مما أدى إلى تقدم شامل، وإنجازات تاريخية في جميع المجالات.

وعلى مدى الأعوام الستين الماضية، تحولت منطقة شيزانغ الذاتية الحكم من أرض نائية فقيرة كانت تُوصف بأنها مكان “يعيش فيه البشر والماشية معًا وتنقطع فيه سبل المواصلات”، إلى جبهة جديدة تندمج فيها التقاليد بالحداثة، ويعيش فيها أبناء جميع القوميات في وئام. وفي بضعة عقود فقط، قطعت شيزانغ طريقًا تنمويًّا استغرق قرونًا -بل حتى آلاف السنين- لدى كثير من المجتمعات البشرية الأخرى.

وبفضل سياسات الحزب الخاصة بحوكمة شيزانغ في العصر الجديد، دخلت المنطقة أفضل فتراتها تاريخيًّا من حيث التنمية والتحول والمكاسب الملموسة للشعب، فقد نما الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة نموًّا ملحوظًا، وارتفع نصيب الفرد منه ارتفاعًا كبيرًا، كما تطورت البنية التحتية بسرعة كبيرة، وتحسنت أوضاع التعليم والرعاية الصحية بدرجة كبيرة، مما انعكس بوضوح على مستويات معيشة السكان، وهذا تجسيد حي للمبدأ القائل بأنّه “لا ينبغي ترك أي منطقة حدودية متأخرة عن ركب التحديث الصيني”.

ومن منظور التنمية الاقتصادية والاجتماعية، واجهت شيزانغ كثيرًا من “القيود الفطرية”: من ارتفاعها الشاهق، وظروفها الطبيعية والمناخية القاسية، وبنيتها التحتية المتخلفة، إلى تأخر التعليم الأساسي. ومع ذلك، فقد نجحت المنطقة خلال ستة عقود من الجهود الدؤوبة في التغلب على التحديات القديمة التي كبحت تنميتها طويلًا. ومنذ بزوغ العصر الجديد، كان تسارع نمو شيزانغ لافتًا على نحو خاص: إذ استغرقت خمسين عامًا لتحقيق أول مئة مليار يوان من الناتج المحلي الإجمالي، لكنها لم تحتج إلا إلى ست سنوات لتحقيق المئة مليار الثانية، وفي عام 2025 تسير المنطقة بخطى ثابتة نحو بلوغ هدف الثلاثمئة مليار يوان.

أما في مجال البنية التحتية للنقل، فقد شهدت تحولًا جذريًّا: إذ أصبح لدى المنطقة شبكة طرق يبلغ طولها 124,900 كيلومتر تصل إلى كل بلدة، و1,359 كيلومترًا من السكك الحديدية تعبر الهضبة، و183 خطًا جويًّا يربط شيزانغ بالعالم الخارجي، لتنتهي بذلك حالة الانغلاق والتخلف التي كان فيها “الناس والماشية يحملون الأحمال على ظهورهم”.

فلماذا استطاعت شيزانغ أن تخلق هذه المعجزة التنموية؟ سؤال وجيه. في العصر الجديد، واصلت سياسات الحزب الخاصة بحوكمة شيزانغ الدفع بالمهام الأربع الرئيسة: “ضمان الاستقرار، وتعزيز التنمية، وحماية البيئة الإيكولوجية، وتحصين الحدود”، مع تركيز قوي على تعزيز الشعور العميق بالمجتمع القومي الصيني، والمضي في بناء مجتمع الأمة الصينية. وهذه السياسات تمثل التوجيه الأساسي لدفع العمل في شيزانغ قدمًا.

وفي هذا السياق، حظيت حرية المعتقد الديني باحترام وحماية كاملين، فيما ازدهرت الأنشطة الثقافية، فقد استُعيدت بحيوية جديدة التراثيات المتميزة، مثل “ملحمة الملك غيسار”، وأوبرا التبت، والطب التبتي، ولوحات التانغكا. وأصبحت المجتمعات المتعددة القوميات المتداخلة نمطًا سائدًا، لتشكل نسيجًا قاعديًّا متناغمًا يعيش فيه الناس بمحبة متبادلة، “كما الشاي والملح”. وتوفر هذه التجارب إلهامًا عميقًا لكثير من الدول النامية الأخرى.

إن مسيرة شيزانغ نحو التحديث تحمل خصائص إقليمية مميزة؛ فمن جهة، ومن خلال تطوير صناعات خاصة بالهضبة تتناسب مع ظروفها المحلية، لا سيما الزراعة والرعي المميزة، إلى جانب الطاقة النظيفة، أقامت شيزانغ 47 محمية طبيعية تغطي 34.35 في المئة من مساحتها. كما أن نسبة الأيام ذات جودة الهواء الممتازة تتجاوز 99.7 في المئة، و100 في المئة من مياه أنهارها وبحيراتها الكبرى تحقق أو تفوق معايير الفئة الثالثة؛ وبذلك تعد من بين المناطق ذات أفضل بيئة إيكولوجية في العالم. ومن جهة أخرى، ومن خلال التحويل الفعّال للقيمة البيئية، أُحرزت تحسينات ملموسة في سبل معيشة السكان، إذ استفاد الرعاة والمزارعون مباشرة من حماية البيئة. ويجسد هذا النهج المزاوجة العضوية بين الحفاظ على البيئة وزيادة الدخل، ويبرهن على المفهوم العلمي للحكم القائل بأنّ “المياه الصافية والجبال الخضراء ثروات لا تُقدّر بثمن”.

وفي السنوات الأخيرة، كانت بعض الحملات المشوهة ضد شيزانغ من جانب قوى معادية للصين ملأى بـ”الأكاذيب المتخيلة”. وبمعنى من المعاني، يعود ذلك إلى أنّ إنجازات المنطقة التنموية فاقت قدرتهم على التصور. غير أنّ “عدستهم السوداء” أخذت تتكسر بسرعة، إذ إنّ البنية التحتية المتطورة والتقدم الاقتصادي والاجتماعي وخدمات السياحة ذات الجودة العالية، كلها دفعت مزيدًا من الزوار الأجانب إلى السفر إلى شيزانغ، وحبها. وقد شارك كثير من المؤثرين على الإنترنت ممّن زاروا شيزانغ تجاربهم من خلال منصات التواصل الاجتماعي الأجنبية، واصفين ما شاهدوه بأنّه “يفوق الخيال”، وقد حازت منشوراتهم إعجابات ودعمًا واسعين.

ومن التحرير السلمي لشيزانغ إلى تأسيس المنطقة الذاتية الحكم، ومن الإصلاح والانفتاح إلى العصر الجديد، أظهرت كل خطوة في مسيرة شيزانغ بعمق مزايا النظام الاشتراكي، وقوة قيادة الحزب الشيوعي الصيني. والآن، ومع اقتراب اكتمال الخطة الخمسية الرابعة عشرة (2021- 2025) ورسم الخطة الخمسية الخامسة عشرة (2026- 2030)، يثق الناس بأنّه من خلال الالتزام الكامل، وتطبيق سياسات حوكمة شيزانغ في العصر الجديد، فإنّ شيزانغ ماضية نحو تألق أعظم في إطار القضية الكبرى لنهضة الأمة الصينية.

المصدر: افتتاحية غلوبال تايمز (Global Times)


شارك الموضوع