إستراتيجيات عسكرية

تقييم الوضع على الجبهة العسكرية في أوكرانيا


  • 28 يناير 2024

شارك الموضوع

عند تقييم ما يحدث في أوكرانيا، من الضروري أن نأخذ في الحُسبان كثيرًا من العوامل المترابطة، مثل الوضع التكتيكي والعملياتي، والمصالح الإستراتيجية للأطراف المتحاربة، فضلًا عن السياق الجيوسياسي الأوسع مع جميع اللاعبين المعنيين.

أما التكتيكات العسكرية، فقد دارت الاشتباكات الرئيسة في الأيام الأخيرة في منطقة دونيتسك، حيث تدور معارك من أجل أفديفكا وبوغدانوفكا، وكذلك على حدود منطقتي لوغانسك ودونيتسك، حيث تقتحم القوات الروسية يامبولوفكا، وتشيرفونايا، وبيلوغوروفكا. تم الاستيلاء على كثير من معاقل القوات المسلحة الأوكرانية هناك. في منطقة دونيتسك، في 18 يناير (كانون الثاني)، تم الاستيلاء على قرية فيسيلوي.

ومن الجانب الأوكراني، يجري القصف في دونيتسك وخيرسون. كما تقصف القوات المسلحة الأوكرانية- بانتظام- مناطق بيلغورود، وكورسك، وبريانسك، الواقعة على الحدود، وتوجه ضرباتها- بعمق- داخل الأراضي الروسية.

ومن المهم الإشارة إلى أن التشكيلات الأوكرانية تقصف المدنيين قصفًا عشوائيًّا، بجانب الهجمات المنتظمة على دونيتسك منذ عام 2014، حيث لا توجد بنية تحتية عسكرية قادرة على التصدي لهذه الضربات، وهو ما كان له أثر- إلى حد كبير- في قرار روسيا شن “العملية العسكرية الخاصة”، ولسوء الحظ، فإنها مستمرة. وفي 21 يناير (كانون الثاني)، قصف الأوكرانيون سوقًا في دونيتسك، مما أسفر عن مقتل 18 مواطنًا، وإصابة أكثر من عشرة آخرين.

تحاول القوات الروسية سحب خط المواجهة من المدن الكبرى مثل دونيتسك، وقد أدى الاستيلاء على عدة مواقع مؤخرًا إلى تحسين الوضع إلى حد ما. بالإضافة إلى ذلك، تُضرَب أهداف للجانب الأوكراني- بانتظام- في رابوتينو بمنطقة زاباروجيا؛ لمنعهم من الحصول على موطئ قدم. بشكل عام، تدور المعارك الموضعية في اتجاه زاباروجيا. تحاول القوات الروسية تحسين الوضع التكتيكي هناك، ويُحضر الجانب الأوكراني وحدات جديدة لملء الفجوات في الدفاع.

وفي منطقة خيرسون، هناك تدمير مستمر لقوة الإنزال الأوكرانية التي تحاول عبور نهر دنيبر. استولت القوات الروسية على كرينكي، وتخطط لشن هجوم. في 20 يناير (كانون الثاني)، أفادت وزارة الدفاع الروسية أن المهندسين العسكريين في المنطقة العسكرية الجنوبية مرّوا عبر حقل ألغام أوكراني في اتجاه زاباروجيا، بالإضافة إلى إزالة الألغام، وعمل الممرات عبر حقول ألغام زرعها الأوكرانيون. كما يغطي المهندسون العسكريون مواقع القوات الروسية بالألغام. كانت الألغام المضادة للدبابات هي التي أعاقت حركة المعدات، ومنها المعدات الغربية، كجزء من الهجوم المضاد الأوكراني الفاشل في اتجاه زاباروجيا. وقد يشير هذا إلى هجوم وشيك للقوات الروسية في هذه المنطقة.

كما أن الضربات الصاروخية، والطائرات بدون طيار في عمق الأراضي الأوكرانية ضد البنية التحتية العسكرية والصناعية تؤتي ثمارها. ومن المعروف أن مصنع إنتاج الدبابات في خاركوف عانى ليس فقط الهجمات على مباني المصنع نفسه، ولكن أيضًا التكاليف المرتبطة بتعطيل الخدمات اللوجستية نتيجة للهجمات على البنية التحتية.

وبحسب بعض التقارير، تواجه الشركة صعوبات مالية بسبب مشكلات في توريد المكونات. وفي هذا الصدد، من المخطط خفض ما يصل إلى 50% من الموظفين. ونتيجة لذلك، تتخلى الشركة- تدريجيًّا- عن إنتاج الخزانات الباهظة الثمن، كما تقلل حجم إصلاح الخزانات الموجودة وصيانتها، وهذا يؤثر أيضًا في المسار الإضافي “للعملية العسكرية الخاصة”. وفي 16 يناير (كانون الثاني)، وُجِّهَت ضربة إلى موقع للمرتزقة الفرنسيين في خاركوف، ووقع نحو 60 حالة وفاة معروفة، وأصيب 20 آخرون.

إذا تحدثنا عن البعد الإستراتيجي، فإن أهداف “العملية الخاصة” لم تتغير، وتتكيف روسيا مع شن حرب استنزاف على أساس أن حلف شمال الأطلسي يقف خلف أوكرانيا. زاد إنتاج الذخيرة المختلفة زيادة كبيرة، ومنها ذخيرة المدفعية الموجهة من عيار 152 ملم كراسنوبول (وهي أفضل وأرخص بكثير من نظيرتها الأمريكية إكسكاليبر). كما زاد استخدام طائرات بدون طيار (FPV) على الخطوط الأمامية زيادة ملحوظة. بالإضافة إلى ذلك، هناك الإنتاج الضخم من حامل المدفعية الذاتية الدفع “كواليتسيا إس- في” (Koalitsiya-SV)- وهو مدفع 152 ملم (2A88) بمعدل إطلاق نار يزيد على 10 جولات في الدقيقة، بالإضافة إلى نظام حديث لأتمتة العمليات لتوجيه السلاح، واختيار الهدف والملاحة. صُمّم مدفع الهاوتزر لتدمير مجموعة كاملة من الأهداف الأرضية: “مراكز القيادة، ومراكز الاتصالات، وبطاريات المدفعية، وقذائف الهاون، والمركبات المدرعة، وأنظمة الدفاع الجوي، والدفاع الصاروخي، بالإضافة إلى المقاتلين الأفراد للعدو على مسافة تصل إلى 70 كم”.

بحسب بيانات المخابرات الأوكرانية بشأن القدرات التصنيعية العسكرية الروسية، قالت إنه في عام 2023، أنتجت روسيا نحو مليوني قذيفة مدفعية 152 ملم، و122 ملم، كما تلقت مليون قذيفة من عيار مماثل من كوريا الديمقراطية، ويعتقدون أن المجمع الصناعي العسكري الروسي قادر على إنتاج من 115 إلى 130 صاروخًا إستراتيجيًّا (Kh-101، كاليبر، إلخ)، ومن 100 إلى 115 صاروخًا تكتيكيًّا عملياتيًّا (Kh-31، Kh-59، إلخ) شهريًّا، ونحو 350 طائرة انتحارية بدون طيار من طراز (جيرانيوم- 2).

ويقدر أن حملة الصواريخ الروسية البعيدة المدى هذا الشتاء ركزت على صناعة الدفاع في أوكرانيا، والمقر الرئيس والبنية التحتية للقيادة. إن النقص في الذخيرة والمعدات يجبر أوكرانيا على اللجوء- مرة أخرى- إلى رعاتها الغربيين، ولكنَّ هناك خلافًا آخذًا في الاتساع في أوروبا بشأن دعم كييف. أعلنت سلوفاكيا أنها لن تدعم أوكرانيا بالمعدات العسكرية والذخيرة بعد الآن. صوّت البرلمان الألماني ضد تزويد أوكرانيا بصواريخ كروز من طراز توروس، وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقط نقل صواريخ بعيدة المدى إلى أوكرانيا، فضلا عن إنتاج مدافع الهاوتزر.

وفي الوقت نفسه، تجري روسيا، عملية تقييم شاملة لتجربة الحرب في أوكرانيا. وهكذا، توجهت مؤخرًا مجموعة من الأفراد العسكريين البيلاروسيين إلى روسيا لتلقي التدريب، مع التركيز على الخبرة التي اكتسبها الجيش الروسي خلال “العملية العسكرية الخاصة”. سيتم التدريب في أحد مراكز التدريب القتالي المشترك، وبعد ذلك سيعمل خبراء الجيش البيلاروسي، مدربين في موضوعات التدريب القتالي الأكثر تعقيدًا، بنقل الخبرة المكتسبة إلى وحدات القوات المسلحة لجمهورية بيلاروس.

في نهاية أغسطس (آب)- بداية أكتوبر (تشرين الأول) 2023، كان الأفراد العسكريون من اللواء الـ120 للحرس المنفصل الميكانيكي في بيلاروس يخضعون بالفعل للتدريب في روسيا، ويحاول الغرب استخدام هذه الخبرة في تدريبات الناتو الواسعة النطاق المقرر إجراؤها في فبراير (شباط). وتتركز بعض المعدات العسكرية بالفعل في بولندا على الحدود مع بيلاروس بالقرب من ممر سووالكي. وترى الولايات المتحدة هذا الممر بمنزلة “كعب أخيل” لحلف شمال الأطلسي، والمكان الذي من المفترض أن تهاجم فيه روسيا الحلف؛ ولهذا السبب تجري هنا مناورات عسكرية باستمرار، وتُوضَع قوات الناتو وأصوله، خاصة في بولندا.

أما فيما يتعلق بإنهاء الصراع، فلا بد من الانتباه لكلام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي قال الأسبوع الماضي خلال مؤتمر صحفي: “نحن لا نرفض المفاوضات (مع أوكرانيا)، هم من يرفضون، دون فهم أنه كلما تأخروا؛ أصبح التفاوض أكثر صعوبة”.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع