مقالات المركز

تل أبيب وواشنطن تضغطان على بيروت لرفع الراية البيضاء وسط رفض شعبي وحزبي لبناني


  • 4 سبتمبر 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: asharq

يجد لبنان نفسه في لحظة مفصلية، حيث تتصاعد النقاشات الداخلية بشأن مستقبل سلاح حزب الله، وسط تهديدات متزايدة من إسرائيل وضغوط دبلوماسية أمريكية. وقد أعرب رئيس مجلس النواب نبيه بري مؤخرًا عن انفتاحه لمناقشة نزع سلاح حزب الله ضمن إطار الدستور اللبناني، مشددًا على ضرورة الحوار الهادئ والتوافقي. وجاءت تصريحاته ردًا على زيارة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي إلى جنوب لبنان، التي وصفها بري بأنها “استفزاز”.

تحتل إسرائيل حاليًا أجزاء من جنوب لبنان منذ غزوها في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) 2024، وهو الغزو السادس للبنان منذ عام 1978. وعلى الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة، فإن إسرائيل رفضت الالتزام ببنود الاتفاق التي تنص على انسحابها.

وعندما اشتكت الحكومة اللبنانية إلى توم باراك، المبعوث الخاص إلى لبنان الذي عيّنه الرئيس ترمب، قال إن الولايات المتحدة ليست في موقع يسمح لها بمطالبة إسرائيل بالامتثال. هذا التعنت يعزز الرواية العربية القائلة إن تل أبيب هي من تكتب السياسة الخارجية الأمريكية في لبنان.

وأكد بري أن سلاح حزب الله يمثل “الكرامة والعزة”، محذرًا من انتشار خطاب الكراهية واللغة التحريضية، وانتقد محاولات تحميل الجيش اللبناني المسؤولية، مؤكدًا أن “العقول الخبيثة أخطر على لبنان من سلاح المقاومة الذي حرر أرضنا”.

كما اتهم إسرائيل بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار، في حين بقي لبنان ملتزمًا به، وادعى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى إلى تحقيق رؤية “إسرائيل الكبرى” التي تشمل لبنان بكامله.

ردًا على هجمات فلسطينية انطلقت من لبنان، غزت إسرائيل البلاد عام 1978، ومرة أخرى عام 1982. وقد تأسس حزب الله كمقاومة لبنانية عام 1982.

احتلت إسرائيل جنوب لبنان بوحشية من عام 1982 حتى عام 2000. ولم يكن انسحابها إلا نتيجة أعمال المقاومة التي قادها حزب الله وآخرون، مما أثبت للعالم أن المقاومة المسلحة ضد الاحتلال قد تنجح، وهو ما تكفله اتفاقية جنيف.

غالبية سكان جنوب لبنان من الشيعة والمسيحيين. وحزب الله هو تنظيم شيعي تدعمه إيران، وتراه كل من الولايات المتحدة وإسرائيل عدوًّا.

وفقًا لإحصاءات وزارة الخارجية الأمريكية، ينقسم سكان لبنان إلى ثلاثة أقسام شبه متساوية بين الشيعة والسنة والمسيحيين. ولو كان دعم حزب الله مقتصرًا على الشيعة فقط، لكان موقفه ضعيفًا إحصائيًّا، لكن الواقع مختلف؛ فهناك سنة ومسيحيون يدعمون حزب الله، بوصفه أقوى دفاع مسلح عن الوطن.

لطالما كان الجيش اللبناني مؤسسة عسكرية ضعيفة تاريخيًّا. وقد بدأ مؤخرًا يتلقى دعمًا من الولايات المتحدة وجهات أخرى. ووفقًا لموقع GlobalFirepower.com، يحتل الجيش اللبناني المرتبة 118 من أصل 145 دولة في مراجعة عام 2024 من حيث القوة العسكرية.

عانى لبنان حربًا أهلية دموية على أساس طائفي من عام 1975 حتى 1990. وقد حذر كثيرون من أن نزع الجيش اللبناني سلاح حزب الله بالقوة قد يشعل فتيل حرب أهلية جديدة.

هاجمت إسرائيل لبنان في صيف عام 2006، ونفذت ضربات جوية على مستوى البلاد وغزوًا بريًّا محدودًا في الجنوب. وقصفت سجن الخيام الذي كان يُحتجز فيه آلاف اللبنانيين من رجال ونساء وأطفال، حيث تعرضوا للتعذيب والقتل خلال الاحتلال السابق. وقد دمرت إسرائيل السجن بهدف طمس جرائمها ضد الإنسانية.

في يونيو (حزيران)، قدم المبعوث الأمريكي توم باراك اقتراحًا للحكومة اللبنانية يقضي بنزع سلاح حزب الله مقابل انسحاب إسرائيل من خمس نقاط حدودية محتلة، وإطلاق أموال إعادة الإعمار. وفي 5 أغسطس (آب)، وافق مجلس الوزراء اللبناني على خطة لتوحيد السلاح تحت سلطة الدولة، مكلفًا الجيش بتنفيذها بحلول نهاية عام 2025. وقد رفض حزب الله هذه الخطوة، محذرًا من أنها قد تؤدي إلى حرب أهلية.

بعد يومين، أيدت الحكومة أهداف الاقتراح الأمريكي، بما في ذلك جدول زمني لنزع السلاح، ونشر الجيش اللبناني في الجنوب. وردت إسرائيل بشن غارات جوية استهدفت بنى تحتية لحزب الله قرب قلعة الشقيف في النبطية، مما ألحق أضرارًا كبيرة بالمناطق السكنية.

اقترح معهد الدراسات الأمنية الوطنية في إسرائيل خطة من ثلاث مراحل:

– المرحلة الأولى: نزع سلاح حزب الله في جنوب لبنان وفقًا للقرار الأممي 1701، مقابل انسحاب إسرائيل من خمس نقاط.

– المرحلة الثانية: إخراج حزب الله من سهل البقاع والمعابر الحدودية مع سوريا، مع تسوية النزاعات الحدودية.

– المرحلة الثالثة: نزع السلاح الكامل في لبنان، بشرط توقف إسرائيل التام عن الغارات الجوية، واحترام السيادة اللبنانية.

رغم هذه المقترحات، لا يزال المسؤولون الإسرائيليون متشككين. وقد أبدى نتنياهو ترددًا في الانسحاب من جنوب لبنان، أو اتخاذ خطوات متبادلة، مما يثير الشكوك بشأن جدوى الخطة.

جدّد حزب الله رفضه التخلي عن سلاحه، حيث صرّح الأمين العام للحزب، الشيخ نعيم قاسم، قائلًا: “لن نتخلى عن السلاح الذي جلب لنا الكرامة”. وحذر الحزب من أن أي محاولة لنزع سلاحه بالقوة قد تؤدي إلى اضطرابات واسعة النطاق.

وأفادت تقارير بأن قائد الجيش اللبناني، العماد رودولف هيكل، أعرب عن عدم استعداده لقيادة حملة قد تسفك دماء اللبنانيين، ويفكر في الاستقالة. وقد أعربت القيادة العسكرية عن قلقها بشأن إمكانية تنفيذ خطة نزع السلاح الشاملة، خاصة في ظل الحديث عن دعم استخباراتي إسرائيلي.

وقال هيكل إنه لن يأمر الجيش بإطلاق النار على اللبنانيين لإرضاء العدو، في إشارة إلى إسرائيل.

يضغط المسؤولون الأمريكيون والسعوديون على لبنان لتسريع التنفيذ. وقد اقترح بعض المسؤولين الأمريكيين نهجًا تدريجيًّا يبدأ بعزل المناطق الشيعية، وتوسيع سيطرة الجيش في مناطق أخرى، لكن عدم الاستقرار الإقليمي، من غزة إلى سوريا، قد يعقّد هذه الجهود.

وفي تطور موازٍ، بدأ الجيش اللبناني بجمع الأسلحة من الفصائل الفلسطينية في المخيمات الجنوبية، في أكبر عملية نزع سلاح منذ الحرب الأهلية. وتُعد هذه الخطوة، التي نُسقت مع السلطة الفلسطينية، خطوة رمزية نحو ترسيخ سيادة الدولة.

ومع ذلك، يشكك المحللون في إمكانية تطبيق النهج نفسه على حزب الله، الذي يمتلك ترسانة ونفوذًا يفوق بكثير الفصائل الفلسطينية.

أشاد السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام بقرار لبنان نزع سلاح حزب الله، واصفًا إياه بأنه “خطوة كبيرة إلى الأمام”، وضربة لنفوذ إيران الإقليمي. وكرر مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون هذا الرأي، مؤكدًا أن “تحرير لبنان من حزب الله” ضروري لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.

وشدد بولتون على أن قوة حزب الله تنبع من الدعم الإيراني، وأن الضربات الإسرائيلية الأخيرة أضعفت قيادته وترسانته على نحو كبير. ومع ذلك، حذر من أن الحزب لا يزال يحتفظ بقدرات عسكرية كبيرة.

يقف لبنان عند مفترق طرق حاسم. وقد أثار قرار الحكومة السعي إلى نزع سلاح حزب الله شبكة معقدة من المقاومة الداخلية، والتفاعلات الإقليمية، والدبلوماسية الدولية. ويبقى أن نرى ما إذا كانت هذه المبادرة ستقود إلى الاستقرار، أو إلى مزيد من الصراع، مع ترقب محطات سياسية قادمة قد ترسم مسار البلاد.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع