تقدير موقف

صراع الجزر بين الهند والصين


  • 3 يوليو 2024

شارك الموضوع

خلال الصراع الصيني الهندي عام 1962، تم رصد غواصة صينية في المياه الهندية، وذلك لأن الغواصات الصينية التي تبحر في المحيط الهندي تضطر إلى الظهور في مضيق ملقا، وعلى مدار العقد الماضي، أصبح وجود السفن السطحية والغواصات الصينية في المحيط الهندي أمرًا ثابتًا. لذا تبرز (572) جزيرة في أرخبيل أندامان ونيكوبار يوجد منها (37) جزيرة مأهولة فقط كعنصر حاسم في استراتيجية الهند لمواجهة نفوذ الصين المتزايد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وقامت دلهي بنشر حامية مكونة من (150) بحارًا على الجزر، وزادت الدعوات لتعزيز الإجراءات الأمنية في الأرخبيل.

بعد حرب كارجيل عام 1999، والتي شهد حرب مفتوحة مع باكستان وأدت إلى اختراقات واسعة وخطيرة للأراضي الهندية، أدركت دلهي مدى تعرض جزرها، والعديد منها غير مأهولة، للاحتلال السري من قِبَل جار معادي. ونتيجة لذلك، تم إنشاء أول قيادة متعددة القوات في الهند في الأرخبيل. وتعتبر الجزر، التي تقع على مفترق طرق المحيطين الهندي والهادئ، واحدة من أكثر سلاسل الجزر استراتيجية في العالم. وتقع أقصى نقطة شمالًا على بعد (22) ميلًا بحريًا فقط من ميانمار، بينما تبعد أقصى نقطة جنوبًا (90) ميلًا بحريًا من إندونيسيا. وتشرف الجزر على خليج البنغال وقنوات العبور الحيوية والتي تعبرها أكثر من 60 ألف سفينة تجارية كل عام.

تطوير الأرخبيل اقتصاديًا

الميزة الاستراتيجية الرئيسية للأرخبيل، الذي يقع على بعد أكثر من (1200) كيلومتر من البر الرئيسي الهندي، هي سيطرته على نقاط العبور الحيوية مثل مضيق ملقا، أحد أكثر ممرات الشحن ازدحاما في العالم. ونتيجة لذلك، تعمل الهند على تعزيز وجودها في الأرخبيل للحفاظ على الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ويشكل ارخبيل الجزر هذا موقع مهم للغاية من الناحية الاستراتيجية ليس فقط للهند ولكن بالنسبة إلى ماليزيا وإندونيسيا، مما يسلط الضوء على تفرده. كما سيمثل مركز إعادة الشحن المستقبلي في خليج كامبل موقع استراتيجي بالقرب من مضيق ملقا وخط الشحن الشرقي والغربي الذي يربط أوروبا وإفريقيا وآسيا.

منذ عام 2021، تعمل الحكومة الهندية على وضع خطة للتنمية الاقتصادية بقيمة (720000) مليون روبية بعنوان “التطوير الشامل لجزيرة نيكوبار الكبرى في جزر أندامان ونيكوبار” وتشمل بناء محطة شحن دولية ومطار دولي ومحطة كهرباء ومدينة سكنية. وأثارت الموافقة على المشروع مخاوف بيئية، نظرا لكثرة الأنواع المهددة بالانقراض الموجودة في الغابات المطيرة وعلى شواطئ الأرخبيل البالغ مساحته (910) كيلومتر مربع.

يسكن الجزر قبائل شومبين ونيكوباريز. ويبلغ عدد سكان جنوب نيكوبار، الذي يضم نيكوبار الكبرى ونيكوبار الصغيرة وغيرها من الجزر الصغيرة، أكثر من (8000) نسمة. ومن المتوقع أن يجلب المشروع الضخم ما يقرب من (400) ألف شخص إلى الجزيرة على مدار (30) عامًا، مع توقع قطع (8.5) ألف شجرة في الغابات المطيرة في منطقة نيكوبار الكبرى التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تطور كبير، ولكن أيضًا إلى خطر تدمير نمط حياة هذه القبائل.

الاستخدام العسكري للأرخبيل

في السنوات الأخيرة، سعت البحرية الهندية إلى تعزيز قوتها في البحار القريبة من الهند من خلال عمليات الانتشار القائمة على المهام . منذ عام 2017، قامت السفن الحربية الهندية بدوريات في ممرات المحيط الهندي البحرية ونقاط الاختناق، بما في ذلك الطرق المؤدية إلى مضيق ملقا. وفي محاولتها لتتبع الغواصات الصينية في شرق المحيط الهندي، كانت البحرية الهندية تعمل أيضًا على تشغيل طائرات دورية بحرية من طراز P-8I من جزر أندامان. ساعدت سلسلة من محطات الرادار على طول الساحل الهندي في توفير معلومات أفضل حول الحركات البحرية، ويساعد مركز الاندماج في جورجاون بالقرب من نيودلهي في إدارة المعلومات التكتيكية في البحار القريبة.

كما كانت الصين تستكشف سواحل شبه القارة. فمنذ عام 2013، عندما أرسلت لأول مرة غواصة إلى سريلانكا، وسعت بحرية جيش التحرير الشعبي بشكل كبير من بعثاتها العسكرية والمدنية في جنوب آسيا. وفي الأشهر الأخيرة، أرسلت الصين سفن استخبارات وسفن مسح وأبحاث إلى بحر أندامان، في محاولة لتتبع النشاط البحري الهندي في المنطقة. ورغم أن بكين امتنعت حتى الآن عن تحدي البحرية الهندية، فإن نمط نشر البحرية الصينية يشير إلى طموح إلى وجود مستدام في مناطق ذات اهتمام متداخل مع الهند.

هناك ثلاثة جوانب تبدو ذات صلة بالصراع البحري المحتمل بين الهند والصين:

أولاً، على النقيض من باكستان، عندما فرضت البحرية الهندية حصاراً في شمال بحر العرب أثناء عملية تالوار في عام 1999 وعملية باراكرام في عام 2001، ومرة ​​أخرى بعد هجوم بالاكوت عام 2019، فإن النهج العدواني لبناء الحواجز في البحار القريبة من الصين لن يكون قابلاً للتطبيق. فالهند ليس لها وجود تقريباً شرق ملقا، وما لم تتصرف بالتنسيق مع الولايات المتحدة وفيتنام واليابان في سواحل المحيط الهادئ، فلن تتمكن البحرية الهندية من مواجهة جيش التحرير الشعبي الصيني في فنائها الخلفي.

ولكن ما يبدو أكثر واقعية هو استراتيجية الحظر التي تهدف إلى خنق التجارة الصينية التي تمر عبر خطوط الاتصال البحرية في المحيط الهندي. ذلك أن الغالبية العظمى من شحنات النفط الصينية وسفن الحاويات وحركة البضائع السائبة تقترب من مضيق ملقا عبر القناة التي يبلغ عرضها عشر درجات بين أندامان ونيكوبار. ويقول المراقبون إن البحرية الهندية قادرة على خنق تدفق حركة المرور الصينية، في حين تقوم بدوريات مكثفة في نقاط الاختناق في المحيط الهندي، وتراقب التعزيزات البحرية الصينية.

ولكن من المرجح أن تنشأ هنا أيضا تعقيدات. فمع وجود حصة كبيرة من التجارة البحرية في سفن تحمل العلم الصيني، فإن استراتيجية الحظر الهندية قد تؤدي إلى ردود فعل إقليمية سلبية ضد نيودلهي. وسوف تنظر العديد من دول المحيطين الهندي والهادئ إلى تعطيل الهند للشحن المنتظم في ممر بحري دولي باعتباره عملا عدائيا يفرض تكاليف غير مقبولة على الدول المحايدة. ولتجنب مثل هذا السيناريو، سوف تحتاج السفن الحربية الهندية إلى توخي الحذر في استهداف السفن التي تحمل العلم الصيني، والامتناع عن الاستخدام غير الضروري للقوة.

وثانياً، سوف تحتاج البحرية الهندية إلى التركيز على حرمان جيش التحرير الشعبي الصيني من المساحة التكتيكية في المناطق الساحلية القريبة من الهند. ومن خلال استخدام الغواصات والأصول الجوية القادرة على الحرب المضادة للغواصات، سوف تسعى الهند إلى تقييد حرية الصين في العمل في المناطق الساحلية. وسوف يكون جزء من الاستراتيجية هو وضع الأصول البحرية الهندية على الساحل الشرقي وفي قواعد جزر أندامان للحفاظ على وتيرة عالية من العمليات في النقاط الساخنة الإقليمية.

ولن يكون منع الصين من استخدام البحار القريبة من الهند بالمهمة السهلة. فبفضل أسطول ضخم يضم غواصات هجومية نووية وسفن حربية مزودة بصواريخ موجهة وحاملات طائرات برمائية ومجموعة من المنصات الحربية الأخرى، تُعَد البحرية الصينية ثاني أقوى قوة بحرية في العالم، ولا ينبغي الاستهانة بها. ولكنها مقيدة بغياب اللوجستيات التشغيلية والغطاء الجوي القائم على السفن وقدرات الاستطلاع البحري البري في المحيط الهندي ــ وهي الثغرات التي تأمل البحرية الهندية استغلالها.

ثالثا، ينبغي للهند أن تتوقع من الصين استخدام مبادرة الحزام والطريق في جنوب آسيا لتقليص عجزها التكتيكي في المحيط الهندي. ففي هامبانتوتا في سريلانكا، وشيتاجونج في بنغلاديش، وسيتوي في ميانمار، حيث تبني الصين البنية الأساسية البحرية، من المرجح أن تضغط الصين من أجل تعزيز وجودها للتغلب على القيود اللوجستية في المحيط الهندي. وبالفعل تقوم الصين ببناء قاعدة بحرية لبنغلاديش في كوكس بازار يمكن استخدامها لتمركز السفن البحرية وتخزين الإمدادات العسكرية.

إن الضرورة الملحة بالنسبة للهند تتلخص في تتبع النشاط البحري الصيني وتحركات السفن الحربية على طول حافة خليج البنغال. وفي حين تسعى الهند إلى توسيع مرافق التمركز للغواصات والطائرات المضادة للغواصات في جزر أندامان، فإنها ستسعى إلى نشر صواريخ أرض-أرض بعيدة المدى على سلسلة الجزر لتهديد الانتشار البحري الصيني بشكل أكثر مباشرة.

أخيرًا، تستمر عسكرة الأرخبيل، مع تطوير البنية التحتية العسكرية كجزء من خطة مدتها عشر سنوات. وقد نشرت الهند طائرات مقاتلة وصائدة غواصات في الجزر، وتم تعيين قائد البحرية الهندية السابق الأدميرال دي كيه جوشي مسؤولًا عن تعزيز أمن الجزر وإمكاناتها الاقتصادية والتجارية. وقد تم تسليط الضوء على الأهمية الاستراتيجية للجزر من قبل قائد البحرية الهندية السابق الأدميرال آرون براكاش، الذي سلط الضوء على الحاجة إلى تعزيز القدرات العسكرية لمواجهة الوجود البحري المستمر للصين، بما في ذلك الغواصات الهجومية النووية.

وتجري قيادة أندامان ونيكوبار بانتظام تدريبات بحرية مشتركة، ومؤخرًا تم توصيل كابل إنترنت تحت البحر لتحسين الاتصال بالجزر النائية. وتقام مناورات ميلانو في هذه المنطقة وغالباً ما تشارك فيها فرنسا وأستراليا والمملكة المتحدة. ويعد التعاون الدولي أمرا أساسيا، حيث تقدم دول مثل اليابان الدعم لمشاريع التنمية، مع إدراكها للأهمية الاستراتيجية للأرخبيل. ومن المتوقع أن تتبادل اليابان المعلومات الاستخباراتية مع حلفاء آخرين بمجرد تشغيل نظام (SOSUS)، مما يساعد على إنشاء حاجز ضد الغواصات الصينية في بحر أندامان وبحر الصين الجنوبي. علاوة على ذلك، استثمرت اليابان (113) مليون دولار لتزويد الجزر بالطاقة المتجددة، لجعلها أكثر استقلالية ويمكن الدفاع عنها.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع