جغرافيا

روسيا في المحيط الهادئ.. التنافس مع اليابان (1/ 2)


  • 20 ديسمبر 2024

شارك الموضوع

تطل روسيا على المحيط الهادئ من خلال ثلاثة بحار: بحر اليابان، وبحر بيرنج، وبحر أخوتسك، ومن ثم تجمعها حدود بحرية مع كل من اليابان والولايات المتحدة الأمريكية.

تسير الحدود مع اليابان عبر مضايق بحرية متسعة نسبيًّا هي:

  • لابيروز
  • كوناشير
  • إزمين
  • سوفت

وهذه المضايق تفصل الجزر القريبة من الساحل الروسي عن جزيرة هوكايدو الياباناية، وهي جزر:

  • سخالين
  • كوناشير
  • تانفيليف (جزر كويل)

جذور الصراع بشأن مشكلة كوريل وسخالين

أقامت روسيا واليابان العلاقات الرسمية لأول مرة في عام 1855 عندما أبرمتا معاهدة شيمودا، وهذه المعاهدة، التي وُقِّعَ عليها بعد عامين فقط من “انفتاح” اليابان على الولايات المتحدة، منحت التجار الروس إمكانية الوصول إلى المواني اليابانية، وكانت الإمبراطورية الروسية في ذلك الوقت “تتجه نحو الشرق” بعد الهزيمة المذلة في حرب القرم.

في ذلك الوقت كانت روسيا مشغولة بتعزيز ممتلكاتها في شرق سيبيريا، وعلى طول ساحل المحيط الهادئ، واندفعت للسيطرة على نهري آمور وأوسوري، وفي نهاية المطاف كانت مستعدة للتخلي عن موقعها في ألاسكا (1867) والبؤر الاستيطانية البعيدة، مثل فورت روس في كاليفورنيا للتركيز على شمال شرق آسيا.

وحددت معاهدة شيمودا الحدود بين روسيا واليابان، حيث نصت على أنه “من الآن فصاعدًا تقع الحدود بين روسيا واليابان بين جزيرتي إيتوروب وأوروب، ويجب أن تنتمي جزيرة إيتوروب بكاملها إلى اليابان، وستكون جزيرة أوروب بكاملها وجزر الكوريل الأخرى الواقعة إلى الشمال منها تابعة لروسيا.

 ومع ذلك، فشلت المعاهدة في تسوية الوضع النهائي لسخالين، المعروفة باللغة اليابانية باسم كارافوت.

وكان من المفترض أن تدار الجزيرة على نحو مشترك، لكن عدم التقسيم أدى إلى صراعات كثيرة بين البحارة والتجار الروس ونظرائهم اليابانيين، وشهدت معاهدة سانت بطرسبورغ عام 1875 تخلي اليابان عن حصتها من سخالين لروسيا مقابل تنازل روسيا عن جزر كوريل لليابان، ثم رُسِّمت الحدود الروسية اليابانية بالكامل.

ولم تشهد معاهدة بورتسموث لعام 1905 التي أنهت الحرب، تنازل روسيا عن عقد إيجار بورت آرثر لليابان فقط؛ ولكن أيضًا تناولها عن السيادة على النصف الجنوبي من جزيرة سخالين.

الصراع خلال الانتقال من العهد القيصري إلى العهد السوفيتي

على مدار العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين، صعدت اليابان لتسيطر على جزء كبير من شرق آسيا، وتعاظمت قوة الإمبراطورية الروسية لتصبح الاتحاد السوفيتي، وعززت اليابان سيطرتها على منشوريا، وأسهم الاتحاد السوفيتي في ظهور منغوليا كدولة عازلة بحكم الأمر الواقع، وتحول التوتر إلى صراع في سلسلة من المعارك الحدودية التي وقعت في الفترة من عام 1932 إلى عام 1939، وبلغت ذروتها في النهاية بهزيمة اليابان في “خالخين جول” في عام 1939.

وقد تخلى الاتحاد السوفيتي عن ميثاق الحياد السوفيتي الياباني اللاحق في عام 1941 بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في أوروبا، وهاجم القوات اليابانية في منشوريا وسخالين في 9 أغسطس (آب).

وفي 14 أكتوبر (تشرين الأول)، قبلت اليابان الهزيمة، وفي اليوم التالي أعلنت انتهاء الحرب في المحيط الهادئ، وفي 18 أغسطس (آب)، بدأ الجيش الأحمر غزو جزر كوريل، واحتل السلسلة بكاملها بين كامتشاتكا وهوكايدو بحلول أوائل سبتمبر (أيلول)، وفي 2 سبتمبر (أيلول) 1945، وقعت اليابان وثيقة الاستسلام غير المشروط.

ومع أن الاتحاد السوفيتي كان على استعداد في عام 1956 لتسليم الجزر الصغيرة الواقعة قبالة هوكايدو إلى اليابان، فإن مطالبة اليابان بالسيادة على جزيرتين أكبر حجمًا، كوناشير وإيتوروب، ظلت دون تسوية، ولم يكن الإعلان المشترك سوى فترة راحة قصيرة من الأعمال العدائية في أثناء الحرب الباردة.

 حدّثت الولايات المتحدة واليابان وعمّقتا علاقتهما الأمنية بموجب معاهدة التعاون والأمن المتبادل لعام 1960، وتم التوقيع على هذه المعاهدة على الرغم من احتجاجات موسكو، التي فضلت أن تكون اليابان محايدة ومنزوعة السلاح، وردًا على المعاهدة الأمريكية اليابانية، سحبت الحكومة السوفيتية توقيعها على الإعلان المشترك لعام 1956، حتى تغادر جميع القواعد العسكرية الأمريكية اليابان. وحتى نهاية الحرب الباردة، ظل الوضع الراهن على جزر كوريل الجنوبية دون تغيير.

 ولم يعترف الاتحاد السوفيتي بوجود نزاع إقليمي مع اليابان، وتعامل مع كل سلسلة الجزر الواقعة بين بحر أوخوتسك والمحيط الهادئ كجزء لا يتجزأ من أراضيه السيادية الروسية، ومع ذلك، فإن هذه الحقيقة لم تمنع توسعًا كبيرًا في العلاقات الاقتصادية السوفيتية اليابانية في السبعينيات والثمانينيات.

 ومع ذلك، فإن نهاية الحكم الشيوعي في روسيا، وتفكك الاتحاد السوفيتي، أعادا فتح القضية، وأديا إلى ظهور محاولات مختلفة لتسوية المشكلة وحلها، لكن إلى الآن باءت كل المحاولات بالفشل.

الصراع في روسيا ما بعد الشيوعية

عرض الكرملين مرارًا وتكرارًا على طوكيو في الأعوام 1993، و2001، و2006 حل القضية على أساس الإعلان المشترك لعام 1956، حيث سيؤدي ذلك إلى معاهدة سلام تُسلَّم بموجبها شيكوتان وهابوماي (مجموعة من الجزر الصخرية) إلى اليابان، ومع ذلك، لا تمثل المنطقتان الجزريتان معًا سوى 7% من المساحة التي تطالب بها اليابان، وكانت هناك إحدى الخطط تقضي بنقل ثلاث من الجزر الجنوبية الأربع (هابوماي، وشيكوتان، وكوناشير) لمنح اليابان 37% من المساحة الإجمالية، وكانت هناك فكرة أخرى تتمثل في تقاسم الجزر مناصفة، والتي من شأنها أن تمنح اليابان الجزر الجنوبية الثلاث بالإضافة إلى جزء من أكبر جزيرة، إيتوروب.

كان احتلال القوات الأميركية لليابان، وانتصار الشيوعيين في الحرب الأهلية في الصين، والحرب الكورية، وبطبيعة الحال الحرب الباردة، هي العوامل التي حددت سياق العلاقات السوفيتية اليابانية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، ورفض الاتحاد السوفيتي التوقيع على معاهدة سان فرانسيسكو للسلام مع اليابان في عام 1951، وكان لهذا الفشل عواقب مهمة، وبموجب المعاهدة، تنازلت اليابان عن جنوب سخالين وجزر الكوريل.

لقد حددت القيمة الجيواقتصادية لجزر كوريل الجنوبية، وافتقار اليابان إلى سياسة خارجية مستقلة، وسيلة للتعاون والعلاقات المتضاربة بين روسيا واليابان، كما حُدّدت العلاقات الروسية اليابانية منذ الحرب العالمية الثانية وحُصرت بسبب غياب التسوية السياسية للنزاع الإقليمي على الجزر، وبسبب علاقة اليابان التابعة للولايات المتحدة بوصفها الخصم الجيوسياسي الرئيس لروسيا.

وثمة فوائد كبيرة سوف تجنيها روسيا واليابان من تسوية مشكلة الجزر، في مقدمتها:

  • تحرير الموارد التي يمكن لكل من البلدين توفيرها للآخر.
  • العمل على إصلاح الحدود المعترف بها على نحو متبادل بين الجارتين.
  • تعزيز مكانة البلدين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

وإذا ما تحقق ذلك فسوف تحصل روسيا على قدرة اقتصادية أكبر في إمكانية الوصول إلى أكبر مورد خارجي في المنطقة للمساعدة في تطوير مقاطعاتها الشرقية: سيبيريا وساحل المحيط الهادئ؛ لأن تأخر التنمية في هذه الأقاليم الروسية يمثل التحدي الجيوسياسي الأكثر أهمية الذي تواجهه روسيا الآن، وفي المستقبل المنظور.

الوضع الجغرافي في مشروعات التسوية بجزر كوريل

تطالب كل من روسيا واليابان بالجزر الأربع الرئيسة في جزر الكوريل الجنوبية، وتقع جميعها تحت إدارة موسكو منذ أكثر من سبعة عقود، وتتمتع الجزيرتان الرئيستان، إيتوروب وكوناشير، بقيم إستراتيجية أكبر، حيث تشكلان امتدادًا للأرخبيل الروسي الإستراتيجي، وهذا يوفر لروسيا وصولًا أكبر إلى المحيط الهادئ، ويسهم في جعل بحر أوخوتسك حوضًا ذا سيادة روسية خالصة، ومن المرجح أن تكون الجزيرتان الأصغر حجمًا، هابوماي وشيكوتان، ورقتي مساومة لروسيا، حيث تقعان بالقرب من جزيرة هوكايدو الواقعة في أقصى شمال اليابان، وتقع خارج الأرخبيل مباشرةً.

جعلت الحرب الباردة الخصائص الجغرافية لجزر كوريل العائق الرئيس أمام التسوية السياسية بشأنها، حيث كانت اليابان عنصرًا مركزيًّا في إستراتيجية “سلسلة الجزر” لاحتواء الاتحاد السوفيتي والصين في المحيط الهادئ.

تبنت الولايات المتحدة سياسة الاحتواء كي توسع من تطويقها العسكري إلى الشمال، ليمتد من بحر الصين الجنوبي، عبر بحر الصين الشرقي، إلى بحر اليابان، ثم بحر أوخوتسك، إلى جانب إستراتيجية الاحتواء، وستكون جزر الكوريل الجنوبية أيضًا أمرًا حتميًّا في حالة الحرب، حيث كانت خطة الطوارئ الأمريكية في أثناء الحرب الباردة هي فرض حصار على وصول الاتحاد السوفيتي إلى المحيط الهادئ، وشل عملياته في بحر أوخوتسك عن طريق غزوها لشبه جزيرة كامتشاتكا، وجزر الكوريل الجنوبية، وسخالين.

انعكست الأهمية الجيوإستراتيجية لجزر الكوريل الجنوبية على الجانب الروسي عندما ضُمَّت عام 1945، حتى “لا تكون وسيلة لعزل الاتحاد السوفيتي عن المحيط”، ولكن وسيلة لربط الاتحاد السوفيتي بالمحيط، وكقاعدة دفاعية ضد العدوان الياباني.

كانت السيطرة على أرخبيل جزر الكوريل بالكامل أمرًا ضروريًّا جدًّا لمنع الوصول إلى المنطقة المحجوبة في بحر أوخوتسك، وأصبح بحر أوخوتسك ملاذًا إستراتيجيًّا للغواصات النووية السوفيتية ضد ضربة أولى محتملة بقيادة الولايات المتحدة، وعلى الرغم من تراجع احتمال المواجهة النووية منذ الحرب الباردة، فإنها قد تصبح أولوية مرة أخرى مع تعزيز الولايات المتحدة قدرات الضربة الأولى من خلال تحديث أسلحتها النووية.

الموقف الياباني من المطالبة بجزر الكوريل

بدأت اليابان برفع مطالبتها بالجزر الأربع لأول مرة في الخمسينيات من القرن الماضي. في البداية، تمت المطالبة فقط بمنطقة شيكوتان وهابوماي الأصغر حجمًا، وفي أواخر عام 1956، توصل المفاوضون اليابانيون إلى اتفاق مع نظرائهم السوفيت لتسوية النزاع عن طريق نقل شيكوتان وهابوماي إلى السيطرة اليابانية مع التنازل في الوقت نفسه عن جميع المطالبات في كوناشيري وإتوروفو الأكبر حجمًا، وأُبطِلَت هذه الصفقة نتيجة للضغوط التي مارستها الولايات المتحدة، التي هددت بالاحتفاظ بالسيطرة على أوكيناوا إذا قبلت اليابان هذه التسوية.

كانت نقطة الانطلاق الأولى في مطالبة اليابان بجزر الكوريل الجنوبية هي التمييز بين الحدود الجغرافية والحدود الإدارية، حيث أكدت اليابان بشأن الإعلان المشترك لعام 1956 مع الاتحاد السوفيتي، أن هابوماي وشيكوتان كانتا في السابق تحت إدارة هوكايدو، بدلًا من إيتوروب وكوناشير، وتم إبلاغ الاتحاد السوفيتي في يوليو (تموز) 1956 أن اليابان ستستقر على هابوماي، وشيكوتان كمستوطنة ما بعد الحرب؛ ومن ثم فإن التسوية يمكن أن ترتكز على الحجة القانونية القائلة بأن هذه الجزر كانت ضمن ترسيم حدود هوكايدو.

وضعت هذه المبررات الإستراتيجية والقانونية الأساس لاتفاق بين موسكو وطوكيو في عام 1956، حيث وافق الاتحاد السوفيتي على تسليم جزر هابوما وجزيرة شيكوتان إلى اليابان بعد إبرام معاهدة السلام، وكانت موسكو قد نددت في البداية بهذه الحجة -حُدّدت جزر الكوريل الجنوبية بحدود إدارية بدلًا من ترسيم الحدود الجغرافية، ومع ذلك فإن المزايا الجيوإستراتيجية للتسوية السياسية اعتبرت أنها تفوق قيمة هاتين الجزيرتين.

الدور الذي قامت به واشنطن

أسهمت واشنطن كثيرًا في عرقلة اتفاق السلام السوفيتي الياباني من خلال تشجيع العناصر الأكثر تشددًا في طوكيو على المطالبة أيضًا بكوناشير وإيتوروب، وقد منعت الولايات المتحدة اليابان علنًا من السعي إلى الوفاق مع الدول الشيوعية بوصفه الهدف الرئيس في السنوات الأولى من الحرب الباردة، وكان الهدف من ذلك هو إثارة تحالفات مناهضة للاتحاد السوفيتي تحت قيادة الولايات المتحدة لاحتواء الاتحاد السوفيتي.

فالولايات المتحدة ترى أن الاقتراح السوفيتي الخاص بتجريد جزر الكوريل الجنوبية والمياه المجاورة لها من السلاح يتعارض مع مبدأ السيادة في القانون الدولي، ولم تتوقع الولايات المتحدة أن يستسلم الاتحاد السوفيتي؛ بل كان المقصود من التهديد الحفاظ على النزاع الإقليمي والعداء بين الاتحاد السوفيتي واليابان بوصفه الأساس الحاسم للهيمنة الأمريكية.

في أعقاب زوال الاتحاد السوفيتي، ظهرت روسيا الضعيفة التي كانت أكثر استعدادًا لتقديم تنازلات إقليمية في جزر الكوريل الجنوبية مقابل الاستثمارات والمساعدات واحتضان الغرب، وكانت البيئة المواتية للتسوية غير السياسية مع اليابان قد أصبحت بالفعل متاحة، فقد كان هناك احتمال نقل الأراضي في أواخر الثمانينيات، وبسبب سوء تقدير طوكيو فيما يتعلق بقدرتها على المساومة، حيث كان من غير الواقعي أن موسكو تستسلم تمامًا عن طريق نقل جميع جزر الكوريل الجنوبية، حيث كانت الجزر تحت إدارتها منذ الحرب، ولم يكن هناك دعم دولي كبير لمطالبة اليابان بالسيادة على الجزر.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع