مرت أسابيع على هجوم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)- عبر الحدود- على جنوب إسرائيل، ولقد انتشرت الصدمة والحزن في جميع أنحاء المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني. وفي اليابان، تم التعبير عن موجة من المشاعر والآراء من جانب أولئك الذين يشعرون بكل جانب، والذين يشعرون بالقلق إزاء المأساة ككل.
ويبدو أن إرسال الجيش الإسرائيلي وحدات برية إلى قطاع غزة أمر لا مفر منه، وسوف يستمر عدد الضحايا المدنيين في الارتفاع، وسوف تتفاقم حالة زعزعة الاستقرار في المنطقة مع ارتفاع عدد القتلى.
كان الهجوم الذي شنته حماس بمنزلة عمل عسكري مخطط له بعناية. وبحسب إعلان أصدره أبو عبيدة، المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، يوم الخميس، فإن الهجوم تم التخطيط له منذ أوائل عام 2022، وشارك فيه (3000) مقاتل، و(1500) مقاتل للدعم.
وشهدت الغارة التي نُفذت بعد دراسة متأنية للظروف الجوية والجغرافية، إطلاق (3500- 5000) صاروخ، واستُهدفت أبراج المراقبة وأنظمة المراقبة التابعة للجيش الإسرائيلي؛ مما سمح لعدد كبير من المسلحين بعبور الحدود إلى إسرائيل.
أكملت إسرائيل تقريبًا الأيام القليلة الأولى من القتال مع المسلحين الفلسطينيين، وشنت عددًا كبيرًا من الغارات الجوية على غزة، وتتجمع القوات الإسرائيلية حول المنطقة. وفي 10 أكتوبر (تشرين الأول)، شُكلت حكومة حرب جديدة، تضم وزير الدفاع السابق بيني غانتس، الذي انضم إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في حكومة وحدة طارئة. من المتوقع أن يكون انتشار القوات البرية الإسرائيلية داخل قطاع غزة محدودًا، ويواجه عقبات كثيرة، على الرغم من دعوة الجيش الإسرائيلي سكان شمال غزة إلى إخلاء مناطقهم، والتوجه جنوبًا.
وما ينبغي الإشارة إليه هو العوامل المتوسطة والطويلة المدى التي أدت إلى هذه الحرب، وهي استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وسجن الفلسطينيين، والدفاع عن القدس والمسجد الأقصى، ومن المرجح أن الظروف التي تواجه حماس، والتغيرات التي حدثت في الشرق الأوسط على مدى السنوات القليلة الماضية- مثل التطبيع الإبراهيمي- والتي ضمت عددًا مِن البلدان العربية مع إسرائيل، دفعتها إلى القيام بعمل عسكري واسع ليعيد التركيز على القضية الفلسطينية، وضرورة إيجاد حلول لها.
أولًا: لا بد من الإشارة إلى الحرمان الاجتماعي والاقتصادي الذي يعانيه قطاع غزة. ويبلغ معدل البطالة أكثر من (45%)، ويعيش (65%) من السكان تحت خط الفقر، ويضطر (80%) من سكان غزة إلى الاعتماد على شكل من أشكال الدعم الإنساني.
في عام 2012، نشرت الأمم المتحدة تقريرًا خاصًا بعنوان “غزة في عام 2020: هل مكان صالح للعيش؟”، أجاب عن السؤال في عنوانه بـ”لا”. بعبارة أخرى، أكد التقرير صعوبة العيش في قطاع غزة. على سبيل المثال، تلوثت آبار المياه بسبب مشكلات معالجة مياه الصرف الصحي، وصعوبة الحصول على مياه الشرب الآمنة.
وشهد هذا العام أيضًا توترات في الضفة الغربية على نطاق لم نشهده خلال الأعوام الستة عشر الماضية. وقد ظهرت جماعات فلسطينية مسلحة جديدة هناك، في جنين ونابلس، وقامت إسرائيل بعمليات عسكرية متكررة. بالإضافة إلى ذلك، نحن بحاجة إلى النظر في تغييرات أوسع في جميع أنحاء المنطقة. وفي البيان الذي أصدرته حماس فيما يتعلق بالهجوم، تم التأكيد عدة مرات على دخول “اليمين الصهيوني المتطرف” إلى الحكومة، ويشير ذلك إلى تشكيل حكومة نتنياهو مع الأحزاب الصهيونية الدينية نهاية العام الماضي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التطبيع المستمر للعلاقات بين إسرائيل والدول العربية منذ عام 2020، وخاصة الاحتمال الوشيك لتطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، لا بد أن ينظر إليه كثير من الفلسطينيين، وليس حماس فقط، على أنه خطوة تجعل الدعم لقضيتهم في البلدان الإسلامية يتآكل. ومن المؤكد أن كثيرًا من الدول العربية تقلص انخراطها في القضية الفلسطينية منذ عقود، لكن تطبيع العلاقات الدبلوماسية هو إعلان رسمي بأن هذه العملية وصلت إلى مرحلة لا رجوع عنها.
ومع ذلك، يبقى السؤال: ما نوع المناقشات التي أجرتها حماس بشأن هذه الظروف التي أدت إلى الهجوم الواسع النطاق على إسرائيل؟ وحتى لو لم يكن هناك شك في أن الجناح العسكري هو الذي قاد هذه الخطوة، فما نوع التنسيق الذي تم مع قادة حماس خارج غزة؟ ما هو معروف في هذه المرحلة محدود.
وكان المجتمع الياباني يراقب هذه التطورات، ويولي اهتمامًا كبيرًا لها، في حين أن اليابان لديها تاريخ طويل من حركات التضامن التي يقودها المجتمع المدني مع الفلسطينيين، فقد عمّقت الدوائر السياسية والتجارية اليابانية علاقاتها مع إسرائيل منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وكانت الزيادة في الاستثمار الخاص مثيرة للإعجاب، كما يتضح من التوقيع على اتفاقية الاستثمار بين اليابان وإسرائيل عام 2017. وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى ما إذا كانت هذه العلاقات الاقتصادية والسياسية المتعمقة سوف تعيد صياغة الدبلوماسية اليابانية نحو الشرق الأوسط ككل.
وحتى الآن، لا يبدو أن وزارة الخارجية اليابانية قد غيرت سياستها ذات المحاور الثلاثة تجاه السلام في الشرق الأوسط، التي تتضمن الحوار السياسي مع الأطراف المعنية، وبناء الثقة بين الأطراف، وتقديم المساعدات الاقتصادية للشعب الفلسطيني، لكن التطور الحالي يمكن أن يكون نقطة تحول في هذه السياسة. وقد يشير التصريح الذي أدلى به كبير أمناء مجلس الوزراء هيروكازو ماتسونو، وهو أول بيان من الحكومة اليابانية يشير إلى هجوم حماس باعتباره عملًا إرهابيًّا، إلى تغير في قادم الأيام.
وفي الوقت نفسه، أدت الهجمات الإسرائيلية على غزة إلى مقتل كثير من المدنيين الفلسطينيين، فيما يزيد نشر القوات البرية داخل القطاع من عدد الضحايا كثيرًا. وتقع على عاتق الحكومة اليابانية والمجتمع المدني مسؤولية التحدث علنًا ضد أي استخدام للعنف، سواء في إسرائيل، أو الأراضي الفلسطينية، دفاعًا عن الإنسانية، وقيمة الحياة البشرية.