مختارات أوراسية

روسيا والحاجة إلى إعادة الاعتبار للردع النووي


  • 17 يناير 2024

شارك الموضوع

“علينا- نحن الروس- الروس السلاف، والروس التتار، والروس الياقوت، والروس البورياتيين المغول، والروس الشيشان، أن نؤمن ونقتنع- بشكل لا جدال فيه- أننا شعب الله المختار. نحن حقًّا شعب مميز، والشعب الأكثر حضارة، وبلدنا يمثل حضارة الحضارات. لدى شعبنا عدة مهام، إحداها هي تحرير العالم من كل أشكال الهيمنة، واستعباد الإنسان، ونير الغرب الجاثم على صدر البشرية منذ 500 عام”.

بهذه الكلمات، افتتح سيرغي كاراغانوف، الرئيس الفخري لهيئة رئاسة مجلس السياسة الخارجية والدفاع في روسيا، مقابلته مع مجلة بيزنس أونلاين (БИЗНЕС Online) الروسية، التي أجراها معه الصحفيان رشيد غالياموف وأولغا فانديشيفا. سيرغي كاراغانوف، بدأ حياته، وجُل وقته فيما بعد من خلال كتاباته وأبحاثه، بتأييد الغرب والتحالف معه، ثم تحول إلى مناضل ضد الهيمنة الغربية. وقد أثار مقاله في يونيو (حزيران) 2023، تحت عنوان: «استخدام الأسلحة النووية لإنقاذ البشرية من كارثة عالمية»، تسونامي حسب كاراغانوف، من ردود حادة، واعتراضات، وخلافات، ولكنه أصر على موقفه، وأكده أكثر من مرة. أدت هذه التصريحات إلى رد فعل عنيف في الغرب، وهو أمر مفهوم تمامًا، حيث تؤخذ كلمات كاراغانوف دائمًا على محمل الجد، سواء في روسيا، أو في الخارج، فهو ليس مجرد عالم سياسي مشهور، يتمتع بمكانة عالية، ولكنه أيضًا ممثل بارز للنخبة الروسية، يؤخذ رأيه بعين الاعتبار في أعلى مستويات السلطة في الاتحاد الروسي. يمكن الحكم على ذلك من خلال التواصل المباشر بين كاراغانوف وبوتين علنًا (على سبيل المثال، في إطار منتدى نادي فالداي الدولي)، ومن خلال حقيقة أن أعماله تُرسَل شخصيًّا إلى الرئيس، وهو ما أكده كاراغانوف نفسه.

تتحدث وتكتب كثيرًا عن إعادة تشكيل روسيا. لقد ذكرت مرارًا وتكرارًا أنه بالإضافة إلى موسكو وسانت بطرسبورغ، نحتاج إلى عاصمة ثالثة.

كاراغانوف: لقد كنت أفكر في فكرة العاصمة الثالثة منذ نحو 15 عامًا. فور طرح الفكرة، تبدأ المدن المختلفة بالظهور على الفور مدنًا مرشحة لهذا الدور. معنى فكرتي هو أن العاصمة الثالثة لروسيا يجب أن تكون في سيبيريا. عندما بدأنا بالانعطاف نحو الشرق في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قلت وكتبت أنه لو عاش بطرس الأكبر في عصرنا، لأسس العاصمة في منطقة فلاديفوستوك. وفي الظروف الحالية، أنا متأكد من أننا بحاجة إلى إنشاء عاصمة في وسط سيبيريا. هناك كثير من الأماكن الجيدة هناك.

هل تعتقد أنه يجب نقل جميع وظائف العاصمة ومهامها، أو التخلي عن بعضها فقط؟

كاراغانوف: من الضروري إنشاء عاصمة أخرى في سيبيريا، ونقل كثير من الوزارات والإدارات هناك. وهذا ضروري؛ أولاً: لنقل مركز تنمية البلاد إلى جبال الأورال. ثانيًا: استقطاب النخبة الروحية والاقتصادية هناك وتجديدها. النخبة الروسية بحاجة إلى التجديد. هذا الأمر سيحدث بالطبع. لقد درسنا هذه القضية مدة طويلة وبعمق باستخدام أمثلة كثيرة من البلدان. حققت جميع البلدان التي نُقلت فيها العاصمة تقريبًا نتيجة رائعة من حيث تنمية البلاد.

في حالتنا، بالطبع، من المستحيل نقل العاصمة. ولأن لدينا رأس مال سياسيًّا، لدينا رأس مال ثقافي واجتماعي في موسكو، لكن جزءًا من رأس المال السياسي، بل حتى الجزء الأكبر من رأس المال الاقتصادي، يجب نقله إلى سيبيريا لأسباب جيوسياسية وجيوإستراتيجية. الحدود الغربية أصبحت الآن معرضة للخطر، مدة طويلة جدًّا. لكن الشيء الرئيس هو أن الصناعة سوف تتطور في جبال الأورال، وعبر منطقة الأورال كلها. كان التحول السابق نحو الشرق ناجحًا جزئيًّا لأننا لم نتمكن من إنشاء عاصمة ثالثة في سيبيريا، وهذه الآن ضرورة مطلقة.

هناك أفكار مماثلة عندما ناقش خبراء مختلفون مستقبل روسيا. أحد المفاهيم الأساسية هو القوة الأوراسية. كانت هناك نظرية العواصم الخمس. فلاديفوستوك، التي تمثل المنعطف نحو الشرق، ونوفوسيبيرسك أو كراسنويارسك مثل سيبيريا، وكازان مثل القلب الأوراسي، وموسكو وسانت بطرسبورغ.

كاراغانوف: هذا مفهوم جيد. وأنا أفهم أن سكان كازان لديهم هذه الرغبة، وأنا أؤيد ذلك حقًّا. أنا أيضًا معجب بمدينة كازان، لكن المدينة لديها بالفعل وضع حضري ممتاز، وليست هناك حاجة إلى جلب مزيد من الناس إلى كازان.

هل يمكن نقل مجلس الاتحاد إلى كازان حتى يفكر أعضاء مجلس الشيوخ في تنمية البلاد من خلال مزيد من تطوير المنطقة؟

كاراغانوف: لا، لو كان الأمر بيدي، سأنقل- على الفور- مجلس الاتحاد إلى العاصمة السيبيرية الجديدة. لقد قلت- عدة مرات- إن أكاديمية العلوم يجب أن تكون في نوفوسيبيرسك. من الأفضل أن تعمل هناك كعالم؛ ولهذا السبب ساد جو من الكراهية، وبالإجماع (لم يكن هناك أي سبب آخر لذلك) من جانب قيادة أكاديمية العلوم، ومع ذلك، لديَّ موقف إيجابي جدًّا تجاهها.

حسنًا، العواصم هي عواصم، ومتى تصبح روسيا ناضجة لإجراء محادثة جادة بشأن إعادة تنظيم جديدة للبلاد، حتى يتفق مجلس الدوما والنخب على كيفية إعادة تنظيم روسيا؟ هل تعتقد أن هذه اللحظة ستأتي؟

كاراغانوف: لقد وصلت هذه اللحظة بالفعل. بدأت روسيا في إعادة هيكلة نفسها. يقترح البعض القيام بذلك من الأعلى. ولكنني أعتقد أن إعادة البناء يجب أن تأتي من الأسفل، من الفرد. بالطبع، بمشاركة كاملة من الدولة، وعلينا أن نفهم أننا نطرح لأنفسنا وللعالم مفهومًا قديمًا جديدًا للإنسان. يجب أن نطور شعبنا وأنفسنا بطريقة جديدة تمامًا. على عكس الاتجاهات الحالية في العالم، يجب أن نعود إلى الجوهر الإلهي للإنسان.

وعلينا- نحن الروس- الروس السلاف، والروس التتار، والروس الياقوت، والروس البورياتيين المغول، والروس الشيشان، أن نؤمن ونقتنع بشكل لا جدل فيه، أننا شعب الله المختار. نحن حقا شعب مميز، والشعب الأكثر حضارة، وبلدنا تمثل حضارة الحضارات. لدى شعبنا عدة مهام، إحداها هي تحرير العالم من كل أشكال الهيمنة واستعباد الانسان، ونير الغرب الجاثم على صدر البشرية منذ 500 عام.

هل تقصد أن العالم تحت “نير” الأنجلوسكسونيين؟

كاراغانوف: الأنجلوسكسونيون عدو تافه جدًّا. أنا لا أحب هذه المصطلحات حقًّا. ومع ذلك، يمكنك أيضًا استخدامها. نحن الآن نضرب، أو أسقطنا- بالفعل- الأساس من تحت هيمنة الغرب الجماعي، التي استمرت 500 عام، على النظام العالمي.

بدأت هذه الهيمنة تتشكل في القرن السادس عشر. وقبل ذلك، كانت أوروبا مجرد منطقة عادية من العالم، وبعيدة عن المناطق الأكثر تطورًا. ومنذ القرن السادس عشر، ولعدة أسباب، بدأت أوروبا باستخدام الأسلحة استخدامًا أفضل، وأنشأت جيوشًا عسكرية أفضل، وبدأت بالسيطرة على العالم، وقمع الحضارات الأخرى. وفي نهاية المطاف، أنشأت نظامًا، سواء من خلال النهب الاستعماري، أو من خلال النهب الأكثر تطورًا من خلال نظام بريتون وودز، الذي مكّنها من سحب الناتج القومي الإجمالي للعالم.

الآن أسقطنا هذا النظام، وهذا من أعمق أسباب الكراهية التي يشعر بها الغرب الجماعي تجاهنا، وليس الأنجلوسكسونيين فقط.

لا يمكنهم أن يسرقوا بعد الآن. أملهم الأخير هو محاولة ضرب النواة العسكرية والسياسية الروسية من تحت الأغلبية العالمية، التي يتم إحياؤها بعد 500 عام من التبعية. والآن تظهر حضارات جديدة سُحِقَت، وبعضها الآخر قُضِيَ عليه، مثل حضارات الأزتيك والإنكا، لكن كثيرًا منها يُولد من جديد أمام أعيننا. هذا رائع. أشاهد هذا بسرور كبير. حتى من وجهة نظر إنسانية بحتة، أرى كم أصبح العالم أكثر سخونة وإثارة للاهتمام. لقد اعتدنا أن ننظر إلى العالم بعيون غربية، من خلال عدسات غربية، والآن ننظر إلى العالم نظرة مختلفة.

ما ورد في المقابلة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع