الأمن السيبراني وتكنولوجيا المعلوماتمقالات المركز

تصاعد الصراع السيبراني.. روسيا والغرب في مواجهة إلكترونية متصاعدة


  • 15 مارس 2024

شارك الموضوع

مع تزايد التوترات الجيوسياسية في العالم، تثير التقارير عن التجسس الروسي على الجيش الألماني مخاوف جديدة بشأن إمكانية بدء حرب باردة جديدة. هذه التقارير تكشف عن نقاط التوتر بين القوى العظمى، وتلمح إلى تأثيراتها المحتملة على الساحة العالمية.

في الوقت الذي تعيش فيه العلاقات الدولية حالة من التوتر المتزايد بين روسيا والدول الغربية بسبب الحرب في أوكرانيا، يبرز التجسس أداةً استخباراتية أساسية تستخدمها الدول لفهم تهديدات الأمن القومي والتصدي لها، ومع ذلك، فإن اختراق الأنظمة العسكرية لدولة عضو في الناتو، مثل ألمانيا، يشير إلى تصاعد التوترات، وتقويض الثقة بين الدول الشريكة.

كان ملف التجسس- وما زال- أحد أهم الملفات في الحروب، والاتهامات المتبادلة بين أطراف الصراع غير المباشر، أو الحرب الباردة، ولا يمكن ألا تتأثر الحروب الحديثة بحرب المعلومات، أو الحرب السيبرانية؛ فهي جزء من الحرب بين الغرب وروسيا.

الغرب وروسيا

يبدو أن إستراتيجية العمليات السيبرانية الروسية والغربية قد شهدت تطورًا ملحوظًا على مدى السنوات القليلة الماضية، حيث يظهر الكرملين استخدامها على نحو متزايد كأداة لتحقيق أهدافه الإستراتيجية في مناطق النزاع والصراعات الدولية. بعد أحداث عدة، مثل ضم القرم، والتدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى، يتزايد الاهتمام بالتأثير السلبي للتجسس والعمليات السيبرانية الروسية والغربية على الأمن الدولي، والاستقرار الإقليمي.

من خلال تحليل الهجمات السيبرانية الروسية على كثير من الدول، يظهر بوضوح أن الهدف الرئيس لموسكو هو زعزعة استقرار الحكومات المعارضة لها، أو المتحالفة مع خصومها، وتقويض الثقة العامة بهذه الحكومات، وبالنظام الدولي بشكل عام. ويتضح أيضًا أن روسيا لم تتردد في استخدام العمليات السيبرانية في سياستها الخارجية؛ وذلك بغية تعزيز مصالحها الإستراتيجية، والتأثير في مسارات السياسة الدولية.

مع أن بعض الدول تحاول اتخاذ إجراءات لمواجهة هذه الهجمات، فإن التحديات السيبرانية تبقى مستمرة ومعقدة، فالتقنيات المستخدمة في هذه الهجمات تتطور باستمرار، ويبدو أن القدرة على اكتشاف هذه التهديدات ومواجهتها تتطلب تعاونًا دوليًّا أوسع، وإجراءات أمنية متقدمة.

لذا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن أن تكون هذه العمليات السيبرانية بداية لحرب باردة جديدة؟ الإجابة تبقى معلقة على تطورات المشهد الدولي، وعلى قدرة المجتمع الدولي على التعامل مع هذه التحديات على نحو فعال وموحد.

اختراق الجيش الألماني واتهام روسيا

في نقاشات ضباط القوات الجوية الألمانية بشأن تسليم صواريخ “تاوروس” إلى أوكرانيا، تبرز مخاوف جديدة بشأن أبعاد التجسس الروسي وتأثيره في العمليات العسكرية والسياسية، لكن المشكلة ليست فقط في التسليم المحتمل للصواريخ، بل تكمن أيضًا في قدرة روسيا على الاستماع إلى هذه النقاشات.

وفي حادثة مثيرة للجدل، كشفت وسائل الإعلام الحكومية في موسكو عن تسجيل سري لهذه المناقشات، مما دفع بعض أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى التشكيك في مصداقية ألمانيا. وفي رد فعل أولي، وصف وزير الدفاع الألماني هذا الاختراق بأنه “هجوم تضليل هجين”، وجزء من حرب المعلومات التي يقودها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

أشارت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر- من جانبها-  إلى أن الحرب الروسية ضد أوكرانيا تمثل نقطة تحول فيما يتعلق بالأمن الداخلي. وأظهر تقرير صادر عن المكتب الاتحادي لحماية الدستور زيادة سريعة في التهديدات الناجمة عن أنشطة التجسس الروسي.

من المثير للاهتمام أيضًا أن رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية الألماني توقع أن تتبنى روسيا أساليب أكثر سرية وعدوانية في المستقبل. وتوضح قضية التنصت على المكالمات الهاتفية للجيش الألماني مدى جدية هذه التوقعات.

كما أكد رئيس مكتب الأمن الداخلي أن الهدف من الاختراقات الروسية هو خلق حالة من عدم اليقين والتقسيم داخل البلاد. ويرى بعض الخبراء أن هذه الإستراتيجية تهدف إلى استقطاب الناس من الجماعات الموالية لروسيا، وزعزعة استقرار الدولة.

تظهر الحوادث الأخيرة، مثل الاعتقالات التي طالت موظفين ألمانيين بتهمة التجسس لصالح روسيا، وكشف خطر التنصت على المكالمات الهاتفية، أن روسيا تسعى إلى زعزعة استقرار الأمن الداخلي في ألمانيا والدول الغربية وفق ما يتحدث عنه الإعلام الغربي.

التدخل الغربي في الانتخابات الرئاسية في روسيا

اتهم جهاز المخابرات الخارجية الروسي الولايات المتحدة  بمحاولة التدخل في الانتخابات الرئاسية الروسية، معلنًا أن واشنطن تخطط لشن هجوم سيبراني على نظام التصويت الإلكتروني. وهدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، المرشح المفترض للفوز في الانتخابات المقررة في مارس، بأن أي محاولة للتدخل من جانب القوى الخارجية ستُعد عدوانية.

ووفقًا لوسائل الإعلام الرسمية الروسية فإن جهاز المخابرات الروسي أفاد بأن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تعتزم التدخل في الانتخابات الروسية. وأشار الجهاز إلى أن من المقرر أن تكلف إدارة بايدن منظمات غير حكومية أمريكية بمهمة خفض نسبة المشاركة في الانتخابات الروسية.

وأضافت التقارير أنه بمشاركة خبراء أمريكيين بارزين في تكنولوجيا المعلومات، يخطط الغرب لتنفيذ هجمات سيبرانية على نظام التصويت الإلكتروني، مما سيجعل من الصعب تمييز أصوات الناخبين الروس.

ولم يقدم جهاز المخابرات الروسي أي دليل على هذه الاتهامات، ولم يتلق البيان رد فعل فوريًّا من واشنطن.

وجاءت هذه الاتهامات بعدما أعلن الكرملين- الأسبوع الماضي- أن روسيا لن تتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني)، معارضًا تقارير أمريكية تشير إلى تدخل روسي في الانتخابات السابقة.

وتناول بوتين موضوع الانتخابات الأمريكية بنكهة ساخرة، مفضلًا جو بايدن على دونالد ترمب رئيسًا للولايات المتحدة.

التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الامريكية عام 2016

أظهر تقرير مجتمع الاستخبارات في الولايات المتحدة- بثقة عالية- أن الحكومة الروسية قد تدخلت وأثرت في نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016. وفي تقييم أجراه مكتب مدير الاستخبارات الوطنية في يناير (كانون الثاني) 2017، تبين أن القيادة الروسية كانت تميل إلى المرشح الرئاسي دونالد ترمب على حساب نظيرته هيلاري كلينتون، وأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أمر شخصيًّا بتنفيذ حملة تأثير لتقليل فرص كلينتون الانتخابية، وتضعيف الرأي العام في العملية الديمقراطية الأمريكية.

في أكتوبر (تشرين الأول) 2016، أكدت وزارة الدفاع الوطني ووزارة الأمن الداخلي أن الحكومة الروسية قامت بعمليات قرصنة للرسائل الإلكترونية بهدف التأثير في سير الانتخابات الأمريكية. ووفقاً لتقرير ODNI ، في يناير (كانون الثاني) 2017، اختُرقت خوادم اللجنة الوطنية الديمقراطية وحساب البريد الإلكتروني الشخصي لمدير حملة كلينتون، وسُرِّبت محتوياتها إلى “ويكيليكس” من جانب المخابرات الخارجية الروسية  (GRU).

على الرغم من النفي الروسي لتورطهم في أي اختراقات أو تسريبات، فإن هناك أدلة شرعية قوية تربط عمليات القرصنة بالحكومة الروسية. كما أشار مدير المخابرات الوطنية جيمس كلابر في يناير (كانون الثاني) 2017 إلى دور روسيا في نشر الأخبار الزائفة على وسائل التواصل الاجتماعي للتأثير في الانتخابات.

خلال الفترة من يونيو (حزيران) 2016 إلى مارس (آذار) 2019، أجرى مكتب التحقيق الفيدراليFBI) )، والمستشار الخاص، تحقيقات كثيرة، أدت إلى توجيه اتهامات إلى عدد كبير من الأفراد والمنظمات الروسية، وتم التحقيق في العلاقات بين روسيا وشركاء ترمب، وأُدين عدد من الأشخاص بالتآمر. وقد وصف ترمب هذا التحقيق بأنه “خدعة”، وأقال مديرFBI) ) جيمس كومي بسببه.

زيادة الحرب السيبرانية بين روسيا والغرب

في سياق الحرب غير المباشرة بين روسيا والغرب في المجال السيبراني، تستمر الاتهامات المتبادلة وتتزايد. يتبادل الطرفان الاتهامات بشن هجمات سيبرانية، وتدخل في الشؤون الداخلية والسياسية للآخر.

تعود جذور هذا الصراع إلى تبادل الهجمات السيبرانية والاختراقات بين الجهات الحكومية والمجموعات القرصنة المنتمية إلى كل طرف. تُعَدُّ السيبرانيات الروسية والغربية ساحة للصراع السياسي والاستخباراتي، حيث يسعى كل طرف إلى تحقيق مصالحه، وتأمين مواقفه الإستراتيجية.

من جهة، تتهم روسيا الغرب بتنفيذ هجمات سيبرانية تستهدف البنية التحتية والمؤسسات الحكومية والتجارية الروسية؛ بهدف الإضرار بالاقتصاد، والاستقرار السياسي. وتزعم روسيا أيضًا أن الغرب يقف وراء حملات تضليل وتأثير في الرأي العام الروسي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام الدولية.

من جهة أخرى، يتهم الغرب روسيا بتنفيذ هجمات سيبرانية لاختراق الأنظمة الحكومية والتجارية، وسرقة المعلومات والبيانات السرية. ويُعَتَقَد أن هذه الهجمات تستهدف أيضًا التدخل في العمليات الانتخابية، وزعزعة الاستقرار السياسي في الدول الغربية.

تتزايد حدة الصراع السيبراني بين الطرفين مع تطور التكنولوجيا، وتوسع نطاق الاستخدامات السيبرانية في مختلف المجالات. وبالنظر إلى تعقيدات هذا الصراع، وعدم وجود إطار دولي لتنظيم السلوك السيبراني، يبدو أن استمرار الاتهامات المتبادلة، والتصعيد في الصراع السيبراني سيظل أمرًا واردًا في الفترة المقبلة.

الاستنتاجات

تعكس الاتهامات المتبادلة بين روسيا والغرب في مجال الصراع السيبراني طبيعة التوتر الدائمة بين الطرفين، وتعقيدات العلاقات الدولية في العصر الرقمي. يُعَد الصراع السيبراني مكمنًا للتوترات السياسية والاستخباراتية بين روسيا والغرب، حيث يتسم بالتحركات الغامضة، والهجمات الخفية التي تستهدف البنية التحتية الحيوية، والأنظمة الحكومية والتجارية.

في هذا السياق، تظهر الاتهامات بشأن التدخل في الانتخابات والهجمات السيبرانية بوصفها جزءًا من إستراتيجية النفوذ السياسي والاستخباراتي بين الطرفين. يعكس تصاعد الصراع السيبراني بين روسيا والغرب تنافسهما على السيطرة على المعلومات والتكنولوجيا، وتأثيرهما في المشهد الدولي.

في ظل تقدم التكنولوجيا، وانتشار استخدامات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، يتزايد التأثير السياسي والاجتماعي للهجمات السيبرانية والمعلومات الزائفة التي تُنشر للتأثير في الرأي العام، والقرارات السياسية في الدول المستهدفة.

ومع ذلك، يظل من الصعب تحديد مصادر هذه الهجمات على نحو دقيق؛ مما يجعل الرد عليها تحديًا دوليًّا. بالإضافة إلى ذلك، فإن تفاقم التوترات السياسية بين روسيا والغرب يعزز احتمالية استخدام التكنولوجيا السيبرانية سلاحًا في الصراعات الجيوسياسية.

لذا، يستدعي تصاعد الصراع السيبراني استجابة دولية موحدة، وجهودًا مشتركة لتطوير إطار قانوني ودبلوماسي لتنظيم السلوك السيبراني، ومكافحة التدخلات الخبيثة في الشؤون الدولية. كما يتطلب التصدي لهذا التحدي استثمارات في تعزيز الأمن السيبراني، وتعزيز القدرات الدفاعية لمواجهة التهديدات الإلكترونية المتزايدة. إن عدم التصدي لهذا التحدي يمكن أن يؤدي إلى تصعيد الصراعات الجيوسياسية، وزيادة التوترات الدولية؛ مما يعرض الاستقرار العالمي للخطر، ويهدد الأمن الإلكتروني العالمي.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع