مقالات المركز

روسيا وآسيا الوسطى.. المصالح والتعاون


  • 2 يوليو 2024

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: ankasam

إذا نظرنا إلى التفاعل بين روسيا ودول آسيا الوسطى: (تركمانستان، وأوزبكستان، وطاجيكستان، وكازاخستان وقرغيزستان)، فمن الضروري ملاحظة أهمية استخدام المصطلحات الصحيحة. عادة، تنشر وسائل الإعلام الغربية خطابًا عن النفوذ الروسي في آسيا الوسطى (والحاجة إلى الحد منه). هذه خدعة دعائية؛ لأنه من الصحيح الحديث ليس عن النفوذ، بل عن المصالح (المتبادلة في كثير من الأحيان)، والتعاون (سواء الثنائي، أو في شكل جمعيات مختلفة)، على سبيل المثال: منظمة معاهدة الأمن الجماعي، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي.

بالإضافة إلى ذلك، وبما أن دول آسيا الوسطى كانت في السابق جزءًا من الإمبراطورية الروسية، ثم الاتحاد السوفيتي، فلا بد من تذكر العلاقات التاريخية والثقافية مع روسيا. وإذا كان لبريطانيا الكومنولث مع مستعمراتها السابقة، فإن تفاعل روسيا النشط مع أجزاء من الدولة الموحدة ذات يوم له ما يبرره تمامًا. ومن وجهة نظر جيوسياسية كبيرة، حيث تمثل روسيا أكبر وأقوى دولة في أوراسيا، فهذا أمر طبيعي.

تجدر الإشارة إلى أن روسيا تنتهج سياسة عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وتدعو إلى علاقات حسن الجوار التي تعود بالنفع على الجميع. ومع أن الغرب يحاول خلق صورة لقوة عدوانية من روسيا، بالإشارة إلى تنفيذ عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا، فإن الأمر ليس كذلك. كان سبب الصراع العسكري هو التهديد الوجودي من أوكرانيا، والذي كان واضحًا بسبب الرغبة السريعة في الانضمام إلى الناتو، وسياسة كييف المتمثلة في الإبادة الجماعية الفعلية ضد السكان الناطقين بالروسية منذ عام 2014. لا يوجد مثل هذا التهديد الوجودي من دول آسيا الوسطى لروسيا (وآمل ألا يحدث ذلك). وحيث يعيش السكان الناطقون بالروسية (معظمهم في كازاخستان، ولكن هناك أيضًا جاليات صغيرة في قرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان)، لم يكن هناك انتهاك منهجي لحقوقهم وحرياتهم. بالإضافة إلى ذلك، تفهم جميع الجمهوريات الخمس موقعها الإستراتيجي على خريطة أوراسيا، وتنطلق من حقيقة أن روسيا ستضطلع بدور رائد، ليس فقط في المنطقة، ولكن أيضًا في العالم؛ ولذلك، فإنهم لن يعتمدوا على معارضة موسكو لإرضاء الغرب.

على الرغم من وجود جهات فاعلة أخرى في المنطقة تعمل على تعزيز مصالحها الخاصة في آسيا الوسطى، مثل الصين من خلال مبادرة الحزام والطريق، وتركيا، التي تضغط من أجل المصالح الاقتصادية من خلال منظمة الدول التركية، إلى الدول المجاورة مثل إيران وأفغانستان وباكستان، والعالم العربي، وبالطبع الغرب، ويمثله الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن الولايات المتحدة، التي بالإضافة إلى العلاقات الثنائية، تتفاعل مع دول آسيا الوسطى في صيغة (C5+1)، فمنذ عام 2022، أصبحت أجندة واشنطن أكثر صرامة، مع وجود تحالفات جديدة، وتم التعبير بوضوح عن المسار المناهض لروسيا (على وجه الخصوص، تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا على قيادة الدول الخمس لفرض عقوبات على روسيا).

ولذلك فإن روسيا مضطرة إلى أخذ هذه العوامل في الحسبان عند تشكيل سياستها تجاه هذه الدول. وفي كل من الدول الخمس، بالإضافة إلى العلاقات التجارية والاقتصادية، تنفذ روسيا مشروعات ضخمة للبنية التحتية.

في كازاخستان، هناك مشروع مشترك لإنتاج الشاحنات، ومجمع كيميائي لإنتاج الأسمدة المعدنية، ومشاركة في أعمال التعدين ومحطات المعالجة. أحد الأصول المهمة لروسيا في كازاخستان هو استخراج اليورانيوم. كما تنقل روسيا النفط الكازاخستاني إلى الدول الأوروبية.

وفي أوزبكستان، تبني روسيا محطة للطاقة النووية؛ لتوفير الغاز الطبيعي، الذي يستخدم حاليًا في توليد الكهرباء.

وفي طاجيكستان، استثمرت روسيا في بناء محطة سانغتودا للطاقة الكهرومائية. وروسيا لديها عقد غاز مع تركمانستان. وفي قرغيزستان، يعمل الجانب الروسي في استخراج الذهب من منجم جيروي (ثاني أكبر منجم بعد كومتور).

ووفقًا للبيانات الرسمية، أصبح التعاون الإقليمي مع دول آسيا الوسطى أحد الأشكال الأساسية لتعميق علاقات حسن الجوار. يطور 76 كيانًا مكونًا للاتحاد الروسي علاقات ديناميكية مع كازاخستان، ومع قرغيزستان – 71، وطاجيكستان – 80، وتركمانستان – 60، وأوزبكستان – 75.

ومع ذلك، يمكن أيضًا إجراء التجارة مع دول تقع في قارات أخرى. ومن المهم التأكيد- مرة أخرى- أن آسيا الوسطى تقع على مقربة من الحدود الروسية؛ لذلك فإن موسكو مهتمة بوجود بيئة مواتية وهادئة في هذه البلدان. ومن خلال تعزيز الأمن الإقليمي، تهتم روسيا بمصالح دول آسيا الوسطى ومصالحها الخاصة، وهنا يتم التعاون الأكثر نشاطًا مع قرغيزستان وطاجيكستان وكازاخستان. أولًا: الدول الثلاث أعضاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي. وفي بداية يناير (كانون الثاني) 2022، عندما وقعت محاولة انقلاب في كازاخستان، وصلت القوات الروسية عبر منظمة معاهدة الأمن الجماعي على الفور إلى البلاد للحفاظ على القانون والنظام. تمتلك كازاخستان أيضًا قاعدة بايكونور الفضائية، التي بُنيت في عهد الاتحاد السوفيتي، وتم استئجارها لصالح روسيا حتى عام 2050، ولا تزال الأنظمة المأهولة ومركبات الإطلاق تُطلق من هناك. وبالإضافة إلى موقع الإطلاق الفضائي، تعد بايكونور مجمعًا ضخمًا للاختبارات العلمية.

وتمتلك روسيا قاعدتين عسكريتين في المنطقة. وتقع قاعدة في مقاطعة إيسيك آتا في منطقة تشوي في قيرغيزستان. وبموجب الاتفاقية الثنائية بين روسيا وقرغيزستان، الموقعة في 22 سبتمبر (أيلول) 2003، تتمركز وحدات من القوات الجوية الروسية في القاعدة الجوية. تم الافتتاح الرسمي في 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2003؛ مما جعل المنشأة أول قاعدة جوية جديدة تفتحها روسيا في الخارج منذ عام 1991. وتتمركز هناك القاعدة الجوية رقم 999 للجيش الخامس للقوات الجوية، وقوات الدفاع الجوي التابعة لقوات الفضاء الروسية. وتتمركز في المطار طائرات هجومية من طراز (Su-25)، ومروحيات (Mi-8). كما أن المطار قادر على استقبال طائرات An-22 (بحمولة جزئية)، وIl-76 (بحمولة جزئية)، وTu-154، وYak-42، وAn-12 وطائرات أخف، بالإضافة إلى المروحيات بجميع أنواعها.

وتتمركز القاعدة العسكرية الروسية رقم 201 في طاجيكستان. وتشارك القوات العسكرية للقاعدة- مشاركة فعالة- في مهام مراقبة الحدود، ومنع تسلل تنظيم داعش، باستخدام أحدث الطائرات بدون طيار؛ لتعزيز أمن دول المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، هناك مرشدون ومدربون ذوو خبرة من القاعدة الروسية لتدريب المتخصصين وتخريجهم في القوات المسلحة لجمهورية طاجيكستان. ويوجد أيضًا في جبال طاجيكستان مجمع للإلكترونيات الضوئية، يقع تحت سلطة القوات الجوية الفضائية الروسية. تتيح أداة مراقبة الفضاء الفريدة هذه مراقبة عدة مئات من الكائنات، والحصول على ما يصل إلى 1500 خاصية مختلفة يوميًّا من الأجسام المتحركة. بالإضافة إلى ذلك، تساعد روسيا طاجيكستان منذ سنوات كثيرة على مكافحة تهريب المخدرات، وضمان أمن الحدود مع أفغانستان.

ولا توجد مثل هذه العلاقات مع أوزبكستان وتركمانستان في مجال المشروعات الأمنية والإستراتيجية، مع أن التعاون مع طشقند توسع مؤخرًا في عدد من المجالات. وتلتزم تركمانستان بمبدأ الحياد العسكري والسياسي الكامل، ومن ثم لا تنضم إلى أي اتحادات إقليمية، لكن مبادرات النقل والخدمات اللوجستية والتعاون في مجال الطاقة وصلت إلى مستوى جديد، وهو ما لاحظه المسؤولون الروس وممثلو هذه الدول بارتياح.

كما نرى، كان ولا يزال هناك عدد لا بأس به من قطاعات التفاعل بين روسيا ودول آسيا الوسطى. ومن غير المرجح أن تتمكن الدول الغربية من طرد روسيا من المناطق التي لها فيها نفوذ بالفعل؛ لأنه ليس لديهم ما يقدمونه في المقابل. وسوف يعمل القرب الإقليمي والخصائص الجغرافية لجميع دول آسيا الوسطى حتمًا على تذكير النخبة المحلية بالدور الذي تضطلع به روسيا في المنطقة.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع