مقالات المركز

لعبة الكريكيت تختبر الحياد الإماراتي بين الهند وباكستان


  • 21 مارس 2025

شارك الموضوع

في مارس (آذار) 2025، كانت الإمارات العربية المتحدة طرفًا في حدث سياسي دولي بارز لجنوب آسيا، تمثل في استضافة مباريات الهند في دوري أبطال الكريكيت 2025 في دبي؛ بسبب التوترات السياسية والأمنية بين الهند وباكستان، في حين استضافت إسلام آباد المباريات الأخرى في كراتشي ولايور وروالپندي. وهذا القرار، الذي اتخذته المجلس الدولي للكريكيت بناءً على نصيحة حكومة الهند، يعكس التحديات الدبلوماسية في المنطقة، ويمتد تأثيره إلى المنطقة العربية.

تعود العلاقات بين الإمارات وكل من الهند وباكستان إلى فترة ما قبل تأسيس الإمارات كدولة موحدة عام 1971. خلال الحقبة الاستعمارية البريطانية، كانت منطقة الخليج العربي، بما فيها الإمارات المُتصالحة (التي أصبحت لاحقًا الإمارات)، مركزًا تجاريًّا يربط شبه القارة الهندية بالعالم العربي وأوروبا. بعد استقلال الهند وباكستان عام 1947، بدأت هذه العلاقات تتخذ أشكالًا رسمية، مدفوعة بالهجرة والتجارة.

شهدت العلاقات الإماراتية- الهندية نموًا مطّردًا، خاصة مع الهجرة الهندية الكبيرة إلى الإمارات بعد اكتشاف النفط في الستينيات والسبعينيات. اليوم، تُشكل الجالية الهندية ما يقارب (30%) من سكان الإمارات (نحو 3.5 مليون نسمة بحسب تقديرات 2023)؛ مما يجعلها أكبر جالية مهاجرة في البلاد. كما ترتبط الإمارات وباكستان بعلاقات تاريخية قوية تعود إلى الروابط الدينية والثقافية الإسلامية، بالإضافة إلى دعم باكستان المبكر لتأسيس الإمارات. والجالية الباكستانية، التي تُقدر بنحو (1.2) مليون نسمة، تُعد ثاني أكبر جالية مهاجرة، وأدّت دورًا كبيرًا في بناء البنية التحتية الإماراتية.

تستفيد الإمارات من علاقاتها الاقتصادية مع الهند وباكستان، على الرغم من التوترات بين الدولتين. بحسب بيانات 2023، تُعد الهند ثاني أكبر شريك تجاري للإمارات بعد الصين، إذ بلغ حجم التجارة غير النفطية نحو (50) مليار دولار سنويًّا. وتشمل الصادرات الإماراتية إلى الهند النفط والمنتجات البتروكيماوية، في حين تستورد الإمارات المنسوجات، والمجوهرات، والمنتجات الزراعية. في عام 2022، وقّعت الإمارات والهند اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة تهدف إلى رفع حجم التجارة إلى 100 مليار دولار بحلول 2030؛ مما يعكس الطموح المشترك لتعميق العلاقات. وبلغ حجم التجارة بين الإمارات وباكستان نحو (8) مليارات دولار في 2023، مع التركيز على صادرات النفط والمنتجات البلاستيكية من الإمارات، وواردات المنسوجات والأرز من باكستان، لكن الإمارات تُعد من أكبر المستثمرين الأجانب في باكستان، خاصة في قطاعات العقارات والمواني، لا سيما شركة “موانئ دبي العالمية”.

تمثل إمارة دبي -على وجه الخصوص- مركزًا للتجارة (مثل تجارة الذهب) بين الهند وباكستان، إذ تُستخدم كمحطة وسيطة للالتفاف على العقوبات أو القيود المباشرة بين الدولتين.

مع الهند، عززت الإمارات علاقاتها من خلال زيارات رفيعة المستوى، مثل زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى أبو ظبي في 2015 و2023، حيث افتُتِحَ معبد هندوسي في أبو ظبي كرمز للتقارب الثقافي. ومع باكستان، حافظت الإمارات على علاقات وثيقة، مدعومة بالتضامن الإسلامي، وزيارات متكررة من قادة باكستانيين، مثل زيارة رئيس الوزراء السابق عمران خان في 2021 لتعزيز التعاون الاقتصادي.

وفي النزاعات، مثل قضية كشمير، تتجنب الإمارات اتخاذ موقف علني واضح، مفضلة دور الوسيط المحايد. على سبيل المثال، في أغسطس (آب) 2019، عندما ألغت الهند الحكم الذاتي لكشمير، لم تصدر الإمارات بيانات قوية، على عكس دول إسلامية أخرى مثل تركيا. وتم تأكيد هذا الدور الإماراتي المحايد في دوري أبطال الكريكيت، عندما استضافت دبي مباريات الهند بدلًا من باكستان بسبب التوترات، لتظهر الإمارات مرة أخرى قدرتها على استغلال موقعها كأرض محايدة لبلدان جنوب آسيا.

للإمارات مصلحة كبيرة في استقرار المنطقة، مما يؤثر في علاقاتها مع الهند وباكستان؛ لأن أي تصعيد بين نيودلهي وإسلام آباد سيؤثر في الإمارات بسبب وجود جاليات كبيرة من كلا البلدين؛ لذا تضطلع الإمارات بدور في تهدئة التوترات. كما تتعاون الإمارات مع الهند في مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات، في حين أن التعاون مع باكستان أقل تطورًا، لكنه قائم.

مع تنامي العلاقات الإماراتية- الهندية، بدأت باكستان تشعر بتحول تدريجي في السياسة الإماراتية، التي بدأت تعيد توجيه سياستها الخارجية لتتماشى مع المصالح الاقتصادية والجيوسياسية الأوسع، مما قد يضعف الدعم التقليدي لباكستان، فالإمارات تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع الهند كجزء من إستراتيجية أوسع لتنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط، مع الاستفادة من السوق الهندية الضخمة. هذا التحول يُنظر إليه في باكستان على أنه قد يأتي على حساب العلاقات الإماراتية- الباكستانية التقليدية.

تشعر باكستان بالقلق من أن التركيز الإماراتي على الهند قد يقلل الاستثمارات في إسلام آباد، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي تواجهها. على سبيل المثال، بينما تستثمر الإمارات بكثافة في مشروعات البنية التحتية الهندية، تظل استثماراتها في باكستان محدودة نسبيًّا، مما يثير تساؤلات عن أولويات أبو ظبي، لكن الأخيرة ترى في نيودلهي شريكًا إستراتيجيًّا يمكنه دعم طموحاتها لتصبح مركزًا تجاريًّا عالميًّا، في حين تُعد باكستان سوقًا أقل جاذبية بسبب التحديات الاقتصادية والسياسية الداخلية؛ لذا يُعد قرار استضافة مباريات الهند في دوري أبطال الكريكيت 2025 في دبي حدثًا سياسيًّا يعكس التعقيدات السياسية في المنطقة، ويسلط الضوء على أهمية الرياضة كأداة للدبلوماسية، أظهرت النجاح النسبي لسياسة الإمارات المتوازنة بين الهند وباكستان، إذ تستفيد من المصالح الاقتصادية مع الدولتين، مع الحفاظ على حيادها السياسي، علمًا أن باكستان ترى تنامي العلاقات الإماراتية- الهندية بعين القلق الممزوج بالواقعية، ويتضح أن هذا التنامي جزء من إستراتيجية إماراتية أوسع لتعزيز مكانتها العالمية. في النهاية، يبقى موقف الإمارات متوازنًا ظاهريًّا، وينتهج سياسة خارجية براغماتية، لكن ميلها الاقتصادي نحو الهند قد يعيد تشكيل ديناميكيات العلاقات في جنوب آسيا والخليج سنوات مقبلة، خاصةً أن استمرار التوترات بين الهند وباكستان يبقى تحديًا يتطلب من الإمارات مرونة دائمة للحفاظ على توازن دقيق بين الطرفين.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع