مقالات المركز

ماذا تخبرنا الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك

سوريا واوكرانيا.. هل هناك أوجه شبه بين الحالتين؟


  • 7 مايو 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: straitstimes

مقدمة

أصبحت أوكرانيا وسوريا تمثلان ساحتين مركزيتين للصراع الدولي، تتقاطع فيهما المصالح الإقليمية والعالمية في ظل التحولات البنوية الجارية في النظام الدولي، وفاقد البصر أو البصيرة فقط من لا يلاحظها.

ورغم تباعد السياقين جغرافيًّا، فإن هناك تشابهًا لافتًا في منطلقات الصراع وأساليبه، وكذلك في تفاعلات القوى الكبرى داخله، وهو ما يجعل المقارنة بين الحالتين ضرورية لفهم أعمق للدور الذي تؤديه الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك في إعادة تشكيل موازين القوى.

أولًا- الجغرافيا السياسية.. من يملك الأرض يملك القرار

أوكرانيا:

 تقع أوكرانيا في موقع حيوي يفصل روسيا عن أوروبا الشرقية، وكانت -ولا تزال- ممرًا رئيسًا للغاز الروسي إلى أوروبا؛ ما يمنحها ثقلًا إستراتيجيًّا كبيرًا. هذا الموقع الجغرافي جعلها مسرحًا لصراع طويل بين مشاريع الانضمام إلى الغرب، وأقصد الناتو أو الاتحاد الأوروبي، ومحاولات روسيا إعادتها إلى دائرة النفوذ السوفيتي السابق.

سوريا/ إسرائيل- الجولان نموذجًا

تحتل إسرائيل هضبة الجولان السورية منذ عام 1967، وهي عبارة عن منطقة مرتفعة توفر ميزة عسكرية وإستراتيجية كبيرة؛ لأنها تطل على شمال إسرائيل وجنوب سوريا، وتكشف كل هذه الأراضي من الجهتين؛ لذلك فإن السيطرة على الجولان تمثل بُعدًا جغرافيًّا عسكريًّا يحسم معادلات الردع، فضلًا عن أنها تعكس حدودًا مفروضة بحكم السلاح، لا بحكم القانون الدولي.

ثانيًا- الجيوبوليتيك.. صراعات النفوذ والتدخلات الخارجية

أوكرانيا:

تعد الأزمة الأوكرانية أبرز تجليات الصراع الجيوبوليتيكي المعاصر، فهي تمثل محاولة روسية لعرقلة تمدد الناتو شرقًا نحو حودوها وداخل مجال نفوذها الحيوي، في مقابل مساعٍ غربية حثيثة ممتدة إلى أكثر من ربع قرن لتكريس النفوذ داخل الفضاء السوفيتي السابق.

ومنذ عام 2014، لحظة ضم القرم، ثم 2022 وإطلاق بوتين العملية العسكرية الواسعة، أصبحت أوكرانيا خط تماس مباشر بين روسيا والغرب، وهذا وضع بالغ الخطورة للأمن العالمي ككل.

سوريا/ إسرائيل:

تمثل سوريا حلقة مركزية في صراع جيوبوليتكي أوسع يشمل إيران وروسيا من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى. إسرائيل توظف النزاع السورع الداخلي (الحرب الأهلية التي لم تنتهِ بعد كما يظهر من التطورات الأخيرة في مناطق الساحل، حيث الأغلبية العلوية، والدروز في الجنوب) لتوسيع هامشها الأمني، وتصفية التهديدات الإيرانية تمامًا، والتركية المحتملة، من خلال ضربات جوية دقيقة. في المقابل، تواجه روسيا الآن في سوريا صعوبات لم تكن تحسب لها حسابًا! بعدما كانت تستفيد بقوة من سوريا الأسد لتعزيز وجودها في شرق المتوسط، في حين يبدو أن خسارة إيران أفدح، وهي التي كانت تتخذ من سوريا قاعدة أمامية في المعركة التي كانت تخوضها على النفوذ الإقليمي الممتد من دمشق إلى بيروت.

والاستنتاج:

تبرز المقارنة بين الحالتين الأوكرانية والسورية/ الإسرائيلية أن الجغرافيا وحدها لا تخلق الصراع، لكنها توفر شروطًا موضوعية لنشوء التنافس الدولي. وفي كلتا الحالتين، استخدمت القوى الإقليمية والدولية الأدوات الجيوبوليتيكية لتعزيز نفوذها، أو حماية مصالحها؛ ما أدى إلى حروب طويلة ومكلفة.

لكن الفارق الجوهري -في رأيي- يكمن في طبيعة الدعم الدولي، واتساع رقعة الصراع؛ ففي حين أن أوكرانيا أصبحت بالفعل ساحة مواجهة دولية مباشرة تهدد الأمن العالمي بالكامل بخطر جدّي، يظل الصراع السوري- الإسرائيلي محصورًا في الإقليم، لكنه لا يقل أهميةً في ميزان القوى العالمي.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع