وحدة الدراسات الصينية

لا سلام بلا حوار.. استدامة التسوية رهينة بالمفاوضات الروسية- الأوكرانية


  • 16 مايو 2025

شارك الموضوع

عند إعلان الرئيس الصيني شي جين بينغ، في أبريل (نيسان) 2023، تعيين ممثل خاص للحكومة الصينية لشؤون أوراسيا لزيارة أوكرانيا ودول أخرى؛ بهدف إجراء مشاورات معمّقة مع جميع الأطراف، وتعزيز التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية، شدّد على أن الحوار والمفاوضات هما السبيل الواقعي الوحيد لإنهاء النزاع. كما أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، يوم الأربعاء، أن الصين ظلت ملتزمة منذ اليوم الأول للنزاع بدفع الأطراف نحو السلام عبر الحوار. وأعادت الصين تأكيد دعمها لحلّ الأزمة من خلال التفاوض، داعية جميع الأطراف إلى تهيئة الظروف اللازمة لاستئناف المحادثات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا.

وفي هذا السياق، رحّبت بكين بالأنباء التي أفادت بعقد وفود رفيعة المستوى من روسيا وأوكرانيا لقاءً مباشرًا في إسطنبول بتركيا، وهو أول لقاء مباشر بين الجانبين منذ ثلاث سنوات؛ ما يفتح آفاقًا لإمكانية التوصل إلى وقف إطلاق النار، ويرسم مسارًا عمليًّا لتسوية الأزمة الأوكرانية من خلال الحوار والتفاوض.

وقد حضر هذه المحادثات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بمشاركة مراقبين رفيعي المستوى من الولايات المتحدة، من بينهم وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، والمبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى أوكرانيا، كيث كيلوغ، وأسفرت هذه التطورات عن تنامي الآمال بإمكانية اتخاذ خطوات لاحقة تقود إلى اختراق دبلوماسي حقيقي يُسهم في إنهاء الأزمة.

وبالنظر إلى أن آخر محادثات مباشرة معروفة بين كييف وموسكو قد جرت في تركيا وبيلاروس خلال ربيع عام 2022، فإن الزخم الإيجابي الحالي يُعدّ ثمرة جهود شاقة، ويتعين على جميع الأطراف الحرص على صونه والبناء عليه. وينبغي للطرفين المتحاربين، وكذلك الأطراف الدولية المؤثرة، إبداء حسن النية والمرونة اللازمة لتمهيد الطريق أمام تحقيق نتائج إيجابية في هذه المحادثات.

لقد أتت هذه المحادثات المباشرة بعد سلسلة من التحركات الدبلوماسية من جانب ترمب، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وزيلينسكي، خلال الأيام الماضية، فبعد أن دعا الرئيس الأوكراني، مدعومًا من حلفائه الأوروبيين، روسيا إلى الموافقة على وقف فوري لإطلاق النار 30 يومًا، في الأسبوع الماضي، اقترح الرئيس الروسي عقد مفاوضات مباشرة مع أوكرانيا في مدينة تركية.

أما ترمب، الذي قام بجولة تشمل ثلاث دول في الشرق الأوسط، فقد ألمح في البداية إلى احتمال حضوره اللقاء في إسطنبول، لكنه أعلن لاحقًا عدم مشاركته. ومع أن غياب بوتين وترمب خيّب آمال الباحثين عن مشاهد درامية، فإن انعقاد اللقاء في ذاته يظلّ حدثًا بالغ الأهمية.

وبوصفه أول تواصل مباشر بين الطرفين المتحاربين منذ ثلاث سنوات، يمثل هذا اللقاء فرصة بالغة الأهمية للطرفين للتباحث وجهًا لوجه في سُبل حلّ النزاع.

وقد تسعى الإدارة الأمريكية إلى نسب الفضل إلى نفسها في هذا التطور الإيجابي الظاهري، لا سيّما بعد أن دأبت على دفع الطرفين نحو التفاوض منذ أن أدخلت تعديلات جوهرية على سياستها عقب تولي الرئيس الحالي منصبه، غير أن هذا لا يلغي حقيقة أن هذا النزاع كان -ولا يزال- حربًا بالوكالة أشعلتها الولايات المتحدة بهدف إضعاف روسيا، تمهيدًا لتحوّل إستراتيجي في تركيزها من أوروبا نحو منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

ولا ينبغي كذلك إغفال حقيقة أن أطرافًا أخرى في المجتمع الدولي أسهمت في الدفع نحو حلّ سياسي للأزمة، من خلال دعواتها المتكررة للطرفين المتحاربين إلى اعتماد سبل التفاوض. ففي يوم الثلاثاء، أصدرت الصين والبرازيل بيانًا مشتركًا بشأن الأزمة الأوكرانية، رحبتا فيه بمقترح بوتين لفتح محادثات سلام، كما أثنتا على الاستجابة الإيجابية من جانب زيلينسكي.

وقد طرحت الدولتان مقترحًا من ست نقاط يهدف إلى تعزيز التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية، مؤكّدتين أن الحوار المباشر هو السبيل الوحيد لإنهاء النزاع، وشددتا في هذا الإطار على ضرورة عدم توسيع رقعة المواجهات، وعدم تصعيد القتال، وعدم القيام بأي استفزازات من أي طرف كان.

إن موقف الصين واضح وصريح؛ فهي تقف في صفّ السلام، وتتمسك بثبات بمبدأ دعم محادثات السلام، وهذا الموقف لم يتغير قط، فالصين لم تكن طرفًا في الأزمة الأوكرانية، ولم تتسبب في اندلاعها، وكل ما تقوم به من جهود يتم في إطار الشفافية والعلانية، وأي محاولات لتشويه موقف الصين أو تصويره على نحو مغاير للواقع، إنما تعكس نيّات سيئة تهدف إلى تقويض موقفها المبدئي وتشويه جهودها الرامية إلى إحلال السلام، من خلال تسييس الموضوع على نحو يتنافى مع الحقائق.

ويُؤمَل أن تثمر الجهود التي بُذلت -ولا تزال تُبذل- لاستئناف محادثات السلام المباشرة بين روسيا وأوكرانيا نتائج ملموسة.

إن التوصل إلى اتفاق سلام عادل ودائم وملزِم من خلال الحوار والتفاوض هو السبيل الوحيد لتحقيق تسوية مستدامة للأزمة الأوكرانية.

المصدر: صحيفة الصين اليومية (China Daily) الصينية


شارك الموضوع