
في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2025، قام قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير بزيارة رسمية إلى مدينة بنغازي في شرق ليبيا، حيث استقبله القائد العام للقوات المسلحة العربية الليبية (المعروفة بقوات شرق ليبيا) المشير خليفة حفتر. تعد هذه الزيارة الأولى من نوعها لمسؤول عسكري باكستاني رفيع المستوى إلى ليبيا، واستمرت يومين، شملت لقاءات موسعة مع حفتر ونجله صدام حفتر، نائب القائد العام. خلال الزيارة، وُقِّعَت اتفاقية تعاون عسكري مشترك تشمل مجالات التدريب، والتصنيع الدفاعي، وتبادل الخبرات. تأتي هذه الخطوة في سياق الظروف الأمنية الراهنة في الشرق الأوسط، حيث تشهد المنطقة توترات متزايدة تتعلق بالأمن الحدودي، ومكافحة الإرهاب، والتوازنات الإقليمية.
تعود العلاقات بين ليبيا وباكستان إلى عقود مضت، حيث كانت حليفة في عصر معمر القذافي، الذي دعم قضايا إسلامية ونامية، بما في ذلك باكستان. بعد سقوط نظام القذافي في 2011، انقسمت ليبيا بين سلطتين رئيستين: حكومة في طرابلس، وأخرى في بنغازي بقيادة حفتر. في السنوات الأخيرة، سعى حفتر إلى تنويع تحالفاته، خاصة مع دول إسلامية ذات قدرات عسكرية قوية مثل باكستان. سبقت الزيارة زيارة صدام حفتر إلى إسلام آباد في يوليو (تموز) 2025، حيث التقى بالمشير عاصم منير ورئيس الوزراء شهباز شريف، وبحثا التعاون الدفاعي. هذا التبادل يعكس رغبة مشتركة في إحياء الروابط العسكرية، خاصة في مجالات التدريب وبناء القدرات.
تمثل الزيارة خطوة نحو تنويع تحالفات حفتر العسكرية، الذي يعتمد تقليديًا على دعم مصر، والإمارات، وروسيا. باكستان تقدم خبرة في مكافحة التمرد والإرهاب، مستمدة من عملياتها في مناطق حدودية مع أفغانستان. يمكن أن يشمل التعاون تدريب قوات حفتر، وتوريد معدات، أو تبادل معلومات استخباراتية. في سياق ليبيا، يواجه حفتر تحديات من ميليشيات غرب ليبيا وتهريب عبر الحدود. الشراكة مع باكستان قد تعزز قدراته في تأمين الجنوب والشرق، خاصة مع انتشار مجموعات إرهابية في الساحل الإفريقي.
على المستوى الإقليمي، تأتي الزيارة وسط توترات في الشرق الأوسط؛ هدنة غزة هشة مع استمرار عمليات إسرائيلية، وتصعيد في اليمن مع سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على مناطق شرق البلاد، وتغييرات في سوريا. كما يستمر الصراع في السودان، المرتبط بليبيا عبر الحدود. هذه الزيارة تعكس محاولة حفتر كسر العزلة الدولية جزئيًا، خاصة مع تركيز الأمم المتحدة على توحيد المؤسسات الليبية. من منظور باكستاني، إسلام آباد، بوصفها عضوًا في منظمة التعاون الإسلامي، تسعى إلى دور أكبر في الشؤون الإسلامية، مما يجعل الشراكة مع حفتر فرصة لتعزيز نفوذها في شمال إفريقيا؛ لذا تعد الزيارة جزءًا من سياسة خارجية نشطة تحت قيادة منير، تسعى إلى تعزيز الروابط مع دول إسلامية ذات موارد نفطية، مقابل تقديم دعم عسكري.
تعزز الزيارة موقع حفتر كلاعب إقليمي، مما قد يمنحه نفوذًا أكبر في المفاوضات الليبية. ومع ذلك، قد تواجه رفضًا من قوى غربية تفضل حكومة طرابلس. في السياق الأوسع، تسهم الزيارة في رسم خريطة تحالفات جديدة، حيث تتنافس قوى مثل مصر (داعمة لحفتر) وتركيا (داعمة لطرابلس). باكستان قد تكون حليفًا محايدًا نسبيًا، لكن ثقلها النووي يضيف بعدًا إستراتيجيًا. وفي ظل عدم استقرار المنطقة، تمثل هذه الزيارة محاولة لتعزيز الاستقرار المحلي، لكنها قد تعمق الاستقطاب إذا لم تدمج في جهود دولية شاملة.
تأتي زيارة المشير عاصم منير، قائد الجيش الباكستاني، إلى شرق ليبيا في سياق دور مصر الراسخ بوصفها داعمًا رئيسًا لحفتر وقوات الشرق، حيث ترى القاهرة في استقرار ليبيا امتدادًا مباشرًا لأمنها القومي. منذ اندلاع الأزمة الليبية في 2011، اعتمدت مصر سياسة ثابتة تدعم وحدة ليبيا وسيادتها، مع رفض التدخلات الأجنبية ودعم مؤسسات الدولة الشرعية. في السنوات الأخيرة، ركزت القاهرة دعمها على قوات شرق ليبيا بقيادة حفتر؛ بسبب مخاوفها من انتشار الإرهاب والميليشيات المتطرفة عبر الحدود المشتركة الطويلة.
عام 2025، شهد التعاون المصري- الليبي الشرقي تصعيدًا ملحوظًا. في سبتمبر (أيلول)، أكد الفريق أول خالد حفتر، رئيس أركان الجيش الوطني الليبي، الشراكة الإستراتيجية مع مصر في مكافحة الإرهاب وتأمين الحدود. كما زار صدام حفتر القاهرة في أكتوبر (تشرين الأول) لحضور تخريج دفعات عسكرية مصرية، مما يعكس عمق التنسيق العسكري. وفي ديسمبر (كانون الأول)، التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي بحفتر في القاهرة، حيث أكد دعم مصر الكامل لسيادة ليبيا، وطالب بخروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة، مع مناقشة ترسيم الحدود البحرية وأزمة السودان. ترى مصر في حفتر شريكًا أساسيًا لضمان الاستقرار، حيث يسهم في تأمين الحدود الغربية، ومنع تدفق المهاجرين غير الشرعيين والأسلحة. كما تدعم القاهرة مبادرات سياسية لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة؛ لتوحيد المؤسسات الليبية.
لا توجد مؤشرات على رد فعل سلبي مصري تجاه الزيارة، إذ تركز مصر على أولوياتها الأمنية المشتركة مع حفتر. الشراكة الباكستانية قد تخفف الاعتماد على الدعم الروسي الذي تراجع بسبب التركيز على أوكرانيا، مما يعزز موقع حفتر دون تهديد النفوذ المصري. كما أن باكستان ومصر تحافظان على علاقات دفاعية قوية، كما شهد لقاء منير مع وزير خارجية مصر في ديسمبر (كانون الأول) 2025. مع ذلك، قد تراقب القاهرة هذا التقارب لضمان عدم تأثيره في توازن القوى، خاصة في ظل رفض مصر أي تدخلات خارجية تتعارض مع جهودها لتوحيد ليبيا.
يعزز الدور المصري استقرار شرق ليبيا، مما يسهم في أمن المنطقة، لكنه يثير مخاوف في غرب ليبيا. وزيارة منير قد تشجع تنويع التحالفات، مما يقلل من الاعتماد على روسيا أو الإمارات، ويمنح حفتر مرونة أكبر في السياق السياسي. في السياق الأوسع، تسهم مصر في مواجهة التحديات المشتركة مثل أزمة السودان، حيث يرتبط استقرار ليبيا بأمن الحدود الجنوبية. الشراكة الباكستانية قد تكمل الجهود المصرية في مكافحة الإرهاب عبر الساحل الإفريقي. وعلى المدى الطويل، قد يسهم هذا التنويع في دفع عملية سياسية شاملة، شريطة دمجها في إطار دولي يدعمه الأمم المتحدة ودول الجوار.
لا تتعارض الزيارة الباكستانية مباشرة مع مصالح تركيا؛ بل قد تكملها. تركيا وباكستان حليفتان قويتان عسكريًا، مع تعاون في الصناعات الدفاعية والتدريب، وقد يُرىَ في هذه الشراكات الثلاثية (تركيا- باكستان- شرق ليبيا) فرصة لتعزيز نفوذ مشترك في شمال إفريقيا وشرق المتوسط. وكانت تركيا، منذ تدخلها العسكري في 2020 دعمًا لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس، حليفًا رئيسًا للغرب الليبي ضد قوات حفتر المدعومة من مصر والإمارات وروسيا. وقعت أنقرة اتفاقية بحرية في 2019 مع طرابلس، مما عزز نفوذها في شرق المتوسط، ونشرت قوات وقواعد عسكرية في الغرب الليبي. شهد عام 2025 تحولًا براغماتيًا ملحوظًا في السياسة التركية. بدأت أنقرة ببناء علاقات مع شرق ليبيا، بما في ذلك زيارات متكررة من صدام حفتر إلى أنقرة، ولقاء رئيس المخابرات التركية إبراهيم كالين بحفتر في بنغازي، أغسطس (آب) 2025.
أصبحت تركيا وسيطًا في أزمات داخلية، مثل التوترات في طرابلس، ووسيطًا موثوقًا لدى الطرفين. وعززت تركيا حضورها الاقتصادي، حيث أصبحت أكبر مصدر للواردات الليبية في 2025، متجاوزة الصين ومصر، مع صفقات في الطاقة، والإنشاءات، والنفط. وقعت اتفاقيات مع المؤسسة الوطنية للنفط لاستكشاف الغاز البحري، وطالبت بتمديد وجود قواتها العسكرية عامين إضافيين. يعكس هذا التحول رغبة تركيا في أن تكون لاعبًا محايدًا نسبيًا، يتعامل مع الواقع الميداني المقسم، لضمان مصالحها في الطاقة، الهجرة، والأمن الإقليمي.
يثير الدور التركي في ليبيا توترات مع دول مثل اليونان وقبرص بسبب الاتفاقيات البحرية. كما يقلل نفوذ روسيا في الشرق، خاصة مع تركيز موسكو على أوكرانيا. فيما يتعلق بزيارة منير، قد تشجع تركيا هذا التنويع من الشراكات السياسية إذا خدم مصالحها في توحيد المؤسسات الليبية تحت نفوذها. على المدى الطويل، قد تسهم هذه التحركات في تشكيل تحالف إسلامي غير رسمي (تركيا- باكستان- ليبيا)، يركز على الأمن والطاقة، لكن ذلك يعتمد على قدرة أنقرة على إدارة التناقضات الداخلية الليبية.
يظهر دور تركيا في ليبيا في 2025 براغماتية منتقلة من الدعم الحصري لطرابلس إلى التوازن مع بنغازي، وتعزيز اقتصادي وعسكري. في ضوء زيارة المشير عاصم منير، التي تعزز شرق ليبيا عسكريًا، تبدو تركيا مرتاحة نسبيًا لهذا التطور بفضل تحالفها مع باكستان. ومع ذلك، يظل التحدي الرئيس في تحويل هذه التحالفات إلى عوامل استقرار حقيقية، بعيدًا عن تعميق الانقسامات الليبية، أو إثارة توترات إقليمية جديدة. يتطلب الأمر جهودًا دولية مشتركة لضمان أن تكون هذه الديناميكيات خدمة للوحدة الليبية والأمن الإقليمي.
مع أن التنافس الهندي- الباكستاني تقليديًا جنوب آسيوي، فإن التطورات في 2025 تشير إلى امتداده غير مباشر إلى المتوسط عبر تحالفات ثانوية. باكستان تقترب من شرق ليبيا، في حين تقترب الهند من اليونان، المنافسة لتركيا. شهد عام 2025 تقاربًا ملحوظًا بين الهند واليونان، مع إجراء أول تمرين بحري مشترك، وحوار أمني في ديسمبر (كانون الأول)، يركز على الأمن في المتوسط، والقطب الشمالي، والإندو- باسيفيك. اليونان، بوصفها قوة بحرية كبرى، تتعاون مع الهند في مجالات البحرية، والإغاثة الإنسانية، والتجارة البحرية. هذا التقارب يأتي في سياق توترات يونانية- تركية حول الحدود البحرية، ورفض اليونان لاتفاقية تركيا- ليبيا (2019) بشأن المناطق الاقتصادية الخالصة. أما الهند فترى في اليونان بوابة إلى أوروبا، خاصة في مشروع الممر الاقتصادي الهند- الشرق الأوسط- أوروبا (IMEC). وقد تمت بعض المناقشات بشأن توريد أسلحة هندية إلى اليونان، مما يعزز قدراتها الدفاعية ضد تركيا.
ليبيا ليست ساحة مباشرة للتنافس، حيث تركز الهند على الجانب الاقتصادي (نفط، شركات مثل ONGC)، مع إعادة فتح سفارتها، وإرسال قوات أمنية لحمايتها في 2025. ولا توجد دلائل على دعم هندي لحفتر أو غرب ليبيا عسكريًا. ومع ذلك، يُعد التقارب الباكستاني مع حفتر ردًا غير مباشر على التقارب الهندي- اليوناني، خاصة مع دعم تركيا لباكستان. هذا التنافس غير المباشر يعكس ديناميكيات أوسع: باكستان- تركيا مقابل الهند- اليونان- إسرائيل- الإمارات، مع ليبيا بوصفها ساحة تنافس محتملة للطاقة، والأمن البحري.
تُعد زيارة المشير عاصم منير، قائد الجيش الباكستاني، إلى بنغازي، في ديسمبر (كانون الأول) 2025 ولقاؤه المباشر مع المشير خليفة حفتر حدثًا ذا أبعاد إستراتيجية متعددة، يتجاوز كونه مجرد تبادل زيارات بروتوكولي عسكري ليصبح نقطة تحول في خريطة التحالفات الإقليمية حول ليبيا. لم تثِر الزيارة ردود فعل سلبية حادة من الأطراف الإقليمية الرئيسة؛ فمصر -الحليف الأقرب لحفتر- ترى في الشراكة الباكستانية إضافة تكميلية لا تهدد نفوذها؛ بل قد تخفف العبء عنها في تأمين الحدود، ومكافحة التهديدات عبر الساحل. وتركيا، التي تحولت نحو سياسة متوازنة تجاه الطرفين الليبيين، تجد في باكستان حليفًا تقليديًا يمكن أن يُسهم في استقرار مشترك، خاصة مع عمق التعاون الدفاعي بين إسلام آباد وأنقرة. مع ذلك، تبقى الأخطار قائمة؛ فتعزيز قدرات شرق ليبيا عسكريًا قد يعوق جهود توحيد المؤسسات العسكرية والسياسية تحت مظلة الأمم المتحدة، وقد يُثير مخاوف في غرب ليبيا؛ مما يُطيل أمد الانقسام. كما أن دخول لاعبين جدد -مثل باكستان- قد يُعقد المشهد الجيوسياسي في البحر المتوسط، خاصة في ظل التنافسات الأوسع على الطاقة والحدود البحرية.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير