مقالات المركز

جيفري ساكس في حوار خاص مع عمرو عبد الحميد


  • 31 أغسطس 2025

شارك الموضوع

أجرى الإعلامي عمرو عبد الحميد، مدير مركز الدراسات العربية الأوراسية، حوارًا خاصًّا مع البروفيسور الأمريكي جيفري ساكس، محلل السياسات العامة الأمريكية، تناول فيه الحرب الإسرائيلية على غزة، ودور الولايات المتحدة في دعم إسرائيل، ومسار الحرب الروسية- الأوكرانية، وقد عُرِضَ الحوار على شاشة قناة الغد، وفرَّغته نصيًّا صحيفة المصري اليوم كاملًا. ونظرًا لما فيه من أهمية نعيد نشره.

س: الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تقترب من نهاية عامها الثاني.. اثنان وستون ألف فلسطيني على الأقل قُتلوا.. مئات الآلاف من الجرحى والمفقودين والنازحين.. فضلًا عن حرب تجويع وإبادة جماعية حقيقية.. هل كنت تتوقع أن يحدث ذلك في القرن الواحد والعشرين؟

أنا مذهول من حجم الوحشية والإجرام في مساعي إسرائيل نحو الإبادة. ندرك أن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من قسوة بلغ حدًّا كبيرًا، وتجاوز كل تصور، لا سيما مع مشهد التجويع الجماعي الذي يفتك بمئات الآلاف، بل بشعب بكامله يزيد تَعداده على المليونين. إن ما يجري هناك حدث صادم قلب نظرة العالم بأسره نحو حقيقة ما تفعله إسرائيل، فدولة تلو الأخرى تعلن عزمها الاعتراف بدولة فلسطين خلال الأسابيع المقبلة، في حين تظل الولايات المتحدة -مع الأسف- من بين القلائل الرافضين لذلك على مستوى العالم. وفي الواقع، أصبحت الإدارة الأمريكية شريكًا في الإبادة التي تنفذها إسرائيل حاليًّا، بل يعد تواطؤها فاعلًا، ليس مجرد تقاعس عن إيقافها؛ بل هو موقف فاعل يبعث على القلق.

س: هل تتفق مع من يقول إن الشعب الفلسطيني يدفع في الوقت الراهن فاتورة ليست فاتورته..  يدفع فاتورة ما تعرض له اليهود في الحرب العالمية الثانية، وأقصد هنا الهولوكوست؟

حسنًا، أما التطرف الإسرائيلي فله أشكال وأسباب كثيرة، ولعل الاستجابة المجتمعية للمحرقة أحدُ أبرز التفسيرات، والمفارقة أنها تُستَغل لتبرير النزعة العسكرية المتطرفة لإسرائيل، بمنطق يقول: “هذا ما جرى لنا، ولذلك سنحول دون تَكراره بارتكاب أفعال فظيعة بحق الآخرين عبر العسكرة والعنف”.

هناك الكثير مما يجعل إسرائيل تتبنى تلك الأفعال، لكن جوهر الأمر هو ضرورة إيقافها، يجب أن تنتهي فورًا، ويمكن أن تتوقف عن طريق الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967، كما تدعمه غالبية دول العالم، وتدعمه جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ودول بريكس، والجمعية العامة للأمم المتحدة.

العائق الوحيد هو الإدارة الأمريكية. صحيح أن إسرائيل تعارض ذلك، لكنها لا تملِك حق الفيتو، ويمكن فرض الاعتراف بدولة فلسطين من خلال مجلس الأمن الدولي، ويجب أن يُفرض اليوم أو غدًا، فورًا. الصوت الوحيد الذي يقف عائقًا هو صوت الإدارة الأمريكية.

لذلك، أرى أن أنظار العالم يجب أن تتجه نحو ترمب، ونحو الإدارة الأمريكية بصفتها شريكًا في الإبادة. السيد ترمب يقول إنه يريد جائزة نوبل للسلام، لكن جائزة نوبل لا تُمنح مقابل ارتكاب إبادة جماعية.

س: أنت تعلم أن من الصعب بل من المستحيل ألا تستخدم الولايات المتحدة الفيتو في حال عرض الأمر على مجلس الأمن.. هل تتوقع ألا تستخدمه في هذه الحال؟

لا أعرف ما إذا كان يمكن توقع ذلك، لكنني أعتقد أنه من الممكن أن تتوقف الولايات المتحدة عن استخدام الفيتو، وأطرح ثلاثة أسباب لذلك:

أولًا: ما تفعله إسرائيل يُمثّل أوضح انتهاك يمكن تخيلُه للأخلاق والقانون الدولي. تجويع شعب حتى الموت أمر يتجاوز حدود الفهم، ويجب على الولايات المتحدة أن تكف عن التواطؤ فيه.

ثانيًا: العالم بأسره تقريبًا يدرك ذلك، ويمكن أن يقول للولايات المتحدة: أنتم العقبة، لا إسرائيل، لأنكم تملِكون الفيتو؛ ومن ثم تقع المسؤولية عليكم أنتم، الولايات المتحدة. الجميع يعرف أن إسرائيل دولة مارقة قاتلة، لكن أنتم من يعرقل الحل.

ثالثًا: الشعب الأمريكي نفسُه، بأغلبيته الساحقة، يدعم حل الدولتين، وقيامَ دولة فلسطينية، ويعارض أفعال إسرائيل. أحدث الاستطلاعات تُظهر أن نحو 70٪ من الأمريكيين يقفون مع فلسطين، يريدون دولة فلسطينية، ويرفضون ممارسات إسرائيل، مقابل 25 إلى 30٪ فقط يؤيدونها. إنها رسالة ساحقة من الشعب الأمريكي ذاته بهذا الصدد.

وهنا دعني أوضحْ أهمية ذلك: الولايات المتحدة ليست ديمقراطية جدًّا في مؤسساتها، فسياساتها الخارجية يديرها “المجمعُ الصناعي العسكري”، لا الشعب أو ما يطالب به، لكنَّ السياسيين -إلى حد ما- يراقبون الرأي العام الأمريكي. نعم، وإن كان بنسبة ضئيلة، لكنهم يفعلون.

ولذلك، إذا ترافقت الإدانة الدولية للدور الأمريكي مع مطالبة داخلية من الشعب الأمريكي بتغيير السياسة، فقد يكون من الممكن -ولو احتماليًا فقط- أن تتراجع الولايات المتحدة عن دعمها هذا السلوك الدموي الذي تتبناه إسرائيل.

س: الحرب في غزة “يمكن أن تنتهي اليوم إذا توقفت الولايات المتحدة عن إرسال الأسلحة لإسرائيل”.. هذا ما قلتموه.. ما يعني أن الإدارة الأمريكية الحالية والسابقة شريك مباشر في “الإبادة الجماعية” التي يتعرض لها الفلسطينيون.. ما مصلحة الولايات المتحدة في ذلك؟

الولايات المتحدة دولة تضم ثلاثمئة وخمسة وثلاثين مليون نسمة، ليست لها أي مصلحة في هذا الأمر. ما يجري يتعارض تمامًا مع مصالحها الوطنية، ورئيس الولايات المتحدة لا يحترم مصالح بلاده.

بل إنه لا يحترم حتى مصالح إسرائيل، وإنما ما يحترمه -إن جاز التعبير- هو نتنياهو وسموتريتش وبن غفير، الذين هم قتلة ومرتكبو إبادة جماعية بكل وضوح. والسؤال المطروح: لماذا تدعم القيادة الأمريكية هذه الإبادة؟ الجواب ليس مرتبطًا بالمصالح الأمريكية.

هناك أسباب متعددة، أولها ببساطة الفساد؛ فلوبي إسرائيل يدفع أموالًا طائلة لشراء ولاء عدد كبير من السياسيين الأمريكيين، وهذا سبب جليّ. أما السبب الثاني فهو “المجمّع الصناعي العسكري”، المرتبط بإسرائيل منذ أكثر من ستين عامًا، فالعلاقة بين الموساد ووكالة الاستخبارات الأمريكية  وثيقة جدًّا، وهي قائمة منذ مطلع ستينيات القرن الماضي على أقل تقدير. ووكالة الاستخبارات الأمريكية عنصر محوري في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية، وارتباطها بالموساد، الفاعل البارز في السياسة الخارجية الإسرائيلية، يجعل هذا سببًا جوهريًّا آخر.

أما السبب الثالث فهو التكهنات بوجود ابتزاز، مثل ملفات إبستين أو غيرِها من أشكال الابتزاز التي قد تستهدف بعض الشخصيات السياسية الأمريكية. ليس لديّ يقين في ذلك، ولا نعلم الحقيقة تمامًا، لكن ما يمكن تأكيده هو أن ما يحدث لا يمت بصلة إلى مصالح الولايات المتحدة، ولا إلى رأي الشعب الأمريكي، بل ينبع من منظور ضيق جدًّا، وهذا ينطبق -في الواقع- على جانب كبير من السياسة الخارجية الأمريكية.

لا ينبغي أن نعتقد أن السياسة الخارجية الأمريكية تُدار وفق المصلحة العامة؛ فهي ليست كذلك. إنها خاضعة لسطوة المجمع الصناعي العسكري، ولمصالح ضيقة جدًّا.

س: وكأنك تتحدث عن دولة من دول ما يعرف بالعالم الثالث ،وليست دولة عظمي أكبر دولة في العالم .. أين المصالح القومية للولايت المتحدة.. الأمن القومي الأمريكي؟ هل ما يفعله ترمب يصب في صالح الأمن القومي الأمريكي؟

كل رئيس أمريكي في العصر الحديث تسبب في إضعاف أمن البلاد القومي. فالولايات المتحدة، من منظور الأمن القومي، تُعد المكان الأكثر أمانًا في العالم، باستثناء خطر الحرب النووية. ومع ذلك، فإن كل رئيس يأخذها خطوة أقرب إلى الحرب النووية، هؤلاء لا يمثلون الأمن القومي، ولا يمثلون مصالح الشعب الأمريكي. إنهم يمثلون جماعات ضيقة داخل المجمع الصناعي العسكري: وكالة الاستخبارات الأمريكية، وشركات السلاح، و”بالانتير” المرتبطة بالموساد وعمليات الاستخبارات الإسرائيلية، وهذا منظور ضيق بعيد عن المصلحة العامة.

فماذا كانت مصلحة الولايات المتحدة في غزو العراق؟ لا شيء على الإطلاق.

وماذا كانت مصلحتها في غزو أفغانستان؟ لا شيء على الإطلاق.

وماذا كانت مصلحتها في محاولة الإطاحة ببشار الأسد، وهو مشروع لوكالة الاستخبارات الأمريكية بدأ عام 2011؟ لا شيء على الإطلاق.

وما كانت مصلحتها في إسقاط معمر القذافي عبر الناتو؟ لا شيء على الإطلاق.

السياسة الخارجية الأمريكية -في الحقيقة- لا تخدم مصلحة الأمة، بل على العكس؛ فقد أهدرت الولايات المتحدة قيادتها خلال العقود الثلاثة الماضية، وقلّصت من أمنها، ورفعت عجز ميزانيتها على نحو كبير لخوض حروب متكررة من أجل نتنياهو، وهذا أمر كارثي. إنه تنصّل كامل من المسؤولية الوطنية، ارتكبه رئيس تلو الآخر. ودونالد ترمب يزعم أنه يمثل الشعب الأمريكي، لكنه ـ فيما يخص إسرائيلـ لا يمثل سوى نتنياهو، وهذا أمر بالغ الخطورة.

لماذا يحدث ذلك؟ كما قلت، هناك تفسيرات عدة، لكنها -مع الأسف- غير مكتملة.

س: هل يمكن القول إن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على مدار سنوات عديدة جرّ الولايات المتحدة إلى حروب ليست في مصلحة واشنطن؟

نعم، ويكفي أن نستعيد مشهد نتنياهو في شريط مصور من أكتوبر (تشرين الأول) 2002، حين أدلى بشهادته أمام الكونغرس الأمريكي، متحدثًا عن “روعة” أن تدخل الولايات المتحدة حربًا مع العراق، وزاعمًا أن ذلك سيقود إلى ازدهار الحرية في الشرق الأوسط. والحقيقة أن نتنياهو أحد أكثر الأشخاص تدميرًا في العالم اليوم ـإن لم يكن الأكثر. لقد كان مخطئًا في كل شيء طوال ثلاثين عامًا، ومع ذلك ظل محاطًا بحلفاء مقربين داخل الإدارة الأمريكية، سواءٌ عبر لوبي “أيباك”، أو من خلال صلات الموساد بوكالة الاستخبارات الأمريكية ،أو غيرها من الأسباب، لقد اتبعت الولايات المتحدة قائمته، فهاجمت العراق، واستهدفت ليبيا، وسعت وراء الصومال، والسودان، وقصفت إيران. ولماذا قصفت إيران قبل أسابيع؟ هل كان ذلك يخدم مصالحها؟ لا. بل دمر المفاوضات الجارية بشأن الملف النووي الإيراني، وأنهى المسار الدبلوماسي، ودفع إيران  -وفقًا لعدد كبير من الخبراء- إما إلى نقطة اللاعودة، وإما على الأقل إلى الاقتراب كثيرًا من الخيار الذي لم تكن واشنطن تريده.

لكن لماذا فعل ترمب ذلك؟ لأنه استمع إلى نتنياهو، ذلك الرجل الذي يعتبر كارثة.

س: صدق رواية نتنياهو الذي يقول فيها إن إيران على مقربة من امتلاك سلاح نووي يهدد بها أمن إسرائيل؟

نتنياهو ـوأسمح لنفسي بالقول- شخص أحمق، جرّ الولايات المتحدة بلا توقف إلى حروب متعاقبة. ففي عام 2016، كان هناك حل قائم لمسألة الملف النووي الإيراني، الإيرانيون يقولون: لدينا فتوى تُحرّم السلاح النووي، ونحن لا نريد أسلحة نووية، بل نريد رفع العقوبات. جرت مفاوضات، وتم التوصل إلى اتفاق، هو خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) ، لكن نتنياهو قال: لا، لا تستمروا في الاتفاق مع إيران، اذهبوا إلى الحرب بدلًا من ذلك.

لقد كان لوبي إسرائيل ونتنياهو هما من دفعا ترمب -الذي ليس شديد الذكاء ولا يتحمّل المسؤوليةـ إلى الانسحاب من الاتفاق، وهو الاتفاق الذي كان من شأنه مراقبة وإنهاء أي برنامج نووي عسكري محتمل في إيران. وهكذا انهارت خطة العمل الشاملة المشتركة، فسرعت إيران برنامج التخصيب النووي.

ثم كان من المفترض أن تجري مفاوضات لمعالجة الأمر؛ لأن الإيرانيين تواصلوا مع إدارة بايدن ولم يتلقوا أي رد، ثم تواصلوا مع إدارة ترمب قائلين: نريد التفاوض على حل. لكن بدل الدخول في المفاوضات، وعندما كانت الجولة السادسة على وشْك الانعقاد، قصفت الولايات المتحدة إيران. فعلت ذلك بأمر من نتنياهو، وقد تقدم على هذا الفعل مرة أخرى في أي وقت.

هذه هي طبيعة السياسة الخارجية الأمريكية منذ عقود: مدفوعة من إسرائيل، ولأسباب لا علاقة لها بمصالح الولايات المتحدة. وترمب لم يكن سوى استمرار لهذا النهج.

س: أنتم في مقالاتكم وأحاديثكم الصحفية تستخدمون مصطلح “الإبادة الجماعية” في وصف حرب غزة. استنادًا إلى أن ما يحدث يندرج تحت التعريف القانوني للإبادة وفق اتفاقية 1948.. برأيكم لماذا يتردد المجتمع الدولي في استخدام وصف “الإبادة” رغم المجازر اليومية التي يتابعها على الهواء مباشرة؟

اليوم، معظم دول العالم تستخدم مصطلح الإبادة الجماعية. وفي يوم ما، وإن كان بطيئًا جدًّا، فمن المرجح أن تصدر محكمة العدل الدولية حكمًا بأن ما تفعله إسرائيل إبادة جماعية، لكن محكمة العدل تسير ببطء شديد. والمكان الوحيد الذي لا يُستخدم فيه هذا المصطلح هو المناطق الخاضعة لهيمنة النفوذ الأمني الأمريكي، أي الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، هنا تحديدًا لا يُستخدم المصطلح، والسبب -مرة أخرى- هو تبعية الولايات المتحدة لإسرائيل للأسباب التي تحدثنا عنها. لكن من الواضح أنها إبادة جماعية، بل هي مُعلَنة بوضوح على ألسنة سموتريتش وبن غفير، وغيرهما من قادة إسرائيل، الذين يصرّحون بنيّتهم تدمير قابلية غزة للحياة، وبأن الجميع يجب أن يموتوا، والمؤسف أن هذا -بحسب استطلاعات الرأي- أصبح جزءًا من الرأي العام الإسرائيلي: أن التجويع الجماعي أمر مشروع، وغير ذلك من الممارسات؛ لذا، لا شك في الأمر لمن يتابع. وداخل إسرائيل نفسها، هناك مجموعات مثل “بتسيلم”، وهي من أبرز منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية، أعلنت بوضوح أن ما يجري إبادة جماعية، وأعربت عن شعورها بالخزي والاشمئزاز حيال ذلك -لأكن واضحًا- وعن معارضتها للحكومة الإسرائيلية. وهناك كثير من الإسرائيليين الذين يشعرون بالذهول والصدمة إزاء ما يحدث، هذا ليس أمرًا خلافيًّا. إنه إبادة جماعية بكل وضوح. لكن بسبب ازدواجية المعايير لدى الولايات المتحدة وحلفائها العسكريين، خدمةً للتطرف الإسرائيلي، لا يُستخدم هذا الوصف رسميًّا. لكن صدّقوني، إنه يُستخدم في كل مكان في العالم، فأنا أسمعه في كل مكان أسافر إليه.

س: هذا ما يجعلني أسالك عن مقارنة موقف الغرب من حرب أوكرانيا.. هل يبرهن تعامل الغرب مع ما يجري في غزة.. يبرهن على ازدواجية معايير؟ على أزمة أخلاقية؟

الحقيقة أن العالم الغربي يعيش في ظل ازدواجية معايير منذ عام 1500 على الأقل؛ ومن ثم علينا ألا ندهش من أي شيء به ازدواجية معايير، 1500 التاريخ التقريبي لبداية صعود أوروبا عسكريًّا وتكنولوجيًّا وجيوسياسيًّا في العالم. أزعم أنه بحلول عام 1750، أصبحت أوروبا القوة المهيمنة عالميًّا عسكريًّا وسياسيًّا، وإن لم يكن على نحو كامل بعد. أما القرن التاسع عشر فكان ذروة الإمبريالية الأوروبية؛ ففي مصر مثلًا، وقعت البلاد تحت السيطرة البريطانية بالكامل بحلول عام 1882.

كل ما يتعلق بالإمبريالية يقوم على ازدواجية المعايير: فالإمبراطورية تفعل ما تشاء، في حين يتعين على الآخرين أن يفعلوا ما تقوله الإمبراطورية، ولا يحق للآخرين أن يفعلوا ما تفعله الإمبراطورية، أي إنها علاقة غير متكافئة بطبيعتها.

وقد استمر ذلك بعد الحرب العالمية الثانية؛ فالولايات المتحدة تفعل ما تريد، في حين يُفترض أن يتبع الآخرون القواعد الأمريكية، لا السلوك الأمريكي؛ لذلك فازدواجية المعايير ليست أمرًا مفاجئًا؛ بل هي جزء بنيوي في علاقات القوة منذ الحقبة الأوروبية، ثم الإمبريالية الأوروبية والأمريكية وصولًا إلى اليوم.

لكن الفارق اليوم هو أن بقية العالم لم يعد خاضعًا للولايات المتحدة وأوروبا، فالولايات المتحدة وأوروبا معًا لا يزيد عدد سكانهما على 800 مليون نسمة في عالم تَعداده 8 مليارات، أي 10% فقط من سكان العالم.

أما دول البريكس على سبيل المثال، التي تمثل ما يقرب من 50% من سكان العالم ـومن ضمنها مصر بوصفها عضوًا جديدًا- فهي تقول: لا، لن نقبل بالمعايير المزدوجة الغربية. نريد معيارًا واحدًا عالميًّا، هو ميثاق الأمم المتحدة، وهذا ما يجب أن يُنظّم العالم.

س: نعود إلى الوراء بضعة أشهر عندما عاد الرئيس ترمب إلى البيت الأبيض.. غالبية الناس أصيب بصدمة كبيرة لسماع الرئيس ترمب عقب عودته إلى البيت الأبيض وهو يتحدث عن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وتحويل القطاع إلى ريفييرا فرنسية جديدة.. هل تعتقد أن إدارة ترمب مع حكومة نتنياهو ما زالت تؤمن بتحقيق ذلك عن طريق تجويع وقتل مستمر لسكان القطاع، ودفعهم في النهاية إلى الخلاص من هذا الجحيم بترك القطاع؟

أنا متأكد من أن الحكومة الإسرائيلية، على الأقل في عقول نتنياهو وبن غفير وسموتريتش وغيرهم من المتطرفين، ما زالت تؤمن بذلك حتى اليوم. وعندما يُطرح السؤال: بماذا تفكّر إدارة ترمب؟ أتساءل إن كانوا يفكّرون أصلًا. لا أرى كثيرًا من الأدلة على التفكير، عليّ أن أقول.

أرى ردودًا وأفعالًا وتغريدات ومنشورات على وسائل التواصل، لكن ليس كثيرًا من التفكير؛ لذلك لا أعرف ما إذا كان هناك تفكير. ما أعتقد أنه في غاية الأهمية هو أن يتحدث العالم العربي ومنظمة التعاون الإسلامي بصراحة ووضوح؛ لأنه يجب أن يكون الموقف أساسيًّا، ومباشرًا، وموحّدًا.

الشعب الفلسطيني لن يُطرد أبدًا، وغزة لن تُسيطر عليها إسرائيل أو الولايات المتحدة؛ هي ملك للشعب الفلسطيني.

العالم العربي والإسلامي ستكون عليه مسؤولية كبرى، وسيتحمّل تكلِفة إعادة الإعمار؛ لأنني أخشى أن هذه هي الحقيقة القاتمة والمحزنة، لكن على الولايات المتحدة أن تسمع بوضوح بأن هناك أمورًا مستحيلة تمامًا، ولا يمكن قبولها. إذا لم يكن الخطاب واضحًا جدًّا، فستستمر الأوهام في الولايات المتحدة، والخيالات في إسرائيل.

الحديث الواضح كجماعة أمر مهم جدًّا. من الصعب أن تقوم مصر بذلك وحدها، لكن إذا قالت كل دول العالم الإسلامي ذلك بوضوح، مع مجموعة “بريكس”، ومع الاتحاد الإفريقي، ومع بقية دول العالم غير الغربي -إذا جاز لي أن أسميه هكذا- وهو الذي يضم أكثر من 85% من سكان العالم، أي تقريبًا كل الدول، فإن الولايات المتحدة، صدّقوني، ستسمع ذلك.

أما إذا كان الخطاب غامضًا، من نوع: “نحن نحبك يا سيد ترمب. نحتاج إلى التحدث إليك. ربما يمكنك أن تنشئ ملعب غولف هنا. ربما يمكننا فعل هذا أو ذاك”، فهذا لن يؤدي إلا إلى تغذية الأوهام. المطلوب هو وضوح، وضوح صريح ومباشر؛ لأن الولايات المتحدة، إن لم يُقَل لها بوضوح، فإنها لا تفكّر. إنها تعيش في فقاعة، في أوهامها الخاصة. أما إسرائيل فهي قاتلة، ولا تستمع إلى أحد.

س: هناك من يقول -ردًا على هذا الكلام-  إن الإدارة الأمريكية، وخصوصًا الرئيس ترمب، لا يهتم كثيرًا بالأصوات التي تعارضه.. لا يهتم لما يقال بأن الولايات المتحدة قد تعيش في عزلة، أو إسرائيل تعيش في عزلة؛ ما يهمه هو تحقيق ما يهدف إليه؛ لأن معه القوة والسلطة؟

الولايات المتحدة اليوم مرهَقة عسكريًّا وماليًّا إلى حد بعيد؛ ولهذا السبب قالت إنها لن تضع مزيدًا من الموارد في أوكرانيا، على سبيل المثال. “المجمّع الصناعي العسكري” الأمريكي يرغب في الاستمرار في القتال، يريد عقودًا عسكرية ضخمة، ويريد أن يُبقي الحرب مشتعلة، لكنه لا يستطيع.

والولايات المتحدة لديها نزاعات كثيرة في أنحاء العالم، وهي قلقة بشدة من العجز الكبير في الميزانية الذي ينزف الآن بنسبة 7% من الناتج المحلي الإجمالي، ومن الدَّين الضخم، ومن المنافسة مع الصين.

إنها قلقة من أمور كثيرة. فإذا سمعت الولايات المتحدة من العالم أجمع: لا، لن يكون الأمر على هذا النحو. لا، الإبادة ستتوقف. نعم، ستكون هناك دولة فلسطين. عندئذٍ سيكون هناك نفوذ أكبر بكثير مما قد يبدو عليه الوضع.

الولايات المتحدة لديها أوهام العظمة، نعم. لكن في الوقت نفسه هناك مؤشرات على بروز بعض ملامح الواقع.

ما تلك الحدود؟ أعتقد أن العالم في قضية فلسطين، بنسبة 95% من سكانه، يقول للولايات المتحدة وعدد قليل من الدول الأخرى: يجب أن توقفوا الإبادة. ويمكن أن يكون لهذا أثر فعّال، خصوصًا لأن الشعب الأمريكي نفسه سئم هذا الوضع.

س: في مقالكم “إنقاذ إسرائيل بإنهاء حربها في غزة” اعتبرتم أن استمرار الحرب يهدد أمن إسرائيل أكثر مما يحميه.. على ماذا اعتمدتم في تحليلكم هذا؟ ما الذي يهدد إسرائيل؟ ومَن الذي يهددها إذا استمرت في حربها؟

إن أمن إسرائيل الآن يعتمد كليًّا على الولايات المتحدة؛ لأن ما تفعله إسرائيل هو أمر بغيض، ومرفوض إلى حد كبير من بقية دول العالم، بحيث إن الولايات المتحدة وحدها هي التي تمنحها الغطاء العسكري والمالي والدبلوماسي لتطرفها. لكن الإسرائيليين يخطئون في حساباتهم خطأً فادحًا؛ لأن الولايات المتحدة، أولًا، ليست دولة مستقرة.

لا تراهن على مستقبلك بالانحياز إلى الولايات المتحدة؛ فهي دولة مرهَقة، متخبطة، ضعيفة القيادة. الاعتماد عليها في ضمان أمنك خطأ كبير.

لقد حاولت أن أقول هذا للأوكرانيين على مدى سنوات طويلة.

س: ولكن إسرائيل تعتمد على الولايات المتحدة  منذ عقود؟

نعم، لكن الآن الشعب الأمريكي يعارض إسرائيل، ويعارض ما تفعله إسرائيل؛ لذلك فهذا ليس أساسًا يمكن البناء عليه. الولايات المتحدة لم تعد نسبيًّا بالقوة نفسها التي كانت عليها قبل أربعين عامًا، فهي لم تعد تملك الهيمنة الأحادية التي كانت قائمة قبل أربعين عامًا، ولم تعد لديها القدرة على فرض إرادتها كما كان في ذلك الوقت؛ ولهذا فإن إسرائيل تتصرف على نحو لا ينسجم مع المرحلة التاريخية الراهنة، أي إنها غير واقعية في المرحلة الحالية أو المستقبل. ومراهنة إسرائيل على أمنها القومي بالكامل بالاعتماد على الحماية الأمريكية هو خطأ جسيم؛ فالسبيل الحقيقي لضمان أمن الدول هو إقامة علاقات طبيعية مع جيرانها، فهذا هو الطريق إلى الأمن، وليس الاعتماد على الولايات المتحدة المثقلة بما يفوق طاقتها.

س: كنت تقول إنك نصحت الأوكرانيين بعدم الاعتماد على الولايات المتحدة لتحقيق أمنهم.. هل استمعوا إلى نصائحكم؟ هل ترى في سياسة زيلينسكي بأنه استمع إلى هذه النصائح؟

لقد بدّد أمن بلاده وسلامتها واقتصادها، وأرواح شعبه بالاعتماد على فكرة أن الولايات المتحدة ستحمي أوكرانيا. الفكرة كلها تعود إلى أن الولايات المتحدة ساعدت على الإطاحة بحكومة محايدة في أوكرانيا عام 2014، ثم إن النظام الذي ساعدت واشنطن على وصوله إلى السلطة طالب بأن توفر الولايات المتحدة الحماية له من خلال الانضمام إلى حلف الناتو. كان هذا -بلا شك- خطأً استراتيجيًّا فادحًا. إن ضمان أمن أوكرانيا، وهي على حدود روسيا، لا يكون إلا من خلال الحياد، لا عن طريق أن تتحول إلى ساحة لحروب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا، لكن الأوكرانيين قالوا لا، الولايات المتحدة قوية جدًّا وستحمينا، يمكننا الانضمام إلى الناتو، ويمكننا أن نفعل كل ما تقوله لنا واشنطن.

وكنت دائمًا أذكّرهم بمقولة هنري كيسنجر الشهيرة: “أن تكون عدوًا للولايات المتحدة أمرٌ خطير، وأن تكون صديقًا لها أمرٌ مُميت””. وقلت لهم: إذا كنتم تظنون أن صداقتكم للولايات المتحدة ستنقذكم، فأنتم لا تدركون حقيقة الأمور. وها نحن الآن، أوكرانيا فقدت ربما أكثر من مليون قتيل في هذه الحرب، وخسرت أراضيها، ولن تنضم أبدًا إلى الناتو، في حين كان بإمكانها أن تحظى بكل شيء في ظل السلام، لكنها استمعت إلى الولايات المتحدة، وكان ذلك خطأً جسيمًا.

س: أعود إلى الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية.. كثيرون يؤمنون بأن نتنياهو يرى أن الفرصة سانحة في الوقت الراهن أكثر من أي وقت مضى لضم الضفة الغربية، والمضي قدمًا نحو هدف إقامة إسرائيل الكبرى.. هل تتفق مع هذا الرأي؟

بالتأكيد، هذه هي نيّاتهم، وهذا هو منظورهم، وهو جزء من مشروع الإبادة، وجزء من نيّات نتنياهو وحركته السياسية “الليكود”، التي تعود جذورها إلى تأسيس الليكود، فقد نص الميثاق التأسيسي للحزب عام 1977 -بوضوح- على أن لإسرائيل السيادة من نهر الأردن حتى البحر الأبيض المتوسط. هذا مبدأ راسخ لدى الليكود، وهو السبب الرئيس لوجود الحزب. ومع ذلك، فإن الليكود ليس الأكثر تطرفًا بين الأحزاب، إذ إن الحركات الاستيطانية غير الشرعية في الضفة الغربية، التي يمثلها سموتريتش وبن غفير، بما تحمله من تطرف ديني، ظهرت في الواجهة، وأصبحت أكثر تطرفًا من نتنياهو نفسه. لكن الهدف -بلا شك- هو ما يُسمّى “إسرائيل الكبرى”. وقد أقر  الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) مؤخرًا قرارًا يعلن هذا التوجه، والسياسيون الإسرائيليون يصرّحون بذلك باستمرار؛ فبن غفير وسموتريتش يقولان صراحة إن إقامة المستوطنات الجديدة في الضفة الغربية تهدف إلى منع قيام دولة فلسطينية من الأساس.

ومقصدي هو أن إسرائيل لا تملك القدرة على فرض ذلك، إذ إن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لديه السلطة لمنع ذلك لو غيّرت الولايات المتحدة موقفها في التصويت. لكن نيات إسرائيل -بلا أي شك- واضحة تمامًا.

س: فيما يتعلق بكلامك عن القوى  العالمية الأخرى والمجتمع الدولي والصين وروسيا.. نحن لا نرى في الشرق الأوسط أن هذه القوى فاعلة في التصدي لأطماع نتنياهو التوسعية.. الأمر بالنسبة لكثيرين لا يتخطى حدود بيانات الإدانة؟

من الواضح أن روسيا والصين لا ترغبان في مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة، وهذا يعني بوضوح أنهما لن ترسلا قوات إلى غزة، أو الضفة الغربية، أو غير ذلك، لكنني أعتقد أن المجال الدبلوماسي لا يزال واسعًا، وأحثّ الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي على أن تكون أكثر وضوحًا وإلحاحًا في رسائلها وتحركاتها تجاه الصين، وروسيا، والهند، والبرازيل، وغيرها من الدول؛ لأنني أرى أن هناك الكثير مما يمكن إنجازه على المدى القريب.

إن واقع المجاعة الجماعية التي تحدث الآن قد فتح أعين العالم على مشهد لم يشهد له العالم مثيلًا منذ المحرقة النازية، وهذا الأمر يهزّ ضمير العالم كله، بل إنه يصدم العالم الأنجلوساكسوني، إن صحّ التعبير. حتى بريطانيا، وهذا يحمل دلالات كثيرة، بل حتى كندا وأستراليا ونيوزيلندا يقولون إن هذه الحرب يجب أن تتوقف.

وفي العالم العربي، هناك أماكن توجد فيها قواعد عسكرية أمريكية، وهناك أماكن تخشى من ترمب، لكن هذا ليس وقت الخوف؛ بل وقت الوضوح التام والتحرك الدبلوماسي العالمي الواسع. هناك أكثر من 180 دولة، تمثل 95% من سكان العالم، تقف إلى جانب الفلسطينيين، وهذا رقم ضخم. ونحن على مشارف اجتماع قادة العالم في نيويورك خلال أسابيع قليلة. قد يكون هذا وقت لتحقيق الانفراجة، ولا بد من إحرازها، فالناس يموتون جوعًا في هذه اللحظة.

س: اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر المقبل.. تقارير تتحدث عن نية عدة دول الاعتراف بالدولة الفلسطينية.. ما المتوقع من خطوة كهذه على إسرائيل والولايات المتحدة.. هل تستفز هذه الخطوة نتنياهو للقيام  بخطوات أكثر إيلامًا باتجاه الفلسطينين لوأد فكرة حل الدولتين؟

آمل أن توجه منظمة التعاون الإسلامي، التي تجتمع هذه الأيام في جدة، نداءً إلى كل دولة في العالم، كل دولة دون استثناء، وتقول لهم: إن لم تكونوا قد أعلنتم اعترافكم بدولة فلسطين، فأعلنوه في سبتمبر (أيلول)؛ فهذا واجب أخلاقي وقانوني وجيوسياسي عليكم الآن، لتقولوا “لا” للمجاعة الجماعية، و”لا” للإبادة الجماعية؛ لذلك أود أن أرى ليس بضع دول فقط، بل جميع دول العالم تؤكد من جديد اعترافها الدبلوماسي بدولة فلسطين، أو تعلن اعترافها بها، فهذا سيكون رسالة بالغة الأهمية.

ثانيًا: أعتقد أن منظمة التعاون الإسلامي وغيرها يجب أن توضح أن هذه مجرد بداية لإجراءات، وإن بدت البداية بطيئة، لكن ينبغي اتخاذ كثير من الإجراءات العقابية ضد إسرائيل إلى أن تتوقف المجاعة الجماعية، ويجب اتخاذ هذا الإجراء فورًا. ويمكن أن تكون هذه الإجراءات في صورة عقوبات، أو إرسال قوة أمنية مدعومة من الأمم المتحدة لحماية الشعب الفلسطيني. وأكرر أنني أدرك أن الولايات المتحدة تملك فعليًّا حق الفيتو ضد كل هذه الإجراءات، أو معظمها، لكن يجب أن تُطلَق هذه الدعوات بوضوح تام.

وأعتقد أن “اتفاقيات أبراهام” يجب أن تُعلّق فورًا نظرًا لما يحدث. كما يجب تعليق العلاقات الدبلوماسية. نحن نعيش إحدى أعظم الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث. ليست حالة طوارئ سببها كارثة طبيعية؛ بل هي كارثة إنسانية بسبب جرائم إسرائيل، ويجب أن تتوقف، ويجب اتخاذ إجراءات عملية لوقفها على الفور.

س: هل هناك مخاوف في حالة استمرار إسرائيل في حربها وعدوانها على قطاع غزة  أن يتحول الأمر إلى حرب شاملة في الإقليم؟

لا أعلم كيف يمكننا الوصول إلى نتائج جيدة. اسمح لي أن أُوضّح الصورة من زاوية أخرى: إسرائيل تقاتل بالفعل في عدة دول، في لبنان، وفي سوريا، وفي إيران؛ لذا قد توسّع إسرائيل حربها، وهذا احتمال وارد تمامًا؛ لأنها في الواقع توسّع دائرة الحرب في المنطقة أصلًا.

لا أعتقد أنه من المرجح أن تدخل القوى الكبرى في حرب مباشرة في المنطقة. لا أظن أن الولايات المتحدة وروسيا ستنخرطان في حرب مفتوحة، ولا أن الولايات المتحدة والصين ستنخرطان في حرب مفتوحة، لكنني أرى أنه يمكن إقناع الولايات المتحدة بأنها ستدفع ثمنًا باهظًا نتيجة تواطئها في جريمة الإبادة التي ترتكبها إسرائيل، والتي تتعارض مع المصالح الأمريكية نفسها.

للولايات المتحدة مصالح في أماكن كثيرة من العالم. على سبيل المثال، سيزور الرئيس ترمب جنوب شرق آسيا في أكتوبر (تشرين الأول). وإذا ما نظرنا إلى دول جنوب شرق آسيا، فسيمكننا ملاحظة ما تقوله ماليزيا وإندونيسيا الآن: إن الإبادة الجماعية يجب أن تتوقف، وإنه لا بد من قيام دولة فلسطينية. إن الولايات المتحدة لديها مصالح في كل أنحاء العالم، لكنها اليوم تبدد هذه المصالح من خلال تواطئها في جرائم إسرائيل.

بروفيسور جيفري ساكس.. أشكرك شكرًا جزيلًا على هذا الحوار.

“أشكرك، وسعدت كثيرًا بالحوار معك”.

ما ورد في الحوار يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع