التاريخ والثقافةمقالات المركز

ظاهرة رهاب روسيا (الروسوفوبيا)


  • 30 يناير 2024

شارك الموضوع

إن ظاهرة رهاب روسيا (أي الخوف، أو كراهية روسيا والروس والثقافة الروسية) ليست بالأمر الجديد، ولم تظهر كما يظن البعض بعد بدء “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا؛ بل كانت موجودة منذ عدة قرون. ويعتقد أن مؤسس هذه الظاهرة هو المركيز الفرنسي أستولف دي كوستين، مؤلف كتاب (La Russie en 1839)، الذي نُشر عام 1843، والذي تحدت فيه عن روسيا بلهجة ازدراء واضحة، واصفًا حياة الروس العاديين والنبلاء في الإمبراطورية الروسية وعاداتهم وصفًا شديد السلبية، قائلًا: “لا تخلو العقلية الروسية من العبودية في طريقة فهمها ورؤيتها للأشياء. لقد وجدت أمة غبية، يتظاهر سكانها بالسعادة لأجل أشياء بسيطة وساذجة، ورغم ما فعله بطرس الأكبر، ليبدو أوروبيين مثلنا، وقد تتخيل ذلك للوهلة الأولى من شكل ملابسهم الخارجية، لكنك سرعان ما تدرك أن جلد الدب ما زال ينبت تحتها”، وما إلى ذلك. أصبح هذا النوع من الكتابات محفزًا لأشكال هجاء مماثلة في المستقبل. وبغطرسة واضحة، بدا أن هذا الرجل الفرنسي قد وصم روسيا والشعب الروسي عقودًا قادمة، لكن السبب وراء تصديقه في أوروبا ربما يكمن في عوامل أخرى.

صد الروس عدة مرات هجوم الجيوش الأوروبية في الشرق، بدءًا من معركة الثلج عام 1242، عندما هزم ألكسندر نيفسكي قوات النظام التوتوني الصليبي الكاثوليكي على بحيرة بيبوس. والحقيقة هي أن النظام التوتوني كان يقاتل الروس على أساس أنهم منشقون، بعد الانشقاق العظيم 1054 الذي حدث في الكنيسة، وأدى إلى وجود كاثوليك أوروبيين، وأرثوذكس روس. في القرن نفسه، حدثت سابقة أخرى مثيرة للاهتمام؛ ففي عام 1256، ذهب جيش الحشد المغولي تحت قيادة هولاكو خان لتحرير فلسطين من المسلمين. والحقيقة هي أن الخان نفسه، مثل قائده العسكري، اعتنق المسيحية، وفي الحشد المغولي كان هناك كثير من المسيحيين النساطرة. وفي الوقت نفسه، دعم الصليبيون الكاثوليك المسلمين ضد الحشد المغولي، وبرروا ذلك بأن الوثنيين شر من المسلمين؛ ولذلك يجب التعاون للقضاء عليهم.

لكن النظام التوتوني الكاثوليكي تعرض لهزيمة ساحقة. وبعد ذلك، في عهد بطرس الأكبر، هُزِم أقوى جيش في أوروبا- الجيش السويدي، كما فشلت حملة نابليون على روسيا عام 1812، وانتهت أيضًا بالفشل والهروب المخزي. من المؤكد أن كل هذه التقلبات التاريخية تضاف إلى صورة واحدة شاملة بدأت تغرس في الأوروبيين خوفًا معينًا من قوة روسيا. إن اتحاد القوى الأوروبية، الذي تأسس في عهد الإمبراطور ألكسندر الأول، أُنشئ أيضًا- إلى حد كبير- على أساس التصدي لروسيا.

ومع ذلك، فمن الواضح أن الأوروبيين المتغطرسين كانوا مثقلين بهذا الجوار، وكانت الثقافة الروسية ونظرتهم إلى العالم غير مفهومة لهم. أدى ضم أراضي القوقاز وسيبيريا وآسيا الوسطى إلى روسيا إلى توسيع الإمبراطورية إلى أبعاد لا تصدق. لاحظ الأنثروبولوجي الروسي نيكولاي دانيليفسكي- بحق- سبب الخوف البَدَهي للأوروبيين أمام روسيا بالقول: “ما عليك سوى إلقاء نظرة على الخريطة، وسترى على الفور مدى صغر أوروبا، ومدى حجم روسيا التي تتدلى بكتلة ضخمة فوق شبه الجزيرة الغربية لأوراسيا”. وتجدر الإشارة إلى أنه في ذلك الوقت كانت روسيا تضم ​​أيضًا بولندا وفنلندا؛ لذا كانت ذات حجم ضخم حقًا.

كما فشلت حملة أدولف هتلر الصليبية الثانية. وخلال الحرب الباردة، بدأت الولايات المتحدة ودول الناتو- مرة أخرى- باستخدام الخطاب المعادي لروسيا، الذي أصبح مؤطرًا بألوان أيديولوجية أخرى- تحت شعار “معاداة السوفيت”. لقد أصبح تصريح رونالد ريغان عن “إمبراطورية الشر” اسمًا مألوفًا في الاتحاد السوفيتي، ولكنَّ علماء السياسة الأمريكيين يستخدمونه الآن فيما يتعلق بروسيا. وبمساعدة أجهزة وكالات الأنباء، ووسائل الإعلام التابعة لها، يروج الغرب لمجموعة متنوعة من الروايات حول العالم، بما في ذلك من خلال شركائه في البلدان الأخرى. لسوء الحظ، فإن كثيرًا من وسائل الإعلام التي لا ترتبط بالغرب الجماعي غالبًا ما تعيد ترجمة هذه الموارد الدعائية وترويجها دون تفكير. في عصر ما بعد الحقيقة الحالي، من الصعب جدًّا مكافحة هذه المعلومات المضللة؛ مما يخلق تأثيرًا سلبيًّا. على الرغم من وجود أمثلة إيجابية أيضًا عندما دُحِضَت التصريحات الكاذبة لرويترز، وأسوشيتد برس، وغيرهما من أدوات حرب المعلومات الغربية ضد روسيا على مستوى سفراء مختلف الدول أو الوزراء.

لماذا هذا الموضوع مهم لجميع البلدان غير الغربية؟

لأنهم يشنون حملاتهم ليس فقط على روسيا، بل على دول أخرى أيضًا. إنهم يتهمون باستمرار الدول العربية، والهند، وإفريقيا، ودول أمريكا اللاتينية بشيء ما. ظهرت مصطلحات مثل الفاشية الإسلامية، والإرهاب العربي، وغيرهما من التعبيرات التي تركز على العرق، أو الدين، في الولايات المتحدة. إن الولايات المتحدة وبريطانيا هما مهد العنصرية المعرفية، التي تمجد عبء الرجل الأبيض، كما كتب روديارد كبلينغ “الأبيض يعني الأنجلوسكسونيين”؛ لأن الروس في اعتقادهم هم- في أفضل الأحوال- برابرة، في حين أن شعوب الجنوب العالمي هي- ببساطة- شعوب متوحشة.

بطبيعة الحال، ومن أجل الحصول على الموارد أو السيطرة الخارجية، سوف يتحدث الغرب كثيرًا عن حقوق الإنسان، بل يقدم في بعض الأحيان نوعًا من المساعدة. ومع ذلك، يجب على المرء أن يتذكر دائمًا أن هذه مجرد حيلة بلاغية ودبلوماسية.

وبإعادة تفسير كلمات ماركيز دي كوستين، يمكننا أن نقول هذا: اخدش المادة اللاصقة المكتوب عليها كراهية الروس، وخلفها ستجد أن مرددها أيضًا كاره للعرب، وللأفارقة، والآسيويين”، فهذا متأصل في طبيعة الإنسان الغربي المغرور.

لذلك، فإن مكافحة كراهية روسيا، أينما ظهرت، وبأي طريقة تظهر، يجب أن تصبح قضية مشتركة لشعوب العالم العربي والدول الإسلامية، وسكان آسيا وإفريقيا، وممثلي دول أمريكا اللاتينية. داخل روسيا أيضًا، دُحِضت الأساطير الغربية عن تخلف الشعوب؛ ولذلك يدعم الروس تطلعات الدول إلى تعزيز سيادتها وهويتها في مواجهة العولمة الغربية.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع