مقالات المركز

تلميحات روسية إلى اجتماع بوتين وترمب المرتقب


  • 3 يوليو 2025

شارك الموضوع

شهدت الأيام الأخيرة مؤشرات متسارعة على وجود رغبة روسية صريحة في الانفتاح على الولايات المتحدة، تمثّلت في تصريحات عن احتمال عقد لقاء بين الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي دونالد ترمب في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ومحادثات متجددة بين أجهزة الاستخبارات، وجوّ إيجابي عام يشي ببدء تهدئة للخلافات. في هذا السياق، أكّد مساعد الكرملين يوري أوشاكوف أن الذكرى الـ80 لتأسيس الأمم المتحدة في أكتوبر (تشرين الأول) قد تكون فرصة مناسبة لتنظيم لقاء “مناسب” بين بوتين وترمب، شريطة توافق واشنطن وموسكو (بالإضافة إلى موافقة تركيا بوصفها مضيفًا محتملًا) على تفاصيله. كما لفت أوشاكوف إلى استمرار محاولة العمل على إزالة “النقاط المزعجة” في العلاقات الثنائية التي انبثقت في المباحثات الهاتفية الأولى بين الزعيمين. في وقتٍ آخر، أعلن مدير جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي سيرغي ناريشكين أنه أجرى اتصالًا هاتفيًّا مع نظيره الأمريكي جون راتكليف (رئيس الـCIA)، واتفقا على إمكانية الاتصال الفوري والتنسيق عند الحاجة. هذه المعطيات وغيرها تفتح بابًا واسعًا لفهم الموقف الروسي الحالي نحو واشنطن، وتداعيات ذلك على ملفات الصراع الأوكراني والتعاون الدولي. سنستعرض في هذا العرض التحليلي أبعاد هذه التحركات، ومغيّرات السياسة الخارجية الأمريكية الراهنة، وسيناريوهات الموقف الروسي وتوقّعاته المستقبلية.

سياق الدولي المتغير وعلاقات موسكو- واشنطن

على مدى أعوام طويلة، كانت العلاقات الروسية- الأمريكية مضطربة وتنافسية، خاصة منذ ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، وتصاعد حرب أوكرانيا عام 2022، حيث فرضت واشنطن عقوبات واسعة على موسكو، وقدمت دعمًا عسكريًّا وسياسيًّا غير مسبوق لكييف، لكن مع عودة دونالد ترمب إلى الرئاسة الأمريكية في يناير (كانون الثاني) 2025 تغيرت معطيات هذه العلاقة فجأة؛ فقد أعاد البيت الأبيض في عهد ترمب رسميًّا النظر في مواقف سلفه جو بايدن، وأوقف مشاركته في بعض الضغوط ضد روسيا، حيث شهدت فترة ترمب (الرئاسة الثانية) خطوات مثل رفض التصويت على إدانة غزو أوكرانيا في الأمم المتحدة، وتعليق بعض العمليات السيبرانية ضد روسيا. في المقابل، رحبت موسكو صراحة بالتغيير الإداري في واشنطن، معتبرة أن ترمب أقرب إليها ومهتم بتحسين العلاقات. وقد أكد الرئيس الروسي أن جهود ترمب أدت إلى استقرار نسبي في بعض جوانب العلاقات الثنائية، معبرًا عن احترام كبير لترمب، واستعداده لعقد لقاء معه.

ترى روسيا في العودة المرتقبة للقاء على مستوى الرؤساء فرصة لكسر الجمود في الحرب الأوكرانية، وإيجاد ممثّل قوي من واشنطن لدفع مفاوضات السلام. فبينما ركّزت إدارة بايدن على مبدأ فرض عقوبات إلى أن يتغير موقف موسكو، بدا ترمب أكثر انفتاحًا على الحوار. إن اجتماعًا بين بوتين وترمب يمكن أن يؤسس لبيانات أو تفاهمات مباشرة بشأن وقف القتال، أو إجراء تبادل أسرى، أو تسويات كبرى أخرى.

على مستوى أوروبا والأطراف المعنية، تتباين التحليلات؛ فبعض المحللين يرون أن تحسين العلاقات الأمريكية- الروسية يصب في مصلحة التسوية الشاملة، في حين يقلق آخرون من أن ذلك قد يضعف موقف أوكرانيا ويُضعف الجبهة الغربية الموحدة ضد موسكو. في كل الأحوال، تتزامن هذه التطورات مع ضغوط غربية لتسريع مفاوضات السلام. وقد دعا مسؤولون أوروبيون وأوكرانيون إلى لقاء شامل للزعماء، بشرط أن تصاحبه خطوات ميدانية (مثل وقف إطلاق نار)، وهو ما يسعى إليه الكرملين أيضًا باعتباره ضربًا من التوقيت السياسي المناسب.

اجتماع بوتين وترمب المرتقب ومسار التحضيرات

تشير التصريحات الروسية إلى الاهتمام بجعل قمة محتملة بين بوتين وترمب واقعة في سياق دولي راقٍ، مثل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك (مقرّ الأمم المتحدة)، حيث يتجمّع الرئيسان في وقت قريب، فقد أوضح أوشاكوف أن ثمانين عامًا على تأسيس الأمم المتحدة في أكتوبر “قد تكون سببًا مناسبًا” لعقد اجتماع “محتمل” بين الزعيمين. يأتي هذا في ظل جهود دبلوماسية لتحريك ملف أوكرانيا، خاصة بعد جولات المفاوضات السابقة في إسطنبول (تركيا)، التي اعترتها خلافات، وأيضًا شابها عدم تحقيق اختراق شامل.

كما أشار أوشاكوف إلى مقترح عقد لقاء في إسطنبول يركز على الحرب الأوكرانية، مؤكدًا أن ذلك “لا يتطلب فقط اتفاق الرئيس التركي أردوغان، ولكن أيضًا اتفاق الرئيسين الروسي والأمريكي”. وفي الواقع، تورطت تركيا بوصفها وسيطًا دائمًا في النزاع الأوكراني، وقد عرض أردوغان استضافة مباحثات سلام تجمع قادة روسيا وأوكرانيا، بل كشف مؤخرًا أن ترمب أبلغَه استعداده للحضور إذا وافق بوتين. قال أردوغان بعد لقائه بترمب على هامش قمة حلف الناتو إن الأخير أقر بأنه “سيحضر إذا حضر بوتين”، وسعى إلى التنسيق قريبًا لعقد هذه القمة الرباعية الممكنة (بوتين وزيلينسكي وترمب وأردوغان).

على الجانب الروسي، رأى الكرملين أن اجتماعًا كهذا يستدعي إعدادًا مُحكمًا، فقد شدّد الناطق الرئاسي دميتري بيسكوف على أن أي قمة بين بوتين وترمب “يجب أن تكون معدّة سلفًا إعدادًا مكثفًا، وبُنيت على أهداف ملموسة”، وأنه من الطبيعي أن تسبقها مفاوضات وخطوات تمهيدية كثيرة. كذلك علّق مساعد بوتين أوشاكوف بأنه رغم ترحيب موسكو بالفكرة، فإن تنفيذها مرتبط بتعاون الطرفين، وتفاصيل المحادثات بينهما، وموافقة الجهات الدولية ذات الصلة.

تحليلُنا لهذه التحضيرات يشير إلى أن موسكو تنظر إلى هذا اللقاء فرصة ذهبية لتثبيت “النتائج الأولية” لدبلوماسية ترمب، وربما ترتيب مصفوفة جديدة تشمل تخفيضات جزئية للعقوبات مقابل استحقاقات تتعلق بالسلام في أوكرانيا. ومع ذلك، تحرص أيضًا على عدم التعجيل بتنظيمه دون ضمان التزامات واضحة من الجانب الأمريكي، وهو ما يفسر الانتظار الروسي لـ”إشارة” من وزارة الخارجية الأمريكية تمهيدًا لاستئناف المفاوضات.

بوادر التقارب الدبلوماسي وإزالة الخلافات

إلى جانب الحديث عن الاجتماعات الكبرى، أطلقت موسكو رسائل مطمئنة عن استئناف التواصل العادي مع واشنطن، فمساعد الكرملين أوشاكوف أشار إلى أن “الاتفاق على العمل الوثيق في هذا المسار”، الذي وُضع مع بدء اتصال ترمب مع بوتين لا يزال قائمًا، وأن العمل لإزالة “النقاط المزعجة” أو “المعوقات” في العلاقات مستمر بلا شك.

في الوقت نفسه، لفت إلى أن روسيا تواصل حوارًا هادئًا مع واشنطن برغم إلغاء الولايات المتحدة بعض اللقاءات الثنائيّة السابقة. وأضاف أن موسكو تنتظر إشارة من الخارجية الأمريكية، إذ ترى أن واشنطن هي من أجلت أو أعادت جدولة الاجتماعات المتفق عليها.

هذه التصريحات تعكس رغبة روسيا في التركيز على التعاون التقني والدبلوماسي “العادي”، وبث طمأنينة في الداخل بأنها لا تزال تسعى إلى السلام عن طريق القنوات الرسمية، لكنها في الوقت نفسه تشكو من العراقيل الأمريكية، ما يؤشر إلى توتر خفيّ تحت السطح؛ فعلى الرغم من حديث واشنطن عن ترحيبها بالمحادثات، تظل أي خطوة عملية معوّقة بإجراءات مثل فرض شروط مسبقة، أو تأجيل محادثات دون تفسير واضح. نورد مثالًا: فقد ألغيت في أواخر يونيو (حزيران) 2025 جولة جديدة من المباحثات الدورية بشأن استعادة عمل البعثات الدبلوماسية المتبادلة، بسبب خلاف مفاجئ بشأن مكان عقدها. وقال أوشاكوف إن الولايات المتحدة رفضت مكانًا اتُّفِقَ عليه، وهذا “مسألة مكان أولًا وقبل كل شيء”، ويُنتظر أن تقترح واشنطن بديلًا.

إضافة إلى ذلك، شهدنا تغييرًا عمليًّا في نوعية الاتصالات. فرغم استمرار واشنطن في تقديم بعض الأسلحة لأوكرانيا (رغم خفض موازنتها المخصصة)، فقد أعلنت روسيا رسميًّا أن إيصال الأسلحة يتم “جزئيًّا فقط” الآن؛ وبذلك تبدو الإدارة الأمريكية أكثر انخراطًا في مسار التفاوض مقابل المدة السابقة. كذلك لوحظ أن نبرة الاتصالات مع إدارة بايدن كانت “رسمية ومحكومة بالخطوط الحمراء”، في حين تسمح إدارة ترمب بـ”حوار يعطي فرصة للبحث عن ما هو ممكن فعلًا”، على حد تعبير أوشاكوف، وذلك يعني أنه على صعيد الخطاب، يحاول الكرملين إظهار أن العلاقة مع ترمب أكثر واقعية وأقل استقطابًا من تلك التي كانت مع بايدن.

اتصالات الأجهزة الاستخباراتية والفرص المترتبة عليها

في مؤشر آخر على تحسن العلاقات، أعلن مدير جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي (SVR) ، سيرغي ناريشكين، أنه تلقى اتصالًا هاتفيًّا من مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية جون راتكليف، وتم الاتفاق على إبقاء خط الاتصال مفتوحًا دومًا للنقاش عند الحاجة، وتعد هذه خطوة رمزية مهمة، إذ إن جهازي المخابرات ( SVRوسايه) لطالما كانا في حالة تنافس شديد، وكشف كل منهما عن عمليات تجنيد خلال النزاع الأوكراني.

من وجهة نظر روسيا، فهذه الاتصالات الاستخباراتية تمثل ضوءًا أخضر لتنسيق الجهود الأمنية، ومنع التصعيد غير المقصود، خاصة في أجواء الحرب الأوكرانية، إذ إن استمرار الحرب يتطلب أحيانًا الحفاظ على خطوط طوارئ لتجنب مواقف متشنجة على الأرض (مثل حادثات إسقاط طائرات، أو مناورات قريبة بين القوتين). كذلك يُنظر إليها على أنها تعبير عن الثقة المتبادلة نسبيًّا بأن القنوات المفتوحة ستسهم في الاستقرار، لكن في الوقت نفسه تحافظ كل جهة على سير المعلومات ضمن اهتماماتها، وقد لا تظهر نتائج ملموسة فورية. التحليل الروسي لهذه التطورات يرى أنها فرصة لتقليل التهديدات الناجمة عن تظاهرات العداء بين أجهزة الاستخبارات، ويمكن اعتبارها خطوة دبلوماسية لها تأثير طفيف في مواقع التفاوض، بيد أنها تمثل رسالة مفادها “الاستعداد للحوار” حتى على مستوى السريّة الأمنية.

الموقف الروسي وتحليل الإستراتيجية الحالية

بالنظر إلى التحركات كافة، يمكن تلخيص الموقف الروسي الراهن بأنه يهدف إلى الانفتاح التدريجي، وتعزيز القنوات المفتوحة مع واشنطن، لكن بشروط محددة تحفظ مصالح موسكو الإستراتيجية، حيث تتفرّع أهداف روسيا في هذا الموقف إلى عدة محاور رئيسة:

  • تبريد الأجواء الدولية لكسب نفوذ سياسي: ترى موسكو أن أي تحسن في العلاقات مع الولايات المتحدة سيخفف عزلة روسيا، ويهدئ حدة الضغوط، لا سيما العقوبات الاقتصادية التي تثقل كاهل الاقتصاد. استهداف الرئيس الروسي تحسين الملف الدبلوماسي يأتي في مقابل عرضه التفاوضي إجراء مباحثات سلام، فكلما أظهر العالم موقفًا متقبلًا للتفاهم مع واشنطن، زادت فرص موسكو في المطالبة بتخفيف جزئي للعقوبات.
  • فرض شروط في مفاوضات السلام: من منظور سياسي، يسعى الكرملين إلى استغلال الدعوات الأمريكية المباشرة إلى الحوار لكسب تنازلات في مفاوضات أوكرانيا، لا سيما أن روسيا أحكمت قبضتها على مناطق إستراتيجية في أوكرانيا، فإذا أطلق ترمب دعوة صريحة للمفاوضات مع بوتين، يمكن لموسكو محاولة استمالة مشاركة الولايات المتحدة في صياغة مسودة اتفاق (ضمن حدودها)، أو ضمان التزامات معينة بشأن عدم توسع حلف شمال الأطلسي شرقًا.
  • إستراتيجية التحرك بالتدرج وبناء الثقة: يعكس خطاب أوشاكوف وغيره أن روسيا تتخذ نهجًا حذرًا “مرحليًّا” في التعامل مع الشريك الأمريكي، فهي تحافظ على الاتصالات الدبلوماسية والاستخباراتية، وتصفّر من طبول الحرب في الخطاب، لكنها أيضًا تذكّر واشنطن بتوقعاتها: انتظار إشارات وتعهدات رسمية، وتسلُّم البدائل إذا لزم الأمر. بهذا الأسلوب المتأني، تحاول روسيا الموازنة بين الحاجة إلى تقدم سياسي سريع والحذر من خداع مفاجئ أو تضليل.
  • التضامن الداخلي واستقرار النظام: داخليًّا، يُسوّق الكرملين هذه الخطوات على أنها نجاحات دبلوماسية لفخامة الرئيس؛ ما يعزّز الصبر الشعبي حيال التداعيات الاقتصادية للنزاع. وفي المقابل، فإن إشعال الحرب في أوكرانيا، وخطابًا معاديًا للولايات المتحدة كانا من مقومات خطاب دعائي رئيس في السنوات السابقة؛ لذا يُجرّب القائمون على السياسة الخارجية الآن إظهار جانب آخر (التفاوض والبناء) دون التخلي كليًّا عن خطاب “الدفاع عن الوطن” للحفاظ على تماسك الداخل.

في ضوء هذه المعطيات، تبدو موسكو متحفظة في تقييم المتغيرات؛ فهي تلقي بالمسؤولية على الأمريكيين حين يتأخر التفاهم (مثل قضية مقر الاجتماع الملغى)، وترحب بالاستجابة عندما تلوح في الأفق (كإشادة ترمب بحديثها)، وترافقها رغبة واضحة في إبقاء الحراك مستمرًا، فقد ذكّر أوشاكوف بأن الاتفاق على “المسار الضيق” للحوار لا يزال قائمًا منذ اتصالات ترمب الأولى، وأن العمل سيستمر بلا شك في رسالة تطمينية بأن روسيا تعتبر هذه التطورات استمرارًا لمنهج قد يصل في نهاية المطاف إلى انفراجة حقيقية.

الآفاق والتحديات المستقبلية والاستنتاجات

إن الموقف الروسي من التحولات الراهنة يوازن بين التفاؤل الحذر والمطالب الإستراتيجية. من الممكن أن تؤدي هذه التحركات إلى نتائج دبلوماسية ملموسة، إذا ما تكللت لقاءات القمة بقيادة الطرفين باتفاقات واضحة بشأن وقف الأعمال العدائية في أوكرانيا، أو مبادلات سياسية. وفي المقابل، قد ينتهي الأمر ببقاء التحسن في مستوى الحوار محصورًا في عبارات إعلامية، وخطوات تدريجية، دون تغيير كبير على الأرض، إذا ما بقيت العقبات (كالأسلحة لأوكرانيا وشروط كييف) عالقة.

هناك سيناريوهان محتملان؛ الأول: يؤدي هذا التغيير في الطرح الأمريكي- الروسي إلى عقد اجتماع ثنائي فعلي يؤدي إلى خريطة طريق سلام جزئية تسعى إلى حل الصراع الأوكراني، وربما تسكين جبهات القتال. في هذه الحالة، تستفيد موسكو في الداخل من انتصار سياسي (رفع العقوبات جزئيًّا مقابل تنازلات كييف)، وتسترد موقعًا أقوى في السياسة الدولية. السيناريو الثاني يتمثل في أن تعود العلاقات إلى مجراها التقليدي بعد فترة قصيرة، فإذا لم يتبلور لقاء محوري أو معاهدة حقيقية، قد تفقد موسكو بعض المنافع الداخلية من هذه المبادرات، دون أن تتنازل عن موقفها في أوكرانيا.

باختصار، تبدو روسيا حريصة على انتهاز الفرصة لتهيئة “اجتماع تاريخي” مع ترمب ينهي عقد الحرب الباردة الجديدة تدريجيًّا، لكنها لا تزال تنتظر المؤكّدات قبل الانخراط في أي مفاوضات كبرى. يبقى السؤال الجوهري هو عن مدى صمود هذا التفاهم الأمريكي- الروسي المتجدد أمام المصالح المتضاربة: هل سيواصل ترمب دعم مبادرات السلام كما عمل على تشجيعها، أم أن المتغيّرات السياسية الأمريكية واحتياجات روسيا الميدانية ستعيد المشهد إلى مربّعه التقليدي من التوتر؟

في ختام المقال، يمكن تلخيص أهم نقاط الموقف الروسي الحالية كما يلي:

  • تكثيف الحوار مع واشنطن: الحفاظ على استئناف الاتصالات الإستراتيجية والسياسية مع الإدارة الأمريكية الجديدة، مع توقع خطوات ملموسة (مثل استئناف اللقاءات الملغاة).
  • ربط تحسين العلاقات بالسلام: استخدام أي تقدّم دبلوماسي رهانًا للتفاوض بشأن وقف الحرب في أوكرانيا، مع تأكيد مصالح موسكو الأمنية (عدم توسع الناتو مثلًا).
  • استغلال التحولات الأمريكية: الاستفادة من ميول ترمب المعلنة لتخفيف الضغوط على روسيا، دون تقديم تنازلات جوهرية من جانب موسكو دون ضمانات متبادلة.
  • الموازنة بين الضغط والحوار: مواصلة المعارك في أوكرانيا، مع الحفاظ على القنوات الدبلوماسية مفتوحة و”النبرة التفاوضية” مع المعسكر الغربي؛ لتجنب الحسم العنيف للعلاقات الدولية على حساب المصالح الروسية.

إن تكامل هذه النقاط يشكل خريطة طريق روسيا في المرحلة المقبلة، وهي: “مزيج من الانفتاح السياسي الدبلوماسي، مع تشديد السيطرة على ملف الحرب”. وسواء نتج عن ذلك اختراق روسي يحسن الوضع الدولي لموسكو، أو تجدد لمسار تصعيد مختلط، فإن الأكيد أن روسيا ترى هذه التحولات جزءًا أساسيًّا في إستراتيجيتها الطويلة الأمد لتعزيز موقعها العالمي، والحفاظ على الأمن القومي.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير


شارك الموضوع