أبحاث ودراسات

طاجيكستان.. بوابة باكستان إلى آسيا الوسطى


  • 25 يوليو 2024

شارك الموضوع

وضع رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف قواعد مرحلة جديدة من التعاون بين إسلام آباد ودوشنبه في سياق زيارته الاستثنائية إلى طاجيكستان في مستهل شهر يوليو (تموز) الجاري، فبناءً على دعوة من رئيس طاجيكستان إمام علي رحمان، زار رئيس الوزراء الباكستاني طاجيكستان، في زيارة رسمية استمرت يومين، حملت كثيرًا من الأسئلة، من بينها: ما المكتسبات التي تجنيها باكستان بعد زيارة شهباز شريف لطاجيكستان؟ وكيف يمكن فهم الزيارة الأخيرة في سياق رؤية طاجيكستان للانفتاح على العالم الخارجي بعيدًا عن وصاية القوى الكبرى؟ وكيف شكلت أفغانستان تهديدًا مشتركًا للبلدين؟ وأخيرًا، ما مستقبل التعاون بين باكستان وطاجيكستان في ظل المستجدات الإقليمية؟

جذور العلاقات بين باكستان وطاجيكستان

تُعد طاجيكستان صاحبة الموقع الجغرافي الفريد في إقليم آسيا الوسطى، حيث تحدها أفغانستان وأوزبكستان وقرغيزستان والصين، ويفصلها عن باكستان ممر “واخان” في شمال شرق أفغانستان، حيث يمثل هذا الشريط الضيق من الأراضي الأفغانية حاجزًا بين باكستان وآسيا الوسطى، في حين يمتد غربًا ليوفر لأفغانستان حدودًا مع الصين. وتاريخيًّا، مثّل ممر “واخان” انعكاسًا للصراع الجيوسياسي في القرن التاسع عشر بين الحكم البريطاني في الهند والإمبراطورية الروسية، فقد أصبحت أفغانستان منطقة عازلة بين القوتين؛ ومن ثم لم تعد هناك أي منطقة كانت خاضعة للحكم البريطاني في السابق تمس آسيا الوسطى على نحو مباشر.

وإلى جانب القرب الجغرافي بين البلدين، تشترك باكستان وطاجيكستان في كثير من الروابط التاريخية والدينية والثقافية، فخلال القرن الثامن، كانت كتلة الأرض التي تشكل اليوم باكستان وطاجيكستان موجودة داخل الكيان نفسه تحت حكم الخلافة الأموية وعاصمتها دمشق، ثم خضعت طاجيكستان لاحقًا لحكم سلالة السامانيين الفارسية، الذي امتد أيضًا إلى أجزاء من باكستان المعاصرة.

وفي التاريخ الحديث، سرعان ما بدأت طاجيكستان علاقاتها كدولة حرة مع عدد من دول العالم بعد استقلالها عن الاتحاد السوفيتي مطلع تسعينيات القرن الماضي، وخلال هذه الفترة، عززت طاجيكستان علاقاتها الاقتصادية والاجتماعية مع باكستان، إذ كانت إسلام آباد من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال طاجيكستان؛ ومن ثم تأسست العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية طاجيكستان وجمهورية باكستان الإسلامية منذ يونيو (حزيران) 1992.

وفي عام 1993، أعادت جمهورية باكستان الإسلامية فتح سفارتها في جمهورية طاجيكستان، واستكمالًا لتوثيق العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، افتُتحت في عامي 1993 و1997 قنصليتا جمهورية طاجيكستان في كراتشي، وإسلام آباد في باكستان، وفي  فبراير (شباط) 2005، بدأت سفارة جمهورية طاجيكستان في جمهورية باكستان الإسلامية عملها، ووقع البلدان الصديقان أكثر من 50 وثيقة تنظيمية وقانونية في هذا السياق، وعزز من صداقة البلدين الزيارات الرسمية التي تبادلها زعيما الدولتين على مدى أكثر من 30 عامًا، إذ قام رئيس طاجيكستان إمام علي رحمان بأول زيارة رسمية إلى باكستان في مارس (آذار) 1994، ثم توالت الزيارات الرئاسية التي كان أحدثها في عام 2021، والتي أرست الأساس لصفحات جديدة في تاريخ العلاقات الثنائية بين دوشنبه وإسلام آباد.

يومًا بعد يوم، يوثق البلدان علاقتهما على المستويات كافة؛ إذ تتشاطر باكستان وطاجيكستان عضوية عدد من المنظمات المتعددة الأطراف. وبوصفهما دولتين ذاتي أغلبية مسلمة، فإنهما جزء من منظمة التعاون الإسلامي، كما أن الدولتين عضوان في منظمة التعاون الاقتصادي، ومنظمة شنغهاي للتعاون، فضلًا عن مجموعة قلب آسيا- إسطنبول، وأتاحت هذه التجمعات ترسيخ القواسم المشتركة بين باكستان وطاجيكستان تجاه القضايا الإقليمية والدولية.

المصالح المتبادلة بين باكستان وطاجيكستان

تعد طاجيكستان بوابة باكستان إلى آسيا الوسطى، وفي مقابل هذا فإن الموقع الجغرافي الإستراتيجي لباكستان، الذي يقع على طول طرق التجارة الرئيسة التي تربط المناطق بعضها ببعض، يؤدي دور المحفز في تعزيز مستويات التجارة داخل المنطقة، وفي حجم التجارة العالمية؛ ومن ثم، وظف البلدان موقعهما الجغرافي المتميز من أجل توثيق روابط التعاون بينهما في كثير من الملفات المحورية، كما يتضح فيما يلي:

  • الملف الاقتصادي

إن تطوير الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني ومبادرة الحزام والطريق الأوسع نطاقًا يوفران لباكستان إمكانية الوصول إلى طاجيكستان والصين باستخدام طريق كاراكوروم السريع؛ ومن ثم تتمكن باكستان من تجاوز أفغانستان للوصول إلى طاجيكستان، كما يسلط الممر الضوء على الأهمية الحيوية لإقليم جيلجيت بالتستان الباكستاني في ضمان ارتباط باكستان بالصين وآسيا الوسطى، وهو أمر ضروري للمستقبل الجغرافي الاقتصادي لباكستان.

كما خلقت باكستان أقصر الطرق وأسهلها لتوسيع التجارة والاقتصاد إلى جميع دول آسيا الوسطى، ومنها طاجيكستان؛ لذا تحاول طاجيكستان استخدام ميناء غوادر في باكستان لتوسيع علاقاتها التجارية مع جميع دول العالم، ولتحقيق هذه الخطوة يتعين على البلدين استخدام إستراتيجيات التعاون الإقليمي للتغلب على التحديات التي تواجههما في المنطقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تسعى طاجيكستان وباكستان إلى تطوير تعاونهما في الزراعة والصناعة؛ لأن كلا البلدين يتمتع بموارد زراعية وصناعية متنوعة، بما في ذلك البطاطس، والقطن، والأرز، والفواكه، والأسمنت، والملابس، وصناعة الأنابيب، كما يمكن لطاجيكستان الاستفادة من خبرة باكستان في معالجة الأغذية، والصوف، والورق، والمنسوجات، خاصة أن باكستان تحتل المرتبة الثالثة عالميًا في إنتاج وتجهيز المنتجات القطنية.

فضلًا عن هذا، تعمل أكثر من 50 شركة باكستانية خاصة، ومئات من رجال الأعمال في جمهورية طاجيكستان. ووفقًا للإحصاءات، قد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال السنوات العشر الماضية أكثر من 50 مليون دولار، ويحاول الطرفان زيادته إلى 500 مليون دولار في السنوات المقبلة، ولعل أبرز ما تطمح إليه دوشنبه في هذا الصدد، هو استغلال الفرص التي توفرها المواني البحرية الباكستانية وشبكات النقل القائمة لتوسيع التجارة على المستوى الإقليمي؛ نظرًا إلى أن طاجيكستان دولة حبيسة غير ساحلية؛ إذ إن المواني البحرية الباكستانية توفر الطريق الأكثر كفاءة، والأقصر، والأكثر اقتصادًا لدول آسيا الوسطى، وخاصةً طاجيكستان، إلى الأسواق في الشرق الأوسط وخارجه.

  • ملف الطاقة

طاجيكستان من أهم البلدان في آسيا الوسطى التي تتمتع بموارد طبيعية، وتعد مركزًا كبيرًا لتوليد الطاقة. يمر عبر هذه الدولة 948 نهرًا، وتمتلك 8000 نهر جليدي، والأهم أن طاجيكستان تمتلك 4 % من قدرة الطاقة الكهرومائية في العالم، وهي ثالث أكبر منتجي الكهرباء؛ ومن ثم فإن توليد مشروعاتها الكهربائية يعد أحد أهم اتجاهات الطاقة في البلاد، وسيعود بالنفع على المنطقة بأسرها، بما في ذلك باكستان.

ومن هذا يتضح أن الاتجاه الذي يقرب بين طاجيكستان وباكستان في ملف الطاقة هو إنشاء وتنفيذ مشروع CASA-1000، الذي بادرت إليه- على نحو رئيس- طاجيكستان، وقرغيزستان، وأفغانستان، وباكستان، ويتمثل هدفه الرئيس في توليد الطاقة الكهرومائية ونقلها من آسيا الوسطى إلى جنوب آسيا. ونظرًا إلى أن قرغيزستان وطاجيكستان تولدان الكهرباء باستخدام الطاقة الكهرومائية، فإنهما تتمتعان بفائض من الكهرباء خلال أشهر الصيف الحارة، في حين تعانيان عجزًا في الطاقة خلال أشهر الشتاء الباردة. ولعدم إمكانية البلدين تخزين الكهرباء الزائدة المولدة في الصيف واستخدامها في الشتاء، فإن كثيرًا من هذه الكهرباء تهدر.

وانطلاقًا من هذا، يتكون المشروع من ثلاثة أقسام، تشمل إنشاء 1222 كيلومترًا من خطوط النقل والمحطات، وإنشاء المساعدات الفنية والمالية من خلال اللجان المشتركة، ومساعدة الأشخاص على طول مسار المشروع، ومع تنفيذه، ستحصل باكستان على 1300 ميغاوات من الكهرباء، وهو ما سيخلصها من أزمة استهلاك الطاقة إلى حدٍّ كافٍ، حيث يبلغ الطلب على الكهرباء ذروته خلال فصل الصيف، وكثيرًا ما تشهد باكستان انقطاع التيار الكهربائي؛ لذا تمثل الطاقة حاليًا القضية الأولى على أجندة السياسة العامة في باكستان، إذ يشكل حل أزمة الطاقة أهمية بالغة في التخفيف من حدة الفقر في باكستان، وتحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة في البلاد.

  • الملف الأمني

تتشارك باكستان وطاجيكستان كثيرًا من التهديدات الأمنية بشأن الإرهاب، وتهريب المخدرات، والتصدي للوضع الأمني المتدهور في المنطقة، خاصة الوضع في أفغانستان؛ لذا وقعت باكستان وطاجيكستان عدة اتفاقيات لتعزيز العلاقات بين البلدين، خاصة فيما يخص قضايا الدفاع والتسليح، على مدى السنوات الماضية، كان أحدثها الاتفاقية الدفاعية التي وقعها البلدان عام 2021 بهدف تطوير التعاون الدفاعي بين إسلام آباد ودوشنبه، في ظل حاجة طاجيكستان إلى أسلحة باكستانية الصنع لمواجهة التهديدات الأمنية التي تضرب بالبلاد.

  • الجانب الثقافي

نظرًا إلى التاريخ الإسلامي المشترك بين البلدين، تسعى طاجيكستان وباكستان إلى توثيق العلاقات الثقافية بين البلدين؛ فتعمل الجامعة الوطنية في طاجيكستان على تعليم اللغتين الأردية والهندية، كما يوجد بها مركز تعليمي باكستاني يساعد الطلاب والباحثين على تعزيز العلاقات التعليمية والثقافية بين البلدين. ومن أجل تعزيز التبادل العلمي والأدبي على نحو أكبر، خصصت الأكاديمية الوطنية للعلوم في جمهورية طاجيكستان قسمًا لدول جنوب آسيا في معهد دراسة قضايا الدول الأوراسية. بالإضافة إلى هذا، فعلى المستوى الرسمي، يوقع زعيما البلدين- باستمرار- على اتفاقيات متعددة لتوثيق التعاون الثقافي بين شعبي باكستان وطاجيكستان.

أبعاد زيارة رئيس الوزراء الباكستاني لطاجيكستان

كشفت زيارة رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف ولقاؤه برئيس طاجيكستان إمام علي رحمان في الأيام الأولى من شهر يوليو (تموز) الجاري، عن مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات بين البلدين، وعن تعاون واسع النطاق في عدد من المجالات ذات الاهتمام المشترك للبلدين، حيث أكد الزعيمان ضرورة تعزيز التعاون الجاري على المستوى الثنائي، وكذلك داخل المنظمات الدولية والإقليمية في مكافحة الإرهاب، ومكافحة الجرائم المنظمة العابرة للحدود الوطنية، والاتجار بالبشر والمخدرات.

وأشار البيان المشترك للزيارة إلى أن الزعيمين وقعا اتفاقية الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، التي تمثل انعكاسًا حقيقيًّا للثقة المتبادلة والشراكة المتنامية، التي من شأنها تمهيد الطريق لمزيد من تعزيز التعاون الثنائي بين إسلام آباد ودوشنبه، إذ تفتح الاتفاقية آفاقًا لمجالات جديدة من التعاون الاقتصادي المتبادل بين البلدين.

ولتعزيز العلاقات التجارية، اتفق الجانبان أيضًا على استكشاف توفير الوصول التفضيلي إلى الأسواق لسلع كل منهما، من خلال المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة التفضيلية، في ظل مساهمة رجال الأعمال الباكستانيين ومجتمع الأعمال، ودورهم النشط في العلاقات الاقتصادية الثنائية بين البلدين، والاستثمار في المناطق الاقتصادية الحرة في طاجيكستان.

وإلى جانب الملف الاقتصادي، استحوذت قضية الإرهاب على اهتمام شريف وعلى رحمان، حيث يرى البلدان أنهما ضحيتان للإرهاب، فباكستان تواجه آفة الإرهاب منذ سنوات كثيرة، ودفعت ثمنًا باهظًا في رحلة مكافحته، في ظل تزايد معدلات العمليات الإرهابية في البلاد، خاصة بعد وصول حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان، حيث أكدت إسلام آباد- مرارًا- أن مقاتلي المعارضة، ومنهم حركة طالبان الباكستانية، لديهم ملاذات آمنة في كابول؛ لذا ترى باكستان أفغانستان مصدرًا مباشرًا للإرهاب يستوجب مكافحة إقليمية بالتعاون مع دول المنطقة، وخاصة طاجيكستان التي تعاني الخطر نفسه؛ لذا اتفق شريف وعلي رحمان على ضرورة تشكيل حكومة شاملة في أفغانستان لتحقيق الاستقرار والازدهار، إذ يرى البلدان أن أفغانستان لا تزال تمثل تهديدًا لهما في ظل عدم قدرة طالبان على القضاء على الإرهاب، وفي المقابل فإن أفغانستان المسالمة والمزدهرة والمستقرة ستلقي بظلالها على الأمن الإقليمي للمنطقة.

وفي إطار استغلال الإمكانات الضخمة لتوطيد الشراكة بين باكستان وطاجيكستان، شدد رئيس وزراء باكستان على ضرورة ربط السكك الحديدية بين طاجيكستان وأفغانستان من خلال ميناء كراتشي؛ لتعزيز التجارة والتكامل الإقليمي، مع الاهتمام بالممر الذي يربط بين الصين وطاجيكستان وأفغانستان، ويعزز هذا قرب الانتهاء من مشروع كاسا 1000 العام المقبل، حيث يعد المشروع أحد أكبر المشروعات في آسيا الوسطى، ومن المفترض أن ينقل الكهرباء من قرغيزستان وطاجيكستان إلى أفغانستان وباكستان. وتزامنًا مع الاتفاق على بدء تشغيل ميناء غوادر، عرضت باكستان على طاجيكستان فرصة الاستفادة من مرافق المواني البحرية الباكستانية، إذ تعد المواني الباكستانية الدعامة الأساسية لمناقشات رئيس الوزراء مع كبار المسؤولين في دول آسيا الوسطى، وخاصة طاجيكستان بوصفها دولة غير ساحلية.

الخاتمة

محصلة القول أن باكستان وطاجيكستان تربط بينهما علاقات سياسية واقتصادية وثقافية راسخة؛ ومن ثم فإن من شأن التوصيات والاتفاقيات التي حملتها الزيارة الأخيرة لشهباز شريف لطاجيكستان، أن تؤدي دورًا أساسيًّا في تطوير التعاون في مجالات الاقتصاد، والثقافة، والسياحة، والطاقة، والتصنيع بين البلدين، لا سيما في ظل إستراتيجية علي إمام رحمان التي تركز على منطقة جنوب آسيا، خاصة باكستان؛ الدولة الإسلامية المهمة والإستراتيجية لآسيا الوسطى؛ ما يفرض على إسلام آباد استغلال سياسة الأبواب المفتوحة التي تنتهجها دوشنبه في توثيق علاقتها بالدولة الحبيسة؛ تمهيدًا لبسط نفوذها- خاصة الاقتصادي- في الجمهوريات الخمس.

ما ورد في الدراسة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع