جدد الرئيس الأمريكي السابق، والمرشح الجمهوري للانتخابات الأمريكية المقبلة دونالد ترمب، تأكيد سعيه إلى بناء “قبة حديدية” لحماية الولايات المتحدة من صواريخ الأعداء، على غرار “القبة الحديدية” التي تستخدمها إسرائيل لإسقاط واعتراض كل أنواع الصواريخ الطويلة والمتوسطة والقصيرة المدى عبر ثلاث طبقات دفاعية، هي “صواريخ تامير” لإسقاط الصواريخ القصيرة المدى، ومنظومة “مقلاع داود” التي تعترض الصواريخ المتوسطة المدى، و”منظومة أرو” الإسرائيلية التي تعترض وتدمر الصواريخ البعيدة المدى، واستخدمت إسرائيل هذه المنظومات الثلاث لاعتراض صواريخ كروز، والصواريخ البالستية، والطائرات المسيرة التي أطلقتها إيران على إسرائيل في 13 أبريل (نيسان) الماضي.
وينص البند الثامن من برنامج المرشح الجمهوري، الذي يتكون من 20 بندًا، على أن منع الحرب العالمية الثالثة، ووقف الحرب الروسية الأوكرانية، وعدم تكرار الحرب في الشرق الأوسط، تتطلب أن يكون لدى الولايات المتحدة “درع دفاعية صاروخية” تكون بمنزلة “القبة الحديدية” فوق الولايات المتحدة، كما أن مؤسسة هيرتاج التي قدمت مشروع 2025، وهي مؤسسة جمهورية، تجعل “الدرع الصاروخية” أولوية قصوى للولايات المتحدة، وتنظر إلى الوضع الأمريكي الحالي باعتباره موروثًا من أيام الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلينتون، الذي ترك البلاد مكشوفة بدون “درع أو قبة حديدية” تحميه، وفق اتهامات الجمهوريين، ويعتقد مستشارو ترمب العسكريون أنه يمكن توظيف التكنولوجيا الحديثة لبناء “قبة حديدية” أمريكية لا تزيد تكلفتها على 150 مليار دولار.
لكن على الجانب المعارض، يعتقد الديمقراطيون أن مشروع “القبة الحديدية” الذي يتبناه ترمب، ما هو إلا “خدعة جديدة” من جانب الجمهوريين؛ لأنه سبق للرئيس الجمهوري الراحل دونالد ريجان التفكير في الأمر، لكنه فشل في ذلك منذ 30 عامًا، عندما اقترح عام 1983 بناء “منظومة دفاع صاروخي إستراتيجية”، تكلفت حينذاك 415 مليار دولار، وعشرات الآلاف من العمال والمهندسين “دون جدوى”؛ لأنه عند اختبار هذه المنظومات نجحت بنسبة 50 % فقط في ألاسكا وكاليفورنيا بعد إطلاق 44 صاروخًا، ويرفض هؤلاء أيضًا نشر منظومة “القبة الحديدية” الإسرائيلية في الولايات المتحدة؛ لأنها سوف تكون عالية التكلفة؛ فالولايات المتحدة تحتاج لحماية أرضيها بالكامل إلى نحو 24700 بطارية “قبة حديدية” إسرائيلية تكلفتها تصل إلى نحو 2.4 تريليون دولار، ويصل الأمر بالمعارضين إلى رفض فكرة “قبة الليزر” من الفضاء، ويقولون إن فكرة الدفاع عن الأراضي الأمريكية من الفضاء لم تثبت جدواها أيضًا، وتأتي هنا الإشارة إلى منظومة “الحصى اللامعة” التي حاولت الولايات المتحدة بناءها عام 1995، والتي كانت فكرتها تقوم على بناء “ردع صاروخي في الفضاء” لاعتراض أي صواريخ قادمة على الأراضي الأمريكية، لكن ثبت فشل الفكرة تمامًا، فما رؤية ترمب والجمهوريين لبناء “قبة حديدية” أمريكية؟ وهل تستطع المعوقات المالية والتكنولوجية وقف المشروع؟ وما خيارات ترمب حال فشل مشروع “القبة الحديدية” للولايات المتحدة؟
عندما تعرضت إسرائيل لخسائر فادحة في البنية التحتية والمعدات والجنود، وعدد كبير من المدنيين في حرب صيف عام 2006 مع حزب الله، فكرت في تطوير نظام دفاعي قادر على التعامل مع المقذوفات المختلفة التي يرسلها حزب الله، خاصة “صواريخ الكاتيوشا” التي أطلق حزب الله منها نحو 4000 صاروخ عام 2006، وأجبرت نحو 250 ألف إسرائيلي على ترك بيوتهم، وتجددت الحاجة إلى بناء منظومة “القبة الحديدية” عام 2008 عندما أطلقت المقاومة الفلسطينية من غزة نحو 4000 صاروخ، و4 آلاف أخرى من الهاون، لكن استخدام كتائب القسام بعد ذلك “صواريخ غراد” عيار 122 ملم، ووصول تلك الصواريخ إلى نحو مليون إسرائيلي، جعل إسرائيل- بالشراكة مع شركة ريثينون تكنولوجيز الأمريكية- تحسمان أمرهما وتبدآن ببناء منظومة “القبة الحديدية”، وبدأت تل أبيب عمليًّا باختبار تلك المنظومة في فبراير (شباط) 2007 عبر وحدة متنقلة، كما تم تطويرها وتحسينها واختبارها في مارس (آذار) 2009، وكان أغسطس (آب) 2009 هو أول تاريخ تؤسس فيه إسرائيل وحدة في الجيش الإسرائيلي لتشغيل منظومة “القبة الحديدية”، لكن أول نشر للمنظومة بشكل كامل، وبالشكل الذي نراه اليوم كان عام 2011، ولدى إسرائيل اليوم نحو 10 أنظمة كاملة “للقبة الحديدية”؛ لأن البطارية الواحدة تستطيع حماية مدينة متوسطة الحجم مثل حيفا، وبداية من عام 2016 استثمرت الولايات المتحدة أكثر من 7 مليارات دولار في “القبة الحديدية”؛ لأن تكلفة إنتاج الصاروخ الواحد تتراوح بين 40 و50 ألف دولار.
تسخر كامالا هاريس، والمرشح للنائب معها تيم ويلز، من خطة ترمب التي يسعى من خلالها إلى بناء “قبة حديدية” تحمي الأراضي الأمريكية، لكن الجمهوريين يقولون إن لديهم خيارات عدة لحماية الأراضي الأمريكية، وعدم تركها مكشوفة، وأبرز تلك الخيارات التي يتحدثون عنها هي:
أولًا: الاستعانة “بالقبة الحديدية” الإسرائيلية
يتحدث ترمب والجمهوريون كثيرًا عن “القبة الحديدية” الإسرائيلية، ويمكن الاستفادة من فكرتها القائمة على 3 طبقات دفاعية (قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى)، وليس شرطًا أن تُستخدَم الصواريخ الإسرائيلية مثل “أرو”، أو “مقلاع داود”؛ بل يمكن استخدام الصواريخ الأمريكية المعروفة بمدياتها المختلفة، لكن الواضح أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أعادت الاهتمام الأمريكي بمنظومة “القبة الحديدية” التي نجحت رغم عيوبها الكثيرة في التصدي لنحو 90 % من الصواريخ والمسيرات التي أطلقها حزب الله والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، وسبق للقوات البحرية الأمريكية التخطيط عام 2023 لشراء 3 بطاريات من منظومة “القبة الحديدية” التي تضم 44 منصة تستطيع إطلاق 1840 صاروخ تامير، وكان هدف البحرية الأمريكية التي تطلق على هذه المنظومة “سكاي هانتر” هو حماية معسكراتها وأصولها من صواريخ “الكروز”، والطائرات المسيرة، والقذائف التي تنطلق من على بعد 70 كم، لكن في الوقت نفسه سبق للجيش الأمريكي أن تخلى عن استخدام منظومة “القبة الحديدية” قبل عامين عندما قال مسؤولون أمريكيون في قطاع الدفاع إن لديهم بدائل أمريكية “أكثر ملاءمة” لطبيعة التحديات العسكرية التي تواجه الولايات المتحدة، ومنها الصواريخ البعيدة المدى التي يمكن أن تُطلَق على المدن والولايات المختلفة عبر المحيط الهادئ، ومن هذا المنطلق أعادت الولايات المتحدة 3 منظومات من “القبة الحديدية” إلى إسرائيل، ومعها نحو 200 صاروخ “تامير” عام 2021 بعد أن تأكد لها عدم ملاءمة “القبة الحديدية” للأخطار العسكرية للولايات المتحدة، وتأكد ذلك عندما اختُبِرَت “القبة الحديدية” الإسرائيلية في “جزيرة جوام” في المحيط الهادئ، وفي الوقت نفسه، وقع اختيار الجيش الأمريكي قبل 3 سنوات على منظومة دفاعية أخرى أطلق عليها منظومة “الدرع الدائمة” التي تنتجها شركة “ليدوس”، ومع ذلك كله، لم ينشر الجيش الأمريكي أيًّا من المنظومتين (القبة الحديدية، والدرع الدائمة) حتى الآن، وتخلى عن “القبة الحديدية” بسبب بعض العيوب، ومنها أن المسرح العملياتي للأراضي الأمريكية يختلف تمامًا عن إسرائيل التي لا تزيد مساحتها على 13 ألف كم، في حين أن الأراضي الأمريكية تزيد على 7.5 مليون كم، ويحميها المحيطان الأطلسي والهادئ.
ثانيًا: التكنولوجيا الجديدة
قال ترمب- أكثر من مرة- إن التكنولوجيا لم تساعد الرئيس الأسبق ريجان على بناء “الدرع الصاروخية” عام 1983، لكن اليوم، ومع تطورات الذكاء الصناعي، يمكن لأمريكا أن تبني “قبة حديدية” أرخص بكثير مما كان عليه الأمر في عهد ريجان، وفي الوقت نفسه تكون أكثر فاعلية من خطة “الحصى اللامعة” التي اعتمدت على الليزر، لكن غالبية مراكز الأبحاث الدفاعية الأمريكية أقرت بأن تكنولوجيا الليزر الحالية تستطيع أن يتم العمل بها في المديات القصيرة والمتوسطة فقط، وهو ما سوف تعمل به إسرائيل بداية من عام 2027، لكن لا يزال التحكم في أنظمة الدفاع التي تقوم على إرسال أشعة الليزر لتدمير الأهداف البعيدة “صعبًا جدًّا” من الناحية التكنولوجية حتى الآن.
ثالثًا: تعزيز القدرات النووية
وهو هدف عمل عليه ترمب كثيرًا في ولايته الأولى، بعد أن خصص في كل ميزانية سنوية نحو 100 مليار دولار لتطوير الأسلحة النووية الأمريكية وتحديثها، وردد ترمب حينئذ شعار “الأمان النووي” الذي يقول إن تفوق الولايات المتحدة في مجال الأسلحة النووية هو الردع الحقيقي، والجدار العالي أمام نشوب أي صراعات، إقليمية أو دولية، وتحتل الولايات المتحدة المرتبة الثانية في حيازة الأسلحة النووية بعد روسيا. ووفق عدد من المصادر الأمريكية، فإن واشنطن، منذ ولاية ترمب الأولى، طورت وحدثت بالفعل مئات من القنابل النووية.
رابعًا: القواعد العسكرية في الخارج
يعتقد بعض الجمهوريين أن القواعد العسكرية الأمريكية البعيدة عن الأراضي الأمريكية هي “درع دفاعية متقدمة” عن البلاد، لكنَّ هناك شكوكًا في رغبة ترمب في دعم 800 قاعدة عسكرية أمريكية كبيرة، وآلاف النقاط والقواعد الصغيرة في العالم، التي بها نحو 210 آلاف جندي أمريكي.
خامسًا: تطوير الأسلحة الأمريكية الحالية
وهي أسلحة ذات قدرات عالية، سواء في الهجوم أو الدفاع، مثل منظومات باتريوت، وهيمارس، وغافلين، وستينغر، مع طائرات “إف 15 و16 و22 و35”. ووفق تغريدات ومنشورات سابقة لمؤيدي ترمب، فإن ترمب سوف يدعم ميزانية الدفاع الأمريكية في أول ميزانية له إذا فاز في انتخابات 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل لتصل إلى نحو تريليون دولار.
سادسًا: تعزيز الشراكات العسكرية
وهو أمر عمل عليه الرئيس الحالي جو بايدن، لكن الحديث القاسي من جانب ترمب عن حلفاء أمريكا، وأنهم يستغلون الولايات المتحدة، يقلل فرص نجاح هذا المسار، مع أن حلفاء الولايات المتحدة، مثل بريطانيا، واليابان، وإيطاليا، وحتى السويد، لديهم صناعات عسكرية يمكن تطويرها بقوة مع الولايات المتحدة.
الواضح أن خطة ترمب لبناء “قبة حديدية” لكل الأراضي الأمريكية على غرار “القبة الحديدية” الإسرائيلية تواجه مشكلات جدية، سواء من حيث التشغيل والتكنولوجيا، أو من حيث التمويل والحاجة إلى تريليونات الدولارات، وهو ما يقول إن فكرة “القبة الحديدية” يمكن أن تكون على شاكلة “الجدار الفاصل” مع المكسيك، فترمب، عن طريق شراء وتصنيع أنظمة دفاع جوي وصاروخي جديدة، يستطيع القول إنه بنى “قبة حديدية”، في حين سيظل معارضوه الديمقراطيون ينعتون كل فكرة يتحدث عنها بالسخيفة، والفاشلة.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.