مقالات المركز

عراقيل في وجه اللجنة الاستشارية في ليبيا.. كيف تتجاوزها؟


  • 28 مايو 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: skynewsarabia

أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا -مؤخرًا- مخرجات اللجنة الاستشارية المنبثقة عنها، التي شكلتها بغرض حل أزمة النقاط الخلافية في قوانين الانتخابات هناك، ورؤية اللجنة لتشكيل حكومة موحدة في ليبيا من شأنها إنهاء الانقسام التنفيذي، والدفع نحو عملية انتخابية تجدد شرعية الأجسام المهترئة قانونيًّا.

ورسميًّا عُرِضَ تقرير اللجنة الاستشارية بخصوص الخيارات التي طرحتها بشأن حلول بعض القضايا الخلافية والعراقيل التي تواجه الانتخابات.

شكلت البعثة لجنة استشارية من 20 شخصية ليبية بين قانونيين وساسة ونشطاء، في إطار مبادرتها السياسية المتعددة المسارات التي قدمتها إلى مجلس الأمن في جلسة 16 ديسمبر (كانون الأول) 2024، كاشفة عن مهام هذه اللجنة، وأنها لجنة فنية تخص تقديم مقترحات للحل فقط، بشرط أن تكون ملائمة فنيًّا وقابلة للتطبيق سياسيًّا، بهدف حل القضايا الخلافية العالقة من أجل تمكين إجراء الانتخابات، وذلك بالاستناد إلى المرجعيات والقوانين الليبية القائمة، بما في ذلك الاتفاق السياسي الليبي، وخريطة طريق ملتقى الحوار السياسي الليبي والقوانين الانتخابية التي أنجزتها لجنة “6+6”.

 ونجحت اللجنة في إنجاز المطلوب منها خلال مدة 3 أشهر، عقدت خلالها عدة اجتماعات بين طرابلس وبنغازي، وصلت إلى أكثر من 20 لقاء تمت كلها في سرية تامة وتكتم، ودرست خلالها وبحثت القوانين الانتخابية والقواعد الدستورية الليبية، ومنها التعديل الدستوري رقم 13، والقانونان 27 و28 لسنة 2023 لانتخاب مجلس الأمة والرئيس، وعقدت جلسة تشاورية مع المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، وأخرى مع لجنة القوانين الانتخابية المعروفة بلجنة “6+6”.

وشمل التقرير النهائي للجنة الاستشارية بعض التوصيات والخيارات، أهمها:

  • معالجة عدد من النقاط الخلافية في القوانين الانتخابية، وما يخص تزامن الانتخابات الرئاسية والتشريعية، أو تباعدها.
  • معايير أهلية المرشحين وإلزامية إجراء جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية.
  • آلية الطعون الانتخابية، وتمثيل المرأة والمكونات الثقافية، وحقوق التصويت لحاملي الأرقام الإدارية، وتوزيع المقاعد.
  • تشكيل حكومة جديدة كشرط لإجراء لانتخابات.

كما طرحت اللجنة الاستشارية 4 خيارات بمنزلة مقترحات للحل، تلخصت في:

  1. إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية بالتزامن.
  2. إجراء الانتخابات البرلمانية أولًا، يليها اعتماد دستور دائم.
  3. اعتماد دستور دائم قبل الانتخابات.
  4. إنشاء لجنة حوار سياسي وفقًا للاتفاق السياسي الليبي؛ لوضع اللمسات الأخيرة على القوانين الانتخابية والسلطة التنفيذية والدستور الدائم.

وأعلنت المبعوثة الأممية “هانا تيتيه” أن “البعثة ستعرض مخرجات هذه اللجنة على عموم الشعب الليبي؛ للاستماع إلى ملاحظاتهم وآرائهم، وستكون الآلية المتبعة إجراء استطلاعات رأي، والاستماع إلى آراء لتجمع الأحزاب السياسية، والمنظمات الشبابية، والمجتمع المدني؛ وهنا يمكننا التأكيد أن البعثة تنوي ضمنيًّا تجاوز مجلسي النواب والدولة من خيارات اعتماد هذه المخرجات.

ورغم “مثالية” هذه المخرجات فإن عراقيل وتحديات عدة في انتظارها، عراقيل بمنزلة قنابل قابلة للانفجار في وجه مخرجات لجنة الـ20؛ ما قد ينسف مخرجاتها تمامًا؛ ومن ثم تفشل الخطة الأممية، ويعود المشهد الليبي إلى نقطة الصفر وقبل الصفر من فوضى وصدام. ونلخص تلك العراقيل والتحديات في الآتي:

  • رفض رسمي من مجلسي النواب والدولة في ليبيا لهذه المخرجات، واعتبارها قفزة أممية لا تلزمهما بأي توافقات أو خطوات؛ وهنا ستفقد المخرجات قوتها القانونية لأنها لم تعتمد تشريعيًّا من خلال التصويت أو العرض، أو حتى مطالبة اللجنة بالتعديلات، وهذا الرفض سيتسبب في إشكالية قانونية سيكون من الصعب تجاوزها إلا إذا توافرت إرادة دولية لتجاوز المجلسين من البداية.
  • عدم توافر البيئة المناسبة “أمنيًّا وسياسيًّا” لإجراء استطلاعات رأي أو لقاءات بالخصوص؛ ومن ثم فشل البعثة في جمع أكبر عدد من التصويت الشعبي؛ ما قد يفقد هذه المخرجات قوتها الشعبية، وقانونية التصويت، خاصة أن غالبية المناطق تخضع لمشروعات عائلية ومناطقية وقبلية، ويتم التصويت وفقًا لهذا.
  • عامل القبلية والتمترس التي تصاحب كبرى المدن الآن؛ ما يعني تبني مواطني هذه الدول الكبرى وجهة نظر من يحكمهم، أو ساسة هذه المناطق أو ميليشياتها المسلحة؛ ما يفقد التصويت أهم شروطه وهو الحرية؛ وهو ما يشكك في نتائج الاستطلاعات التي سيأتي بعضها قطعًا تحت تهديد فوهة البنادق.
  • مواجهة حالة التحريض التي تقوم بها هيئات وشخصيات لها ثقل اجتماعي وديني، وعلى رأسهم مفتي ليبيا السابق، الصادق الغرياني، الذي حرَّضَ مباشرة على اللجنة ورفض مخرجاتها، ووصفها بالهراء، وطالب الشعب بعدم التصويت عليها أو الالتفات إليها؛ ما يشكل بعدًا دينيًّا واجتماعيًّا، وإفراغ الخطوة من مضمونها.

لذا إذا أرادت البعثة الأممية نجاح مخرجات هذه اللجنة، والانتقال إلى مرحلة متقدمة نحو العملية الانتخابية المرتقبة، فإن عليها أن تقوم بالآتي:

  • تحصين هذه المخرجات من رفض مجلسي النواب والدولة كخطوة استباقية لمنع المجلسين من اتخاذ قرارات ترفض المخرجات رسميًّا؛ ما يفقدها قوتها القانونية، والأجدر هنا أمرين؛ الأول: دبلوماسية وتفاوض من البعثة مع قادة المجلسين، خاصة “عقيلة صالح وتكالة”؛ من أجل الوصول إلى نقاط تلاقٍ، والثاني: تحشيد موقف دولي تهديدي للمجلسين بإبعادهما عن المشهد تمامًا إذا عرقلا مخرجات اللجنة، ورفضاها، وحرَّضَا عليها.
  • تصحيح من جانب البعثة الأممية ومكتبها الإعلامي، ورد على أي شائعات أو تحريض على المخرجات، وعدم التساهل مع هذه التصرفات بحجة حرية الرأي والتعبير، فالتحريض أصلًا منبعه مغالطات وقراءة خاطئة لهذه المخرجات.
  • تحلي البعثة واللجنة بالمرونة في قبول أي ملاحظات، أو إجراء تعديلات على مخرجاتها، خاصة أن كثيرًا من النقاط يحتاج إلى تعديل، أو تفسير، أو مزيد من التوضيح.
  • دراسة الحالة الليبية جيدًا، وطرح الخيار المناسب للواقع، فليس من المنطقي طرح 4 خيارات في بيئة أصلًا محتقنة، والكل يسعى إلى فرض نفسه وعائلته ومشروعه دون انتخابات أو غيرها.
  • ممارسة ضغوط دولية واضحة، خاصة من مجلس الأمن والمحكمة الجنائية، على أي معرقل، سواء أكان مؤسسة أم شخصًا أم منطقة، وتنفيذ هذه الضغوط والتهديدات فعليًّا وليس مجرد “تهويش”، فكيف تريد انتخاب رئيس جديد وأنت فشلت في إقناع رئيس حكومة أن يترك منصبه، بل يستعد لإشعال حرب من أجل البقاء أكبر مدة؟ لا بد من عين حمراء دولية تحرس مخرجات اللجنة.

في الختام

مخرجات الاستشارية الليبية ليست نصًّا مقدسًا لا يمكن تعديله أو مناقشته، لكنها قد تكون أولى الخطى نحو تأسيس حالة سياسية وديمقراطية جديدة في ليبيا المحرومة من رئيس دولة منتخب منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي، بوصفها مرحلة تأسيسية للانتقال إلى مؤسسات منتخبة بحق؛ ومن ثم إجراء التعديلات تمامًا، أو حتى نسف هذه المخرجات بعدما تُستفتى الدولة على دستور دائم يرعى الحقوق والمواطنة، ووحدة البلاد، هذا وإلا ستظل ليبيا تعج بالفوضى، وتحكُّم السلاح، وحكم العائلة غربًا وشرقًا، وسيظل شعبها رهين مؤسسات تنهب خيراته ليل نهار، ولن تترك الكراسي يومًا وشعارها تجاه المناصب: “الثبات حتى الممات”.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع