إستراتيجيات عسكريةمقالات المركز

رد الفعل الروسي على ضرب القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط


  • 31 يناير 2024

شارك الموضوع

في الآونة الأخيرة، شهد الشرق الأوسط تصاعدًا في التوترات العسكرية، ولا سيما بين الولايات المتحدة وإيران. ويعد الهجوم الأخير بطائرة بدون طيار على قاعدة عسكرية أمريكية في شمال شرق الأردن، الذي أسفر عن مقتل ثلاثة جنود، وإصابة 25 آخرين، مثالًا صارخًا على هذه التوترات.

روسيا لديها مصالح استراتيجية في الشرق الأوسط، ومنها علاقاتها مع إيران وسوريا، التي تجعل موسكو لاعبًا مهمًّا في أي تطورات أمنية في المنطقة. وقد أشار النائب الأول لرئيس لجنة مجلس الاتحاد للشؤون الدولية، السناتور فلاديمير جباروف، إلى أن موسكو تراقب الوضع عن كثب، مع تأكيد أن الحوار والدبلوماسية هما السبيل الأمثل لحل النزاعات. هذا الموقف يعكس النهج الروسي العام تجاه الأزمات الدولية، حيث تفضل موسكو الحلول الدبلوماسية على التدخل العسكري.

وأشار السناتور إلى أن الأمريكيين عادة ما يتفاعلون بقسوة مع وفاة مواطنيهم أو أحد أفراد جيشهم، إذا نُفذت هجمات على السفن والقواعد، لكن وفقًا لجباروف، تحتاج واشنطن إلى التفكير مليًّا قبل شن أي عمل عسكري ضد إيران، حيث قال: “أعتقد أن أي مواجهة بين إيران والولايات المتحدة محفوفة بمشكلات كبيرة للأمريكيين، الذين اهتزت سلطتهم بوضوح فيما يتعلق بالأحداث في أوكرانيا. بشكل عام، تحاول أمريكا استعادة موقعها، لكن الجحيم مستمر معها”. كما قال جباروف إن محاولة تحويل انتباه سكان الولايات المتحدة إلى الحرب مع إيران لن تنجح.

لقد حذرت روسيا الولايات المتحدة من مغبة التصعيد، مشيرة إلى أن العواقب قد تكون وخيمة، ليس فقط على المنطقة؛ ولكن على السلام والأمن العالميين. هذا التحذير يأتي في ظل تصاعد التوترات والهجمات المتبادلة، ويعكس القلق الروسي من أن يؤدي التصعيد إلى صراع مفتوح قد يجر المنطقة والعالم إلى أزمة أعمق.

في ظل هذه التوترات، يبقى السؤال المفتوح عن كيفية التوصل إلى حلول دبلوماسية تضمن الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وتحمي مصالح جميع الأطراف المعنية.

اتضح من التقارير الواردة، ومن المواقف والتصريحات، أن هناك مخاوف ومواقف متحفظة من التصعيد العسكري في المنطقة، ويُعد الرد الروسي على الأزمة الجارية بين الولايات المتحدة وإيران جزءًا من إستراتيجية أوسع للحفاظ على الاستقرار الإقليمي، وتجنب التصعيد العسكري.

أولًا، وقبل كل شيء، يبدي المسؤولون الروس قلقهم إزاء التوترات المستمرة في المنطقة، ويدعون إلى الحوار والدبلوماسية كوسيلة لحل النزاعات. ثانيًا: تتجلى المخاوف الروسية من تصعيد النزاع بين الولايات المتحدة وإيران في ضوء الآثار المحتملة على الأمن الإقليمي، والاستقرار الدولي. ويشدد المسؤولون الروس على أن التصعيد قد يؤدي إلى نتائج وخيمة لا يمكن التنبؤ بها، مما يجعل من الضروري تجنب أي تصعيد يمكن أن يزيد من التوترات في المنطقة.

ثالثًا: ترى روسيا- بوضوح- أن الحلول العسكرية ليست الطريقة المثلى لحل النزاعات، ومن ثم تؤكد أهمية الحوار والدبلوماسية كوسيلة لتحقيق السلام والاستقرار، وترى أن التدخل العسكري قد يزيد تعقيد الأوضاع، ويجعل الحلول السياسية أكثر صعوبة.

روسيا وهضبة الجولان

الرد الروسي على ضرب القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط قد يتضمن تكثيف وجودها في مناطق إستراتيجية، مثل هضبة الجولان السورية، حيث تسعى روسيا إلى تعزيز تأثيرها ونفوذها في المنطقة، ويمكن أن يكون ذلك رد فعل إستراتيجيًّا من روسيا لتعزيز موقفها في وجه التحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها في المنطقة.

من خلال زيادة وجودها في هضبة الجولان السورية، يمكن لروسيا تعزيز قدراتها العسكرية والاستخباراتية في المنطقة، مما يسمح لها بمراقبة الأحداث والتطورات بشكل أكبر، والتدخل بفاعلية في حالات الصراع والتوتر. كما يمكن أن يُعد هذا الإجراء رسالة واضحة للمنطقة والقوى الإقليمية الأخرى بأن روسيا لن تسمح بأي تدخل خارجي يهدد مصالحها في سوريا، والمنطقة المحيطة بها.

وقد أعلن المركز الروسي للمصالحة في سوريا، في 18 يناير (كانون الثاني) الجاري، أن القوات الجوية الفضائية الروسية نظّمت دورية جوية عند “خط برافو” لفضّ الاشتباك في منطقة الجولان، على امتداد حدود المنطقة العازلة بين القوات السورية والإسرائيلية.

وأرجع ذلك- في بيانٍ نشرته وكالة “تاس”- إلى أنها تأتي “في إطار عمليات مراقبة الأوضاع”، في إشارة إلى التوتّر الجاري مع الغارات الإسرائيلية على سوريا لقصف مطارات، أو شخصيّات إيرانية.

وقبل ذلك بأسبوعين، أعلن المركز نفسه،  في 3 يناير (كانون الثاني)، أنّ الشرطة العسكرية الروسية شيَّدت موقعين إضافيين في الجولان؛ “بسبب الاستفزازات المتزايدة في المنطقة المنزوعة السلاح”، و”لمراقبة نظام وقف إطلاق النار”، وفق ما نقله موقع “روسيا اليوم”.

يمكن أن يؤدي تكثيف وجود روسيا في هضبة الجولان السورية إلى تقويض التأثير الأمريكي في المنطقة، خاصةً في ظل التوترات المستمرة بين الولايات المتحدة وروسيا في المنطقة. فضلًا عن ذلك، قد ترغب روسيا في استغلال هذه الفرصة لتعزيز التحالفات مع الأطراف الإقليمية الأخرى، مثل إيران، وتعزيز علاقاتها مع دول المنطقة العربية، ومنها الدول التي تحتل موقعًا إستراتيجيًّا، مثل العراق ولبنان؛ وذلك لتحقيق أهدافها الإستراتيجية في المنطقة، كما أن هذا يمكن أن يساعد على توسيع دائرة تأثير روسيا في الشرق الأوسط، وتعزيز مكانتها في الساحة الإقليمية.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يشجع الرد الروسي على التوازن والاستقرار في المنطقة، حيث يمكن أن يعزز وجود روسيا الدبلوماسي والعسكري الوساطة في النزاعات المحلية والإقليمية؛ ومن ثم قد يسهم هذا الوجود الروسي المكثف في هضبة الجولان في تخفيف التوترات، وتقديم حلول دبلوماسية للصراعات المستمرة في المنطقة. كما أنه يمكن أن يسهم في تحقيق مصالح متعددة، ومنها الحفاظ على استقرار النظام السوري، ومكافحة التطرف والإرهاب، مما يخدم أيضًا مصالح السلام والأمن الدوليين.

ومع ذلك، يجب أن نلاحظ أن التكثيف المستمر للوجود الروسي في المنطقة قد يزيد التوترات والاحتكاكات مع القوى الإقليمية الأخرى، ومنها إسرائيل والولايات المتحدة. قد تتصاعد التوترات الجيوسياسية في المنطقة نتيجة لهذه الخطوة، مما قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد والصدامات بين القوى الإقليمية المتنافسة في سوريا والمنطقة المحيطة بها.

الاستنتاجات

عقب ضرب القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، كثفت روسيا وجودها في هضبة الجولان السورية، مما يعكس تأكيدًا لالتزامها بدعم حلفائها وحماية مصالحها في المنطقة. يُظهر رد الفعل الروسي هذا توجهًا إستراتيجيًّا نحو تعزيز التوازن الإقليمي، والحفاظ على الاستقرار، ويبرز دور روسيا بوصفها لاعبًا رئيسًا في الساحة الدولية.

بالإضافة إلى ذلك، يُظهر رد الفعل الروسي على ضرب القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط أهمية القوة الناعمة والقوة العسكرية في تحقيق الأهداف الإستراتيجية. فمع أن الرد العسكري قد يكون جزءًا من التوجه الإستراتيجي، فإن الجوانب الدبلوماسية والسياسية للصراعات تظل حاسمة في تحديد مسار الأحداث؛ ومن ثم يُظهر رد الفعل الروسي على الأزمة الحالية في الشرق الأوسط مدى الحاجة إلى تعزيز الحوار والتفاوض كوسيلة لحل النزاعات، وتجنب التصعيد العسكري.

وفي سياق أوسع، يُسلط رد الفعل الروسي الضوء على التحديات التي تواجه النظام الدولي في فهم الصراعات الإقليمية ومعالجتها، فالتعامل مع النزاعات في منطقة الشرق الأوسط يتطلب مزيجًا من الحكمة السياسية، والتفاوض الدبلوماسي، والتدخل العسكري المناسب؛ ومن ثم يؤدي رد الفعل الروسي دورًا مهمًّا في تحديد مسار الأحداث، وتحقيق الاستقرار في المنطقة.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع