يأتي هذا التقرير لعرض المواقف الروسية الرسمية، إضافة إلى تحليلات الخبراء والمعلقين الروس عن القمة المرتقبة بين الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترمب، المقرر انعقادها يوم الجمعة 15 أغسطس (آب) 2025 في مدينة أنكوراج، ألاسكا، في قاعدة “إلمندورف ريتشاردسون” المشتركة.
ويهدف التقرير إلى تقديم صورة شاملة للخطاب السياسي والإعلامي الروسي قبيل القمة، مع إبراز الرسائل الضمنية والعلنية التي توجهها موسكو إلى الداخل والخارج.
المواقف الرسمية
1- وزارة الخارجية الروسية
- في تصريحات تمهيدية، أكدت المتحدثة باسم الخارجية، ماريا زاخاروفا، أهمية الحدث من حيث رمزيته الجيوسياسية، مشيرة إلى أن اختيار ألاسكا يحمل دلالة خاصة؛ لأنها “تجسد الروابط التاريخية بين البلدين، وتذكر بأن الولايات المتحدة دولة قطبية، وهو ما يفرض عليها التفاعل مع روسيا بوصفها قوة كبرى في الشمال”.
- وزير الخارجية سيرغي لافروف، قال عقب اتصال هاتفي مع نظيره الأمريكي، إن “الجانبين ملتزمان بضمان نجاح هذا الحدث”، مؤكدًا أن اللقاء “سيمثل فرصة لبحث ملفات ثنائية ودولية ذات أولوية، مع تركيز على القضايا الإستراتيجية”.
2- الكرملين
- شدد الرئيس فلاديمير بوتين على أن القمة جاءت بمبادرة مشتركة، رافضًا الدخول في جدل بشأن مَن اقترح أولًا، وأكد أن موسكو لا تمانع مشاركة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي “إذا توافرت الشروط المناسبة”، لكن الأولوية تبقى للتحضير الجيد لضمان نتائج عملية.
- أوضح مساعد الرئيس، يوري أوشاكوف، أن تحديد المكان تم بالتوافق، مع ترك الإعلان النهائي للتوقيت المناسب، قبل أن يتم تأكيد ألاسكا رسميًّا. ونفى أوشاكوف وجود ترتيبات جدية لصيغة ثلاثية، معتبرًا أن التركيز الحالي يجب أن ينصب على اللقاء الثنائي.
3- الموقف المعلن من أهداف التفاوض
– لم تُبدِ موسكو أي مؤشرات على تغيير شروطها الجوهرية فيما يخص أوكرانيا، والمتمثلة في:
1- نزع السلاح في أوكرانيا (القضاء على القدرات العسكرية لها حتى لا تشكل تهديدا عسكريًّا لروسيا في المستقبل).
2- تغيير النظام في كييف.
3- منع انضمام أوكرانيا إلى الناتو.
- أشارت تقارير إعلامية قريبة من دوائر صنع القرار إلى أن “القمة تمثل مكسبًا دبلوماسيًّا لموسكو حتى قبل انعقادها، إذ تُظهر استعداد واشنطن للقاء دون أن تقدم روسيا تنازلات”.
آراء الخبراء الروس وتحليلاتهم
1- المكسب الرمزي والدبلوماسي
- يرى عدد من الخبراء المحللين الروس أن مجرد عقد القمة في الولايات المتحدة، وتحديدًا في ألاسكا، يُعد إنجازًا لموسكو، لأنه “يكسر الجمود الدبلوماسي”، ويعطي انطباعًا بأن روسيا طرف لا يمكن تجاوزه في معادلات الأمن الدولي.
- علّق أحد المراقبين البارزين (فيودور لوكيانوف) قائلًا: “لم تكن هناك تنازلات واضحة من الحرب، وهذا في ذاته مؤشر على أن روسيا تدخل القمة من موقع قوة نسبية”.
2- قراءة في تكتيك ترمب وبوتين
- يشير خبراء السياسة الخارجية إلى أن بوتين يفضل الدخول في مفاوضات دون جدول أعمال مغلق؛ ما يسمح له بالمناورة، وطرح قضايا غير مدرجة مسبقًا.
- في المقابل، يُنظر إلى قبول ترمب بعقد اللقاء بسرعة على أنه “تراجع أولي” يمنح موسكو ورقة ضغط إضافية.
3- الربط بين التحرك الميداني والملف التفاوضي
- سجلت تقارير عسكرية تقدمًا روسيًّا مفاجئًا في شرق أوكرانيا، خاصة في محور بوكروفسك، قبل أيام من القمة. ويرى الخبراء أن هذه التحركات تعزز موقف موسكو التفاوضي من خلال خلق واقع ميداني جديد يمكن التفاوض عليه.
أبعاد رمزية وإعلامية
- اعتبر دبلوماسيون سابقون أن ألاسكا ليست مجرد موقع جغرافي؛ وإنما “رمز تذكيري بعمق العلاقات التاريخية، ورسالة ضمنية بأن روسيا لاعب أصيل في الشؤون القطبية”.
- وسائل الإعلام الحكومية الروسية تناولت القمة بوصفها “انتصارًا لسياسة الصبر الإستراتيجي”، مع إبراز أن “الغرب، لا سيما أوروبا وأوكرانيا، هو من يضع العراقيل أمام أجندة السلام”.
تقدير موقف أولي
- موسكو تدخل القمة وهي متمسكة بشروطها الأساسية، دون أن تقدم إشارات إلى إمكانية التنازل، مستفيدة من عامل الرمزية ومكان الانعقاد.
- الخطاب الرسمي والإعلامي يركز على المكاسب المعنوية، ويُظهر الولايات المتحدة وكأنها الطرف الساعي إلى اللقاء.
- التصعيد الميداني قبيل القمة يهدف إلى تحسين شروط التفاوض، وإرسال رسالة بأن موسكو ليست في موقف دفاعي.
- الخبراء الروس يربطون بين الدبلوماسية والقوة الصلبة، ويرون أن الجمع بينهما هو ما يضمن تحقيق الأهداف الإستراتيجية.
اقتباسات مختارة
- لافروف: “الجانبان ملتزمان بضمان نجاح هذا الحدث”.
- فيدور لوكيانوف (محلل سياسي روسي): “لم تكن هناك تنازلات واضحة من الحرب، وهذا في ذاته مؤشر على أن روسيا تدخل القمة من موقع قوة”.
- دبلوماسي سابق: “ألاسكا تعكس الروابط التاريخية، وتؤكد أن الولايات المتحدة دولة قطبية، وهو ما يفرض التفاعل مع روسيا”.
ترجمة موجزة للاقتباسات الرئيسة التي بنيت عليها تقريري
- ماريا زاخاروفا: “هناك قوى عاقلة وسليمة الفكر تتمنى حدوث اختراق… وأخرى تَصِفُرّ وتعوي وتلتوي ضد اللقاء”.
- يوري أوشاكوف: “عقد القمة في ألاسكا أمر منطقي.. وتركيز الرئيسين سيكون على التوصل إلى تسوية طويلة الأمد في أوكرانيا”.
- سيرجي لافروف: “الجانبان مصران على إنجاح اللقاء… وتمت دراسة كل الجوانب التحضيرية”.
- بوتين: “الاهتمام بعقد اللقاء متبادل… والإمارات كانت من الأماكن المناسبة قبل تثبيت ألاسكا.
- بيسكوف: “روسيا طورت مناعة ضد العقوبات”.
- خبراء: لوكيانوف/ بورلينوفا/ دينكين/ أورلوف/ تسفيتكوفا: توسيع أجندة القمة وجدول أعمالها ليشمل موضوعات مثل الاستقرار الإستراتيجي والاقتصاد والقطب الشمالي… يشير إلى إمكان تغيير مسار السياسة العالمية، والنظام العالمي القائم، حتى دون الحاجة إلى تبني وثائق فورية خلال القمة.
- الخبير المقرب من الكرملين دميتري سوسلوف: “أولوية ملف القطب الشمالي في أجندة القمة بحكم موقع ألاسكا”.
ملاحظة منهجية: جميع الاقتباسات أعلاه واردة حرفيًّا من وسائل إعلام ومواقع روسية رسمية وشبه رسمية، مثل: تاس، وريا نوفوستي، وكوميرسانت، وموقع الخارجية.
وختامًا
تمثل قمة ألاسكا فرصة لموسكو لترسيخ صورتها بوصفها قوة عظمى قادرة على فرض جدول أعمالها دون تنازلات مسبقة، مستفيدة من الرمزية الجغرافية، والمناورة السياسية، والضغط الميداني.
المواقف الروسية الرسمية وآراء الخبراء تتقاطع عند نقطة أساسية، وهي: ذهاب بوتين إلى القمة يأتي من موقع قوة.. واعتبار مجرد انعقادها مكسبًا في ذاته.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.