بعد أكثر من شهر على عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها حركات المقاومة الفلسطينية على دولة الاحتلال الإسرائيلي، تتصاعد التخوفات في المنطقة من اتساع نطاق المواجهات الحالية بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، التي بدأت بهجوم على بعض المستوطنات الإسرائيلية في غلاف قطاع غزة؛ إذ تخشى دول المنطقة من تحول تلك المواجهات إلى حرب إقليمية متعددة الأطراف، حال عدم احتواء التصعيد في قطاع غزة، لا سيما في ظل ارتكاب إسرائيل مجازر في مناطق مختلفة من القطاع، منذ بداية العدوان في السابع من شهر أكتوبر (تشرين الأول) المنصرم، كان أحدثها في اليوم الثامن والثلاثين من الحرب على غزة، حيث ارتكب جيش الاحتلال مجزرة جديدة في جباليا، بعد أن قصف مربعًا سكنيًّا قرب نادي خدمات جباليا شمال غزة؛ ما تسبب في تدمير 12 منزلًا، واستشهاد 31 فلسطينيًّا، وإصابة العشرات، في ظل مواصلة قوات الاحتلال تكثيف الغارات، واستباحة المستشفيات، وقصفها وحصارها، وقصف النازحين، واقتراف المجازر وجرائم الإبادة الجماعية، مع تصاعد عمليات التوغل البري من عدة محاور.
المفزع أن معدل قصف إسرائيل لغزة المكثف يعد معدلًا تاريخيًّا، حيث ألقت إسرائيل ما يقرب من 6000 قنبلة على القطاع في الأيام الستة الأولى للحرب، وهو معدل ذخائر يتجاوز بكثير حملات مكافحة الإرهاب الأمريكية والغربية. ونتيجة لهذا، ارتفع عدد الشهداء (حتى وقت كتابة هذه الكلمات) إلى نحو 11240 شهيدًا، بينهم 4630 طفلًا، و3130 امرأة، بالإضافة إلى نحو 29 ألف مصاب. وحال استمرار عمليات القصف الإسرائيلي الشرس على قطاع غزة، قد تتسع رقعة المواجهات لتشمل أطرافًا أخرى، خارج الأراضي الفلسطينية.
ومن ثم، تشير التحليلات إلى أن التداعيات المرتبطة بعملية “طوفان الأقصى” ستمثل نقطة فاصلة في الأمن الإقليمي والدولي، في ضوء استمرار إسرائيل في غزوها الغاشم لقطاع غزة، وهو ما قد يسفر عن تورط أطراف إقليمية أخرى في الصراع؛ ما يترتب عليه إعادة تشكيل المعادلة الإقليمية. ويتمثل أبرز تلك التداعيات في تدخل التنظيمات الإرهابية في مسار المعادلة، حيث توظف التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها تنظيما داعش والقاعدة، القضية الفلسطينية بهدف تقديم نفسها كجهة داعمة لنضال الفلسطينيين؛ ومن ثم تطرح هذه الورقة سؤالًا رئيسًا مفاده: كيف تتعامل التنظيمات الإرهابية مع عملية “طوفان الأقصى” لخدمة أجندتها الإرهابية في المنطقة؟ وكيف تستفيد إسرائيل من تنامي نشاط تلك الحركات لتبرير إرهابها في قطاع غزة؟
تتنوع أشكال الإرهاب وفقًا للقانون الدولي، ولكن أبرزها هو إرهاب الدولة، خاصة إرهاب الدولة الشمولية؛ نظرًا إلى كونه الأكثر عنفًا، والأشد خطرًا، وهو ما تفعله دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ نشأتها، حيث حوّلت قطاع غزة منذ عام 2006 إلى معسكر اعتقال لأكثر من مليوني شخص، فنظريًّا: يقوم إرهاب الدولة على ركيزتين هما: الاستخدام المنتظم للعنف ضد المدنيين المصنفين على أنهم أعداء، كوسيلة من وسائل الحرب، واستخدام العنف أو التهديد به لتحقيق أهداف سياسية أو دينية.
أما الشق التطبيقي في إرهاب الدولة في إسرائيل، فيتمثل في قتلها المدنيين، وخاصة من الأطفال والنساء، ورفضها التمييز بين المدني والعسكري داخل قطاع غزة، واستهدافها المباني السكنية، والمنشآت المدنية، ومنها المستشفيات، كقصفها مستشفى المعمداني، الذي خلّف نحو 500 شهيد من الأطفال والنساء والرجال، فضلًا عن ممارسة دولة الاحتلال العقاب الجماعي، وقطع كل الوسائل الضرورية للحياة، كالماء، والطعام، والأدوية، والكهرباء.
ومع أن إسرائيل بوصفها دولة ملزمة- وفقًا للقانون الدولي- بضمان حصول المدنيين على السلع الأساسية، وبوصفها طرفًا في الحرب يجب عليها تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، وعدم تعمد إعاقة إمدادات الإغاثة، فضلًا عن أن القانون الدولي يعتبر العقاب الجماعي المفروض على غزة منذ 16 سنة جريمة حرب، فإنها (أي إسرائيل) تتنصل من المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن قتل المدنيين، وتحمل حركة حماس المسؤولية، مع أن ذلك لا يبرر لها قتل الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني لتحقيق هدف سياسي، أو عسكري؛ لأن ذلك ينطبق عليه وصف الإرهاب.
تسعى إسرائيل من خلال دعم المنظمات المسلحة إلى القيام بعمليات إرهابية للحفاظ على تفوقها العسكري النوعي أمام أعدائها المتفوقين عدديًّا في الشرق الأوسط، وخاصة إيران، التي تدعم حزب الله وحركة حماس ضد إسرائيل، حيث تشير التقارير إلى أن عناصر في جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، جندوا أعضاء في منظمة “جند الله” (منظمة إرهابية تنشط في إقليم بلوشستان جنوب غرب باكستان) لتنفيذ هجمات في إيران. ووفقًا لوثائق “ويكيليكس”، فإن إسرائيل حاولت استخدام الجماعات الكردية، مثل بيجاك، ضد إيران.
وإلى جانب تلك الجماعات التي تسعى إلى نشر الإرهاب في المنطقة، تمتلك إسرائيل دائرة واسعة من أكثر من 60 منظمة متطرفة، تحدد السياسات العامة في دولة الاحتلال تجاه الشعب الفلسطيني؛ بهدف إبادتهم عن طريق اتباع جميع السبل التي تهدد حياة الفلسطينيين وممتلكاتهم ومقدساتهم؛ بدعم المؤسسات الأمنية والعسكرية والسياسية، وحتى التشريعية في دولة الاحتلال.
ومن أبرز هذه المنظمات التي يستهدف جزء كبير منها- على وجه الخصوص- مدينة القدس، والمسجد الأقصى المبارك:
1- إحياء الهيكل: وهي جماعة يهودية من أكثر الجماعات تطرفًا، وتسعى إلى ضم الجماعات اليهودية المهتمة بهدم الأقصى في جماعة واحدة، وتمثل الإطار العام لمعظم المنظمات المعنية بما يدعونه “جبل الهيكل”.
2- حراس الهيكل: وتضم عدة منظمات، وهي: معهد الهيكل، والحركة من أجل إنشاء الهيكل، ومدرسة الفكرة اليهودية. الهدف الحقيقي من تلك المنظمات هو تهويد الحرم القدسي الشريف، وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.
3- جماعة “شوفوبانيم”: وهي إحدى جماعات المستوطنين الداعية إلى الاستيلاء على الأراضي العربية، في فترة تصاعد عمليات مصادرة الأراضي الفلسطينية، وحمى الاستيطان الصهيوني عام 1984، وكان لهذه الجماعة دور بارز في إلحاق الأذى بأملاك المواطنين الفلسطينيين.
4- حركة كاخ (عصبة الدفاع اليهودية): من أشهر الجماعات اليهودية المعنية بهدم الأقصى، وقد تأسست عام 1972، وتبنت منظومة من الأفكار النازية التي تتوعد العرب، وتدعو إلى طردهم، وتمارس في مواجهتهم أقسى أشكال القهر، والتمييز العنصري، والإرهاب.
5- جماعة التنظيم اليهودي المقاتل “آيال”: تؤمن هذه الجماعة- كغيرها من جماعات الإرهاب الأصولي اليهودي- بقدسية (أرض إسرائيل الكاملة)، وتكفر من يجرؤ على التنازل عما تراه حقًّا توراتيًّا لا رجعة فيه، وتعتبره مرتدًا وجب قتله.
6- أمناء الهيكل: تأسست عام 1982، وهي المنظمة الأقدم التي نشطت في اقتحامات الأقصى، وملف الهيكل المزعوم، واشتهرت منذ انطلاقها باقتحامات المسجد الأقصى، اقتحامًا فرديًّا أو جماعيًّا بأعداد قليلة، حيث كانت تخطط وتدعو إلى وضع حجر داخل الأقصى؛ كخطوة رمزية للبدء ببناء الهيكل، لكنها فشلت. وأشهر هذه المحاولات كانت وضع حجر الأساس عام 1990؛ ما تسبب في مجزرة الأقصى.
7- حركة “نساء من أجل الهيكل”: منظمة نسائية تأسست عام 2001، وعملت عند انطلاقها على جمع الحلي الذهبية والأحجار الكريمة استعدادًا لبناء الهيكل المزعوم. ومنذ عام 2010، نشطت هذه المنظمة في اقتحامات منظمة للمسجد الأقصى بمشاركة الأطفال. ويبرز نشاطها بتشجيع العرائس اليهوديات على اقتحام الأقصى في يوم الزفاف، كجزء من شعائر الزواج اليهودية.
8- جمعية “عطيرا اليوشنا”: تعد هذه الجمعية من أخطر المؤسسات والحركات الاستيطانية العاملة داخل أسوار مدينة القدس، وقد أنشئت عام 1979 بهدف استرجاع الاستيطان اليهودي في أحياء القدس القديمة وبعثه وتجديده؛ من خلال خمس مراحل هي: تحديد مواقع الممتلكات اليهودية السابقة في القدس، وشراء الممتلكات في القدس واستئجارها، وإخراج المستأجرين الفلسطينيين من العقارات، وتجميد الممتلكات بعد الاستيلاء عليها وإعادة بنائها، واختيار عائلات يهودية وإسكانها في الأبنية التي تم الاستيلاء عليها.
9- منظمة “لاهافا”: وهي منظمة يهودية يمينية متطرفة، أُسست عام 2010، وتدعو- صراحةً وعلنًا- إلى طرد جميع العرب من أرض فلسطين التاريخية، وإلى تفكيك قبة الصخرة من أجل تدشين “الهيكل” المزعوم، في ساحات المسجد الأقصى.
تفرض الحرب القائمة بين دولة الاحتلال والفصائل الفلسطينية عددًا من السيناريوهات التي ترتبط بمدى تنامي ظاهرة الإرهاب في المنطقة من جراء الحرب الدامية بين الطرفين، يتمثل أبرزها في:
1- سيناريو استهداف إسرائيل:
ينبثق هذا السيناريو من دعم أغلب التنظيمات الإرهابية لعملية “طوفان الأقصى”، بداية من تنظيم القاعدة، حيث أصدر تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية بيانًا يشيد من خلاله بكتائب القسام، ثم تبعه بعد ذلك تنظيم القاعدة في اليمن، كما أصدرت حركة الشباب الصومالية بيانًا لدعم العملية، وأصدر كل من تنظيم “قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي”، وجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” بيانًا مشتركًا يشيد بدور “جند الأقصى”، و”كتائب القسام”، فيما أثنى بيان القيادة العامة لتنظيم القاعدة على دور المجاهدين في فلسطين، مؤكدًا أن الطوفان القادم من أبطال الإسلام سينسي إسرائيل وأمريكا عملية سبتمبر 2001.
الجدير بالاهتمام في دعم تلك التنظيمات الإرهابية لعملية “طوفان الأقصى”، تأكيدها أن إسرائيل ستكون هدفًا مباشرًا للتنظيمات الإرهابية، حيث أجمعت تلك التنظيمات على أن السبيل الوحيد لتحرير الأمة الإسلامية من براثن أنظمة الكفر المتمثلة في إسرائيل والولايات المتحدة هو الجهاد في سبيل الله، واستهداف الداخل الإسرائيلي.
أما تنظيم داعش فلم يعقب بوضوح على العملية، بل اكتفت افتتاحية صحيفة “النبأ” بدعمها للنضال الفلسطيني، حيث لطالما كان موقف إسرائيل من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ملتبسًا، إلى درجة دفعت كثيرًا من المراقبين إلى اعتبار داعش صنيعة المخابرات الإسرائيلية، حيث ظلت إسرائيل بمنأى عن هجوم ممارسات تنظيم داعش سنوات طويلة روع فيها التنظيم دولًا كثيرة في الإقليم، لكن في عام 2022 تبنى التنظيم أول هجوم مباشر في إسرائيل، حيث قتل أربعة إسرائيليين في مدينة بئر السبع بالنقب، ونُفِّذَت عملية إطلاق نار في الخضيرة جنوب حيفا، وأدت إلى مقتل إسرائيليين اثنين.
يدلل على هذا؛ بدء داعش بتنفيذ مزاعمها بشأن استهداف إسرائيل، بالإضافة إلى عداء التنظيم للنظام الدولي، وأن أهدافه الأساسية تحرير المقدسات؛ لذا من المرجح أن يستغل التنظيم الغضب العربي من انتهاكات دولة الاحتلال الغاشمة في قطاع غزة، ويهاجم إسرائيل، أو على الأقل يستهدف مصالحها ومواطنيها في دول المنطقة؛ ليحسن صورته لدى المجتمع العربي، ويقدم نفسه على أساس أنه حركة مقاومة مسلحة، وليس تنظيمًا إرهابيًّا.
ورغم التهديد الذي قد يفرضه داعش خلال الفترة المقبلة على إسرائيل، فإن دولة الاحتلال ستظل تتخوف من أن يضعها الوضع الراهن والمحتمل مع مواجهة مباشرة مع حزب الله، حيث ترى أجهزة المعلومات الإسرائيلية أن خطر داعش أيسر من خطر حزب الله، إذ تنظر إلى الحزب على أنه امتداد للشبكة الدولية لتنظيم القاعدة؛ ونتيجة لهذا قد تتحول الميليشيات الإيرانية في سوريا باتجاه الحدود السورية مع لبنان أو هضبة الجولان، استعدادًا لإمكانية تنفيذ عمليات أو هجمات ضد إسرائيل، وفقًا لتطورات الموقف وتصاعد الأزمة في غزة، وصدور قرار من إيران، بطبيعة الاشتباك مع إسرائيل وحدوده.
يدعم حدوث هذا السيناريو تحذير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في الرابع والعشرين من أكتوبر المنصرم، إيران وحلفاءها من الدخول في تلك الحرب، بل إنه دعا حزب الله والحوثيين في اليمن إلى عدم المجازفة بفتح جبهات جديدة للصراع، إذ تكشف تلك التصريحات الخوف الأوروبي من تنامي النشاط الإرهابي في المنطقة من جراء الحرب الغاشمة على قطاع غزة، وخاصة الخوف من استهداف دولة الاحتلال الإسرائيلي.
2- سيناريو التسوية
يدلل على سيناريو تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سعى الدول العربية والغربية منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر المنصرم، حيث انعقدت المشاورات العربية- العربية، والعربية- الغربية؛ بهدف وقف إطلاق النار، وتسوية النزاع، وكان أبرز تلك المناقشات بشأن مستقبل القضية الفلسطينية: قمة القاهرة للسلام التي انعقدت في الحادي والعشرين من أكتوبر، بمشاركة 30 دولة، إلى جانب المنظمات الإقليمية والدولية؛ بهدف توفير ممر آمن وعاجل لتقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في قطاع غزة، وتأكيد الرفض القاطع لأي محاولات ترمي إلى تصفية القضية الفلسطينية على أساس دعوات النزوح، أو سياسات التهجير.
وأعقبها الجولة الفرنسية للرئيس إيمانويل ماكرون في الأردن، ومصر، وإسرائيل، التي هدفت إلى استئناف عملية فعلية للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتقديم مقترحات عملية قدر الإمكان لمنع التصعيد، وإطلاق سراح الرهائن، وضمان أمن إسرائيل، والعمل على تحقيق حل الدولتين؛ ما مثّل نقطة تحول مهمة، ليس فقط في الخطاب الفرنسي، وإنما في الموقف الأوروبي بأسره، خاصة في ظل الدور القيادي الذي باتت باريس تؤديه في دعم أمن المنطقة واستقرارها.
فضلًا عما سبق، جاء قرار الأمم المتحدة بأغلبية 120 عضوًا يدعو إلى هدنة إنسانية فورية دائمة ومستدامة، تفضي إلى وقف الأعمال العدائية، وتوفير السلع والخدمات الأساسية للمدنيين في شتى أنحاء غزة فورًا، وبدون عوائق، في إطار الدورة الاستثنائية الطارئة العاشرة للجمعية العامة، غير أن 14 عضوًا عارضوا القرار، فيما امتنع 45 عن التصويت من أصل 193 عضوًا في الجمعية العامة، ما يمثل مقياسًا مهمًّا للرأي العالمي تجاه تسوية القضية الفلسطينية.
كل تلك الجهود لتسوية الصراع، قد تنعكس على نشاط الحركات الإرهابية في المنطقة، وانتقالها إلى ساحات صراع أبعد من ساحاتها التقليدية؛ ومن ثم في حال نجاح هذا السيناريو، ستقوض أنشطة الحركات الإرهابية، وخاصة تنظيمي القاعدة وداعش في المنطقة، بل قد يؤدى تقييد نشاط حركات المقاومة الفلسطينية إلى انتهاج سياسة متشددة ضد الحركات الإرهابية، وقد تسعى الدول الغربية إلى تدشين تحالف جديد لمكافحة الإرهاب، يضم الدول والحركات التي تؤيد حق الجانب الفلسطيني في الدفاع عن أرضه، وقد يجعل الحركات الإرهابية تتراجع عن أعمالها الإرهابية فترة.
3- سيناريو التصعيد الشامل في المنطقة
تشير التطورات الأخيرة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى استمرار الحرب الدائرة بين الطرفين، خاصة في ظل انقسام القوى الإقليمية والدولية بشأن دعم جانبي الصراع؛ فبينما تدعم روسيا والصين وإيران وتركيا الجانب الفلسطيني، وترفض إرهاب إسرائيل وحقها المزعوم في الدفاع عن نفسها، تؤيد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها من الدول الغربية، وعلى رأسهم فرنسا وبريطانيا، حق إسرائيل في الدفاع عن دولتها المزعومة، وقد تجلى هذا في مشروع القرار المقترح من الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي المؤيد لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، والمطالِب إيران بالتوقف عن تصدير الأسلحة إلى الميليشيات والجماعات الإرهابية التي تهدد السلام والأمن في أنحاء المنطقة، بعد أن استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد نص صاغته البرازيل كان يدعو إلى هدنة إنسانية في الصراع بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، للسماح بدخول المساعدات إلى غزة.
ولعل وضوح موقف الدول الإقليمية والدولية إزاء أطراف الصراع، يعزّز سيناريو استهداف التنظيمات الإرهابية للدول المؤيدة لإسرائيل ومصالحها في المنطقة، واتساع مدى العمليات الإرهابية لتشمل ساحات جديدة في ضوء صعوبة فرض السيطرة على الدول الواقعة في محيط إسرائيل؛ ومن ثم صعوبة استهدافها، فضلًا عن هيمنة فصائل المقاومة الفلسطينية المحلية على مشهد الصراع مع إسرائيل، وحرصها على منع التنظيمات الإرهابية من إقحام نفسها في الأراضي الفلسطينية.
رغم تأكيد مختلف الأطراف الإقليمية والدولية السعي إلى احتواء التصعيد، وعدم انخراط أطراف إقليمية أخرى في المواجهات بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، فإن ثمة مؤشرات تزيد احتمالات اتساع نطاق المواجهات، وترجّح حدوث السيناريو المرتبط بالتصعيد الشامل في المنطقة، لا سيما في ظل صعوبة تحويل تنظيمي القاعدة وداعش خطابهما الداعم لفلسطين إلى عمليات تستهدف الداخل الإسرائيلي، وتتمثل تلك المؤشرات فيما يلي:
1- نشاط الميليشيات الموالية لإيران في سوريا: بدأت الميليشيات الموالية لإيران بإعادة الانتشار منذ بدء عملية “طوفان الأقصى”، خاصةً مع سحب بعض العناصر من مناطق دير الزور، والبوكمال، والميادين، وتداولت بعض التقارير أن الميليشيات الإيرانية في سوريا فتحت الباب أمام تطوع نحو ألف عنصر من مناطق نفوذها وسيطرتها في سوريا، مقابل مبلغ مالي.
وبالنظر إلى انشغال الميليشيات الإيرانية حال اندلاع مواجهات مع إسرائيل، حيث سحب حزب الله عناصره من مواقع انتشارها في سوريا باتجاه الحدود السورية- اللبنانية؛ لذا فإن تنظيم داعش، بفعل انتشار عناصره في نطاق انتشار بعض الميليشيات الشيعية، وتحديدًا باتجاه دير الزور، ومناطق البادية السورية، قد يستغل تراجع أعداد تلك الميليشيات، وهو ما من شأنه أن يتيح مساحة أكبر لتحرك عناصره بحرية أكبر.
2- القصف المستمر على الحدود السورية: بالإضافة إلى التوترات على الحدود الجنوبية للبنان، والقصف المتبادل بين حزب الله وبعض الفصائل الفلسطينية من جانب، وإسرائيل من جانب آخر، فإن الجبهة السورية شهدت أيضًا توترات، وإن كانت بدرجة أقل، إذ أطلقت أطراف مجهولة قذائف هاون باتجاه هضبة الجولان، وردت إسرائيل بقصف مدفعي لمناطق إطلاق القذائف.
3- معدل العمليات الإرهابية في المنطقة: رغم تراجع النشاط العملياتي لتنظيمي القاعدة وداعش خلال العام الجاري، وفقًا لتقرير المخابرات الأمريكية في أبريل (نيسان) 2023، بأن معدل النشاط لتنظيم داعش خلال الربع الأول من العام الجاري تراجع مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022، فإن نشوب مواجهات موسعة في المنطقة، ودخول الجبهة السورية واللبنانية على خط المواجهة مع إسرائيل، قد يسهم في زيادة معدل عمليات التنظيم، واستعادة نفوذه.
4- موقف تنظيمي القاعدة وداعش من القضية الفلسطينية: تشكل مسألة تحرير القدس إحدى ركائز تأسيس لتنظيم القاعدة، إذ كانت القضية الفلسطينية حاضرة بقوة في خطابه الدعائي منذ تدشينه، لكن سجل هجماته ضد إسرائيل ضعيف مقارنة بعملياته في دول أخرى، وهو ما برره التنظيم بأن اتفاقيات السلام المبرمة بين إسرائيل وكثير من جيرانها العرب، تجعل من الصعب على عناصر التنظيم اختراق الحدود الإسرائيلية.
وبهذا المعنى، فإن التنظيم يمنح الأولوية لإسقاط الأنظمة المحلية حتى يتمكن من تدشين نقطة انطلاق لهجمات مستقبلية ضد إسرائيل، لا سيما أن بيان القيادة العامة للتنظيم جاء محرضًا على استهداف كل ما هو “صليبي وصهيوني وإسرائيلي في حرب مفتوحة”، خاصة أن عملية “طوفان الأقصى” أحدثت ضجة إعلامية تشابه ما أحدثته أحداث 11 سبتمبر 2001؛ ومن ثم فإن التنظيم بأفرعه في احتياج إلى عملية ضخمة يوازن بها ما أحدثته حماس، حتى يستعيد تفرده في تهديد الغرب.
أما تنظيم داعش، فإن القضية الفلسطينية لم تحتل مكانة بارزة في دعايته، وذلك مع أن إسرائيل والجاليات اليهودية تُذكَر بانتظام ضمن قائمة أعدائه، لكنه سيستغل تحول الاهتمام الدولي إلى المشهد في غزة من أجل بناء هياكله التنظيمية في الساحات ذات الأولوية له، وعلى رأسها إفريقيا، حيث سيوظف القضية الفلسطينية لتبرير هجماته هناك.
ومن هذا، فإن محصلة القول هي أن المؤشرات السابقة لا تجزم باتساع نطاق الصراع في منطقة الشرق الأوسط، لكنها تشير إلى تصاعد التوترات في المنطقة، على خلفية استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة. وفي حال اتساع دائرة الصراع المسلح، فإن التنظيمات الإرهابية، مثل داعش، والقاعدة، والجماعات الإسلاموية الموالية لهما، قد تستفيد من هذا السيناريو في استغلال القضية الفلسطينية بتوسيع النفوذ، سواء في مناطق سيطرتها التقليدية، أو من خلال خلق ساحات جديدة للصراع، وضمان الدعم اللوجستي لقواتها هناك.
ما ورد في المقالة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.