أبحاث ودراساتمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة

روسيا وحركة طالبان.. رحلة تحليلية نحو فهم التأثيرات الإقليمية والدولية


  • 27 ديسمبر 2023

شارك الموضوع

ظهرت حركة طالبان، بوصفها حركة إسلامية، في أفغانستان، وتأسست على يد طلاب المدارس الدينية في ولاية قندهار عام 1994، وهي ولاية تقع في جنوب غرب أفغانستان على الحدود مع باكستان. قاد الملا محمد عمر مجاهد (1959-2013) هذه الحركة، حيث كانت أهدافها الرئيسة تحقيق العدالة الاجتماعية، والقضاء على الفساد الأخلاقي.

بعد انسحاب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان تداعت الأحداث، وتزايدت الصراعات الداخلية والخارجية التي أسهمت في تكوين حركة طالبان وصعودها. الحروب الأهلية التي شهدتها البلاد أفقدتها الاستقرار، وخلقت حالة من الفوضى، والانقسامات الإدارية والأمنية. انعدام النظام، والتشتت الإداري بعد انسحاب الاتحاد السوفيتي، أديا إلى تقسيم السلطة بين عدة جماعات وقوى؛ مما أثّر سلبًا في حياة الأفغان، وجعلهم يبحثون عن سبل لاستعادة الأمن والاستقرار.

ظهرت حركة طالبان بديلًا جاذبًا للكثيرين، حيث قدمت نفسها بوصفها الجهة المنقذة من الفوضى والفساد الأخلاقي الذي انتشر انتشارًا كبيرًا بعد الفترة الشيوعية. توجه الأفغان نحو الحركة كان نتيجة للرغبة في إعادة الوحدة والاستقرار إلى البلاد، ورغم أهدافها الإسلامية الأولية، ازداد انجذاب الشعب إليها بسبب وعدها بتحقيق الأمن والنظام، ومحاربة الفساد والجريمة.

عوامل خارجية أيضًا أسهمت في نمو الحركة وتقدمها، فباكستان كانت تبحث عن حكومة صديقة في أفغانستان لتسهيل التبادل التجاري، وللتعاون في السياسات الإقليمية. ومن جهة أخرى، التقاطع مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية كان واضحًا، إذ كانت في البداية ترى الحركة كأداة تستخدم للضغط على النفوذ الإيراني، وتحقيق أهداف سياسية معينة.

أما أهداف الحركة، فتطورت مع مرور الزمن. بدأت طالبان بإعلان هدفها في استعادة الأمن، وجمع الأسلحة، لكن سرعان ما تغيرت أهدافها لتصبح تأسيس حكومة إسلامية تسير على خطى الخلافة الراشدة. تركزت أهدافها على تطبيق الشريعة الإسلامية، وإقامة نظام إسلامي شامل، والتركيز على قضايا الأخلاق والتعليم بمنهج إسلامي، إلى جانب محاربة الفساد، وتوزيع الثروة توزيعًا أكثر عدالة.

هذه الديناميات الداخلية والخارجية ألهمت طالبان، وساعدت على تشكيل رؤيتهم لإدارة أفغانستان، وعلى الرغم من التباين في الآراء بشأنها، فإنها بقيت كيانًا قويًّا يؤثر في المشهد السياسي والاجتماعي في البلاد.

بالإضافة إلى العوامل التي ذكرت سابقًا، أسهمت الظروف الاقتصادية الصعبة، وتدهور الحياة اليومية للأفغان، في تعزيز قبولهم حكم طالبان؛ فقد تسببت الحروب والفوضى في انعدام الأمان، والفقر المستمر؛ مما دفع بعضهم إلى رؤية طالبان على أنها وسيلة لإحلال الاستقرار، وتوفير الحياة اليومية الأكثر أمانًا.

بالإضافة إلى ذلك، تصاعدت ظاهرة “أمراء الحرب” الذين استفادوا من مرحلة ما بعد الحرب السوفيتية، حيث تجنبوا القانون، واستولوا على ثروات البلاد وحقوق الشعب. كانت حركة طالبان تعد نفسها وسيلة لإنهاء هذه الفساد، وتوجيه الثروة الوطنية توجيهًا أكثر عدالة؛ مما زاد جاذبيتها بين الأفغان الباحثين عن العدالة الاقتصادية والاجتماعية.

تعد العوامل الدينية أيضًا من العوامل الرئيسة التي دعمت حركة طالبان؛ فلأنها حركة إسلامية، استفادت من الجوانب الدينية لتأكيد هويتها، وتبرير أهدافها. قدمت نفسها على أنها محافظة على القيم والتقاليد الإسلامية؛ مما أشعل شرارة الدعم لدى الأفغان الذين يرغبون في رؤية تطبيق أحكام الشريعة في حياتهم اليومية.

تكاملت هذه العوامل الداخلية والخارجية لدعم نمو حركة لطالبان وتشكيلها بوصفها قوة سياسية واجتماعية تؤثر- تأثيرًا كبيرًا- في مستقبل أفغانستان. وعلى الرغم من التحولات في سياق الشؤون الدولية والإقليمية، تظل حركة طالبان تحديًا كبيرًا لتحقيق الاستقرار والتنمية في هذا البلد المهم.

أفغانستان في عهد حركة طالبان

مع انسحاب القوات الدولية، وسيطرة حركة طالبان على أفغانستان، يفتح هذا الفصل الجديد في تاريخ البلاد فصلًا جديدًا من التحديات والآمال للشعب الأفغاني. الحركة الإسلامية استخدمت التفاوض بحذر لتحقيق أهدافها، وبالفعل، سيطرت- سيطرة شبه كاملة- على المدن والمناطق الريفية، ومنها العاصمة كابول.

تاريخ أفغانستان كان مملوءًا بالتحولات والنزاعات، ولكن هذا الفصل الجديد يتسم بالتحول الإستراتيجي البارز، حيث تحققت سيطرة طالبان بدون مواجهات عسكرية واسعة النطاق في البلاد. بدلًا من ذلك، كان هناك اتفاق دبلوماسي مدروس مع القوات الدولية، مما أدى إلى انسحاب تدريجي، وسيطرة تامة للحركة على معظم المناطق الأفغانية.

تظهر المدة الزمنية بين الهجمات الإرهابية في سبتمبر 2001 وسيطرة طالبان على البلاد اليوم، على أنها مرحلة حافلة بالتحديات والقرارات الصعبة، حيث بدأت الولايات المتحدة بسحب قواتها في عهد الرئيس دونالد ترمب، وتابعت العملية الحالية تحت إشراف الرئيس جو بايدن.

في الوقت الذي أشاد فيه البعض بنهاية الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان، يثير هذا السيناريو تساؤلات عن مستقبل الأمان والحكم في البلاد. الرئيس الأمريكي أكد أن هذا القرار هو القرار الصحيح، مع تأكيد عدم إمكانية إرسال جيل جديد من الجنود الأمريكيين إلى حروب غير قابلة للتنبؤ بنتائج.

مع تصاعد التطورات في الفترة الأخيرة، يظهر أن التحديات لا تزال كبيرة، ويعد تصريح زعيم طالبان بأنهم “انتصروا في الحرب” إشارة إلى الصعوبات التي تواجه البلاد. يبدو أن الفترة القادمة ستشهد مفاوضات داخلية ودولية بشأن مستقبل أفغانستان، وسيكون عليها التعامل مع تحديات تشمل الأمن، وحقوق الإنسان، والتنمية.

روسيا وحركة طالبان

بدأت روسيا، بمبادرة ذكية ومتنوعة، بتوظيف علاقاتها مع حركة طالبان الأفغانية، تحت سقف إستراتيجية تهدف إلى تخطي الضغوط الدولية المتنامية نتيجة لتورطها في الأزمة الأوكرانية. يتبنى الكرملين هذا النهج الجديد، حيث يتجاوز العلاقات السياسية النمطية إلى التعاون الاقتصادي والثقافي مع حركة طالبان؛ بغية تحقيق مكاسب إستراتيجية تخدم مصالح روسيا في المنطقة.

رغم تصنيف طالبان منظمةً إرهابيةً في روسيا، فإن هذا لم يمنع موسكو من التفاوض والتعاون مع قادة الحركة. ترى روسيا أن هذا التحول في العلاقات يشكل فرصة لتعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد والثقافة، وهو ما يمثل خطوة إستراتيجية نحو تحقيق مصالحها في المنطقة الحيوية لأفغانستان.

وفي هذا السياق، قد تكون فرص توثيق العلاقات الثقافية والاقتصادية بين روسيا وطالبان محدودة في الوقت الحالي. ومع ذلك، يتطلع الكرملين إلى تحقيق مكاسب جادة في المستقبل، حيث يُظهر التفاؤل بإمكانية تعزيز التبادل التجاري والتعاون في مشروعات البنية التحتية، مثل خط أنابيب الغاز، والسكك الحديدية.

تاريخ العلاقات بين روسيا وطالبان

 كانت هذه العلاقات غير مستقرة في عهد حكم طالبان لأفغانستان بين عامي 1996 و2001. في تلك الحقبة، كانت روسيا تتبنى موقفًا معاديًا لطالبان، وتتوافق مع سياسات الغرب. لكن مع تدهور العلاقات الروسية الغربية في حقبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي غيّر مسار روسيا، شهدت روسيا تحولًا في التعامل مع طالبان، حيث أصبحت موسكو ترى طالبان شريكًا إستراتيجيًّا يمكن الاستفادة من التعاون معه.

وبالرغم من الآفاق الايجابية لتعزيز الروابط الاقتصادية والتعاون الاقتصادي بين روسيا وطالبان، يشير المحلل والكاتب الروسي رسلان سليمانوف، المتخصص في قضايا الشرق الأوسط، في تحليل نشره موقع مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، وذلك بعدما زار أفغانستان مؤخرًا، والتقى قيادات من حركة طالبان، يشير إلى التحديات التي تواجه هذا السعي، ومنها مشكلات الأمن في أفغانستان، التي تقلل فرص تنفيذ المشروعات الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، يُسلط الضوء على التغيرات الاجتماعية والثقافية في أفغانستان، حيث يُظهر أن الشباب الأفغان يتجهون نحو تفضيل الولايات المتحدة خيارًا أول عند التفكير في مستقبلهم.

على الرغم من هذه التحديات، يستمر الكرملين في سعيه إلى تعزيز الروابط مع طالبان، بوصفه جزءًا من إستراتيجيته الإقليمية الشاملة. يركز هذا التحليل على تصاعد الدور الروسي في التحكم بالتطورات في أفغانستان، مع تحقيق مكاسب إستراتيجية ورمزية، دون التورط العميق في الشؤون الداخلية الأفغانية.

روسيا والواقع الجديد في افغانستان

في هذا التحليل للواقع الجديد الذي تعيشه أفغانستان والمنطقة، نجد أن روسيا تتخذ سياسة إستراتيجية تجاه حركة طالبان في أفغانستان، تتجاوز البعد الاقتصادي لتشمل الجوانب السياسية والأمنية. يُظهر هذا التوجه إستراتيجية روسيا في محاولة للخروج من العزلة الدولية التي فرضها الغرب بسبب الأزمة في أوكرانيا. يركز التحليل السياسي على عدة نقاط:

أولًا: التحول في العلاقات بين روسيا وطالبان، حيث يتم التعامل معها على أنها شريك إستراتيجي يمكنه الإسهام في تحقيق أهداف روسيا الإقليمية. يتضح أن روسيا ترى في طالبان فرصة لتحقيق مكاسب سياسية وأمنية، وليس فرصًا اقتصادية فقط.

ثانيًا: أهمية تحقيق الأمن والاستقرار في أفغانستان كمفتاح لتحقيق التعاون الاقتصادي بين روسيا وأفغانستان؛ إذ تشكل التحديات الأمنية عائقًا كبيرًا أمام مشروعات البنية التحتية المشتركة؛ مما يبرز أهمية تحقيق الأمن كمرحلة أولى للتعاون الاقتصادي.

ثالثًا: التفاوض الدبلوماسي، وتشكيل التحالفات السياسية كوسيلة لتعزيز العلاقات مع طالبان. يُظهر قرار روسيا السماح لمسؤولي طالبان بتمثيل أفغانستان دبلوماسيًّا في روسيا استمرار هذا التوجه، حيث يُعد ذلك إشارة إلى التقارب السياسي المستمر.

رابعًا: أهمية توجيه الرأي العام الداخلي، حيث يُظهر الكرملين ضرورة تبرير التعامل مع طالبان بوصفها “شريكًا إستراتيجيًّا”. يركز هذا التبرير على تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، ويُظهر استخدامه لتأكيد أهمية التعاون مع حكومة أفغانستان الحالية.

روسيا مهتمة ببناء علاقات قوية مع كل الأطراف التي تدعم السياسية الغربية، ولو كانت هذه الجهة هي طالبان، ومع ذلك فإن حركة طالبان أصبحت تمثل أفغانستان. في السابق، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تستعمل طالبان أداةً ضد الجيش السوفيتي؛ ولذلك فإن روسيا تفهم تداعيات ذلك. السياسة الأمريكية فشلت في كل من الأفغانستان والعراق، والحروب التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد طالبان لم تسفر عن نتيجة إيجابية، لا للشعب الأفغاني الذي كان يناضل من أجل الاستقلال عن الاحتلال، ولا للولايات المتحدة الأمريكية التي فشلت سياستها في جلب أي نتائج إيجابية للمنطقة، سوى الحروب والدمار، والتي على إثرها ظهرت القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية.

من المهم لروسيا بناء علاقات مع أطراف مختلفة، واستعمال القوة الناعمة لكي تُحدث تغييرات إيجابية في الدول التي لروسيا دور فيها في السابق. الاتحاد السوفيتي كان يستعمل أدوات مختلفة للتأثير في الدول التي لديه علاقات دبلوماسية معها.

روسيا تستخدم القوة الناعمة في أفغانستان من خلال تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع حركة طالبان، حيث سمحت لقياديين بتمثيل أفغانستان دبلوماسيًّا في روسيا، مؤكدة اعترافها غير الرسمي بحكومة طالبان. تتضمن إستراتيجية روسيا أيضًا التعاون الاقتصادي ومشروعات التنمية، مثل خط أنابيب الغاز، لتحقيق التوازن الاقتصادي، والتأثير المتبادل. يستخدم الجانب الروسي وسائل الإعلام لرسم صورة إيجابية عن التعاون مع طالبان، ويوظف التأثير الإعلامي لتبرير السياسات، وتشجيع التفاعل الإيجابي. كما تقدم روسيا الدعم الثقافي والتعليمي لتعزيز الروابط الشخصية، وتظهر التزامها بتطوير العلاقات. في إطار أمني، تسعى روسيا إلى المشاركة في التعاون الأمني لمكافحة التحديات المشتركة، مثل الإرهاب، وتسعى إلى تحقيق التعاون مع طالبان في هذا السياق. ومن خلال التعاون مع الأطراف الإقليمية، يمكن لروسيا تعزيز تأثيرها، وتحقيق تنسيق أوسع للتعامل مع قضايا أفغانستان، وهو جزء من إستراتيجية أوسع لتحقيق التوازن الإقليمي، والحفاظ على مصالحها الإستراتيجية.

طالبان وحليف روسيا إيران

عندما تتباهى طالبان بعدم خوفها من إيران، وتهدد بالقتال بحماسة أكبر، فإن ذلك يعكس العلاقة الدقيقة بين إيران وحركة طالبان. يشير هذا السلوك إلى تاريخ معقد من التعاون والتصادم بين الطرفين. وفي سياق الصراع الأفغاني، كانت إيران توفر الدعم لطالبان بشكل غير رسمي، مثل تزويدها بالأسلحة، وتقديم التدريب العسكري. قدّم الحرس الثوري الإيراني دعمًا ماليًّا كبيرًا لطالبان، يمكن أن يصل إلى مئات الملايين من الدولارات سنويًّا.

تأتي هذه العلاقة في ظل مصالح متشابكة وضغائن متبادلة. قد تستفيد طالبان من دعم إيران، ويبدو أن النظام الإيراني يرى في طالبان فرصة لتحقيق أهدافه الإستراتيجية، وتعزيز نفوذه في المنطقة. تحمل هذه العلاقة بين الطرفين عناصر من التفاهم والتوتر، حيث يعكس الصمت الرسمي تجاه بعض التحديات، المشكلات التي قد تتعرض لها المنطقة وأفغانستان بسبب سياسة الحركة تجاه شيعة أفغانستان.

بينما تسعى إيران بوصفها دولة مؤثرة في المنطقة للاستثمار في الأزمة الأفغانية لتحقيق مصالحها الإستراتيجية، يظل من المهم أن تتعامل مع تحديات تنشأ من تفاوت المصالح والتهديدات الأمنية المستمرة. بعد انسحاب القوات الأمريكية، تشهد المنطقة تحولات كبيرة، وتظهر العلاقة بين إيران وطالبان بوصفها جزءًا من هذا السياق الديناميكي المعقد.

استفادت إيران من علاقتها بحركة طالبان في الماضي لتعزيز نفوذها في المنطقة، خاصة خلال سنوات الصراع مع الولايات المتحدة في أفغانستان. ومع أن الحرس الثوري الإيراني قدم دعمًا لطالبان بوسائل غير رسمية، فإن هذا الدعم لم يُقدم بدون تحفظات. إن فهم طهران للديناميات الأفغانية يساعدها على التحكم في تلك العلاقة، واستخدام طالبان كورقة في مواجهتها مع الأطراف الإقليمية والدولية.

تعكس مواقف طالبان بالتصعيد، وتهديداتها لإيران، تحولات في التوازنات الإقليمية، وتبرز استعداد طالبان لتحالفات غير متوقعة. يعود هذا إلى تفضيل طالبان السعي إلى دعم يسهم في تعزيز استقرارها داخل أفغانستان، وقد يكون ذلك متضمنًا استغلال العلاقات مع إيران في مرحلة معينة.

من الواضح أن طالبان تدرك حجم التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها، وتشير التصريحات التي تهدد فيها بالقتال إلى قدرتها على اللجوء إلى مختلف الخيارات لتحقيق مصالحها. وفي هذا السياق، يظهر الاستخدام الذكي للقوة الناعمة من جانب روسيا في النزاعات الإقليمية، حيث تُعزّز علاقاتها مع أطراف مختلفة، ومنها طالبان.

على الرغم من التوترات التاريخية والدينية بين الشيعة الإيرانيين والسنة في طالبان، يظهر التواصل بين الطرفين بوصفه تجسيدًا للمصالح السياسية والأمنية المشتركة في ظل تحولات الوضع في المنطقة. يتطلب التحليل المستمر للتحولات السياسية لهذه العلاقات الدبلوماسية العلاقة الديناميكيات المعقدة بين الأطراف، ولعمل هذا التحليل نحتاج إلى الإلمام الدقيق بتفاصيل تاريخ هذه العلاقة لكي ندرك جيدًا ونفهم التحديات والفرص التي تطرأ في ظل التغيرات المستمرة في أفغانستان والمنطقة المحيطة.

قد تحاول الولايات المتحدة الأمريكية في المستقل القريب العمل على أن يكون هناك صراع بين السنة والشيعة، وتحاول خلق صدام بين طالبان وإيران لكي تفجر المنطقة، ويظهر الصراع السني الشيعي بقوة، ويؤثر في إيران بوصفها دولة مؤثرة في المنطقة؛ لضمان أمن إسرائيل، التي ترى في المشروع الإيراني تهديدًا مباشرًا لمصالحها التي هي مرتبطة بالسياسة الأمريكية. في السابق، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحرض العراق على الحرب على إيران، ومن المعروف أن الحرب العراقية الإيرانية كان صراعًا معقدًا، حيث لم يكن هناك نظام يمثل الخير أو الشر، بل كانت الأنظمة المتورطة متطرفة، وقادت الشعبين الإيراني والعراقي نحو التصعيد. تحولت هذه الحرب إلى حاجة إنسانية، حيث كان من الضروري إنهاؤها في أقرب وقت ممكن، وبدلًا من أن تسعى الولايات المتحدة إلى إنهاء النزاع الدموي الذي أدى إلى معاناة بشرية كبيرة، قررت توجيه جهودها نحو المنافسة مع الاتحاد السوفيتي. قدمت الولايات المتحدة معلومات استخباراتية لكلا الطرفين بعضها حقيقي، وبعضها مضلل، وأمدت الجانبين المتحاربين بالأسلحة.

بلغت قيمة مشتريات الأسلحة لكل طرف مشارك في النزاع مليارات الدولارات، وكانت حصة الولايات المتحدة في تلك المشتريات كبيرة، وتجاوزت نسبة كبيرة من إجمالي مشتريات الأسلحة في العالم. موّلت الولايات المتحدة أيضًا مجموعات معارضة، وبحثت عن قواعد عسكرية في منطقة الخليج العربي. أرسلت أيضًا أسطولها البحري إلى مياه الخليج كجزء من إستراتيجيتها لتحقيق التفوق العسكري والإستراتيجي على الاتحاد السوفيتي.

بهذا، تُظهر الأحداث التاريخية كيف استُخدمت الحرب العراقية الإيرانية في سياق الصراعات الدولية، والتنافس بين القوى الكبرى، بدلًا من التركيز على إنهاء الصراع، وحل المشكلات الإنسانية.

صفقة طالبان مع واشنطن

إثر صفقة طالبان مع واشنطن، زادت التوترات بين الحركة وإيران، حيث تسببت هذه الصفقة في تكدير العلاقة بين الطرفين (أي طالبان وإيران)، وقد ظهر ذلك جليًّا في استنكار إيران هيمنة طالبان على الساحة السياسية الأفغانية، وتأكيدها ضرورة توسيع دائرة التمثيل الحكومي، لتشمل جميع أقليات البلاد، خاصةً الشيعة.

في سياقها الإستراتيجي، ترى إيران أن التورط في نزاع مع طالبان قد يكون غير مُجدٍ، وتتبنى موقفًا حذرًا يتمثل في استجابة محدودة، وربما ردود فعل ضرورية. يرى البعض أن الصراع مع طالبان لن يكون إلا إهدارًا للوقت، وربما فخًا كبيرًا ينطوي على تكاليف باهظة، لا يُعدُّ استمراره مجديًا.

تتميز العلاقة بين النظامين بالتنوع والتشدد، حيث يختلفان في كثير من الجوانب، وفي الوقت نفسه يتفقان في بعض القضايا. يُظهر الفارق الطائفي بين طالبان بوصفها حركة سنية والنظام الإيراني بوصفه دولة شيعية التحديات التي يواجهها الطرفان. ورغم اختلافهما الفكري، فإنهما يتشاركان في عدد من الأمور، مثل قمع الحريات، وتهميش المرأة، وسيطرة رجال الدين على الحكم.

مع إعلان إيران وطالبان محاربة تنظيم “داعش”، فإن ذلك يُظهر تفاؤل طالبان بضمان استقرارها داخل أفغانستان، مما قد يتطلب عقد تحالفات غير متوقعة مع أطراف إقليمية. يعكس هذا الواقع استخدام روسيا الذكي للقوة الناعمة في إدارة النزاعات الإقليمية.

تجسد العلاقة التاريخية والدينية المتوترة بين الشيعة الإيرانيين والسنة في طالبان التحديات الكبيرة التي تواجه الطرفين. ومع ذلك، تظهر هذه العلاقة مثالًا على كيفية استخدام الطرفين للديناميات المعقدة لمصلحتهما، وكيف يمكن لفهم دقيق لهذه العلاقة توفير رؤية أفضل بشأن التحديات والفرص المستقبلية، في ظل تطورات الأوضاع في أفغانستان، والمنطقة المحيطة بها.

الاستنتاجات
من بين التحديات الرئيسة التي تواجه العلاقة بين طالبان وإيران، نجد غضب طهران من التطورات في أفغانستان بعد صفقة طالبان مع واشنطن، حيث ترى إيران أنها لا تستفيد من نجاح طالبان، خاصة في ظل هيمنتها على المشهد الأفغاني، وتجاوزها للتمثيل الشامل للحكومة. يظهر هنا توتر العلاقة بين الأغلبية السنية في طالبان والأقلية الشيعية في إيران، مما يعكس تحديًا طائفيًّا يعوق التفاهم.

مع ذلك، يظهر أن هناك توازنًا حذرًا يسود سياسة إيران تجاه طالبان، يُبرز الخوف من الانجراف إلى نزاع غير مجدٍ مع الحركة، قد يُحدث جدلًا بشأن الفوائد المحتملة والتكاليف الباهظة المرتبطة به. يرى كثيرون أن النزاع مع طالبان قد يكون له تأثير ضار على إيران، ومن ثم فإن تجنب المواجهة المفتوحة يبدو خيارًا مناسبًا.

من الجوانب الإيجابية، يبرز تفاهم مشترك بين روسيا وطالبان في بعض القضايا، مثل محاربة بعض التنظيمات المتشددة، كالقاعدة، وداعش. يعكس هذا التوازن بين روسيا وطالبان تفاعلات معقدة تستند إلى المصالح المشتركة، حيث يعتبر كل طرف الآخر شريكًا في تحقيق أهدافه.

أخيرًا، يظهر أن روسيا تعتمد بذكاء على القوة الناعمة في إدارة النزاعات الإقليمية، وتستفيد من التحالفات غير المتوقعة لتعزيز مصالحها في المنطقة؛ مما يُظهر أنها دولة محنكة في استغلال الفرص، وتحقيق التوازن بين المتغيرات المعقدة في الساحة الدولية والإقليمية.

ما ورد في الدراسة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع