مقالات المركز

زيارة الرئيس السوري إلى الإمارات


  • 30 أبريل 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: arabic.cnn

تُعد زيارة الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع إلى الإمارات زيارة مهمة لسوريا، وللإمارات أيضًا، وقد تكون أبرز زيارة أجراها الشرع منذ أن تولى رئاسة المرحلة الانتقالية، نتيجة هواجس موضوعية لدى الجانبين.

وتأتي الزيارة في إطار جهود دمشق الدبلوماسية المكوكية لتوسيع الاعتراف الإقليمي والدولي بحكومة سوريا الناشئة، وذلك من خلال تطمين الدول التي تنتابها بعض الشكوك تجاه التاريخ المندثر لـ”هيئة تحرير الشام”، التي تشكل عصب الحكومة الناشئة في دمشق. بجانب ذلك، تسعى دمشق لتعزيز صورتها الإقليمية.

قبلها، استضافت أبو ظبي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الفائت وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ناقش خلالها مع نظيره الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان سبل تعزيز العلاقات الثنائية. كما حضر الشيباني في فبراير (شباط) الماضي القمة العالمية للحكومات في دبي. وجميعها مؤشرات على اهتمام مشترك بتطوير علاقة البلدين، والارتقاء بها إلى مستوى أعلى، بعد إزالة هواجس كل طرف تجاه الآخر، والتي يبدو أنه تم إزاحة بعضها أو أغلبها خلال زيارة الشرع، بالنظر إلى خطوات تم ترجمتها على أرض الواقع، بجانب التصريحات الإيجابية من قبل الطرفين، وأهمها وعد الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان بدعم لا محدود ولا مشروط لأمن واستقرار سوريا، باعتبارهما مهمين لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها. إلى جانب دعمه لحكومة دمشق الجديدة، والمساعدة بإعادة إعمارها. وقبلها، خلال اتصال تلقاه من الشرع، أعرب الرئيس الإماراتي عن دعم بلاده لتطلعات الشعب السوري إلى الاستقرار والأمن.

مع ذلك، تبقى الجهود والآمال مقيدة بالعقوبات الغربية والأمريكية على سوريا، وأهمها عقوبات “قيصر” ذات النطاق الواسع، التي جددها الكونغرس نهاية العام الماضي، رغم التطورات الأخيرة والهامة في سوريا. حيث يستهدف القانون الجهود الدولية لضخ مساعدات إعادة الإعمار أو الاستثمار في سوريا، ما يهدد المنتهكين بالعزل عن الأنظمة المالية الأمريكية والدولية.

وعلى ذلك، فإن الوعود الإماراتية الأخيرة، رغم جديتها، لا تعدو أن تكون وعودًا مستقبلية فضفاضة. وعلى الرغم من إشارة الشيباني إلى مكاسب استثمارية محققة، إلا أنه، وبحسب مطلعين، لم يكن هناك أي حديث عن مبالغ “حالية” أو “محددة”، أو مجالات معينة للاستثمارات الإماراتية، والتي غالبًا ما ستنطلق من اتفاقاتها القديمة مع حكومة الأسد في مجال العقارات، ومحطة توليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية، وإعادة تطوير قطاع المياه، ولاحقًا للاستثمار في قطاع التجارة والذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات، مع قطاع البنية التحتية وطرق الإمداد، وقطاع الطاقة، لاسيما في الساحل السوري، بجانب تطوير وإدارة الموانئ السورية، حيث تشكل القطاعات الثلاثة الأخيرة ركيزة أساسية في سياسة أبو ظبي الخارجية وجهود تعزيزها التكامل والتعاون الإقليمي والدولي، بما يمكنها من حجز مكانة مميزة عبرها.

مع ذلك، شكلت الزيارة تأطيرًا لأسس التعاون السياسي والأمني بين البلدين. فبالتزامن مع الزيارة، تم الإعلان عن حل اللواء الثامن، المحسوب على الإمارات، والذي ينتشر بجنوب سوريا، ويقوده الضابط العسكري المنشق أحمد العودة. وإلى جانب حل نفسه، أعلن اللواء اندماجه مع وزارة الدفاع السورية ووضع أسلحته وعناصره تحت تصرفها. إذ أن اللواء المذكور لم يشارك في مؤتمر النصر الذي انعقد في 25 ديسمبر (كانون الأول)، الذي وافقت خلاله الفصائل المسلحة على حل نفسها والاندماج بالمؤسسة العسكرية الوليدة. كذلك تم البدء بتسيير الرحلات الجوية بين الدولتين، بجانب البحث في الدور الذي يمكن أن تلعبه أبو ظبي في مسألة رفع العقوبات الغربية عن سوريا، أو في ضبط التصرفات الإسرائيلية المزعزعة لاستقرار سوريا، نظرًا لكونها إحدى الدول الإقليمية القلائل التي تتمتع بعلاقات مميزة مع إسرائيل، وهو ما يؤهلها مستقبلاً لرعاية مفاوضات قد تقضي إلى اتفاق تطبيع العلاقات بين سوريا وإسرائيل، وفق المطلعين.

وعليه، تمثل زيارة الشرع إلى الإمارات خطوة باتجاه بناء الثقة بين الجانبين، كما تشير إلى استعداد أبو ظبي للانتقال من المراقبة الحذرة إلى المشاركة النشطة، لكن دون الاستعداد الجدي للاستثمار في بلد يسوده عدم اليقين السياسي والأمني. لذا تحتاج إلى إشارات جدية أكثر وضوحًا حتى تخصص مواردها، أو تنخرط دبلوماسيًا لحشد الدعم الإقليمي والدولي للاعتراف بالحكومة السورية الجديدة أو لرفع العقوبات المفروضة على سوريا. وهو ما يتطلب من الرئيس الشرع موثوقية بالحكم البراغماتي والشامل. إذ أنه بدون تماسك سياسي داخلي واستقرار أمني، لن تقدم الإمارات على تعزيز خطوات جريئة باتجاه شراكة يسعى الجانبان للوصول إليها. فالمشهد السياسي السوري لا يزال ينتابه الغموض الاستراتيجي، حسب تقييم أبو ظبي، بجانب عدم ثقتها في تيارات الإسلام السياسي، مع خوفها من هيمنة النفوذ التركي في سوريا.

ومن جانبها، تسعى أنقرة إلى إشراك دول الخليج، التي تنظر بحذر إلى جماعات الإسلام السياسي، لتأمين دعمها طويل الأمد لمستقبل سوريا. ويأتي ذلك نتيجة إدراكها أن أي جهد لإعادة الإعمار في سوريا سيتطلب تمويلاً من دول الخليج والقوى الغربية وغيرها. وعليه، تدفع أنقرة باتجاه ضرورة سماع مخاوف الدول الخليجية، وخصوصًا السعودية والإمارات، وأن تكون نصائحها موضع تقدير لدى دمشق.

بدورها، وبجانب طموحاتها المشروعة بحجز دور مركزي في إعادة إعمار سوريا، تدفع السعودية والإمارات وقطر باتجاه تطوير علاقاتها الثنائية والمتعددة الأطراف مع سوريا الجديدة، وعلى مختلف الصعد، لاسيما السياسية والدفاعية والأمنية، وذلك بعد عودة سوريا إلى محيطها العربي، ولعرقلة استبدال النفوذ الإيراني بنفوذ آخر. وبعد الآثار السلبية التي طالت دول الخليج جراء الأزمة السورية أيضًا، حيث ترغب هذه الدول في رؤية سوريا ضمن تحالف جيوسياسي معها، ضمن مصالحها الجيوسياسية الأوسع نطاقًا، والتي تتعدى الشرق الأوسط، في ظل تحول النظام الدولي إلى نظام أكثر تعددية الأقطاب. وعلى الرغم من تباين مواقفها في بعض الجوانب، ومنها النظرة إلى النظام الجديد في سوريا، حيث كان لدى الإمارات وسلطنة عُمان تحفظاتهما عليه، مع ذلك نجحت الدول الخليجية في أغلب الأحيان في الظهور بموقف خليجي متماسك.

وعلى الضفة الأوروبية من العالم الغربي، تنظر دول القارة العجوز بإيجابية إلى توسيع دائرة الانخراط الدبلوماسي لحكومة دمشق مع الفاعلين الإقليميين والدوليين، نظراً لتداعيات الحدث السوري على أراضيها، نتيجة لما يمكن أن تشكله الجغرافية السورية من منطلق أو عبور لهجمات إرهابية تطال دول القارة أو رعاياها ومصالحها في المنطقة، أو نتيجة الخشية من موجات جديدة لتدفق اللاجئين السوريين إليها. وتاليًا، فإن زيارة الشرع إلى الإمارات كانت محل ترحيب أوروبي، نظراً للتعاون الإماراتي الأوروبي في مجالات مكافحة الإرهاب وتخفيف تدفق اللاجئين. وعليه، فإن أي جهود إماراتية مستقبلية لرفع العقوبات عن سوريا، سواء أكانت منفردة أو مجتمعة مع السعودية وتركيا وقطر، ستلقى دعم وتأييد الدول الأوروبية، والتي سيبقى مصيرها مرهونًا بيد الولايات المتحدة الأمريكية، والتي لم تظهر إلى الآن إشارات إيجابية تجاهها. حيث يبقى الموقف الأمريكي تجاه سوريا مرهوناً لوجهة نظر إسرائيل، الراغبة في إبقاء سوريا ضعيفة ومجزأة، أو إحداهما، وعليه تطلب من واشنطن عدم رفع العقوبات عن سوريا، أو عدم الاستعجال برفعها، مع النظر بإمكانية توظيفها كورقة مساومة للوصول إلى اتفاق لترسيم الحدود بين سوريا وإسرائيل أو لتطبيع العلاقة بينهما.

مع ذلك، وعلى الرغم من تماهي واشنطن مع نظرة تل أبيب، إلا أنها تنظر لاحتمالية عودة عدم الاستقرار إلى سوريا كمخاطر تهدد مصالحها وشركائها الإقليميين، وكنافذة قد تعيد النفوذ الإيراني إلى سوريا بعد زواله مع سقوط نظام الأسد. وعليه، لن تغلق الباب نهائياً أمام تكاتف جهود شركائها الخليجيين والإقليميين والأوروبيين في دعم تعافٍ محدود في بعض القطاعات الخدمية والاقتصادية السورية، لكنها لن تفتح الباب مطلقاً، على الأقل في المنظور القريب، أمام عملية إعادة إعمار شاملة وواسعة النطاق في سوريا، قبل التأكد من تمكن الحكام الجدد من إقرار الأمن والسيادة على كامل الجغرافية السورية، وضمن مؤسسات وطنية تمثل جميع السوريين.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع