تقارير

تداعيات الحرب في الشرق الأوسط على أوكرانيا


  • 12 نوفمبر 2023

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: sbs.com.au , i.pinimg.com , en.wikipedia.org

من المتوقع أن تستفيد روسيا من الصراع بين إسرائيل وحماس؛ حيث قد يؤدي طلب إسرائيل الحصول على مساعدات عسكرية أمريكية إلى تحويل الأسلحة والتركيز عن أوكرانيا، في حين رفضت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي التشكيك في قدرتهما على مواصلة دعم أوكرانيا عسكريًّا في أعقاب هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل، وبدء الأخيرة حملتها العسكرية الانتقامية ضد قطاع غزة. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 9 أكتوبر (تشرين الأول)، في مؤتمر صحفي بعد محادثات مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إن أهداف الرئيس فلاديمير بوتين “سوف تتحقق بشكل أسرع” إذا أدى تركيز الولايات المتحدة على الصراع الإسرائيلي إلى تباطؤ شحنات الأسلحة إلى كييف.

نوقشت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة على هامش اجتماع وزراء دفاع الناتو في بروكسل يومي 11 و12 أكتوبر (تشرين الأول)، الذي يحضره أيضًا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وقبل الاجتماع، ناقش حلفاء كييف أيضًا تسليم الأسلحة في اجتماعهم الشهري مع مجموعة الاتصال الدفاعية الأوكرانية. وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن: “يجب أن نكون مستعدين أن روسيا سوف تقصف أوكرانيا مرة أخرى هذا الشتاء بصواريخ كروز، وطائرات بدون طيار، ويتعين علينا أن نتوقع من القوات الروسية أن تستهدف المدن الأوكرانية، والمدنيين، والبنية التحتية الحيوية بشكل متعمد، وستشارك الولايات المتحدة في مبادرة هولندية دنماركية بلجيكية لتزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة من طراز إف- 16، وكذلك تدريب الطيارين”. وفيما يتعلق بإسرائيل، عبّر أوستن بوضوح أن واشنطن تعمل بالفعل على تعزيز نظام القبة الحديدية للدفاع الجوي، وهذا لن يتستنزف الدعم الأمريكي لكييف، على الرغم من الخلافات بشأن تمويل الكونغرس لأوكرانيا، ولكن هذا لن يؤثر في الالتزام الأمريكي تجاه كييف. وقد أعلن وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس: “إن الحرب في أوروبا في صدارة أذهاننا تمامًا، ولماذا من المهم جدًّا أن نستمر في هذه المعركة؟ حتى لا يفوز بوتين، ولكن هذا أيضًا لا يعني تشتت انتباهنا بالقضايا الأوسع”.

ومع ذلك، قال زيلينسكي للصحفيين إن “الجميع يخشى بالطبع” من أن يؤدي الصراع بين إسرائيل وحماس إلى تحويل انتباه الغرب ودعمه. وأضاف: “من يدري كيف سيكون الأمر؟ أعتقد أنَّ أحدًا لا يعرف”. ويأتي تخوفه هذا بعد أن دعا بعض المشرعين الجمهوريين الأمريكيين الذين كانوا يعطلون حزمة دعم عسكري بقيمة 6 مليارات دولار لكييف إلى إعادة توجيه جميع المساعدات العسكرية المخصصة لأوكرانيا إلى إسرائيل.

ولكن لإنقاذ زيلينسكي المحاصر، أعلن أوستن حزمة جديدة بقيمة 200 مليون دولار، تشمل دفاعات جوية ومدفعية، وذخائر صاروخية. وتعهدت بريطانيا بمبلغ 122 مليون دولار أمريكي، بما في ذلك معدات إزالة الألغام، ودفاعات جوية، وأعلنت ألمانيا حزمة بقيمة مليار دولار أمريكي من الدفاعات الجوية، بما في ذلك صواريخ باتريوت، وأنظمة دفاع جوي. فيما قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ: “لدينا القدرة والقوة لمواجهة التحديات المختلفة في الوقت نفسه”.

ويقول المسؤولون والخبراء الغربيون إنه في معظم الأحيان، لا يوجد تداخل كبير بين الطلبات العسكرية الإسرائيلية والأوكرانية، كما أن الإمدادات الحالية لتل أبيب ليست كبيرة نسبيًّا في ضوء سنوات من التخزين، وإسرائيل تسعى إلى الحصول على صواريخ القبة الحديدية، والذخائر الموجهة بدقة، وقذائف مدفعية من الولايات المتحدة، وهذا مُختلف نوعيًّا عن الأسلحة المتوجهة إلى أوكرانيا.

صرح ريتشارد هيشت، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، للصحفيين في 10 أكتوبر (تشرين الأول)، أن التعبئة الجماعية والسريعة تعني أن الجيش الإسرائيلي لا يُعاني بالمعدات، في حين قال مارك كانسيان، العقيد السابق في مشاة البحرية الأمريكية، الذي يعمل الآن مستشارًا في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية: “عندما سيبدأ الإسرائيليون باستخدام الذخائر بشكل كبير، خصوصًا الذخائر الدقيقة، ومن المحتمل أن يستخدموا كثيرًا منها، ومع أن لديهم بالفعل مخزونات كبيرة، فإنهم قد لا يكون لديهم ما يكفي لحملة طويلة؛ مما يجعلهم بحاجة إلى دعم متواصل من الولايات المتحدة”.

تحرق أوكرانيا آلاف القطع من الذخيرة يوميًّا فيما أصبح حرب استنزاف طاحنة، ولن تكون هذه الذخائر غير الموجهة مفيدة لإسرائيل في بيئة حرب المدن، حيث ستعتمد بدلًا من ذلك على ذخائر دقيقة لاستهداف نيران محددة، لكن أوكرانيا تحتاج أيضًا إلى مزيد من تلك الأسلحة المتطورة في سعيها إلى ضرب أهداف، مثل القواعد العسكرية الروسية خلف الخطوط الأمامية، وهنا قد يظهر النقص في الإمداد. فالمشكلة تكمن في عدم القدرة على تصنيع مزيد من الذخائر خلال فترة قصيرة من الزمن، وقد يتطلب من الولايات المتحدة سحبها من المخزونات الحالية، التي بدأت بالفعل في الانخفاض. وحتى لو لم توقف الولايات المتحدة عمليات التسليم إلى أوكرانيا، فإنها قد تبطئ تلك الشحنات؛ مما يعني أنها ستعيد تقييم أهدافها العسكرية، وتمنح حلفاءها وفقًا للأكثر أولوية.

لذا يرى برونوين مادوكس، الرئيس التنفيذي لمعهد تشاتام هاوس، في مقابلة مع بلومبرج: “إذا قورن بين إسرائيل وأوكرانيا، فإن الولايات المتحدة ستختار إسرائيل على الفور، حتى لو لم تكن تواجه هذا القرار الحاد في الوقت الحاضر، لكنني أستطيع أن أفهم السبب وراء قلق الرئيس زيلينسكي، حيث كان يكافح بالفعل لجذب الاهتمام الأمريكي”.

وأصبحت المساعدة الأمريكية المستقبلية لأوكرانيا موضع تساؤل بعد أن أسقط الكونغرس المساعدة لكييف من حزمة الإنفاق القصيرة الأجل التي أُقرَّت لتجنب إغلاق الحكومة. وقد يكون التمويل المستقبلي أكثر عرضة للإلغاء الآن، حيث إن الحرب الإسرائيلية تشجع المشرعين الجمهوريين على طلب إعادة النظر في دعم أوكرانيا. ويأتي هذا بالتزامن مع تعرض الدعم الأوروبي لأوكرانيا لاضطرابات بعد خلاف بين بولندا وأوكرانيا بلغ ذروته بتهديد وارسو بقطع المساعدات الجديدة عن كييف. ويواجه موقف الكتلة بشأن المساعدات لأوكرانيا أيضًا تحديًا من روبرت فيكو، المتعاطف مع روسيا، الذي من المقرر أن يعود إلى السلطة في سلوفاكيا. وقال بوتين أمام الاجتماع السنوي لنادي فالداي في مدينة سوتشي الروسية، في 5 أكتوبر (تشرين الأول)، إن الدعم الأمريكي والأوروبي يساعد أوكرانيا على الصمود ماليًّا وعسكريًّا. وأضاف أنه إذا توقفت شحنات الأسلحة غدًا، فلن يكون أمامهم سوى أسبوع واحد حتى يستهلكوا كل ذخيرتهم.

على صعيد آخر، تُؤثر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أسعار النفط؛ ما قد يؤدي إلى تعزيز الجهود الحربية التي تبذلها روسيا في أوكرانيا، وانخفض سعر النفط في 10 أكتوبر (تشرين الأول) بعد أن أدت المخاوف من أن يتورط منتجو الطاقة الرئيسون في المنطقة، مثل إيران والمملكة العربية السعودية، في الصراع، إلى دفع العقود الآجلة للخام الأمريكي في وقت سابق إلى ما فوق 87 دولارًا للبرميل. وقالت آن ماري دايلي، باحثة السياسات في مؤسسة راند: “مع ارتفاع أسعار النفط، فإن ذلك يمكن روسيا من مواصلة الإنفاق على إنتاج الأسلحة، ويساعدها أيضًا على تغطية بعض العجز في الميزانية”.

أما فيما يتعلق بالولايات المتحدة، كما هي الحال لأوكرانيا، فإن إحدى القضايا الرئيسة ستكون الحفاظ على الدعم للدفاع عن أوكرانيا ضد روسيا، وهذا يتطلب توفير المساعدة العسكرية والاقتصادية لأوكرانيا وإسرائيل في وقت واحد، والعمل على ضمان عدم انجراف انتباه الرأي العام بعيدًا عن الحرب في أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، سيتعين على واشنطن أن تسير على الحبل الدبلوماسي الضيق المتمثل في دعم إسرائيل، مع عدم استعداء الدول العربية التي تتودد إليها كييف. ومن خلال القيام بذلك قد تتمكن واشنطن من الاستمرار في مساعدة أوكرانيا، والحصول على الدعم اللازم من المجتمع الدولي ضد روسيا وحماس على السواء.

وسارع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى إدانة هجمات حماس، وقارن بين جهود إسرائيل للدفاع عن نفسها ودفاع أوكرانيا ضد روسيا، ومع ذلك، مع تكثيف حجم الهجمات الإسرائيلية على غزة، استغرق زيلينسكي أسبوعًا للإدلاء ببيان يؤكد فيه أهمية منع وقوع إصابات في صفوف المدنيين. وحتى في ذلك الحين، امتنع عن انتقاد الهجمات الإسرائيلية انتقادًا مباشرًا. من الواضح أن زيلينسكي يريد أن ينحاز هو وحكومته بالكامل إلى موقف الولايات المتحدة الداعم لإسرائيل، لكنه في الوقت نفسه قد يخسر دعم بلدان الجنوب العالمي، لا سيما بلدان الشرق الأوسط، التي تمثل لهم القضية الفلسطينية مسألة محورية.

على النقيض، تمارس روسيا جهودًا في التقرب من بلدان الجنوب العالمي، وزيادة دورها في الشرق الأوسط، واستقبلت موسكو وفدًا من حركة حماس مع نائب وزير الخارجية الإيراني، وقد عززت الحرب على أوكرانيا العلاقات بين روسيا وإيران، وهذا يسمح للكرملين بوضع نفسه كوسيط محتمل، له تأثير على طهران التي تدعم كلًا من حماس وحزب الله اللبناني. ويسعى الكرملين إلى نظام عالمي جديد يقوم على “التعددية القطبية”، ومن شأن الصراع المتوسع في الشرق الأوسط أن يعزز هذا الهدف من خلال تهديد نفوذ الولايات المتحدة هناك؛ لذا، إلى جانب أن الصراع قد يشتت انتباه الغرب عن أوكرانيا، فإن روسيا تكسب من هذا الصراع الذي قد يقوض نفوذ الولايات المتحدة.

ما ورد في التقرير يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع