الأمن السيبراني وتكنولوجيا المعلوماتتقارير

سباق عسكرة الفضاء في شبه الجزيرة الهندية


  • 26 أكتوبر 2023

شارك الموضوع

مؤخرًا، وافق مجلس الوزراء الهندي على سياسة الفضاء الهندية التي أضفت الطابع المؤسسي على دور القطاع الخاص في قطاع الفضاء. وبموجب هذه السياسة، يمكن لشركات الفضاء الخاصة القيام بأنشطة فضائية شاملة، وبناء موانٍ فضائية، ومنصات إطلاق متنقلة، وتقديم الخدمات على المستويين الوطني والدولي في مجال الاتصالات، والاستشعار عن بعد، والملاحة. وفي حين تهدف هذه السياسة إلى تعزيز الإبداع والقدرات الهندية في مجال الفضاء، فإن التقدم التكنولوجي الذي تحقق من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص يهدد بإخلال التوازن الأمني الدقيق في جنوب آسيا.

تسعى الهند إلى توسيع قدراتها لتتناسب مع القوى العظمى الأخرى، ومنها الولايات المتحدة، والصين. ومع ذلك، فإن إمكانية الاستخدام المزدوج تنطوي على أخطار أمنية، وخاصة فيما يتعلق بالتنافس الهندي الباكستاني. وفي حين سيستمر القطاع الخاص الهندي في المشاركة في الأعمال التجارية والعسكرية في الفضاء، فإن الجهود المبذولة لتعزيز استقرار الردع بين الهند وباكستان يبدو أنها تتآكل؛ ما قد يعني الدخول في صراع مفتوح بشأن عسكرة الفضاء.

وتعمل الشركات الرائدة في جمعية الفضاء الهندية (IsPA) بالفعل- بشكل وثيق- مع وزارة الدفاع الهندية، وسمحت الحكومة الهندية، عام 2021، لجمعية الفضاء الهندية للقيام بالأنشطة الفضائية، مثل بناء الأقمار الصناعية، ومنصات الإطلاق والصواريخ التي يمكنها القيام بجمع البيانات ونشرها؛ مما يشير إلى أن الهند قد تتبع نفس المسار الأمريكي والصيني، فكلتا الدولتين تشجع كياناتها الخاصة على المشاركة في الأنشطة الفضائية، وهي جزء من إستراتيجية التكامل المدني العسكري، واستخدام القدرات والخدمات الفضائية التجارية الجديدة لتلبية احتياجات الأمن القومي.

عام 2023، حددت وزارة الدفاع الهندية دور الشركات الخاصة في تعزيز القدرات الدفاعية الهندية، مُعتبرة أن الحرب الروسية الأوكرانية أظهرت أن شركات مثل (SpaceX) و (Maxar) كشفت عن مجال جديد في الحرب، وقد أدى هذا- جنبًا إلى جنب مع السباق المكثف نحو عسكرة الفضاء- إلى توسيع مساحة المعركة وطبيعة الحرب؛ ما يعني أنها أصبحت أكثر تعقيدًا، وعلى أعتاب تحول كبير، على نيودلهي أن تواكبه.

أطلقت الهند (422) قمرًا صناعيًّا من (34) دولة مختلفة حتى مارس 2023. ومع ذلك، فإنها لا تضاهي أنظمة الصواريخ الصينية المتطورة. في الآونة الأخيرة، أظهرت معلومات استخباراتية مسربة أن الصين اختبرت ونشرت صاروخًا جديدًا تفوق سرعته سرعة الصوت، وأنه قد يتمكن من التهرب من الدفاعات الأمريكية. ولسد فجوة القدرات، تسعى الهند إلى استخدام التعاون بين القطاعين العام والخاص لتحديث نظام الدفاع الصاروخي لديها. ويستكشف الجيش أيضًا طرقًا لزيادة قدرة أقماره الصناعية للاستشعار عن بعد، حيث يمكن للأقمار الصناعية تحسين دقة الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة المدى إلى (20- 25) في المئة، ودقة الصواريخ الباليستية المتقدمة إلى (70) في المئة. وبينما تتزايد قدرة الهند على الاستشعار عن بعد، فإن التعاون مع الشركات التجارية يمكن أن يؤدي إلى تسريع هذه الجهود.

تمتلك الهند حاليًا ما لا يقل عن ستة أقمار صناعية لالتقاط صور بدقة فائقة. وحاولت الهند أيضًا إطلاق القمر الصناعي (GISAT 1)، لكنها فشلت في إيصاله إلى مداره. ويمكن للأقمار الصناعية التجارية أن تساعد الهند على تحسين قدراتها في مجال الاستشعار عن بعد والاستطلاع، وتدعيم قوة الردع. وتعمل شركة (Hughes Communication India)، وهي أحد الأعضاء المؤسسين لجمعية الفضاء الهندية، على توفير أنظمة أقمار صناعية للجيش الهندي، والقوات البحرية والجوية.

ومع أن المقصود من التعاون بين وزارة الدفاع الهندية والشركات التجارية الجديدة هو التنافس مع الصين، فإن قدرات الهند المضادة ضد باكستان سوف تتعزز. ومن الممكن أن يؤدي اتساع الفجوات التكنولوجية بين الهند وباكستان إلى زيادة سبل التهديد، فالطبيعة المتعددة الأغراض للأقمار الصناعية تمنح نيودلهي ميزة على إسلام آباد في حالة الحرب. وتستطيع الهند استخدام شبكات الأقمار الصناعية هذه لتقويض الدفاع الباكستاني؛ من خلال الحصول على صور عالية الدقة، وجمع المعلومات الاستخبارية القيمة، والملاحة، والاتصالات العسكرية. ويمكن لهذه الأقمار الصناعية أيضًا أن تساعد على تطوير أنظمة الإنذار المبكر للكشف عن الصواريخ الباليستية العابرة للقارات في مراحل طيرانها المختلفة، وصواريخ كروز، والصواريخ الباليستية.

أصبحت الأدوات الفضائية جزءًا لا يتجزأ من الحرب الحديثة. وقد تحولت الأقمار الصناعية إلى أداة إستراتيجية تشكل ضرورة أساسية لتحقيق النصر في الحرب، وقد تفوقت القدرات الفضائية الهندية كثيرًا على قدرات باكستان؛ مما يجعل قوة الأخيرة كلها مُعرضة للخطر، وتفقد عنصر المفاجأة والقدرة على الرد، كما تُحيد كل الأنظمة الصاروخية الباكستانية، وعلى رأسها أنظمة الدفاع الجوي. وقد أعربت باكستان عن قلقها البالغ بعد أن اختبرت الهند تجربتها لسلاح فضائي مضاد للأقمار الصناعية، وقالت إن الاختبار الهندي جعل من المستحيل استخدام الفضاء للأغراض السلمية. وفي حين قد تسعى باكستان إلى تحسين الردع من خلال الاستثمار في قدراتها الدفاعية الخاصة، فإن تكلفة التقدم قد تكون باهظة، خاصة في ظل المناخ الاقتصادي الحالي للبلاد.


شارك الموضوع