تقدير موقف

ترمب يغير قواعد اللعبة: لا وساطة ولا تسوية.. بل عقوبات فقط


  • 4 مايو 2025

شارك الموضوع

في تطور لافت، أعلن السيناتور الأمريكي الجمهوري ليندسي غراهام، الذي يعد أحد أبرز حلفاء الرئيس دونالد ترمب، مشروع قانون يفرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا في حالة عدم استجابتها لمسار التفاوض مع أوكرانيا. المشروع الجديد، الذي يحظى بدعم 72 سيناتورا  من أصل 100، يقترح فرض رسوم جمركية تصل إلى 500% على الدول التي تشتري الطاقة الروسية، وعلى رأسها النفط والغاز.

المثير للانتباه هنا ليس حجم العقوبات المقترحة فحسب؛ بل التوقيت والسياق السياسي، فالإدارة الأمريكية، ممثلة في فريق ترمب العائد بقوة إلى واجهة القرار، وبعد 100 يوم من دخوله المكتب البيضاوي، بدأت ترسل إشارات متضاربة: من جهة، يتحدث مسؤولون أمريكيون عن نجاح ترمب في تحريك المبادرة التفاوضية بين موسكو وكييف، ومن جهة أخرى، تتسرب معلومات عن نية ترمب الانسحاب من جهود الوساطة بحجة أن تسوية الأزمة الأوكرانية أصعب من صفقة عقارية.

دلالات العقوبات.. إعادة تعريف أدوات الردع

المقاربة الأمريكية الجديدة تعكس تحولًا إستراتيجيًّا واضحًا: من ممارسة الضغط المباشر على روسيا إلى تهديد الدول الأخرى التي تتعامل معها. بمعنى أدق، واشنطن تستخدم ما يمكن تسميته “العقوبات الثانوية سلاحًا دبلوماسيًّا”، أي إنها لن تكتفي بعقاب روسيا؛ بل تفرض أثمانًا سياسية واقتصادية على من يتعاون معها. هذه الخطوة تضع النظام الاقتصادي العالمي أمام لحظة اختبار جديدة، تعيد إلى الأذهان سياسات الحصار التي مورست ضد إيران وفنزويلا من قبل.

لكن اللافت أيضًا أن هذا التصعيد يأتي متزامنًا مع إعلان توقيع صفقة المعادن المثيرة للجدل خلال الأسابيع الأخيرة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، وتحديدًا عقود التنقيب، وهو ما يطرح علامات استفهام عن النيات الفعلية وراء استمرار واشنطن في الضغط، وهل الهدف هو تسوية النزاع حقًّا، أم تحقيق مكاسب إستراتيجية واقتصادية على الأرض؟

واشنطن تهدد بالانسحاب من الوساطة.. عزوف مقصود أم إعادة تموضع؟

تصريحات نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس، التي أعلن فيها أن الولايات المتحدة لن تؤدي بعد الآن دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا، تعد تحولًا مهمًّا في الموقف الأمريكي؛ فهذا الانسحاب -إن تحقق بالفعل- يأتي بعد التوقيع على اتفاق المعادن والطاقة مع كييف، وهو بذلك يعكس قناعة متزايدة لدى صانعي القرار في واشنطن بأن تكلفة الانخراط المباشر في ملف أوكرانيا تفوق المكاسب، خاصة في ظل تعثر التفاوض، وانعدام فرص الحل السريع.

واللافت أن هذا “الانسحاب التكتيكي” لا يعني نهاية النفوذ الأمريكي؛ بل ربما يمثل مرحلة جديدة تُدار فيها الأزمة عن بُعد، بواسطة أدوات الضغط الاقتصادي والدبلوماسي، دون تورط مباشر في تفاصيل العملية التفاوضية.

أوروبا على الهامش.. والقرار في واشنطن

تشير التقارير الإعلامية إلى أن الاتحاد الأوروبي بصدد إعداد حزمة عقوبات جديدة ضد روسيا، متوافقة مع المقاربة الأمريكية الجديدة، ولكن دون استقلال حقيقي في اتخاذ القرار. القارة العجوز التي تتحمل أكثر من أي منطقة أخرى في العالم وطأة الحرب ميدانيًّا واقتصاديًّا، تجد نفسها مجبرة على اللحاق بركب واشنطن، رغم التباين الواضح الآن في الأهداف والمصالح.

وهنا تبرز معضلة السياسة الأوروبية: هل تملك بروكسل القدرة على صياغة رؤية مستقبلية لتسوية الأزمة، أم أنها ستظل في موقع التابع؟ في الحالتين، يبقى الثقل الحقيقي في يد الولايات المتحدة، التي تدير المعركة بوسائل غير تقليدية، بل تتحكم في وتيرة التصعيد أو التهدئة.

النفط سلاحًا.. من طهران إلى موسكو

العقوبات المقترحة على الطاقة الروسية تتزامن مع إجراءات مماثلة ضد إيران، وهو ما يوحي بأن واشنطن بصدد تنفيذ نموذج عقوبات مزدوجة يستهدف كل من يخرج عن فلكها الجيوسياسي. الملف الإيراني هنا ليس مجرد أزمة منفصلة؛ بل قد يكون حقل تجارب لما يمكن أن يطبق لاحقًا على روسيا، لا سيما فيما يتعلق بتعطيل صادرات النفط عبر التهديد العسكري أو الاقتصادي.

هذه المقاربة تعكس توجهًا أمريكيًّا لتوظيف أسواق الطاقة كساحة صراع دولي، في وقت تشهد فيه أسعار النفط تقلبات حادة، وتظهر الأسواق حساسية مفرطة لأي تهديد للإمدادات.

إذن، هل من أفق للحل؟

على الرغم من الحديث المتكرر عن مقترحات سلام من الجانبين الروسي والأوكراني، فإن الواقع يشير إلى أن الهوة بين الطرفين لا تزال واسعة، وواشنطن، التي تهدد بالانسحاب ظاهريًّا من الوساطة، لم ولن تغادر المشهد فعليًّا، بل تتابع وترسم حدود اللعبة عبر الحوافز والعقوبات.

ومن موسكو، تطرح الآن مطالب جديدة بأن يكون الحوار مباشرًا، ومع كييف، وهو ما يتطلب إلغاء مرسوم زيلينسكي، الذي يمنع ويجرم التفاوض مع روسيا، في حين تراهن كييف على مزيد من الدعم الغربي، رغم إدراكها أن هذا الدعم بات مشروطًا بأثمان سياسية واقتصادية باهظة، خاصة من جانب ترمب وإدارته.

الخلاصة: ترمب ينتقل إلى إدارة الأزمة بلا تسوية

المشهد الحالي يظهر أن الولايات المتحدة لم تعد مهتمة بأداء دور الوسيط “النزيه”؛ بل باتت تتعامل مع النزاع بوصفه ملفًا قابلًا للإدارة وليس الحل، على أن تُستخدم أدواته -من ساحة القتال إلى أسعار الطاقة- ورقةَ ضغط في الصراعات الدولية الأوسع من الصين إلى الشرق الأوسط.

ومن هذا المنظور، تبدو العقوبات المقترحة، التي يقود حملتها ليندسي غراهام، حلقة جديدة في مسار طويل من التوظيف السياسي للحرب الأوكرانية، حيث تتحول معاناة الشعوب إلى مجرد أداة في صراع الكبار، في حين يبقى السلام الحقيقي مؤجلًا، إن لم يكن مستبعدًا تمامًا على المدى المنظور.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع