أبحاث ودراسات

صراع الماء بين الهند وباكستان


  • 5 مايو 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: herald.dawn

يُعد حوض نهر السند موردًا لا غنى عنه لباكستان؛ إذ يُوفر (90%) من إنتاجها الزراعي، ويُساهم بنحو (25%) من ناتجها المحلي الإجمالي. وبصفتها دولةً تقع على ضفاف النهر السفلي، تعتمد باكستان اعتمادًا كبيرًا على تدفق مياه نهر السند المتواصل، وترى في أي انخفاض في حصتها المائية تهديدًا مباشرًا لبقائها. بعد هجوم أوري عام 2016، وهجوم بولواما عام 2019، صعّدت الحكومة الهندية خطابها بشأن إلغاء المعاهدة، مؤكدةً أن “الدم والماء لا يجتمعان”. وقد دفع هذا الخطاب، المتجذر في انعدام الثقة التاريخي العميق، باكستان إلى معارضة شديدة للتعديلات التي اقترحتها الهند على معاهدة المياه الدولية، مُشيرةً إلى مخاوف بالغة بشأن تأثيرها المحتمل في أمن البلاد واقتصادها. بالإضافة إلى ذلك، تنظر باكستان إلى إجراءات الهند في جامو وكشمير، بما في ذلك إلغاء وضعها الخاص، على أنها جزء من إستراتيجية أوسع لفرض سيطرتها على موارد المياه. وتُفاقم هذه التوترات الجيوسياسية الخلافات القائمة؛ مما يجعل التعاون بعيد المنال.

في فبراير (شباط) 2024، اتهمت وسائل الإعلام والشخصيات السياسية الباكستانية الهند مرارًا بممارسة “إرهاب مائي”، لا سيما فيما يتعلق بمشروعات البنية التحتية، مثل سد شاهبوركاندي على نهر رافي، الذي يزعمون أنه يهدف إلى التحكم في تدفق المياه لممارسة ضغوط سياسية. ومع ذلك، فقد طعن كلا الجانبين في هذه الرواية في الماضي. في عام 2010، صرّح مفوض مياه نهر السند الباكستاني السابق، علي شاه، بأن باكستان تحصل على حصتها الكاملة من المياه بموجب المعاهدة، وأن للهند الحق في بناء سدود ضمن حصتها المخصصة. أثارت تصريحاته انتقادات حادة في باكستان؛ مما يعكس حساسية هذه القضية.

في 30 أغسطس (آب) 2024، أصدرت الهند إشعارًا رسميًّا إلى باكستان تطلب فيه مراجعة معاهدة مياه نهر السند وتعديلها، مشيرةً إلى مخاوف بشأن التحول الديموغرافي السكاني، والطلبات الزراعية، والحاجة الملحة إلى تسريع تطوير الطاقة النظيفة. تُنظم معاهدة مياه نهر السند، الموقعة عام 1960، تقاسم المياه من نظام نهر السند بين البلدين. تُخصص المعاهدة (19.48%) من مياه النهر للهند، و(80.52%) لباكستان، حيث تمتلك الهند حقوقًا حصرية على الأنهار الشرقية (سوتليج، وبياس، ورافي)، في حين تحصل باكستان على الحصة الأكبر من الأنهار الغربية (السند، وجيلوم، وتشيناب). على الرغم من الأهمية التاريخية للمعاهدة بوصفها اتفاقية تعاون، فإن الهند تُجادل بأنها تُفيد باكستان على نحو غير متناسب، وتُعقّد الموافقات على المشروعات، وتُعالج -على نحو غير كافٍـ التحديات الحديثة، مثل تغير المناخ.

منذ إنشائها، تم الإشادة باتفاقية نهر السند بوصفها اتفاقية ناجحة لتقاسم المياه. ومع ذلك، فإن الاحتياجات المحلية المتزايدة للمياه، إلى جانب أزمة المناخ المتفاقمة، دفعت صانعي السياسات الهنود إلى الضغط من أجل الإصلاح. تعود الدعوات إلى التعديلات إلى عام 2005، واكتسبت زخمًا في عام 2016 مع النزاعات بشأن مشروعي كيشينغانغا وراتلي للطاقة الكهرومائية. يتضمن مشروع كيشينغانغا تحويل المياه من نهر كيشينغانغا لتوليد الكهرباء قبل إعادتها إلى النهر، وهو ما تدعي باكستان أنه يؤثر في تدفقات المصب. وبالمثل، اعترضت باكستان على مشروع راتل بسبب تأثيره المحتمل على توافر المياه. أدت هذه النزاعات إلى تأخيرات كبيرة؛ مما تسبب في خسائر مالية كبيرة، وتصاعد تكاليف المشروع للهند. غالبًا ما يتردد المستثمرون في الالتزام بهذه المشروعات بسبب التقاضي المستمر؛ خوفًا من المخاطر على استثماراتهم.

تحدد المادة التاسعة من معاهدة نهر السند آلية حل ثلاثية المستويات لهذه النزاعات: لجنة مياه نهر السند، وخبير محايد، ومحكمة تحكيم. وتدعو الهند إلى الالتزام بعملية الخبير المحايد، مشيرة إلى الكفاءة وتقليل التدخل الخارجي. على العكس من ذلك، تفضل باكستان محكمة التحكيم، التي تسمح لها بالطعن على مشروعات مثل كيشينجانجا وراتلي بأوامر إيقاف محتملة. وتجادل الهند بأن هذا النهج المزدوج -الذي يستدعي كلًا من الخبير المحايد ومحكمة التحكيم- يقوض مقصد المعاهدة، ويؤخر مشروعات حيوية. في عام 2016، حاول البنك الدولي، بصفته الوسيط المعين للمعاهدة، تسهيل التوصل إلى حل من خلال تعيين خبير محايد، ومحكمة تحكيم في وقت واحد. أثار هذا القرار انتقادات من الهند، التي جادلت بأنه ينتهك آلية حل النزاعات المعمول بها في المعاهدة، التي تعطي الأولوية للخبراء المحايدين أولًا. في النهاية، عُقدت محكمة التحكيم، وهي خطوة فسرتها الهند على أنها انحياز إلى باكستان. أدى هذا إلى إطالة أمد النزاعات؛ مما أدى إلى تأخير تنفيذ مشاريع الطاقة الكهرومائية الحيوية؛ ولذلك تطالب الهند بتعديل المعاهدة بما يُبسط آليات فض النزاعات. ومن خلال الحد من تدخلات الأطراف الثالثة، تسعى الهند إلى تسريع تطوير المشروعات، وتقليل الاعتماد على جهات مثل البنك الدولي، الذي يشرف على تنفيذ المعاهدة.

معاهدة المياه الدولية، التي كانت رمزًا للتعاون، تقف الآن عند مفترق طرق؛ فقد كشف تغير المناخ، والنزاعات القانونية، وانعدام الثقة التاريخي عن حدودها، ولكي تظل المعاهدة سارية المفعول، يجب على الهند وباكستان إعطاء الأولوية للبقاء الجماعي على تنافسهما السياسي. ويمكن لمعاهدة المياه الدولية المُعدّلة أن تُدمج تدابير التكيف مع تغير المناخ، وتُحسّن تخصيص الموارد، وتُبسّط حل النزاعات.

ويواجه حوض نهر السند ضغوطًا متزايدة من جراء تغير المناخ؛ إذ من المتوقع أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تفاقم ندرة المياه في كل من الهند وباكستان. ينبع ما يقرب من 25 إلى 30 في المائة من مياه الحوض من الأنهار الجليدية وذوبان الثلوج، مما يجعله عرضة بشدة لتقلبات المناخ. تؤدي الرياح الموسمية غير المنتظمة وذوبان الجليد المتسارع إلى تعطيل أنماط التدفق، حيث تشير التوقعات إلى عجز مائي بنسبة (50) في المائة بحلول عام 2030. وقد يشهد حوض نهر السند بالفعل زيادة في هطول الأمطار، وتشكل هذه التحولات المناخية تهديدات كبيرة للزراعة وإمدادات المياه المنزلية في كل من الهند وباكستان؛ مما يؤكد الحاجة الملحة إلى تكييف معاهدة مياه نهر السند مع التحديات المعاصرة.

ما ورد في الدراسة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع