مختارات أوراسية

لماذا أصبح أسوأ كابوس لإسرائيل حقيقة؟


  • 17 أكتوبر 2023

شارك الموضوع

في مقابلة أُعدت خصيصًا لبرنامج “المراجعة الدولية“، على قناة “روسيا 24” الفضائية، تحدث فيودور لوكيانوف عن الأوضاع المشتعلة في الشرق الأوسط مع نيقولاي كوزانوف؛ لوصف صدمة إسرائيل في السابع أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وطرح الأسئلة التالية عليه:

بناءً على ما نعرفه من المصادر المفتوحة، ما مدى قوة العلاقات بين إيران وحماس؟ وما مدى صحة هذه المقولة؟

في الوقت الراهن، لدينا هذه المنطقة الرمادية، وهو ما يزيد من تعقيد الوضع والقدرة على تحليل أحداثه، حيث يتم الإدلاء بكثير من التصريحات، ولكن ليس لدينا الحقائق التي تدعمها، وعلى الأرجح لن تظهر قريبًا.

ما يمكننا قوله هو أنه نعم، يمكن الافتراض أنه على الأرجح أن طهران كانت على علم بالتحضير لبعض الإجراءات. لكن مع الأخذ في الحسبان ما يحدث حاليًا في المنطقة. ويكفي أن نتذكر أنه في الحرب السورية، عارضت حماس في البداية بشار الأسد، أي الحليف الرئيس لإيران. وفي الوقت نفسه، بطبيعة الحال، أدرك الإيرانيون أن حماس كانت نوعًا من الاستثمار، وأداة يمكنهم استخدامها مرة أخرى لمواجهة إسرائيل. لقد دعموا دائمًا جناحها العسكري، وتولوا تدريبه بلا انقطاع. ولا يمكن- بأي حال من الأحوال- أن يُنظر إلى حماس نفسها على أنها منظمة تابعة تمامًا لطهران. حماس منظمة مستقلة، وتتلقى تمويلاً أجنبيًّا ليس فقط من طهران. والأسئلة هنا قد تكون موجهة أيضًا إلى بعض الدول العربية في الخليج.

ولهذا السبب، لا يمكننا القول إن الأداء الحالي كان نتيجة أمر مباشر من طهران. يمكن الافتراض أنه على الأرجح أن طهران كانت على الأرجح على علم بالتحضير لبعض الإجراءات. لكن مع الأخذ في الحسبان ما يحدث حاليًا في المنطقة، والعلاقات الصعبة التي تربط طهران بالدول الغربية، والوضع الاقتصادي الصعب داخل البلاد، أعتقد أن صراعًا من هذا النوع الذي يتكشف الآن لا يمكن أن يكون بالضرورة في مصلحة إيران، وإن كان بين الطرفين- أي حماس وإيران- مصلحة مباشرة.

عن المصالح. وإذا نظرنا إلى مفترق الطرق “الجيد- السيئ”، من وجهة نظر إيران، فإن خطر بدء حرب إقليمية، مع جر إيران إليها هو أحد الأخطار القصوى. على الجانب الآخر، أصبحت إسرائيل أضعف بكثير، بمعنى أنه سيكون هناك الآن جحيم كامل في غزة، وسوف تنهار كل الدبلوماسية التي كانت موجودة من قبل، وستجد إسرائيل نفسها معزولة تماما، وتعتمد فقط على الأمريكيين، وسوف تستفيد إيران من هذا. وعلى هذا المقياس، ما الخيارات المتاحة للأطراف المتصارعة؟

أود أيضًا إضافة محور زمني هنا، أي إنه إذا تحدثنا على المدى القصير، فبالطبع حصلت إيران على بعض المكاسب، والمكسب الأكثر أهمية، تعطيل تطوير مسار ما يسمى بـ”الاتفاقيات الإبراهيمية”. في وقت هجوم حماس، كان الكثيرون يقولون بالفعل إن إقامة علاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل من خلال وساطة الولايات المتحدة، تمضي في طريقها نحو الحسم. وهنا، بطبيعة الحال، كانت لدى إيران مخاوف كبيرة، بما في ذلك تلك المتعلقة بحقيقة أن تعاون السعودية مع إسرائيل والولايات المتحدة في القضايا الأمنية سوف يتزايد، أي إنهم سيحصلون على سعودية أقوى من جهة، ومن جهة أخرى قد تظهر عيون وآذان إسرائيلية على حدودهم، التي من حيث المبدأ كانت على الأرجح حاضرة بصيغة معينة، لكن في حال تطوير التعاون السعودي الأمريكي، فهذا من شأنه أن يعزز وجودهم. وقد وضع هذا الهجوم- لبعض الوقت- حدًّا لعقد هذه الاتفاقيات. بالإضافة إلى ذلك، فإن أي دولة في العالم العربي تحاول الآن مغازلة إسرائيل- بدرجة أو بأخرى- تخاطر بأن تضع نفسها في خانة الدولة المنبوذة.

ولكنَّ إيران- كما أشرت- ليس من مصلحتها تطور الصراع، وزعزعة استقرار المنطقة. بعبارة مُلطفة، الآن، وبعد الجهود التي بذلتها لتحقيق الاستقرار في علاقاتها مع جيرانها في الخليج، ومع الوضع في الحسبان المحاولات التي تبذلها لتحسين العلاقات مع كل من الولايات المتحدة وأوروبا، والتي جرت في الصيف، لكنها لم تنتهِ بنجاح كامل خلال الاجتماعات بين الإيرانيين وممثلي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، مع ذلك، كانت هناك ديناميكية معينة لإيران، من خلال اتخاذ خطوات لتخفيف الضغط الاقتصادي في المقام الأول، وهذا أمر ضروري.

وهنا سنشهد على الأرجح- من ناحية- زيادة في الأخطار؛ لأن إيران أيضًا لا تستطيع الوقوف مكتوفة الأيدي. إن السياسة المناهضة للصهيونية، ودعم الحركة الفلسطينية جزء من الأيديولوجية القومية الإيرانية، وهو ما لا تستطيع إيران اليوم التخلي عنه. لكن من ناحية أخرى، سنرى- على الأرجح- تصريحات قوية من طهران، وربما في مكان ما تحركات من حزب الله بدعم من إيران. أعتقد أن طهران ستحاول تجنب سيناريو الانجرار إلى صراع كامل، مع أن كل شيء ممكن. مرة أخرى، نحن في وضع لا يمكن التنبؤ به.

هل يمكن افتراض أن الظرف الحالي يوفر مجموعة من الحوافز لتسريع تنفيذ البرنامج النووي الإيراني السيئ السمعة؟

من حيث المبدأ، وفقًا لبعض التقارير، فإن الإيرانيين قد اقتربوا بالفعل من إمكانية الحصول على أسلحة نووية. وهنا، حتى الخبراء الروس يتحدثون عن أشهر لصنع قنبلة، لأنها ليست سلاحًا نوويًّا كاملاً بعد. لقد كان الأمريكيون يقولون مؤخرًا ما يقرب من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، وحتى أقل من شهر. أعتقد أنه حتى في ظل الظروف الحالية، وإلهاء روسيا بالوضع في أوكرانيا، ولو شئنا التحدث بعبارة ملطفة، فإن حلفاء إيران (أعني روسيا والصين) لن يكونوا راغبين في امتلاكها أسلحة نووية كاملة بين يديها، وهذا أيضًا يستحق النظر.

إن احتمال انتشار الفوضى الشاملة لا يصبح افتراضيًّا تمامًا؛ لأن هناك أيضًا الصراع في جنوب القوقاز، أذربيجان، التي تتلقى الدعم من إسرائيل. وكيف يمكن أن يؤثر ذلك في التفاعل بين روسيا وإيران؟ أعتقد أن إيران ستتوقع الآن دعمًا مكثفًا جدًّا من روسيا، وإذا لم يأت، فسوف تُعدّ ذلك نوعًا من السلوك غير اللائق، إن لم يكن خيانة. فكيف ينبغي لروسيا أن تتصرف في هذا الوضع؟

أعتقد هنا أن روسيا يجب أن تلتزم بالموقف الذي اتُّخِذَ بالفعل: “أي الدعوة إلى العودة لمفاوضات السلام، والدعوة إلى إنهاء الصراع”. وبالنظر إلى ما نراه الآن يحدث بشكل مباشر في غزة وما حولها، فإن الانضمام إلى أي من المعسكرين لن يفيد موسكو في سياق الوضع العام للسياسة الخارجية.

إذا انطلقنا من الافتراض بأن إيران ستحاول الامتناع عن الدخول في صراع مباشر مع إسرائيل، فلن تكون هناك حاجة إلى المساعدة أو الدعم النشط من روسيا. ومرة أخرى، فإن العلاقات الروسية الإسرائيلية معقدة جدًّا في الوقت الحالي، ولكن إسرائيل ما زالت لا تزود أوكرانيا بالأسلحة التي يمكن أن تزودها بها افتراضيًّا. وهنا، أعتقد أن هناك قدرًا معينًا من الامتنان من موسكو. أما التفاعل المباشر مع إيران، فسيُقَدَّم دعم دبلوماسي أكثر من الدعم العسكري العملي إذا رأينا ضغوطًا دولية متزايدة، غربية في المقام الأول، على طهران. ولكن ما الفائدة التي ستعود عليها؟ يبقى أن نرى.

أما فيما يتعلق بالفلسطينيين، إذا نظرت إلى الصراع بمعناه الأوسع، فإنني أشعر بالقلق إزاء حقيقة أنه على خلفية “الاتفاقيات الإبراهيمية”، انخفض تدفق المساعدات المالية إلى حماس- وفلسطين بشكل عام- انخفاضًا كبيرًا.

إذا تذكرنا الأشهر القليلة الماضية، يبدو لنا من الواضح أن الفلسطينيين كانوا يتنقلون بنشاط في جميع أنحاء المنطقة، ويمدون أيديهم طلبًا للمساعدات. ومع الأخذ في الحسبان حقيقة أن النضال من أجل إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، لسوء الحظ، قد تجمد على مدى العقد الماضي، فإن إطلاق العنان لحالة عدم الاستقرار الحالية كان في المقام الأول في مصلحة حماس؛ من أجل التذكير بما يمكن أن يحدث إذا ما نُسِيَ الفلسطينيون، وحُظِرَ الدعم عنهم، بما في ذلك من الجهات الراعية الخارجية.

مرة أخرى، نحن نحلل الأحداث من خلال ما يتسرب من معلومات. لكن طهران لم تكن سخية جدًّا في مساعدة حماس في السنوات الأخيرة، ناهيك عن المصريين، وبعض الأنظمة الملكية العربية في الخليج.

إن الأسباب والدوافع الأولية هي في كل مكان نفعية تمامًا، وعملية جدًّا، وقد يؤدي ذلك إلى انهيار حقيقي للشرق الأوسط برمته، كما عرفناه منذ القرن العشرين. لكن ماذا عن موقف إسرائيل؟

صدمة إسرائيل مفهومة؛ لأن أسوأ كابوس لهم أصبح حقيقة. فجأة وجدت حماس نفسها مستعدة لتنفيذ عمليات معقدة جدًّا. وهذا يثبت أن هذا لم يكن ليحدث بدون إيران. من المستحيل على مجموعة من الأفراد غير المدربين تدريبًا جيدًا أن يخططوا لما حدث في السابع من أكتوبر (تشرين الأول). لقد رأينا هجومًا منسقًا في عدة اتجاهات، من يستطيع أن ينقل لهم هذه التجربة؟ إنها تجربة إيرانية إلى حد كبير. نرى استخدام التكنولوجيا غير القياسية تمامًا. على ما أذكر، حاول الكرد استخدام الطائرات الشراعية منذ عدة سنوات في الصراع مع تركيا، لكن ذلك لم يكن ناجحًا. وهنا نراهم قد استخدموها كعنصر من عناصر العمل الهجومي، وكانوا ناجحين جدًّا.

بالنسبة للإسرائيليين، فإن هذا هو اليوم الذي يمكن مقارنته بحق- من حيث المبدأ- بيوم 11 سبتمبر (أيلول) بالنسبة للولايات المتحدة. ومثلها مثل الولايات المتحدة، فإن هذا لا يشكل تهديدًا وجوديًّا؛ بل إنه يشكل صفعة خطيرة على وجه المؤسسة السياسية برمتها. يجب عليهم أن يردوا، وكما نرى، فإن رد الفعل، دعنا نَقُل، مفرط، وهو ما سيجبر بلدان الشرق الأوسط على الرد. ولكن هذه البلدان- حسب ما نرى- ما زالت تختزل ردود فعلها في التصريحات، لكنني أعتقد أن الكثير سيتحدد من خلال كيفية سير العملية البرية إذا بدأت.

ما ورد في الحوار يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير


شارك الموضوع