تقدير موقف

بين دعوته للسلام وواقع المعركة.. لماذا يرفض بوتين هدنة الثلاثين يوماً؟


  • 30 أبريل 2025

شارك الموضوع

في خضم تصاعد العمليات العسكرية وتعثر المبادرات الدبلوماسية، وفيما بدا ردًّا على دعوة بوتين لهدنة عيد النصر، والتي تشمل وقفًا كاملًا لإطلاق النار على طول خط الجبهة لمدة ثلاثة أيام، أطلق الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي مبادرة لوقف إطلاق النار لمدة ثلاثين يومًا، آمِلًا – والقول له – في تخفيف معاناة المدنيين وتهيئة المناخ لبدء حوار سياسي.

غير أن الرد الروسي جاء سريعًا وحاسمًا، على لسان المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، رافضًا المقترح بصيغته المطروحة، ومُشددًا على ضرورة احترام “الواقع القائم على الأرض”، وهو ما يعكس – بطبيعة الحال – التعقيدات العميقة التي تحكم المشهد الأوكراني.

فما هو جوهر مبادرة زيلينسكي؟ ولماذا يرفضها بوتين؟

جاءت مبادرة زيلينسكي في توقيت حساس، مع تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية على كييف، وهو أمرٌ مشاهد وملحوظ، فضلًا عن الانحسار النسبي في الحماس الغربي لدعم العمليات العسكرية، في ضوء الموقف الأمريكي الجديد. لذلك، يبدو أن زيلينسكي يسعى إلى كسب نقاط دبلوماسية عبر تصوير بلاده كطرف يسعى إلى السلام. كما أن هدنة قصيرة ستوفر أيضًا فرصة حيوية لإعادة ترتيب القوات الأوكرانية المنهكة، واستيعاب الدعم العسكري الجديد المحتمل في حال اعتماد المبادرة.

في المقابل، يرى الكرملين – ويفهم – أن هذه المبادرة ليست سوى محاولة تكتيكية أكثر من كونها بادرة سلام حقيقية. ولذلك أصر بيسكوف في تصريحاته على استخدام عبارة: “يجب أن تراعي أي هدنة مطروحة الواقع الجديد على الأرض”، في إشارة مفهومة، بالطبع، إلى المناطق الأوكرانية التي أصبحت تحت السيطرة الروسية.

وتخشى موسكو من أن يمنح أي توقف مؤقت للقتال فرصة لكييف لإعادة بناء قواتها والاستعداد جيدًا لمراحل قادمة من الحرب، يبدو أنه لا مفر منها.

فما هي آفاق المرحلة القادمة؟

من الناحية العملية، تبدو فرص قبول هدنة حقيقية بين الطرفين ضعيفة في المرحلة الراهنة، فالمواقف المتباعدة، سواء ميدانيًا أو سياسيًا، تجعل من الصعب جدًا تصور حل مؤقت أو دائم قبل تحقيق اختراق نوعي على الأرض – لأي من الطرفين.

فضلًا عن ذلك، من المفهوم أن كييف ستواصل تحركاتها الدبلوماسية لحشد مزيد من الدعم الدولي، بينما ستسعى موسكو إلى تعزيز علاقاتها مع دول من خارج الغرب التقليدي، خاصة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهي تهدف من وراء ذلك إلى تثبيت مكاسبها وتوسيع نفوذها.

نستنتج من ذلك أن:

رفض موسكو لمبادرة هدنة الثلاثين يومًا غير المشروطة، يعكس حرصها على الاستمرار في تحقيق أهدافها الاستراتيجية دون تقديم تنازلات مجانية.

أما أوكرانيا زيلينسكي، فهي – في رأيي – تراهن على صمودها الداخلي، بشرط استمرار الدعم الغربي. وبين الرهانات العسكرية والمناورات السياسية، يبقى المشهد مفتوحًا على كل الاحتمالات، في نزاعٍ أصبح، بلا شك، عنوانًا لعصر جديد من صراعات الإرادة والنفوذ على الساحة الدولية.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع