حضرت وزيرة التجارة الأمريكية جينا رايموندو منتدى ريغان السنوي للدفاع الوطني في كاليفورنيا يوم السبت، وكشف خطابها عن كثير من المعلومات التي تستحق المناقشة. كان ظهور وزيرة التجارة في منتدى ريغان للدفاع الوطني، الذي يهيمن عليه المجمع الصناعي العسكري الأمريكي، غير لائق- إلى حد ما- بالفعل، مثل بائع جائل يركض إلى ساحة المعركة. خطاب رايموندو جعلها “البطل” الأكثر تداولًا في المنتدى؛ مما سلط الضوء على شذوذ السياسة الأمريكية، وخاصة في معاملتها للصين.
ذكرت رايموندو، التي يعتبرها الكثيرون معتدلة نسبيًّا تجاه الصين: “أنه على الرغم من الخلافات، تعتزم الولايات المتحدة تطوير علاقاتها التجارية مع الصين بشكل أكبر؛ لأن الولايات المتحدة تعتقد أن ذلك لن يؤثر في مصالح أمنها القومي”. لكن هذا التصريح هو أكثر من مجرد “أمر روتيني”، حيث إن معظم ما قالته في ذلك اليوم يتناقض مع هذا التصريح، في ظل حديثها المستمر عن “الأمن القومي”.
على سبيل المثال، وصفت الصين بأنها “التهديد الأكبر” الذي واجهته الولايات المتحدة، وشددت على أن “الصين ليست صديقتنا”، وكان محور خطابها هو الدعوة إلى فرض قيود أقوى على الصين في مجال أشباه الموصلات. ليس من السهل تحديد أي العبارات صادقة، وأيها ليست كذلك. والموقف الأكثر ترجيحًا هو أن هذه الطبيعة المتناقضة، أو ذات الوجهين، متجذرة بعمق في السياسة الأمريكية الحالية في التعامل مع الصين؛ مما يدل على سمة “الرغبة في كليهما”.
يمكننا أن نرى ثلاث نقاط على الأقل في خطاب رايموندو؛ أولًا: خطورة إساءة استخدام واشنطن مصطلح “الأمن القومي” في تعاملاتها مع الصين. ثانيًا: عداء واشنطن وحقدها تجاه الصين، مع عدم وجود نية لإخفاء رغبتها في ضرب الصين. ثالثًا: تواجه واشنطن معضلة في تنفيذ سياسة الاحتواء والقمع ضد الصين. النقطة الثالثة كشفتها رايموندو عن غير قصد، لكنها ليست مفاجئة لأحد.
اشتكت رايموندو من أن وزارتها لديها ميزانية قدرها 200 مليون دولار فقط لضوابط التصدير، “وهي تكلفة عدد قليل من الطائرات المقاتلة”، وطلبت من الكونغرس توفير مزيد من التمويل لتنفيذ إجراءات لمنع الصين من اللحاق بالولايات المتحدة في تكنولوجيا أشباه الموصلات المتطورة. وتحدثت رايموندو عن شركة إنفيديا (Nvidia) بالاسم، قائلة إن تطوير وتصدير الرقائق ذات الأداء المنخفض قليلًا إلى الصين لتجاوز ضوابط التصدير الأمريكية “ليس منتجًا”.
نريد أن نقول لرايموندو إنه حتى لو زيدت الميزانية من 200 مليون دولار إلى 20 مليار دولار، أو حتى أكثر، فإن ذلك سيظل بلا جدوى، وسوف تظل الولايات المتحدة تشعر بأنها مقيدة؛ لأن الهدف قد حُدِّدَ بشكل خطأ. إن مخالفة قواعد سوق التجارة الحرة ومبادئها وقوانينها تشبه استخدام غربال لبناء سد. بغض النظر عن مدى صعوبة محاولتك، ستظل المياه تتدفق من خلالها. وتعمل الولايات المتحدة باستمرار على تعزيز ضوابط التصدير على الصين، والتضحية بمصالح شركاتها، وهو عمل أحمق. إن بناء “ساحة صغيرة، وسياج عالٍ”، والسعي إلى “الفصل”، سيؤدي إلى تكاليف وعواقب لا نهاية لها.
كما ألقى وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن خطابًا في منتدى ريغان للدفاع الوطني، وهو موطنه. مع أن أحدهما هو وزير الدفاع، والآخر وزير التجارة، فقد اتحد خطابا أوستن ورايموندو في الترويج “للتهديد الصيني”، واستخدامه كسبب للحصول على مزيد من الميزانية لإدارتيهما. وشدد أوستن أيضًا على الحاجة إلى تعزيز الميزة التكنولوجية الأمريكية لتوسيع تفوقها العسكري. ذكرت تقارير إعلامية أمريكية- يوم السبت- أن مسودة غير منشورة لتقرير جديد عن صناعة الدفاع أعده البنتاغون، تنص على أن صناعة الدفاع الأمريكية تكافح لمواكبة الصين، وأن سرعة إنتاج الأسلحة غير كافية لتلبية المتطلبات العالمية.
دولة تمتلك أقوى قوة في العالم تعيش حالة من القلق الشديد، غارقة في أوهام جنون العظمة، وغير قادرة على الخروج. كيف يمكن لهذا أن يجعل البلدان الأخرى في العالم تشعر بالارتياح؟ لقد طرقت الولايات المتحدة حجر الدومينو الأول المتمثل في “القلق”، ومن المؤكد أنها متورطة فيه بعمق. من الواضح أن المأزق الذي ذكرته رايموندو ليس مشكلة وزارة التجارة الأمريكية فحسب؛ بل هو أيضًا العواقب الناجمة عن الإستراتيجية الخارجية الخاطئة للبلاد بكاملها. إذا لم يكن هناك تغيير في هذا الاتجاه، فإن الوضع سوف يتفاقم حتمًا.
المصدر: افتتاحية صحيفة غلوبال تايمز (Global Times) الصينية