إن ما يسمى “النظام القائم على القواعد” يتغير، وهناك من يعزف موسيقى الروك أند رول في أثناء هذه العملية. وإلى جانب مجموعة “بريكس بلس”، التي تعد في الواقع الشراكة الأكثر أهمية، يتعين علينا أن نأخذ في الحسبان الأصول الإستراتيجية لمنظمة شنغهاي للتعاون. لا ينبغي لنا أن نفاجَأ بعدم تغطية أعمال القمة الأخيرة في أستانا بكازاخستان في وسائل الإعلام الغربية، ليس فقط في الغرب، بل أيضًا في مختلف أنحاء أوروبا؛ لأن الغرب الجماعي لا يفهم ما هي منظمة شنغهاي للتعاون. تأسست المنظمة قبل أشهر قليلة من أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، وفي الواقع، كانت منظمة شنغهاي للتعاون تضم روسيا والصين، وثلاث دول في آسيا الوسطى، وهي في الأساس منظمة مناهضة للإرهاب، والانفصالية، والتطرف.
لقد تطورت طوال هذه السنوات من منظمة أمنية إلى التعاون الاقتصادي، وهي الآن إحدى النقاط الرئيسة في عالم متعدد الأقطاب والعقد المختلفة المترابطة، وكان هذا أكثر من واضح في قمة أستانا. حضر القمة الدول الأعضاء التسع في منظمة شنغهاي للتعاون، التي تضم بالمناسبة الهند، وباكستان، وإيران، وكانت بيلاروس الدولة العاشرة. والآن تحتفل منظمة شنغهاي للتعاون بأنها تضم عشرة أعضاء، وهذا مهم جدًّا؛ لأنه لدينا على الطاولة نفسها روسيا، والصين، والهند، وباكستان، وإيران، وبيلاروس، وأربع دول في آسيا الوسطى، وهي دول كبيرة ومؤثرة في أوراسيا.
اليوم، يمكننا أن نقول إن منظمة شنغهاي للتعاون هي المنظمة الشقيقة لمجموعة بريكس.
ترى مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون أن الغرب يتجاهل القانون الدولي، وأنه لا يمكن الاعتماد على الغرب للامتثال للنظام القائم على القواعد الذي حاول الغرب تأسيسه. ولهذا السبب، كانت إحدى نقاط المناقشة الرئيسة في أستانا الورقة التي قدمها الرئيس بوتين الشهر الماضي عن: “فكرة البنية الأمنية الجديدة على مستوى أوراسيا”، التي هي في الأساس محتوى تلك الرسائل التي أرسلتها روسيا إلى واشنطن وبروكسل في ديسمبر (كانون الأول) 2021، والتي تتحدث عن عدم تجزئة الأمن (وهو مبدأ قريب جدًّا من العقيدة الصينية أيضًا). في الأساس، يقول الروس، ويوافقهم في ذلك الصينيون والهنود أيضًا، إن النظام الدولي القائم على القواعد، الذي تأسس بشكل أساسي على حلف شمال الأطلسي- شرطي العالم المسلح- لم يعد قابلًا للتطبيق بعد الآن؛ لأنه يتمحور حول الغرب، ويتجاهل أوراسيا تجاهلًا تامًّا؛ لذا فإنهم يقترحون الآن مبدأ عدم قابلية النظام الأمني للتجزئة على مستوى أوراسيا بالكامل، حيث يُرحَب أيضًا ببلدان حلف شمال الأطلسي وأوروبا.
لا ينبغي أن ننسى أننا إذا نظرنا إلى الخريطة، فسنجد أن أوروبا هي الطرف الغربي لأوراسيا، أو شبه جزيرة في القارة الأوراسية الأوسع. ومن المنطقي أن يرتبط أمن القوى الكبرى في أوراسيا ارتباطًا وثيقًا بأمن أوروبا أيضًا.
إن الأهمية الإستراتيجية لأوروبا والبحر الأبيض المتوسط كمفتاح لعالم متعدد الأقطاب، أو كمفتاح للهيمنة الأطلسية على القارة، لا تزال ذات أهمية وتثير اهتمامًا كبيرًا لدى القيادة الأمريكية؛ لذا ليس من الممكن التخلي عن أوروبا؛ لأن ذلك يعني التخلي عن آخر مجال متبقٍ لأمريكا.
دعونا نفكر في التطور أو التغيير المحتمل للوضع. تركيا ليست عضوًا في منظمة شنغهاي للتعاون؛ بل شريك حوار، وفي أستانا، كان الرئيس التركي أردوغان ضيفًا خاصًا، وهذا يعني أنه عضو في حلف شمال الأطلسي في قمة منظمة شنغهاي للتعاون، ويبدو مهتمًا- بوضوح- بهذا المفهوم للبنية الأمنية على مستوى أوراسيا، وكان لديه لقاء ثنائي مع بوتين على هامش الاجتماع، وكان أيضًا في جميع الجلسات الرئيسة شريك حوار. الغائبون: “جميع الدول الأوروبية الأخرى”.
بالإضافة إلى ذلك، كانت أذربيجان هناك أيضًا، ومع المراقبين أفغانستان. تريد منظمة شنغهاي للتعاون أن تصبح أفغانستان عضوًا كامل العضوية في أقرب وقت ممكن، ربما في غضون العامين المقبلين، أو نحو ذل؛ لأن تطبيع أفغانستان وتحقيق الاستقرار فيها سيكونان حركة تشمل جميع أنحاء أوراسيا، وستكون روسيا هي القائدة من هذا الارتباط الدبلوماسي، وهذا شيء غير عادي.
إن أمامنا أوراسيا بكاملها، حيث تكتمل نظرية حافة الأرض (Rimland).
تعمل الجغرافيا السياسية للشراكات على تغيير رسم الخرائط التقليدية للجغرافيا السياسية الكلاسيكية تغييرًا كاملًا. لم تعد القوة المهيمنة قادرة على السيطرة على منطقة الحافة؛ لأنها لا تستطيع التنافس مع كثير من الخصوم في وقت واحد. خسارة حافة الأرض تعني خسارة المساحة الجغرافية للوصول إلى قلب الأرض. إنه أمر واقعي جدًّا؛ لأنه- ببساطة- قانون جغرافي.
إذا لم تستيقظ الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، فإنهما سيخاطران بخسارة ليس أوراسيا بكاملها فحسب؛ بل أيضًا أجزاء كبيرة من دول الأطراف في السنوات القليلة المقبلة، بسبب الطريقة التي تتحد بها أوراسيا تحت الحواف. من هذه المنظمات المختلفة المتعددة الأقطاب والأطراف: مجموعة بريكس بلس، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ومبادرة الحزام والطريق الصينية، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB)، كل هذه الكيانات تعمل معًا من أجل أوراسيا موحدة.
وربما تصبح منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس بلس كيانًا واحدًا؛ لأن الغرض من ذلك يتلخص في توفير بدائل للآليات الاقتصادية التي يسيطر عليها الغرب. إذا تابعنا سرعة كيفية تفاعلهم، وحقيقة أن لدينا أربع قوى عليا كأعضاء في كلتا المنظمتين، فمن المحتم- ببساطة- أن يجلسوا إلى الطاولة نفسها مع شيء أكثر “إستراتيجية”، مرة أخرى أقول ربما. لكن الأكيد أن مجموعة بريكس بلس ومنظمة شنغهاي للتعاون ليستا رسميًّا الشيء نفسه الخاص بحلف شمال الأطلسي، ولم تُنظّما كمنظمات عسكرية. لقد بدأت منظمة شنغهاي منظمةً لمكافحة الإرهاب والتطرف والانفصالية، وتطورت إلى منظمة تعاون جغرافي اقتصادي، كما هي عليه اليوم، ولكن لا توجد أسباب لمنع تطورها إلى منظمة عسكرية موحدة جديدة.
المصدر: مؤسسة الثقافة الإستراتيجية
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.