مختارات أوراسية

عام جديد قد يؤدي إلى ميلاد الأغلبية العالمية


  • 27 ديسمبر 2023

شارك الموضوع

بدأ عام 2023 في ظل استمرار مواجهة عسكرية شرسة على الأراضي الأوكرانية، ذات أهمية عالمية، وينتهي بحرب إضافية. وليس هناك ما يضمن أنه بحلول نهاية عام 2024، لن يستمر هذا المسار في التقدم. يمكن أن تحدث سلسلة جديدة من الصراعات، التي تبدو إقليمية للوهلة الأولى، ولكنها وجودية في الأساس (على الأقل في تصور المشاركين)، وذات طبيعة طويلة.

في القرن العشرين، بما شهده من حروب، وثورات، ومخلفات استعمارية، وحركات تحرر وطنية، قُسّم العالم تقسيمًا غريبًا وغير منطقي. تدريجيًّا، تحولت المواجهة العسكرية إلى مواجهة أيديولوجية عالمية في النصف الثاني من القرن العشرين. وبمساعدتها، كان ينبغي، من الناحية النظرية، حل جميع الصراعات، لكن ذلك لم يحدث؛ بل حدث العكس من ذلك، فور تفكك المعسكر الشرقي، عاد الغرب ليؤكد قوته وهيمنته بوضوح.

وقد نُفّذَ هذا الأخير في شكل “نظام عالمي ليبرالي” (لبعض الوقت أصبح يطلق عليه “النظام القائم على القواعد”). كان أساس هذا النظام هو ثقة مجموعة من الدول، اكتسبتها بفضل الانتصار في الحرب الباردة، بصوابها وحقيقة الأيديولوجيا التي اعتنقتها. هزمت الديمقراطية الليبرالية، واقتصاد السوق القوة السوفيتية باقتصادها المخطط. ومع ذلك، سرعان ما اختفى المصطلح الثاني، على نحو متناقض، من صيغة “الديمقراطية الليبرالية”، على الأقل في مفهومها الأصلي: “تحولت الديمقراطية بوصفها حكم الأغلبية، مع مراعاة رأي الأقلية، إلى مخطط ليبرالي، حيث الأقلية تحظى بقدر أكبر من الصواب الأخلاقي والسياسي من الأغلبية”.

حدث أيضًا تفصيل مميز: “في جميع دول مجموعة السبع تقريبًا، أصبحت تصنيفات الأحزاب/ الائتلافات الحاكمة منخفضة جدًّا الآن، أي إن الحكومات تمثل مصالح أقلية من السكان. وتوصف القوى البديلة التي تتحدى الحكومة الحالية بأنها شعبوية”. أصبح هذا المصطلح (بالمناسبة، مشتق من كلمة بوبولويزم أي “الشعب”) مسيئًا تقريبًا، ويُطلب من التيار السائد محاربة أولئك الذين يشار إليهم بهذا الاسم. ومن الناحية المثالية، لا يحتاج الاتجاه السائد في ذاته إلى التغيير. وبناء على ذلك، فإن أولئك الذين يريدون عكس المسار يعتبرون أعداء للديمقراطية، ولو كانت الأغلبية إلى جانبهم.

إن مفهوم “الأغلبية العالمية” (أي البلدان خارج المجتمع الغربي)، الذي أصبح راسخًا في المعجم السياسي الروسي هذا العام، يستدعي التوازي بين العمليات الجارية في البلدان بشكل فردي وعلى المستوى العالمي، الذي يؤدي الغرب فيه دور المؤسسة العالمية، ولا توجد قوة “شعبوية” واحدة تعارضه. لكن هناك بيئة واسعة (الأغلبية العالمية) تعتقد أن الأقلية (الغرب) تسيء استخدام السلطة، وما ينشأ ليس مقاومة جامدة، بل مقاومة لزجة، ولكن متزايدة المادة؛ مما يقلل فاعلية سياسات الولايات المتحدة وحلفائها. وفي المجتمع الغربي نفسه، هناك طلب متزايد من “الشعبويين” للحد من المشاركة في الشؤون العالمية؛ لأن التكاليف تتجاوز الفوائد، وهذا ليس له تأثير مباشر وفوري؛ بل تأثير غير مباشر طويل المدى. ومع ذلك، ولأن مسار التاريخ أصبح أسرع من أي وقتٍ مضى، فإن معنى مفهوم “المدى الطويل” يتغير أيضًا.

كان عام 2022 نقطة تحول؛ لأنه لأول مرة يتم تحدي الأقلية الحاكمة تحديًا مباشرًا. بالمناسبة، لم تكن روسيا في طليعة الأغلبية العالمية؛ لأنها كانت دائمًا في موقف “لا هنا.. ولا هناك”. ومع ذلك، فقد أُنشِئت سابقة. إن عام 2023 هو وقت اعتياد حقيقة أن المحددات السابقة، أي “القواعد التي يقوم عليها النظام”، قد رحلت، وأن مساحة الممكن تتسع للجميع. يُطلق على عام 2024 اسم “عام الانتخابات الكبرى”. حرفيًّا، تُعقَد انتخابات في غالبية دول العالم (الهند، والولايات المتحدة، وباكستان، وبنغلاديش، وجنوب إفريقيا، وإندونيسيا، وروسيا، والاتحاد الأوروبي وبرلمانه الأوروبي، وغيرها).

في الدول الغربية الرائدة، هناك معركة جادة بين “الشعبويين” والمؤسسة الحاكمة، والساحة الرئيسة بالطبع هي الولايات المتحدة. يمكن للأغلبيات العالمية أن يتردد صداها؛ وهنا سيحصل التحول الإضافي للعالم على زخم قوي.

المصدر: مجلة روسيا في السياسة العالمية

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع