مقالات المركز

سوريا بين رفع عقوبات قيصر واندماج قسد.. هل ستبدأ مرحلة إعادة الإعمار؟


  • 14 أكتوبر 2025

شارك الموضوع

في تحول زلزالي يُنذر بفصل جديد لسوريا ما بعد الأسد، يُعيد تطوران بارزان تشكيل المشهد السياسي والعسكري للأمة؛ إلغاء عقوبات قيصر الأمريكية، وتعهد قوات سوريا الديمقراطية بالانضمام للجيش الوطني.

صوّت مجلس الشيوخ الأمريكي على إلغاء نظام عقوبات “قيصر” المشل، مُفككًا بذلك ركيزة أساسية للضغط على البلاد. وفي الوقت نفسه، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية أن وفدًا عسكريًّا يتجه إلى دمشق لبدء العملية الرسمية للاندماج في جيش وطني سوري جديد وموحد. تشير هذه التحركات المتوازية إلى أهم الخطوات حتى الآن نحو استقرار وإعادة بناء البلد الممزق بالحرب، مما يوحي بجهد دولي ومحلي منسق لتجاوز عقد من الصراع والانقسام.

نهاية قانون قيصر

في 10 أكتوبر (تشرين الأول)، أعلنت السيناتور الأمريكية جين شاهين أن مجلس الشيوخ أقر “قانون تفويض الدفاع الوطني” لإلغاء عقوبات قيصر التي عفا عليها الزمن على سوريا. هذا إنجاز تاريخي سيساعد السوريين على التعافي من عقود من الصراع، والتحرك نحو الاستقرار.

في خطوة رحبت بها دمشق بوصفها “تطورًا إيجابيًّا ومسؤولًا”، وافق مجلس الشيوخ الأمريكي على بند يقضي بالإلغاء الرسمي لـ”قانون حماية المدنيين في سوريا (قيصر)”. فُرضت العقوبات لأول مرة في عام 2020، وصُممت لخنق حكومة بشار الأسد اقتصاديًّا، ومساءلتها عن انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة النطاق.

صرح النائب الجمهوري جو ويلسون، الذي دافع عن الإلغاء، على منصة X: “العقوبات القاسية فُرضت على نظام لم يعد موجودًا لحسن الحظ”. وشكر مجلس الشيوخ على قراره، مضيفًا أن الإلغاء الكامل “يعتمد الآن على نجاح سوريا”.

رحبت وزارة الخارجية السورية بالقرار على الفور، وأشارت الوزارة في بيان إلى أن قانون قيصر فُرض على “النظام السابق لجرائمه”، وأن استمراره “يُخلف آثارًا إنسانية واقتصادية وخيمة على الشعب السوري”.

عبرت الوزارة عن تقديرها “للنهج الأمريكي المسؤول”، معتبرةً التصويت “خطوة بناءة نحو تصحيح مسار العلاقات الثنائية”، يمكنها أن تعزز الاستقرار الإقليمي، وتخلق فرصًا للتعاون الاقتصادي والإنساني.

استهدف القانون قطاعات رئيسة، مثل الطاقة والبناء؛ مما أدى فعليًّا إلى قطع سوريا عن الاقتصاد العالمي. وبينما كان الهدف منه معاقبة النظام، فإنه أدى إلى تضخم مفرط، وفقر واسع النطاق، وتحديات جسيمة أمام إيصال المساعدات الإنسانية، مما أثر -على نحو غير متناسب- في المدنيين. يشير تصويت مجلس الشيوخ على تفكيك هذا الإطار إلى تحول نهائي في السياسة الأمريكية من العقاب إلى تمكين إعادة الإعمار في ظل حكومة جديدة.

صياغة قوة موحدة.. قوات سوريا الديمقراطية تنضم إلى الجيش السوري

في إعلان تاريخي تزامن مع الذكرى العاشرة لتأسيس القوة، أعلن القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، أن عملية الانضمام إلى وزارة الدفاع السورية قيد التنفيذ.

صرح عبدي: “سيتوجه وفد عسكري من قوات سوريا الديمقراطية إلى دمشق قريبًا لمناقشة آلية الانضمام إلى وزارة الدفاع السورية”، موضحًا أن هذه الخطوة هي جزء من تطبيق اتفاق 10 مارس (آذار). وقد وصف الاندماج بأنه جزء من “مرحلة جديدة تهدف إلى بناء جيش سوري موحد”، ستكون قوات سوريا الديمقراطية “جزءًا قويًّا ومؤثرًا” فيه. وأكد أن الوفد العسكري سيُرسل “خلال الأيام المقبلة” لبدء العملية الرسمية.

أكد عبدي القيمة التي ستجلبها قواته إلى الجيش الوطني الجديد، وشدّد على أن “الخبرة التي اكتسبتها قوات سوريا الديمقراطية في الحرب ضد داعش، إلى جانب التدريب والدعم الشعبي والدولي الذي تلقته، ستجعلها قوة داعمة ومؤثرة ضمن الجيش السوري الجديد”.

تُعد هذه الخطوة إنجازًا ضخمًا نحو حل أحد أكثر الانقسامات الداخلية تعقيدًا في الصراع السوري. من شأن اندماج قوات سوريا الديمقراطية المحنكة بالقتال، والمدعومة من الولايات المتحدة في هيكل قيادة وطني، أن يوحد الجهاز الأمني للبلاد، وهو متطلب حاسم للاستقرار والسيادة على المدى الطويل.

الطريق إلى الأمام

في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، أصدر البنك الدولي تقريرًا وصف فيه الوضع الاقتصادي في سوريا بأنه “شديد التقلب”. دعا التقرير إلى تحسين الأوضاع الأمنية، والاستقرار المؤسسي، وإلغاء العقوبات، ومشروعات الاستثمار الدولية. وألقى التقرير باللوم على الحرب السابقة، والعقوبات الأمريكية والأوروبية في تدهور الاقتصاد، الذي ضرب قطاعات السياحة، والطاقة، والصناعة التحويلية.

عاد نحو 12% من السوريين في الخارج إلى ديارهم، وهذا يفرض أعباءً فورية على الاقتصاد، لكنه يتيح نموًا مستقبليًّا بفضل زيادة العرض، والمهارات المكتسبة في الخارج.

في 25 يونيو (حزيران)، أعلن البنك الدولي الموافقة على منحة بقيمة 146 مليون دولار لمساعدة سوريا على استعادة الكهرباء. تُعرف المنحة الموافَق عليها باسم “مشروع الكهرباء الطارئ في سوريا”. وقال جان كريستوف كاريه، مدير البنك الدولي للشرق الأوسط، إن الحاجة الأكثر إلحاحًا للانتعاش الاقتصادي هي استعادة قطاع الطاقة.

في مايو (أيار)، زار السفير الأمريكي لدى تركيا، توم باراك، الذي عُيّن أيضًا مبعوثًا خاصًا في سوريا، العاصمة دمشق لافتتاح مقر إقامة السفير الأمريكي، وكانت هذه الخطوة الأولى نحو إعادة فتح السفارة الأمريكية منذ إغلاقها عام 2012.

بعد اجتماعه مع الرئيس السوري أحمد الشرع، حضر باراك توقيع اتفاقية بين ائتلاف من الشركات القطرية والتركية والأمريكية لتطوير مشروع طاقة بقوة 5000 ميغاوات لاستعادة شبكة الكهرباء السورية التي دمرتها الحرب.

يُمثل إلغاء عقوبات قيصر وتوحيد القوات العسكرية معًا نهجًا قويًّا ومزدوج المسار لبناء سوريا جديدة، فإزالة القيود الاقتصادية تفتح الباب أمام الاستثمار الدولي والمساعدات التي تُعد حاسمة لإعادة الإعمار. وفي الوقت نفسه، يعالج إنشاء جيش وطني واحد المعضلة الأمنية الأساسية التي ابتليت بها البلاد أكثر من عقد.

بينما يظل الطريق إلى الأمام محفوفًا بالتحديات -من المصالحة السياسية إلى إعادة بناء البنية التحتية المحطَّمة- تمثل هذه التطورات الرؤية الأكثر وضوحًا والأكثر أملًا لمستقبل سوريا حتى الآن. يبدو أن المجتمع الدولي وقادة سوريا أنفسهم يغتنمون فرصة تاريخية لطي صفحة حرب مدمرة أخيرًا.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير


شارك الموضوع