انطلقت التجارة الخارجية الصينية بقوة في عام 2025، حيث بلغ إجمالي قيمة الواردات والصادرات خلال الربع الأول نحو 10.3 تريليون يوان (1.41 تريليون دولار أمريكي)، بزيادة 1.3% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ارتفعت الصادرات بنسبة 6.9% لتصل إلى 6.13 تريليون يوان، في حين تراجعت الواردات بنسبة 6% ، كما ارتفع عدد الشركات التجارية بمقدار 33 ألف شركة ليصل إلى 529 ألف شركة، وتعكس هذه الأرقام إعادة رسم صامتة لخريطة التجارة العالمية للصين.
لكن خلف هذه الأرقام الظاهرة، تتكشف ثلاثة تحولات أساسية:
منذ اندلاع الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة في عام 2018، أصبحت التجارة الصينية أكثر تنوعًا، وأقل اعتمادًا على السوق الأمريكية، فقد تراجعت حصة الولايات المتحدة من صادرات الصين من 19.2% عام 2018 إلى 14.7% في عام 2024.
في الربع الأول من 2025، نمت التجارة مع دول “مبادرة الحزام والطريق” بنسبة 2.2%، لتصل إلى 5.26 تريليون يوان، واحتفظت رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) بمكانتها بوصفها شريك الصين التجاري الأول، مع نمو بنسبة 7.1% لتصل إلى 1.71 تريليون يوان. كما ارتفعت الصادرات إلى آسيا بنسبة 7.8%، وإلى إفريقيا بنسبة12.5% ، وسجّلت الصين نموًّا في الصادرات مع أكثر من 170 دولة ومنطقة خلال الربع الأول وحده.
تُعد الشركات الخاصة القوة الدافعة لهذا التحول؛ فقد سجلت نموًّا في التجارة بنسبة5.8% خلال الربع الأول، متفوقةً على المعدل الوطني، وتُشكّل الآن56.8% من إجمالي التجارة الصينية، وأكثر من 86% من إجمالي عدد الشركات التجارية. وما يلفت الانتباه أكثر هو نوعية ما يُتَداوَل: فقد قفزت صادرات الروبوتات الصناعية بنسبة 67.4%، والآلات المتقدمة بنسبة 16.4%، في حين تضاعفت واردات الروبوتات الجراحية تقريبًا.
وقد استقرت صادرات هذه الشركات إلى الأسواق الناشئة، مثل آسيان، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية، في حين ارتفعت الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 7.1%، وإلى اليابان بنسبة4.8% ، وكما يقول المثل الصيني: “التفاحة الجيدة تطير بعيدًا”.
تدفع عدة عوامل هذا التحول، أبرزها:
وإلى جانب ذلك، يترك صعود القوى الإنتاجية الجديدة بصمته على التجارة الخارجية؛ فقد نما قطاع تصنيع المعدات بنسبة 7.6%، كما بلغت صادرات المنتجات الكهروميكانيكية 5.29 تريليون يوان، بزيادة 7.7%، مدفوعة بصادرات أجهزة الحاسب، والأجهزة المنزلية، والمكونات الإلكترونية. كما ارتفعت واردات قطع الغيار الرئيسة، من السفن إلى المعدات البحرية. في المقابل، ارتفعت صادرات العلامات التجارية المحلية بنسبة 10.2%.
في ظل هذا المشهد، تبرز الشركات الخاصة والمناطق الوسطى والغربية في الصين بوصفها قوى واعدة؛ فهذه الشركات أكثر مرونة وسرعة مقارنة بالشركات الحكومية، لكنها تواجه تحديًا في كسب ثقة العملاء الذين لا يزالون يفضلون الشركات المدعومة من الدولة؛ بسبب استقرارها وموثوقيتها.
أما على مستوى الجغرافيا الداخلية، فإن المناطق الوسطى والغربية من الصين بدأت تدخل مرحلة أكثر إيجابية في التجارة الخارجية؛ فبعد أن كانت تعاني بُعد المسافة عن المواني، أصبحت تستفيد من ممرات تجارية جديدة، مثل:
وتعزز هذه الروابط الجغرافية باتفاقيات تجارية حرة، مثل:
لم يعد الشحن البحري هو الخيار الأفضل دائمًا؛ فالنقل بالسكك الحديدية، بما يملكه من سرعة ومرونة، يفرض نفسه بقوة. كما تُضيف التجارة الرقمية بُعدًا جديدًا في إعادة تشكيل المشهد التجاري.
إن هذه التحولات تفتح آفاقًا جديدة أمام الصين، وتحديدًا لمناطقها الداخلية وشركاتها الخاصة، لتضطلع بدور محوري في صياغة مستقبل التجارة العالمية، وسط عالم تتغير فيه قواعد اللعبة باستمرار.
المصدر: صحيفة الصين اليومية (China Daily) الصينية
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.
