تقدير موقف

تأثير نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية في العلاقات مع روسيا


  • 14 يوليو 2024

شارك الموضوع

في 19 مايو (أيار) 2024، تعرضت إيران لهزة كبيرة عندما تحطمت مروحية كانت تقل الرئيس إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، ومحافظ مقاطعة أذربيجان الشرقية مالك رحمتي، أفي ثناء عودتهم من اجتماع مع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف. أدى هذا الحادث المأساوي إلى وفاة جميع من كانوا على متن المروحية، مما ألقى بظلاله على الساحة السياسية الإيرانية، وأدى إلى ضرورة إجراء انتخابات رئاسية جديدة في غضون 50 يومًا وفقًا للدستور الإيراني.

تاريخيًّا، كانت الانتخابات الإيرانية تشهد منافسة حادة بين التيارات المحافظة والإصلاحية، ولكن مع وفاة رئيسي، الذي كان يُعد من أبرز الوجوه المحافظة، أصبح المشهد السياسي مفتوحًا أمام تطورات جديدة. تميزت الانتخابات التي جرت في 28 يونيو (حزيران) 2024 بترشح عدد محدود من المرشحين بعد مراجعة مجلس صيانة الدستور، حيث قُبِلَ ستة مرشحين فقط من أصل 74 تقدموا للترشح. وكان من بين هؤلاء المرشحين خمسة من المحافظين، ومرشح إصلاحي واحد هو مسعود بزشكيان، الذي تمكن في نهاية المطاف من حصد النسبة الأكبر من الأصوات ليصبح الرئيس الجديد لإيران.

فوز بزشكيان، النائب السابق في البرلمان، ووزير الصحة الأسبق، يمثل نقطة تحول كبيرة في السياسة الإيرانية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تعيشها البلاد. وقد أثار هذا الفوز كثيرًا من التساؤلات عن مستقبل العلاقات الإيرانية مع الدول الكبرى، وعلى رأسها روسيا، التي تربطها بإيران علاقات إستراتيجية متعددة الأوجه تشمل المجالات السياسة، والاقتصادية، والعسكرية. في هذا السياق، تصبح دراسة تأثير نتائج الانتخابات الإيرانية على روسيا والعلاقات بين البلدين أمرًا ضروريًّا لفهم التغيرات المحتملة في ديناميكيات القوة في المنطقة.

تأثير نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية في السياسة الخارجية والتعاون الإستراتيجي مع روسيا

فوز مسعود بزشكيان في الانتخابات الرئاسية الإيرانية يشكل نقطة تحول مهمة في السياسة الخارجية الإيرانية وعلاقتها مع روسيا. بزشكيان، المعروف بتوجهاته الإصلاحية، يسعى إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وتحسين العلاقات مع الغرب. هذا التوجه قد يؤثر تأثيرًا كبيرًا في الديناميكية الحالية بين إيران وروسيا، التي تعززت خلال السنوات الأخيرة في مجالات عدة، أبرزها التعاون العسكري والاقتصادي.

السياسة الخارجية الجديدة

بزشكيان يهدف إلى إعادة دمج إيران في المجتمع الدولي من خلال إعادة التفاوض على الاتفاق النووي، وتخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد. هذا المسعى من شأنه أن يفتح الباب أمام الاستثمارات الغربية، ويعزز العلاقات التجارية مع أوروبا والولايات المتحدة، في حين يسعى بزشكيان إلى تحقيق هذه الأهداف. وقد يقل اعتماد إيران على روسيا بوصفها شريكًا إستراتيجيًّا، مما يخلق تحديات جديدة للعلاقات الثنائية بين البلدين.

التعاون العسكري والأمني

رغم التوجهات الإصلاحية لبزشكيان، فإن التعاون العسكري والأمني مع روسيا من المتوقع أن يستمر، وإن كان بوتيرة تتناسب مع التوجهات الجديدة للحكومة الإيرانية. التعاون في مجال التكنولوجيا العسكرية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية قد يبقى قويًّا، نظرًا إلى المصالح المشتركة في تحقيق الاستقرار الإقليمي، ومواجهة التهديدات الأمنية المشتركة.

الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية

قبل الانتخابات، كانت هناك خطط لتوقيع اتفاقية إستراتيجية بين روسيا وإيران تشمل عدة مجالات من التعاون، مثل الطاقة، والبنية التحتية، والتكنولوجيا العسكرية. ومع فوز بزشكيان، قد تتأثر هذه الاتفاقية كثيرًا. الإدارة الجديدة قد تراجع بعض بنود الاتفاقية، أو تؤجل توقيعها بهدف إعادة تقييم الأولويات الوطنية والإستراتيجيات الخارجية. ومن المحتمل أن يسعى بزشكيان إلى الحفاظ على توازن في العلاقات مع روسيا، مع محاولة تحسين العلاقات مع الغرب.

توازن العلاقات الدولية

بفوز بزشكيان، قد تشهد إيران مرحلة جديدة من التوازن في علاقاتها الدولية؛ فبينما ستسعى الإدارة الجديدة إلى تحسين العلاقات مع الدول الغربية، ستبقى روسيا شريكًا مهمًا، ولكن بدرجة أقل من الاعتماد مقارنة بالفترة السابقة. هذا التوازن الجديد قد يساعد إيران على تنويع شراكاتها الدولية، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام.

التوقعات المستقبلية للعلاقات الروسية الإيرانية

مع وصول مسعود بزشكيان إلى منصب الرئاسة الإيرانية، من المتوقع أن تشهد العلاقات الروسية الإيرانية مرحلة جديدة من التفاعل المعقد. يمكن أن يؤثر التوجه الإصلاحي لبزشكيان في ديناميكيات العلاقة بين البلدين، حيث يسعى إلى تحقيق توازن بين الانفتاح على الغرب، والحفاظ على العلاقات الإستراتيجية مع روسيا.

تحسين العلاقات من خلال التعاون الاقتصادي

إحدى الطرق المحتملة لتحسين العلاقات بين روسيا وإيران هي تعزيز التعاون الاقتصادي. يمكن للبلدين استكشاف فرص جديدة في مجالات الطاقة، والتكنولوجيا، والبنية التحتية. على سبيل المثال، يمكن لروسيا مساعدة إيران على تطوير مصادر الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية. كما يمكن للبلدين التعاون في مجالات الابتكار، والتكنولوجيا المتقدمة؛ مما يعزز من اقتصادهما، ويخلق فرص عمل جديدة.

التعاون في مجالات التعليم والثقافة

جانب آخر مهم لتحسين العلاقات هو تعزيز التعاون في مجالات التعليم والثقافة. يمكن للبلدين تبادل الطلاب والأساتذة، وتنظيم برامج تعليمية مشتركة، وعقد مؤتمرات علمية وثقافية لتعزيز التفاهم المتبادل، وبناء جسور التواصل بين الشعبين. هذه الجهود يمكن أن تسهم في بناء علاقات أقوى وأكثر استدامة على المستوى الشعبي والمؤسسي.

مستقبل التعاون العسكري والأمني

على الرغم من التحديات التي قد يواجهها التعاون العسكري بين البلدين في ظل السياسة الخارجية الجديدة لإيران، فإنه من المتوقع أن يستمر هذا التعاون بشكل أو بآخر. يمكن للبلدين تطوير إستراتيجيات جديدة للتعاون الأمني تشمل مكافحة الإرهاب، وتأمين الحدود، وتبادل المعلومات الاستخباراتية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تعزيز التعاون في مجالات التكنولوجيا الدفاعية، وتطوير الأنظمة العسكرية المتقدمة.

السيناريوهات المحتملة

هناك عدة سيناريوهات ممكنة لمستقبل العلاقات الروسية الإيرانية

تحسين العلاقات مع الغرب مع الحفاظ على الشراكة مع روسيا

في هذا السيناريو، يسعى بزشكيان إلى تحقيق توازن بين تحسين العلاقات مع الدول الغربية والحفاظ على الشراكة الإستراتيجية مع روسيا. يمكن أن يشهد هذا السيناريو تعاونًا اقتصاديًّا وثقافيًّا وعلميًّا متزايدًا بين إيران وروسيا.

تحول نحو الانفتاح على الغرب

في حال نجح بزشكيان في إعادة إحياء الاتفاق النووي، وتحسين العلاقات مع الغرب، قد يؤدي ذلك إلى تقليل اعتماد إيران على روسيا. ومع ذلك، ستظل روسيا شريكًا مهمًا في مجالات الأمن، والتكنولوجيا، والدفاع.

استمرار الوضع الراهن

في هذا السيناريو، قد تواجه إيران تحديات كبيرة في تحسين علاقاتها مع الغرب؛ مما سيجعلها تستمر في الاعتماد على روسيا اعتمادًا كبيرًا، لكن سيظل التعاون العسكري والاقتصادي هو الأساس في هذه العلاقة.

توصيات لتعزيز العلاقات

توسيع التعاون الاقتصادي

 استكشاف فرص جديدة في مجالات الطاقة، والتكنولوجيا، والبنية التحتية.

تعزيز التبادل الثقافي والتعليمي

 تنظيم برامج تعليمية، وتبادل ثقافي لتعزيز التفاهم المتبادل.

تطوير إستراتيجيات أمنية مشتركة

 التعاون في مجالات مكافحة الإرهاب، وتأمين الحدود وتبادل المعلومات الاستخباراتية.

تعزيز الحوار الدبلوماسي

 الحفاظ على قنوات الحوار المفتوحة لتعزيز الثقة والتعاون في القضايا الإقليمية والدولية.

الاستنتاجات

فوز مسعود بزشكيان في الانتخابات الرئاسية الإيرانية يمثل تحولًا كبيرًا في السياسة الخارجية الإيرانية، حيث يسعى بزشكيان إلى إعادة التفاوض على الاتفاق النووي، وتحسين العلاقات مع الغرب؛ مما قد يقلل من اعتماد إيران على روسيا، ويفتح فرصًا جديدة لتحسين العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع الدول الغربية. ورغم التوجهات الإصلاحية، فمن المتوقع أن يستمر التعاون العسكري والأمني بين إيران وروسيا؛ نظرًا إلى أهمية هذا التعاون في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة في المنطقة، ومن ذلك تبادل التكنولوجيا العسكرية، والمعلومات الاستخباراتية. تعزيز التعاون الاقتصادي يمكن أن يشكل حجر الزاوية في تحسين العلاقات بين البلدين، حيث يمكن استكشاف فرص جديدة في مجالات الطاقة، والتكنولوجيا، والبنية التحتية، مما يعزز من اقتصادات البلدين، ويخلق فرص عمل جديدة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للتعاون في مجالات التعليم والثقافة أن يسهم في بناء جسور التواصل بين الشعبين الإيراني والروسي، من خلال برامج التبادل الطلابي والأكاديمي، وتنظيم المؤتمرات الثقافية والعلمية. تسعى الإدارة الجديدة في إيران إلى تحقيق توازن دقيق بين الانفتاح على الغرب والحفاظ على الشراكة الإستراتيجية مع روسيا؛ مما قد يساعد إيران على تنويع شراكاتها الدولية، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام. هناك ثلاثة سيناريوهات رئيسة لمستقبل العلاقات الروسية الإيرانية: تحسين العلاقات مع الغرب مع الحفاظ على الشراكة مع روسيا؛ تحول نحو الانفتاح على الغرب؛ واستمرار الوضع الراهن. يعتمد كل سيناريو على قدرة إيران على تنفيذ سياساتها الخارجية والداخلية. لتأمين مستقبل مشرق للعلاقات الروسية الإيرانية، يوصى بتوسيع التعاون الاقتصادي، وتعزيز التبادل الثقافي والتعليمي، وتطوير إستراتيجيات أمنية مشتركة، وتعزيز الحوار الدبلوماسي. تتسم العلاقات الروسية الإيرانية بالتعقيد، وتواجه تحديات وفرصًا متعددة، ويعتمد نجاح التحولات المستقبلية على قدرة البلدين على تنفيذ سياسات تعزز من التعاون الثنائي في مجالات الاقتصاد، والأمن، والتعليم، مع الاستفادة من الفرص الجديدة التي يتيحها الانفتاح على العالم. ستظل هذه العلاقات عنصرًا محوريًّا في الديناميكيات الجيوسياسية للمنطقة؛ مما يتطلب متابعة دقيقة، وتعاونًا مستمرًا؛ لضمان مستقبل مستدام ومزدهر للبلدين.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع