تسعى حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى إقرار قانون يهدف إلى منح السلطات الهندية سيطرة واسعة على آلاف المواقع الإسلامية، ومنها الممتلكات التي تديرها الأوقاف الإسلامية. يأتي هذا القانون في سياق تعديل قانون الأوقاف لعام 1995، وهو ما أثار جدلًا كبيرًا داخل الهند، وعلى الساحة الدولية. ويأتي هذا القانون في إطار سياسة داخلية تهدف إلى تعزيز الهوية القومية الهندوسية التي يتبناها حزب “بهاراتيا جاناتا”، لكن ما يجعل هذا الحدث ذا أهمية دولية هو تداعياته المحتملة على العلاقات مع الدول الإسلامية، والتوازن الجيوسياسي في المنطقة.
يشمل القانون السيطرة على أكثر من (872,351) عقارًا تابعًا للأوقاف الإسلامية، تشمل مساجد، ومدارس دينية، وأضرحة، وأراضي شاسعة تبلغ مساحتها أكثر من (940,000) فدان، بقيمة تقديرية تصل إلى (1.2) تريليون روبية (نحو 14.22 مليار دولار). وتقول الحكومة الهندية إن التعديلات تهدف إلى “تعزيز الشفافية والكفاءة” في إدارة هذه الممتلكات، ومعالجة الفساد المزعوم في مجالس الأوقاف، بالإضافة إلى تلبية مطالب بـ”الإصلاح” من داخل المجتمع المسلم نفسه. كما يسعى القانون إلى إعادة تقييم ملكية هذه العقارات من خلال إجراءات تسجيل جديدة، وتحقيقات حكومية.
يقترح القانون إلزامية إدراج عضوين غير مسلمين في مجلس الأوقاف المركزي، ومجالس الأوقاف على مستوى الولايات، وهو تغيير جوهري عن التركيبة الحالية التي تضم ممثلين مسلمين فقط من السياسيين والعلماء والمحامين. ويلغي القانون مفهوم “الوقف بالاستخدام”، وهو بند في قانون 1954 يعترف بالممتلكات التي استُخدمت تاريخيًّا لأغراض دينية كأوقاف؛ مما يثير مخاوف بشأن مصير كثير من المساجد والمقابر القديمة. ويُلزم القانون مجالس الأوقاف بتسجيل جميع ممتلكاتها لدى سلطات المقاطعات (الجامعين الإداريين) التي ستقرر ما إذا كانت هذه الممتلكات تُعد أوقافًا شرعية أم لا؛ مما يقلص سلطة المجالس نفسها. ويمنح القانون الحكومة سلطة التحقيق في ملكية أي عقار يُدعى أنه وقف، مع إمكانية استرداد الأراضي التي تُعد “مُعتدى عليها”، أو غير موثقة توثيقًا صحيحًا.
القانون، المعروف رسميًّا باسم “قانون تعديل الأوقاف 2024″، قُدِّم في البرلمان في أغسطس (آب) 2024، وأُحيل إلى لجنة برلمانية مشتركة للمراجعة. اعتمدت اللجنة التقرير النهائي في ديسمبر (كانون الأول) 2024، مع تعديلات من تحالف الحكومة الوطني الديمقراطي، ومن المتوقع إقراره في أبريل (نيسان) 2025 خلال جلسة برلمانية. وحذرت جماعات مسلمة، مثل “مجلس قانون الأحوال الشخصية لعموم الهند”، وأحزاب معارضة مثل حزب الكونغرس، و”مجلس اتحاد المسلمين”، من أن القانون يُعد “تدخلًا في الشؤون الدينية”، و”انتهاكًا للحقوق الدستورية”، محذرين من أنه قد يُستخدم لمصادرة أراضي المسلمين، في حين يرى أعضاء حزب “بهاراتيا جاناتا” أن القانون سيضمن الشفافية، ويحد من التجاوزات في إدارة الأوقاف، ويصفونه بأنه “خطوة حديثة” لتوحيد إدارة الممتلكات الدينية.
يأتي هذا القانون في ظل سعي حزب “بهاراتيا جاناتا” إلى تعزيز أجندته القومية الهندوسية، التي تشمل مشروعات مثل إلغاء الحكم الذاتي لكشمير (2019)، وبناء معبد رام في أيوديا (2024). ويُنظر إليه على أنه جزء من إستراتيجية أوسع لإعادة تشكيل الهوية الهندية؛ مما يثير تساؤلات عن تأثيره في التنوع الديني والعلمانية بالبلاد. وتسعى الهند من خلال القانون إلى إعادة صياغة السرد التاريخي للهند؛ مما قد يثير توترات داخلية مع الأقليات الدينية، خاصة المسلمين الذين يشكلون نحو (14%) من سكان البلاد. في الوقت نفسه، أثارت هذه الخطوة ردود فعل متباينة على الساحة الدولية؛ إذ رأت بعض الدول الإسلامية، مثل باكستان، أنها تحمل طابعًا “معاديًا للإسلام”. وقد صرح وزير الخارجية الهندي إس جايشانكار، خلال زيارته لبريطانيا، أن موقف الهند ثابت تجاه قضايا مثل التعامل مع الصين وباكستان؛ مما يشير إلى أن هذا القانون قد يكون جزءًا من إستراتيجية أوسع لتأكيد الهيمنة الإقليمية.
القانون المقترح قد يعقد العلاقات الهندية- الخليجية (الإسلامية) التي تشهد تناميًا، لا سيما مع المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر. وخلال مطلع 2025، أعلنت الهند خططًا لمضاعفة التبادل التجاري مع قطر إلى 28 مليار دولار خلال خمس سنوات، لكن القانون قد يُنظر إليه على أنه خطوة معادية للمصالح الإسلامية؛ مما يعرض هذه العلاقات للخطر؛ فدول الخليج، التي تستضيف ملايين العمال الهنود، قد تمارس ضغوطًا دبلوماسية، أو تتردد في توسيع التعاون الاقتصادي. وفي عام 2022، أثارت تصريحات مسيئة من مسؤول في حزب “بهاراتيا جاناتا” ضد النبي محمد صلى الله عليه وسلم احتجاجات في دول الخليج؛ مما دفع الهند إلى احتواء الأزمة سريعًا. القانون المقترح قد يُشعل أزمة مماثلة، خاصة إذا اعتبرته هذه الدول تهديدًا للممتلكات الدينية الإسلامية.
ويمكن أن يُنظر إلى القانون على أنه إشارة إلى تصاعد التوجهات القومية الهندوسية على حساب التنوع الديني الذي لطالما روجت له الهند بوصفه قوة ديمقراطية عالمية. وفي الوقت نفسه، يأتي هذا في ظل سعي الهند إلى تعزيز مكانتها بوصفها عضوًا دائمًا محتملًا في مجلس الأمن الدولي، وهو هدف أكدته حملة حزب “بهاراتيا جاناتا” في الانتخابات العامة لعام 2024. عمومًا، يرى مؤيدو الحكومة أن القانون يمثل خطوة نحو توحيد الهوية الوطنية، لكن أصواتًا معارضة، مثل حزب الكونغرس، حذرت من أن هذه السياسات قد تعزل الهند دوليًّا، وتؤجج التوترات الداخلية، وأن تمرير القانون قد يؤدي إلى ردود فعل دبلوماسية من دول مثل تركيا وماليزيا، اللتين سبق أن انتقدتا سياسات مودي تجاه المسلمين.
ومع أن الهند شريك إستراتيجي للغرب في مواجهة الصين، فإن التوترات الداخلية الناجمة عن القانون قد تُضعف استقرارها السياسي؛ مما يجعلها أقل جاذبية كحليف موثوق. وقد تعبر الدول الغربية، التي تراقب حقوق الإنسان والحريات الدينية في الهند، عن قلقها من خلال تقارير رسمية، أو تصريحات دبلوماسية، لا سيما أن تقرير الحريات الدينية السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية يرصد تدهور الوضع الديني في ظل حكومة مودي؛ مما يؤثر في العلاقات الثنائية.
القانون المقترح يضع الهند في موقف دبلوماسي واقتصادي حساس على الساحة الدولية، في حين أنه يمكنه أن يعزز مكانة مودي بين أنصاره داخليًّا بوصفه مدافعًا عن الهوية الهندوسية، لكنه يخاطر بتعريض العلاقات مع الدول الإسلامية والغربية للتوتر، وإضعاف طموحات الهند العالمية. لكن يبقى كُل هذا مُعتمدًا على ردود الفعل التي ستأتي استجابة في ضوء كيفية تنفيذ القانون، ومدى قدرة الهند على تجاهل الضغوط الدولية، لكن التأثير الأولي يشير إلى تصاعد التوترات الإقليمية والعالمية في وقت تسعى فيه الهند إلى تأكيد دورها بوصفها قوة صاعدة.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.