
في عالم ما بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، أصبحت مكافحة الإرهاب محورًا أساسيًا في السياسات الدولية، خاصة في جنوب آسيا، حيث تتقاطع مصالح القوى الكبرى مع التهديدات الإرهابية. يُعرف مفهوم “تجارة الإرهاب” بأنه التبادل الإستراتيجي بين الدول، حيث يقدم بعضها دعمًا في مكافحة الإرهاب مقابل مكاسب عسكرية، أو استخباراتية، أو اقتصادية. في هذا السياق، تؤدي باكستان دورًا حاسمًا في الحرب العالمية ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، خاصة فرعه في خوراسان (ISIS-K). تساعد باكستان الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، في جهود مكافحة الإرهاب، لكنها تطلب في المقابل أسلحة متقدمة، ومساعدات عسكرية، ومشاركة استخباراتية لتعزيز أمنها الوطني.
يأتي هذا الدور في ظل تاريخ معقد من العلاقات الباكستانية- الغربية، حيث كانت باكستان حليفًا رئيسًا في الحرب على الإرهاب منذ 2001، لكنها واجهت انتقادات بسبب ما يُعرف بـ”اللعبة المزدوجة”، أي دعم بعض الجماعات الإرهابية وهي تحارب أخرى. وفقًا لتقارير حديثة، مثل تلك الصادرة عن معهد السلام الأمريكي (USIP)، فإن باكستان تواجه تهديدًا مباشرًا من داعش، الذي نفذ هجمات داخل أراضيها، مما يجعل تعاونها مع الغرب ضروريًا ولكنه مشروط بمكاسب متبادلة. على سبيل المثال، في يونيو (حزيران) 2025، وصف الجنرال مايكل كوريلا، الرئيس السابق القيادة المركزية الأمريكية، التعاون الباكستاني في مكافحة الإرهاب بأنه “وثيق”، مشيرًا إلى أهميته في مواجهة داعش.
بدأ دور باكستان في مكافحة الإرهاب الدولي على نحو بارز بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، عندما انضمت إلى التحالف الأمريكي ضد القاعدة والطالبان في أفغانستان. كانت باكستان، بفضل موقعها الجيوسياسي، بوابة رئيسة للعمليات العسكرية الأمريكية، حيث سمحت باستخدام قواعدها ومجالها الجوي. مقابل ذلك، حصلت على مساعدات عسكرية ومالية ضخمة، بلغت أكثر من (33) مليار دولار بين 2002 و2018، منها صفقات أسلحة مثل طائرات (F-16) ومعدات استخباراتية. ومع ذلك، سرعان ما برزت انتقادات بشأن “اللعبة المزدوجة”، حيث اتهمت باكستان بدعم الطالبان الأفغانية وشبكة حقاني (HQN) لمواجهة نفوذ الهند في أفغانستان، في حين تحارب جماعات مثل تحريك طالبان باكستان (TTP) التي تهدد أمنها الداخلي.
مع صعود داعش في 2014، امتد التهديد إلى جنوب آسيا عبر فرع خوراسان، الذي أعلن وجوده في يناير (كانون الثاني) 2015. يقدر عدد أعضاء داعش في باكستان بين 2000 و3000، يركزون على التجنيد في المدن الكبرى مثل كراتشي ولاهور، ويُموَّلون عن طريق حوالات من عدة دول إقليمية. نفذ داعش هجمات مثل مذبحة الإسماعيليين في كراتشي عام 2015، مما دفع باكستان إلى عمليات عسكرية في المناطق القبلية، ونجحت في طرد بعض العناصر إلى أفغانستان، ولكن هذه الجماعة الإرهابية تُعد خطيرة على نحو خاص؛ لأنها تجذب مقاتلين متمرسين، وتجنّدهم بشراسة عن طريق الإنترنت، وغالبًا ما تشجع على شن هجمات فردية في الخارج. وعلى الرغم من تعرضها لضغوط من السلطات الأفغانية والباكستانية، فإنها “لا تزال تمتلك القدرة والنية للهجوم دون سابق إنذار”.
وفقًا لتقرير (USIP) يعتمد داعش على الأيديولوجيا لجذب الشباب المتعلم، مما يتطلب استجابة غير عسكرية فقط. في السنوات الأخيرة، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان في 2021، زاد التهديد من داعش، الذي استغل سقوط كابول لتعزيز وجوده. هاجم داعش أهدافًا في باكستان، مثل تفجيرات في بلوشستان، مما أجبر إسلام آباد على تعزيز تعاونها مع الغرب. في عام 2024، أدى هجوم موسكو الذي نفذه داعش إلى تجديد الاهتمام الدولي، حيث أكدت الولايات المتحدة حاجتها لشراكة باكستانية في المراقبة والضربات. هذه الخلفية تبرز كيف تحولت باكستان من حليف مشروط إلى لاعب أساسي في “تجارة الإرهاب”، حيث يصبح التعاون مقابل المساعدات نموذجًا إستراتيجيًا.
أدت باكستان دورًا حاسمًا في مواجهة داعش، خاصة فرع خوراسان الذي يهدد الاستقرار الإقليمي. منذ 2015، أجرت الجيش الباكستاني عمليات واسعة، مثل عملية “زرب عزب”، التي طردت مئات المقاتلين إلى أفغانستان، مما قلل قدرة داعش على تنفيذ هجمات داخلية. وركزت باكستان على اعتقال الداعمين، وكشفت شبكات تجنيد في المدن، ومنعت تمويلًا عبر الحوالات. كما شاركت في ضربات جوية أمريكية ضد قادة داعش، مثل قتل حفيظ سعيد خان في 2016. مع ذلك، يظل التهديد قائمًا عبر الحدود مع أفغانستان. في 2024- 2025، نفذ داعش هجمات في باكستان، مثل تفجير مسجد في بيشاور، مما دفع إسلام آباد إلى تعزيز التعاون الدولي.
يشكل التعاون بين باكستان والغرب نموذجًا لـ”تجارة الإرهاب”، حيث تقدم باكستان دعمًا في مكافحة داعش مقابل أسلحة واستخبارات. وفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية، يشمل التعاون حث باكستان على تنفيذ خطتها الوطنية ضد الإرهاب، مقابل مساعدات أمنية. منذ 2011، انخفضت المساعدات من (3.5) مليار دولار إلى أقل من مليار بسبب الإحباط، لكنها استؤنفت جزئيًا في 2024 لمواجهة داعش، بما في ذلك التدريب والمعدات. تطلب باكستان أسلحة متقدمة، مثل طائرات بدون طيار وأنظمة رادار، مقابل السماح بضربات أمريكية عبر مجالها الجوي. هذا التبادل يعزز قدرات باكستان ضد التهديدات الداخلية، في حين يمنح الغرب وصولًا إلى معلومات حيوية.
تسعى باكستان الآن إلى الحصول على دعم أمريكي لجهودها ضد تلك الجماعات، وخاصةً حركة طالبان باكستان (TTP)، الناشطة في مناطقها القبلية الشمالية، والجماعات الانفصالية في إقليم بلوشستان الجنوبي الغربي. في عام 2024 وحده، تُعلن باكستان مقتل 1081 شخصًا في هجمات إرهابية، بزيادة قدرها 45٪ عن عام 2023. وتُطالب باكستان أن تعمل الولايات المتحدة على استعادة الكميات الضخمة من الأسلحة التي خلفتها وراءها بعد انسحابها من أفغانستان عام 2021. ويقول الفريق أحمد شريف شودري، المتحدث العسكري الباكستاني، إنه ينبغي للولايات المتحدة إعادة شراء هذه الأسلحة من السوق السوداء في أفغانستان لمنع وقوع مزيد منها في أيدي المتمردين هناك وفي باكستان. ويضيف: “كل شيء متاح لمن يدفع أكثر” في أفغانستان. وتريد باكستان أيضًا من الولايات المتحدة تزويدها بمزيد من المعلومات الاستخباراتية، واستئناف تزويد القوات الباكستانية بالأسلحة لمساعدتها على قتال المتمردين. قد يكون المسؤولون الأمريكيون منفتحين على تزويدها بمعدات مثل ناقلات الجنود المدرعة المقاومة للألغام، ونظارات الرؤية الليلية، التي يعتقدون أنها لن تُغير التوازن العسكري مع الهند.
والمطلب الباكستاني الرئيس الآخر يعد أكثر تحديًا؛ فهي تريد من الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى قبول مزاعمها بدعم الهند لحركة طالبان باكستان وانفصاليي البلوش. وقد قدمت باكستان مؤخرًا للحكومات الأجنبية ما وصفته بأدلة جديدة، وتريد منها الضغط على الهند لوقف هذا النشاط المزعوم. ورغم فحص المسؤولين الغربيين لهذه الأدلة، فإنهم لم يقتنعوا بها بعد، ويتعين عليهم أيضًا موازنة هذه المزاعم بأدلة دامغة على صلات باكستان القديمة بالإرهاب في الهند.
يظل دور باكستان حاسمًا في مكافحة داعش، لكنه يعكس “تجارة الإرهاب”، حيث يتبادل الدعم بالمكاسب. لتحقيق نجاح مستدام، يجب تعزيز الشفافية والتعاون غير المشروط، مع التركيز على مكافحة الأيديولوجيا. في المستقبل، قد يؤدي تجديد الشراكات إلى استقرار إقليمي أفضل، لا سيما ان المشير منير عاصم، قائد الجيش الباكستاني، يرى أن ذلك جزءٌ مهمٌ من حساباته للتقرب من إدارة ترمب، ولا يقتصر قلق تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان على الغرب؛ فروسيا تراه تهديدًا خطيرًا، وكذلك الصين.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير