تقدير موقف

ثلاث سنوات من النار في أوكرانيا.. هل اقتربت الصفقة الكبرى بين بوتين وترمب؟


  • 28 فبراير 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: bbc.com

في فجر يوم 24 فبراير (شباط) 2022، استفاق العالم على مشهد تاريخي غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية: إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدء “عملية عسكرية خاصة” في أوكرانيا. كانت لحظة فاصلة، أعادت رسم خرائط القوة والنفوذ على المستوى الدولي، وأشعلت شرارة صراع جيوسياسي أعاد إلى الأذهان مواجهات الحرب الباردة، ولكن بأدوات القرن الحادي والعشرين. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، شهد العالم تصعيدًا غير مسبوق في العمليات العسكرية، وفرض عقوبات اقتصادية خانقة، وإمدادات عسكرية غربية ضخمة، وتغيّرات في موازين القوى على الأرض. واليوم، مع دخول الحرب عامها الرابع، بدأت مرحلة جديدة لا تدور رحاها في ساحات المعارك فقط؛ بل أيضًا في الغرف المغلقة، حيث تُطبخ تسويات كبرى قد تعيد تشكيل النظام العالمي كما نعرفه.

تحولات ميدانية غيّرت مسار الحرب

عند اندلاع الحرب، توقع كثيرون في الغرب سقوط كييف خلال أيام، لكن المقاومة الأوكرانية المدعومة بالسلاح الغربي قلبت المعادلة؛ إذ تمكنت القوات الأوكرانية من إبطاء التقدم الروسي، ثم استعادت السيطرة على خاركيف وخيرسون؛ ما دفع روسيا إلى تغيير إستراتيجيتها العسكرية. لكن بدءًا من نهاية 2023، ومع استنزاف أوكرانيا مخزوناتها العسكرية، وفتور الدعم الغربي، استعادت موسكو زمام المبادرة، مكرسة تفوقها التدريجي في جبهات الشرق، وتحديدًا في مناطق دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا.

ورغم التقدم الروسي البطيء، لا يزال الجيش الأوكراني صامدًا بفضل الأسلحة الغربية المتطورة، مثل صواريخ هيمارس، والدبابات ليوبارد، ولكن مع تقلص حجم المساعدات الغربية، وتزايد الخلافات السياسية داخل أوروبا والولايات المتحدة، بدأت أوكرانيا تواجه أصعب اختباراتها، إذ يُثار السؤال: إلى متى تستطيع كييف الصمود دون دعم غير مشروط من واشنطن وحلف الناتو؟

عودة ترمب وإعادة ضبط قواعد اللعبة

إن الحدث الأكثر تأثيرًا في مستقبل الحرب لم يكن عسكريًّا، بل سياسيًّا، مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في 20 يناير (كانون الثاني) 2025؛ فترمب، الذي لطالما وصف الحرب الأوكرانية بأنها “مضيعة للأموال الأمريكية”، أطلق منذ يومه الأول في الرئاسة وعودًا بإنهاء النزاع سريعًا، متعهدًا بإيقاف الدعم غير المشروط لكييف، وفتح قنوات تواصل مباشرة مع موسكو. هذه التغيّرات جذبت الأنظار إلى العاصمة السعودية الرياض، التي استضافت أول جولة من المحادثات الأمريكية- الروسية بحضور وزيري الخارجية سيرغي لافروف، وماركو روبيو.

تُشكل هذه المحادثات نقطة تحوّل رئيسة، إذ لم تلتقِ موسكو وواشنطن في مفاوضات جادة بشأن أوكرانيا منذ قمة بوتين- بايدن في جنيف عام 2021. والآن، يُرتقب انعقاد قمة بوتين- ترمب خلال أسابيع، وهي قمة قد تُفضي إلى تفاهمات تاريخية تعيد صياغة مستقبل أوكرانيا ومكانتها الجيوسياسية، وربما تضع حدًا لنزاع بات يستنزف الجميع.

ما الذي تريده موسكو؟ وما الذي قد يقبله ترمب؟

على الجانب الروسي، يطرح الكرملين ثلاثة مطالب أساسية:

  • ضمانات بعدم انضمام أوكرانيا إلى الناتو، وهو خط أحمر روسي ثابت منذ بدء الحرب.
  • الاعتراف بالمكاسب الإقليمية التي حققتها روسيا، خاصةً في دونباس وجنوب أوكرانيا.
  • تقليص الدعم العسكري الغربي لكييف لمنع أي محاولات مستقبلية لاستعادة الأراضي التي باتت تحت السيطرة الروسية.

أما من جهة ترمب، فنهجه البراغماتي قد يجعله أكثر استعدادًا للتفاوض على حل وسط، خاصة مع إعلانه أن استمرار الحرب ليس في مصلحة الولايات المتحدة؛ بل مجرد استنزاف للموارد الأمريكية، قد يقبل ترمب بضمانات تقييد قدرات الجيش الأوكراني، وربما تغيير السلطة في كييف لضمان حكومة أقل عدائية تجاه موسكو، لكنه في المقابل، سيطالب روسيا بتقديم تنازلات، مثل الابتعاد عن التعاون العسكري الوثيق مع الصين وإيران؛ ما قد يشكل عنصرًا تفاوضيًّا رئيسًا في أي صفقة كبرى.

هل أوكرانيا مستعدة للتضحية؟

السؤال الكبير في هذا السيناريو: ماذا عن أوكرانيا؟ هل تستطيع كييف قبول تسوية تُبقي جزءًا من أراضيها تحت السيطرة الروسية مقابل سلام مشروط؟ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يواجه ضغوطًا شديدة من الداخل والخارج؛ فبينما يرى بعض مستشاريه أن أي اتفاق مع موسكو هو “خيانة وطنية”، هناك أصوات في أوروبا بدأت تتحدث صراحةً عن ضرورة التوصل إلى حل سياسي يمنع استمرار استنزاف القارة اقتصاديًّا وعسكريًّا.

وبينما تواصل القوات الأوكرانية قتالها على الجبهات، يواجه زيلينسكي تحديًا آخر يتمثل في موقف واشنطن الجديد؛ فالإدارة الأمريكية لم تعد ترى في استمرار الحرب مصلحة إستراتيجية؛ بل تبحث عن طريقة للخروج من النزاع بأقل الخسائر.

نهاية اللعبة: حرب طويلة أم تسوية سريعة؟

في ظل هذه التطورات، تبرز عدة سيناريوهات لمستقبل الحرب الأوكرانية. قد يؤدي تصاعد المحادثات الأمريكية- الروسية إلى اتفاق مرحلي يُجمّد النزاع، على غرار اتفاقات مينسك السابقة، مع احتمال فرض شروط تدريجية لإنهاء الحرب. لكن في المقابل، إذا لم تُثمر المفاوضات، فقد تستمر الحرب سنوات أخرى، وربما تتحول أوكرانيا إلى نموذج آخر للنزاعات المجمدة، كما حدث في جورجيا ومولدوفا.

ويبقى المتغير الأهم هو طبيعة اللقاء المقبل بين بوتين وترمب، وما إذا كان الطرفان قادرين على إبرام صفقة كبرى تضع حدًا لثلاث سنوات من القتال المستمر.

معركة باخموت.. رمز الاستنزاف العسكري

عندما نتحدث عن معارك حاسمة في الحرب الأوكرانية، لا يمكن إغفال معركة باخموت، التي تحولت إلى رمز للاستنزاف الميداني والجيوسياسي. على مدار أكثر من عشرة أشهر، تحولت هذه المدينة إلى مقبرة مفتوحة للجيوش المتحاربة، إذ دفعت كل من روسيا وأوكرانيا ثمنًا باهظًا مقابل السيطرة على بضعة كيلومترات مربعة.

رأت روسيا في باخموت هدفًا إستراتيجيًّا لفتح الطريق نحو مدن رئيسة أخرى في دونباس، في حين رأتها كييف نقطة قوة رمزية لإثبات قدرتها على الصمود أمام القوات الروسية. على مدار شهور، دخلت مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة المشهد، وأصبحت رأس الحربة في القتال، مستخدمة تكتيكات هجومية شرسة؛ ما جعل المدينة بمنزلة جحيم للمقاتلين على الجانبين.

بعد السيطرة الروسية على المدينة، استمرت المناوشات على أطرافها، إذ سعت القوات الأوكرانية إلى استعادة مواقع إستراتيجية، لكن التكلفة البشرية والمادية كانت مرتفعة جدًّا؛ ما جعل المعركة أشبه بساحة استنزاف لا رابح فيها. أكدت هذه المعركة أهمية استخدام المدفعية والطائرات المسيّرة في القتال الحديث، إذ اضطلعت “الدرونات” بدور غير مسبوق في تحديد الأهداف وضربها بدقة.

ماريوبول.. سقوط المدينة التي غيرت المعادلة

على النقيض من الاستنزاف الطويل في باخموت، جاءت معركة ماريوبول لتكون واحدة من أكثر المعارك دموية وسرعة في المراحل الأولى من الحرب. كانت هذه المدينة الساحلية بمنزلة بوابة روسيا إلى السيطرة على ممر بري يربط القرم بمنطقة دونباس، وهو ما جعلها ذات أهمية إستراتيجية قصوى.

في الأيام الأولى من الحرب، حاصرت القوات الروسية المدينة بالكامل، وتعرضت لقصف مدفعي مكثف وجوي غير مسبوق. تحولت مصانع الصلب في آزوفستال إلى آخر معقل للمقاومة الأوكرانية، إذ احتمى داخلها مئات الجنود والمدنيين وسط حصار خانق. بعد82  يومًا من القتال العنيف، استسلم آخر المقاتلين الأوكرانيين؛ مما منح موسكو نصرًا إستراتيجيًّا، لكنه كان مكلفًا جدًّا من حيث الأرواح والمعدات.

شكل سقوط ماريوبول نقطة تحول في الحرب، إذ تمكنت روسيا من تأمين ممرها البري إلى القرم، لكنها في المقابل دفعت ثمنًا باهظًا بسبب العقوبات الغربية والتنديد الدولي بما سُمّي “مجزرة المدنيين”. وعلى الرغم من استعادة بعض المناطق في الجنوب لاحقًا، فإن فقدان ماريوبول ترك أثرًا عميقًا في المعنويات الأوكرانية.

الإستراتيجيات العسكرية.. كيف تغيرت ملامح الحرب؟

مع استمرار القتال، أصبح واضحًا أن هذه الحرب ليست مجرد مواجهة كلاسيكية بين جيشين؛ بل إنها صراع تكتيكي معقد يعتمد على التكنولوجيا المتقدمة والتعبئة الشاملة؛ فمنذ الأيام الأولى، لجأت موسكو إلى إستراتيجية “الضربات العميقة“، مستهدفة البنية التحتية الأوكرانية، ومنها محطات الطاقة، والمطارات العسكرية، لشل قدرة كييف على شن هجمات مضادة.

في المقابل، اعتمدت أوكرانيا على الحرب غير المتكافئة، مستخدمة أسلحة غربية متطورة، مثل صواريخ “هيمارس”، وأنظمة الدفاع الجوي المتقدمة. أظهرت كييف قدرة غير متوقعة على صد التقدم الروسي، خاصة مع اعتمادها على الاستخبارات الغربية والطائرات المسيّرة التركية “بيرقدار” التي غيّرت قواعد اللعبة في المرحلة الأولى من الحرب.

ومع دخول عام 2024، تبنت موسكو إستراتيجية “الحرب الطويلة“، معتمدة على تفوقها العددي، وقدراتها على التعبئة المستمرة؛ ما جعل القتال يتحول تدريجيًّا إلى حرب استنزاف طويلة الأمد.

الغرب وأوكرانيا.. حدود الدعم والمخاوف الخفية

منذ اللحظة الأولى، اضطلعت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو بدور رئيس في تعزيز قدرة أوكرانيا على الصمود. قدم الغرب حزمًا غير مسبوقة من المساعدات العسكرية، وصلت قيمتها إلى أكثر من 100 مليار دولار خلال ثلاث سنوات، تضمنت دبابات “أبرامز”، ومدرعات “برادلي”، ومنظومات دفاعية متطورة.

لكن مع مرور الوقت، ظهرت تصدعات داخل المعسكر الغربي؛ فمع تصاعد الأزمة الاقتصادية في أوروبا، وتزايد الإنفاق العسكري، أصبح بعض القادة الأوروبيين أكثر تحفظًا تجاه تقديم دعم غير مشروط لكييف. حتى داخل الولايات المتحدة، أدى فوز ترمب في الانتخابات الرئاسية إلى تحول جذري في نهج واشنطن؛ إذ بات الرئيس الجديد يرى أن “هذه الحرب ليست معركتنا”، ملمحًا إلى ضرورة التوصل إلى تسوية دبلوماسية.

في الوقت نفسه، شعرت أوكرانيا بالضغوط المتزايدة، إذ لم تعد تحصل على المستوى نفسه من الدعم اللوجستي والعسكري؛ مما جعل خياراتها العسكرية أكثر تعقيدًا.

الاقتصاد الروسي تحت العقوبات.. انهيار أم تكيّف؟

مع دخول الحرب عامها الرابع، لا تزال العقوبات الغربية تمثل إحدى أهم أدوات الضغط على موسكو. فمع فرض أكثر من 14,000 عقوبة على روسيا منذ فبراير (شباط) 2022، كان الهدف الرئيس هو شل الاقتصاد الروسي وتقويض قدرته على تمويل الحرب، لكن المفاجأة جاءت عندما تمكنت موسكو من التكيف مع هذه العقوبات، بل تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 3.2% عام 2024 وفق بعض التقارير.

أدّت عدة عوامل دورًا في هذا التكيف، منها:

  • تحول روسيا نحو الشرق: عززت موسكو علاقاتها التجارية مع الصين والهند وإيران، إذ زادت صادراتها النفطية إلى الصين بنسبة 40%.
  • تعزيز الصناعات العسكرية: ركزت روسيا على التصنيع المحلي؛ ما أدى إلى ازدهار قطاع الصناعات الدفاعية.
  • استخدام الأسواق السوداء، والاقتصادات الموازية: لجأت موسكو إلى طرق غير تقليدية للالتفاف على العقوبات، من خلال شبكات مالية معقدة تشمل دولًا مثل تركيا والإمارات.

لكن رغم هذا التكيف، لا يمكن إنكار أن الاقتصاد الروسي يعاني نزيفًا ماليًّا مستمرًا، مع انخفاض قيمة الروبل، وتزايد الإنفاق العسكري؛ ما يطرح تساؤلات عن مدى قدرة موسكو على مواصلة الحرب بالزخم نفسه.

محادثات السلام وصفقات اقتصادية كبرى

أعلن الرئيس ترمب إجراء “مناقشات جادة” مع الرئيس بوتين بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى بحث “المعاملات الاقتصادية التنموية الكبرى” بين الولايات المتحدة وروسيا، وأشار ترمب أن هذه المحادثات تسير على نحو جيد جدًّا؛ مما يفتح الباب أمام تعاون اقتصادي موسع بين البلدين.

في هذا السياق، أكد المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، أن الشركات الأمريكية ستكون قادرة على العودة إلى السوق الروسية فور التوصل إلى اتفاق سلام بشأن أوكرانيا، وأوضح أن التوصل إلى اتفاق سلام سيمكن الشركات الأمريكية من استئناف أعمالها في روسيا؛ مما يعزز العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

صفقة المعادن النادرة وتعزيز التعاون الاقتصادي

من بين المبادرات الاقتصادية البارزة التي نوقشت، تأتي صفقة المعادن النادرة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا؛ إذ أعرب الرئيس ترمب عن أمله في توقيع هذه الصفقة قريبًا، مشيرًا إلى أنها ستضمن استعادة الولايات المتحدة عشرات المليارات من الدولارات والمعدات العسكرية التي أُرسلت إلى أوكرانيا، بالإضافة إلى دعم نمو الاقتصاد الأوكراني مع انتهاء الحرب.

أبدى الرئيس بوتين -من جانبه- استعداد روسيا للتعاون مع الشركات الأمريكية في استكشاف المعادن النادرة واستغلالها في كل من روسيا وأوكرانيا، وأشار إلى أن روسيا مستعدة لبيع نحو مليوني طن من الألومنيوم للسوق الأمريكية، بشرط رفع العقوبات التي تقيّد استيراد المعادن الروسية.

توقعات بعودة الشركات الأمريكية إلى روسيا

في ظل هذه التطورات، يتوقع صندوق الاستثمار المباشر الروسي عودة عدد من الشركات الأمريكية إلى السوق الروسية في الربع الثاني من عام 2025. وأشار رئيس الصندوق، كيريل دميترييف، إلى أن هذه العودة المحتملة تأتي بعد المباحثات الأمريكية الروسية بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا؛ مما يمهد الطريق لاستئناف التعاون الاقتصادي بين البلدين.

مع ذلك، يواجه هذا السيناريو تحديات عدة، أبرزها أن الاقتصاد الروسي شهد تغيرات كبيرة خلال السنوات الماضية؛ إذ استحوذت الشركات المحلية على حصص السوق التي كانت تشغلها الشركات الأجنبية سابقًا. بالإضافة إلى ذلك، قد تواجه الشركات العائدة بيئة تنظيمية جديدة، ومعدلات فائدة مرتفعة تصل إلى 21%؛ مما قد يؤثر في قراراتها الاستثمارية.

التحديات والفرص أمام التعاون الاقتصادي

على الرغم من التفاؤل الحذر بشأن عودة الشركات الأمريكية إلى روسيا، فإن هناك تحديات يجب مراعاتها. من بين هذه التحديات: البيئة التجارية غير المستقرة في روسيا، إذ يمكن أن تواجه الشركات الأجنبية أخطارًا تتعلق بقرارات حكومية قد تفرض رسومًا وضرائب جديدة، أو تضع قيودًا على إعادة الأرباح إلى الوطن، أو حتى مصادرة الأصول.

مع ذلك، يرى بعض المحللين أن التوصل إلى اتفاق سلام في أوكرانيا، ورفع العقوبات المتبادلة، قد يفتحان آفاقًا جديدة للتعاون الاقتصادي بين الولايات المتحدة وروسيا. هذا التعاون قد يشمل مجالات عدة، مثل الطاقة، والتكنولوجيا، والصناعات الثقيلة؛ مما قد يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي في كلا البلدين.

الاستنتاجات

بعد ثلاث سنوات من الحرب في أوكرانيا، يبدو أن العالم يقترب من لحظة حاسمة قد تعيد رسم الخريطة الجيوسياسية من جديد. منذ أن أعلن فلاديمير بوتين “العملية العسكرية الخاصة”، في فبراير (شباط) 2022، دخل العالم في صراع لم يكن مجرد مواجهة بين روسيا وأوكرانيا؛ بل أصبح معركة مفتوحة بين الشرق والغرب، بين موسكو وحلف الناتو، بين نموذجين مختلفين للقوة والتأثير. في البداية، فشلت روسيا في تحقيق نصر خاطف، واضطرت إلى تعديل إستراتيجيتها بعد مقاومة أوكرانية شرسة، ودعم عسكري غير مسبوق من الغرب؛ مما أدى إلى استنزاف الطرفين في معارك طويلة كادت تحول الحرب إلى حالة من الجمود، ولكن مع مرور الوقت، بدأ ميزان القوى يتغير، إذ استنزفت كييف جزءًا كبيرًا من قدراتها، وبدأ الغرب بإعادة النظر في إستراتيجيته، وسط أزمة اقتصادية، وتراجع الحماسة لمواصلة تمويل الحرب بلا حدود، خاصةً بعد عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي رأى أن إنهاء الصراع بات ضرورة اقتصادية وسياسية للولايات المتحدة.

دخول ترمب المشهد من جديد قلب المعادلة؛ إذ تعهد بوقف الدعم غير المشروط لأوكرانيا، وأعلن عزمه التفاوض مباشرة مع بوتين، وهو ما فتح الباب أمام محادثات غير مسبوقة بين موسكو وواشنطن، كان أبرزها الاجتماع الذي عُقد في الرياض، حيث برزت السعودية بوصفها وسيطًا جديدًا قادرًا على جمع الطرفين في محادثات ذات أبعاد إستراتيجية تتجاوز أوكرانيا إلى مستقبل النظام العالمي ككل. لم يكن هذا التحول مجرد تغير في التكتيكات؛ بل عَكَسَ إرادة سياسية جديدة لدى الولايات المتحدة، التي لم تعد ترى في الحرب مصلحة مباشرة لها، بل باتت تبحث عن طريقة للخروج من النزاع دون أن يبدو ذلك تراجعًا عن موقفها. ترمب، المعروف ببراغماتيته، يبدو مستعدًا لصفقة كبرى تشمل أوكرانيا، وروسيا، وإعادة ترتيب العلاقات مع الصين وإيران. في المقابل، يدرك بوتين أن لديه فرصة تاريخية لتثبيت مكاسب روسيا الإقليمية، وفرض شروطه على طاولة المفاوضات بعدما استعاد جيشه زمام المبادرة في عدة جبهات، واستطاع الاقتصاد الروسي الصمود أمام العقوبات الغربية صمودًا فاجأ الكثيرين. ورغم الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الروسي، فإن موسكو نجحت في بناء اقتصاد حرب قادر على التكيّف، مستفيدة من التوجه نحو الشرق، وتعزيز الشراكة مع الصين، والهند، والشرق الأوسط.

ومع ذلك، لا تزال العقبة الأكبر أمام أي تسوية تكمن في أوكرانيا نفسها؛ إذ يواجه زيلينسكي خيارًا صعبًا: إما الاستمرار في القتال وسط تضاؤل الدعم الغربي، وإما القبول بتسوية قد تتطلب تقديم تنازلات مؤلمة، وهو ما قد يفجر أزمة سياسية داخلية، خاصة في ظل تصاعد الأصوات المعارضة لاستمرار الحرب بأي ثمن. الأوروبيون، الذين دفعوا فاتورة الحرب اقتصاديًّا وسياسيًّا، بدؤوا هم أيضًا بإعادة تقييم موقفهم، إذ تزايدت الدعوات داخل بعض العواصم الأوروبية إلى البحث عن حل دبلوماسي يمنع تحول أوكرانيا إلى مستنقع لا نهاية له. لكن التحدي الأكبر يكمن في تفاصيل أي اتفاق محتمل: هل ستقبل روسيا بتجميد النزاع دون تحقيق كل أهدافها؟ هل سيكون ترمب قادرًا على تقديم ضمانات لأوكرانيا دون تصعيد التوتر مع موسكو؟ وهل يمكن أن تصبح السعودية منصة دائمة للحوار بين القوى الكبرى؟ الأسابيع المقبلة قد تحمل إجابات عن هذه الأسئلة، لكنها أيضًا قد تكشف عن مفاجآت غير متوقعة، خاصة أن تاريخ الصراعات الكبرى يثبت أن التوقعات لا تسير دائمًا وفق المخططات المرسومة. الحرب قد تنتهي على الورق، ولكن هل تنتهي فعليًّا على الأرض؟

المصادر:

ترمب: حرب أوكرانيا قد تنتهي خلال أسابيع، وأنا سأذهب إلى موسكو في الوقت المناسب

ترمب يطالب بوتين بإنهاء “الحرب السخيفة”، فإلى ماذا تشير التقديرات في روسيا وأكرانيا؟

واشنطن تقترح “نهاية سريعة” للحرب في أوكرانيا في نص أمام الأمم المتحدة

أوكرانيا تبشّر “بأخبار جيدة” من كورسك.. وروسيا تغلق مؤقتًا 4 مطارات

حرب أوكرانيا تقسّم الأمم المتحدة

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع