أبحاث ودراسات

عوْدًا على بَدْء

روسيا واستعادة موقعها التاريخي المفقود في اليمن


  • 1 مارس 2024

شارك الموضوع

تتجسّد العلاقات بين روسيا واليمن في إطار يمزج بين التاريخ والفرص المستقبلية، حيث تُعَدّ زيارة رئيس الوزراء اليمني، أحمد عوض بن مبارك، إلى موسكو، ولقاؤه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خطوة مهمة في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.

تاريخ العلاقات الروسية اليمنية

تعود علاقات روسيا باليمن إلى فترات تاريخية ماضية، حيث شهدت تبادلًا ثقافيًّا وتجاريًّا تمتد جذوره إلى قرون. في العصور الحديثة، أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث افتتحت روسيا سفارتها في صنعاء عام 1955. وعلى الرغم من التحولات السياسية والجيوسياسية، استمرت العلاقات بين البلدين، فمنذ أوائل عام 2000، شهدت العلاقات بين روسيا واليمن تطورًا سريعًا، حيث انعكس تقارب نهج البلدين تجاه القضايا العالمية والإقليمية في الإعلان المتعلق بمبادئ العلاقات الودية والتعاون عام 2002، وأرست الاتفاقيات الحكومية الدولية، ومنها اتفاق التعاون في ميدان الثقافة والعلوم والتعليم والرياضة والسياحة عام 2002، والاتفاق المتعلق بالحماية المتبادلة للاستثمارات، الأساس للتعاون الثنائي. وعلى الرغم من اندلاع الحرب الأهلية في اليمن عام 2014، وتقليص معظم المبادرات المشتركة، وتوقف الوجود الدبلوماسي الروسي منذ ديسمبر 2017، فإن روسيا ما زالت تتابع عن كثب الأحداث في البلاد، وتقدم الدعم لليمن من خلال مجلس الأمن الدولي.

في سياق زيادة وجود روسيا في الشرق الأوسط، يظهر التعاون العسكري مرة أخرى في المقدمة. لقد حظيت العلامة التجارية العسكرية الروسية بشعبية في دول المنطقة، ولم يكن اليمن استثناءً. في عام 2009، أعلن اليمن استعداده لشراء الطائرات المقاتلة والمروحيات والمركبات العسكرية من روسيا، وتم التوصل إلى اتفاقيات مماثلة في الفترة من 2013 إلى 2014، وكان من المتوقع أن تكمل “روسوبورون إكسبورت” الطلب بحلول نهاية عام 2021. ومع ذلك، بسبب تدفق الأسلحة منذ عام 2015، وحظر الأسلحة، جُمِّدَت هذه العقود، ولم تُناقَش آفاق تنفيذها حتى الآن.

من الناحية الإقليمية، يحتل اليمن موقعًا إستراتيجيًّا مهمًّا في المنطقة، ويكتسب أهمية خاصة في ضمان مصالح روسيا الطويلة الأجل في الشرق الأوسط. لا تزال روسيا مهتمة كثيرًا باستخدام المواني البحرية اليمنية كقواعد شحن لأساطيلها العسكرية والتجارية. وتُعد جزيرة سقطرى، التي أعلنت وزارة الدفاع الروسية خططًا لاستعادة قاعدة بحرية فيها عام 2009، من الأمور ذات الأهمية الخاصة.

تدعم روسيا أيضًا جهود التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وكذلك لمواجهة نمو القرصنة. وتسعى روسيا إلى ضمان أقصى مشاركة للدول الإقليمية والمنظمات الدولية في بناء نظام أمني جديد، مما قد يساعد على إحياء المفاهيم والمشروعات السابقة التي يظهر فيها اليمن مشاركًا.

من ناحية أخرى، يجب أن يؤخذ في الحسبان أن روسيا ليست الدولة الوحيدة التي تسعى إلى تعزيز العلاقات مع اليمن، فهناك دول أخرى، مثل مصر، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، وإيران، وتركيا، والمملكة العربية السعودية، تدافع عن مصالحها في البلاد، وغالبًا ما تتمكن من تحقيق نجاح كبير في ذلك.

وفي مجال التعاون الاقتصادي، فإن الصراع في اليمن قد أثر سلبًا في خطط روسيا في البلاد، حيث أدى إلى تعديل العقود الروسية في اليمن، وتسبب في تعطيل كثير من العقود الكبيرة، خاصة في مجال إنتاج النفط والغاز، بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة؛ ومن ثم فإن الشركات الروسية تواجه صعوبات في المنافسة مع شركات الإمارات والسعودية التي تسيطر على مشروعات البنية التحتية في اليمن. تسعى تركيا أيضًا إلى تحقيق أهدافها الاقتصادية والسياسية في البلاد؛ مما يعزز وجودها بمشروعات البنية التحتية.

ويعد “عدم وضوح” صورة روسيا في الوعي الجماعي للسكان اليمنيين تحديًا إضافيًّا، حيث لا يفهم الجميع تمامًا دوافع السياسة الروسية في اليمن، مما يجعلهم غير واثقين بصحة تطوير التعاون مع روسيا. أما الغالبية العظمى من وسائل الإعلام اليمنية، فتُظهر الإمارات العربية المتحدة على أنها الحليف الأكثر تفضيلًا، بسبب مشاركتها العميقة في العمليات الإقليمية، ودورها الفاعل في الاتجاه اليمني.

الفرص الحالية لروسيا في اليمن

تعزيز التعاون الاقتصادي: يتيح اليمن فرصًا مهمة في مجالات متعددة، مثل الكهرباء، والنفط، والزراعة، والثروة السمكية. يمكن لروسيا استغلال هذه الفرص لتعزيز التعاون الاقتصادي، وزيادة التبادل التجاري بين البلدين، وزيادة الاستثمارات المشتركة في قطاعات مثل الطاقة المتجددة، والصناعات الثقيلة.

دعم جهود السلام: تضطلع روسيا بدور مهم في دعم الحلول السلمية للنزاعات الدولية، ويمكن أن تسهم في الجهود الدولية المبذولة لإحلال السلام في اليمن، وذلك من خلال الوساطة والدعم الدبلوماسي.

التعاون العسكري: يمكن لروسيا تقديم الدعم العسكري والتقني لليمن في مجالات مثل تطوير القوات المسلحة، وتعزيز الأمن والاستقرار.

التبادل الثقافي:  يشكل التبادل الثقافي والتعليمي ركيزة مهمة في بناء علاقات قوية بين الشعبين، ويمكن لروسيا تعزيز هذا التبادل من خلال تقديم المنح الدراسية للطلاب اليمنيين، وتنظيم الفعاليات الثقافية المشتركة.

في مجال الأمن: يمكن لروسيا تقديم الدعم العسكري والأمني لليمن لمساعدتها على مكافحة التطرف والإرهاب، وتعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة. كما يمكنها تقديم التدريب والتجهيزات العسكرية للقوات اليمنية، وتعزيز قدراتها الدفاعية.

دور روسيا في اليمن

على عكس كثير من الدول الغربية التي اعتمدت على “المفاضلة” المشروطة في محاولاتها حل النزاع في اليمن، تسعى روسيا إلى تطوير حوار متعدد المستويات مع جميع الأطراف الرئيسة في الصراع. تعترف موسكو بشرعية حكومة هادي باعتبارها “قوة سياسية منتخبة”، وتؤكد أهمية مشاركتها في جهود حفظ السلام. وفي الوقت نفسه، تدعم روسيا أيضًا المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يعمل في جنوب اليمن. وتظل العلاقات مع حركة أنصار الله (الحوثيين) محورية في السياسة الخارجية الروسية، التي تُنفذ بوساطة نشطة من إيران.

على الرغم من انخفاض كثافة الاتصالات بين البلدين، فإن لدى روسيا واليمن بعض نقاط الاتصال المهمة، يُذكر منها التعاون في التعليم العالي، حيث تظل روسيا شريكًا مهمًّا لليمن في تدريب المتخصصين العسكريين، والموظفين المدنيين. وفقًا لتقديرات مؤسسة ميزانية الدولة الفيدرالية جلافكسبير تسنتر، فإن أكثر من 50 ألف شخص حصلوا على تعليم عالٍ في روسيا خلال عقد ونصف العقد (2004- 2020).

بالإضافة إلى ذلك، فإن روسيا تظل مهتمة بتطوير مشروعات البنية التحتية والخدمات اللوجستية في اليمن. قبل الحرب، أعاد المتخصصون الروس بناء محطات الطاقة الحرارية في عدن، وكذلك مشروعات بناء محطات الطاقة الحرارية في الحديدة، ومها، وتطوير شبكة الطرق السريعة في البلاد. وعلى الرغم من تأجيل تنفيذ هذه المشروعات بسبب النزاع، فإن الاتفاقات بين المقاولين الروس واليمنيين لا تزال سارية.

من جهة أخرى، قد تصبح الصين منافسًا جديًّا لروسيا في قضية تطوير البنية التحتية في المستقبل، خاصةً مع مشروعها اللوجستي العالمي “حزام واحد، طريق واحد”، الذي يحظى بتفاعل كبير من السياسيين اليمنيين. من المحتمل أن يكون التعاون مع الصين في مجال الخدمات اللوجستية والبنية التحتية من الخطوات الأولى للقيادة اليمنية بعد استقرار النزاع.

من المهم أن يُلاحظ أن الوضع العسكري والسياسي الحالي في اليمن قد لا يسمح بوضع نهائي للاتجاهات المستقبلية، وأن المبادرات والتعاون بين الدول المعنية ما زالت متوقفة على تطورات الأحداث. مع ذلك، يبدو أن روسيا تسعى إلى الحفاظ على دورها بوصفها شريكًا رئيسًا في تعزيز السلام والاستقرار في اليمن، وستواصل بذل الجهود لتعزيز العلاقات الثنائية، وتطوير التعاون في مختلف المجالات.

روسيا تنتقد الضربات العسكرية في اليمن

في تصريحات صادرة عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في الثاني عشر من يناير (كانون الثاني) 2024، أعربت روسيا عن انتقادات حادة للولايات المتحدة وبريطانيا بسبب الضربات العسكرية التي نفذتاها في اليمن، حيث أشارت إلى أن هذه الضربات أدت إلى تصعيد التوتر في الشرق الأوسط، وأنها تمثل تجاهلًا للقانون الدولي، وطالبت روسيا بعقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمناقشة الوضع في اليمن، مشيرة إلى أن الضربات الجوية الأمريكية مخالفة لقرارات مجلس الأمن الدولي.

وتأتي هذه الانتقادات في سياق رد فعل دولي على الضربات الجوية والبحرية التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا على أهداف عسكرية للحوثيين في اليمن، ردًا على هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر. وجاء في قرار مجلس الأمن الدولي تبنيه مشروع قرار أمريكي يدين هجمات الحوثيين على السفن، مؤكدًا حق الدول الأعضاء في حماية سفنها، وحرية الملاحة وفقًا للقانون الدولي.

وفي غضون ذلك، أدان المتحدث باسم الحوثيين في اليمن الهجوم الأمريكي البريطاني، مشيرًا إلى عدم وجود مبرر لهذه الضربات، ومؤكدًا استمرار الحركة في استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل، كجزء من تحالفها مع إيران.

تُعد التطورات الأخيرة في اليمن، التي تتضمن الضربات الجوية والبحرية التي تشنها الولايات المتحدة وبريطانيا، جزءًا من سياق إقليمي ودولي أكبر، يتضمن التوترات والصراعات المستمرة في الشرق الأوسط. فبينما تبرز الجهود الأمريكية والبريطانية كجزء من الرد على الهجمات التي تعرضت لها سفن في البحر الأحمر، يظل هناك تأكيد من الحوثيين على استمرارهم في استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل، مما يعكس تصاعد التوتر في المنطقة، وتعقيدات الصراعات الإقليمية.

وفي هذا السياق، تُعد المواقف الدولية المتباينة تجاه الأحداث في اليمن مؤشرًا على التحديات التي تواجه جهود تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، حيث تتباين وجهات النظر بين تلك التي تندد بالهجمات الأمريكية والبريطانية وتراها انتهاكًا للقانون الدولي، وبين تلك التي تدعم الإجراءات التي تتخذها الدول لحماية مصالحها، وضمان أمن الملاحة في المياه الإقليمية.

ومن المتوقع أن تستمر المناقشات والتحركات الدولية في الأيام والأسابيع المقبلة، حيث ستواصل الأطراف المعنية البحث عن آليات لتهدئة التوتر، والعمل نحو إيجاد حلول دبلوماسية للأزمة اليمنية، التي تظل واحدة من أكثر الملفات تعقيدًا وتأثيرًا في المنطقة.

الاستنتاجات

يمكن القول إن العلاقات بين روسيا واليمن تمثل نقطة مهمة في السياق الإقليمي والدولي، حيث تتنوع هذه العلاقات وتشمل مختلف المجالات، بدءًا من المجالات العسكرية وصولًا إلى السياسية والاقتصادية. على الرغم من التحديات التي تواجه العلاقات بين البلدين، ما زالت روسيا تظل ملتزمة بدعم استقرار اليمن وأمنه، وذلك من خلال المشاركة في الجهود الدولية للتصدي للإرهاب والقرصنة، بالإضافة إلى تقديم الدعم الدبلوماسي في المحافل الدولية.

من الجدير بالذكر أن تعمق التعاون العسكري بين البلدين يعكس التزامهما المشترك بتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وهو ما يعكس تبادل الاهتمامات والتحديات التي يواجهانها. بالإضافة إلى ذلك، فإن الجهود الروسية لتطوير العلاقات الاقتصادية مع اليمن تعكس الرغبة في تعزيز التبادل التجاري، والاستثمار في القطاعات الاقتصادية المختلفة.

على الرغم من وجود بعض التحديات والعقبات، يبقى التعاون بين روسيا واليمن مهمًّا وضروريًّا، ويتطلب مزيدًا من الجهود المشتركة لتعزيز العلاقات، وتحقيق الاستقرار والتنمية في البلدين.

المصادر

-موسكو تنتقد واشنطن ولندن بسبب الضربات في اليمن[1]

-لافروف يؤكد اهتمام روسيا بتسهيل التسوية اليمنية[2]

ما ورد في الدراسة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع