جغرافيا

بولندا.. قراءة في الجغرافيا السياسية (3/ 3)


  • 26 يونيو 2024

شارك الموضوع

العلاقات البولندية الروسية

هيمنت على تاريخ العلاقات البولندية الروسية مشكلات خطيرة تتراوح من الحرب والاحتلال إلى التنافس الإقليمي، حيث يتسم تاريخ بولندا مع روسيا بالتعقيد، وبفترات من الحرب والمآسي.

وبولندا إحدى دول عبور الغاز الطبيعي الروسي إلى الاتحاد الأوروبي؛ مما يجعلها مهمة لكل من روسيا والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى أهميتها في الصراع مع الناتو.

وهناك أيضًا بُعد داخلي قوي مع تصور حساس جدًّا للإرث التاريخي للعلاقات، وتصاعد التوتر المجتمعي، ولهذا السبب قد تتحول المشكلات البسيطة إلى سجالات جدية، وفضائح دبلوماسية بين الدولتين.

البعد التاريخي للعلاقات البولندية الروسية

ينتمي البولنديون إلى الجزء السلافي الغربي من الشعوب السلافية، وقد تأسست دولتهم الأولى على يد أسرة بياست عام 966. وبعد ظهور التهديد الروسي المشترك، أنشأت دوقية ليتوانيا الكبرى ومملكة بولندا كيانًا مشتركًا عام 1386، عُرف باسم كومنولث الدولتين (بولندا وليتوانيا) .

 وفي ظل حكم أسرة جاجيلون، الذي استمر حتى عام 1572، أصبح هذا الكومنولث إحدى أقوى الدول في شرق أوروبا، ويحكم المناطق الممتدة من بحر البلطيق إلى البحر الأسود بمصطلحات اليوم.

كان الكومنولث يتألف من ليتوانيا، وبيلاروس، وبولندا، وأوكرانيا، ولاتفيا، وإستونيا، وكالينينغراد، وأجزاء من روسيا، والمجر، وجمهورية التشيك، وسلوفاكيا. وكان التحدي الرئيس للكومنولث هو التهديدات الروسية التي لا نهاية لها، والهجمات اللاحقة.

وشنت روسيا حروبًا عنيفة وقاسية ضد السويد وبولندا في النصف الأول من القرن السابع عشر، وغزت الجيوش البولندية سمولينسك أولًا، ثم موسكو في عام 1611، ونظّمَ الروسي الوطني كوزمان مينين جيشًا شعبيًّا في نيغني نوفغورود، وحرر موسكو من الغزو البولندي في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 1612.

تفوقت بولندا نفوذًا وقوة على روسيا في النصف الأول من القرن السابع عشر، وكانت القوى الكبرى في شرق أوروبا هي مملكة السويد، وبولندا، والإمبراطورية العثمانية، غير أن ميزان القوى بدأ بالتحول لصالح روسيا في النصف الثاني من القرن السابع عشر.

في عام 1667، استحوذت السويد على أراضي بولندا في بحر البلطيق، في حين احتلت روسيا شرق أوكرانيا، وكانت بولندا تحت رقابة القيصر الروسي، وبروسيا، والإمبراطورية العثمانية.

أصبح تقسيم بولندا أو غزوها مسألة وقت، وكان من المرجح أن يؤدي إلى نتائج سلبية للقوى الإقليمية، ومع ذلك، لن تتمكن قوة بولندا ولا وضعها الإقليمي من حماية وحدتها بسبب عدد من نقاط الضعف؛ ما أدى إلى التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية البولندية، والفشل في السيطرة على الجغرافيا الشاسعة، والامتيازات الواسعة للحكام المحليين، وهيمنة الأرستقراطية العقارية، والطبقة الأرستقراطية، وتجاوز حقوق الطبقة المالكة، بالإضافة إلى ذلك، بينما كانت بولندا تخسر قاعدة قوتها، كانت هناك مراكز قوة صاعدة، مثل برلين، وموسكو، ونتيجة لذلك، وضعت مراكز القوى الجديدة نهاية لبولندا، وقسمت البلاد.

تغير موازين القوى

مع بداية  عام 1772، تغير توازن القوى في أوروبا؛ إذ تراجعت السويد، وبولندا، والإمبراطورية العثمانية لصالح صعود روسيا، وبروسيا، والنمسا، وقُسمت بولندا بسبب الضغوط المتزايدة من الجهات الفاعلة الرئيسة في هذا التوازن الجديد للقوى،  حيث قُسمت أراضي بولندا إلى ثلاثة أقسام:

  • استولت النمسا على الجنوب.
  • استحوذت بروسيا على الوسط والشمال.
  • وهيمنت روسيا على الشرق.

وقسمت هذه الدول الثلاث بولندا مرتين في عامي 1793 و1795، واختفت بولندا أخيرًا من أوروبا في عام 1795، وكان التاريخ البولندي في القرن التاسع عشر مملوءًا بالتمردات والصراعات السياسية من أجل الاستقلال.

وفي هذه الفترة، قمع الجيش الروسي- بعنف- الانتفاضات البولندية ضد الاحتلال الروسي. كانت الثورات البولندية المعروفة هي تلك التي حدثت في عامي 1830 و1863. وقد تركت كل هذه التطورات السلبية آثارًا عميقة ومؤلمة في الذاكرة الوطنية البولندية.

استخدم المهاجرون البولنديون الذين فروا إلى الإمبراطورية العثمانية وفرنسا هذا التدخل الروسي رمزًا للحفاظ على هويتهم الوطنية، وبقي البولنديون بدون دولة وطنية 123 عامًا.

في عام 1918، وبعد  فشل ألمانيا، وانسحاب روسيا في أعقاب الحرب العالمية الأولى، استطاعت الدولة البولندية أن تستعيد نفسها مرة أخرى، وعادت بولندا إلى الظهور في أراضي بروسيا الغربية وبوزنان (في غرب بولندا حاليًا)، مع إمكانية الوصول إلى بحر البلطيق، الذي مُنح للبولنديين بموجب معاهدة فرساي للسلام في 28 يونيو (حزيران) 1919. كانت لدى الدولة البولندية الجديدة تجربة قصيرة في الديمقراطية البرلمانية، لكنها وجدت نفسها في ظل حالة من انعدام الأمن والاستقرار.

روسيا وألمانيا تتقاسمان بولندا

في سبتمبر 1939، غزت ألمانيا بولندا دون إعلان الحرب، واحتلت الجيوش الألمانية الغالبية العظمى من بولندا، بما في ذلك وارسو، وسرعان ما احتل الاتحاد السوفيتي بعض أراضي بولندا بناءً على معاهدة عدم الاعتداء التي وقعها مع ألمانيا، كما وقع الاتحاد السوفيتي وألمانيا اتفاقية إضافية حددت تقسيم بولندا بينهما في 28 سبتمبر (أيلول) 1939، عُرفت باسم “ميثاق مولوتوف- ريبنتروب”، أشارت إلى أن ألمانيا ستستولي على غرب بولندا بما في ذلك وارسو، وسيدمج الاتحاد السوفيتي شرق بولندا في أراضيه، وكان هذا التقسيم الرابع لبولندا في التاريخ.

واجه الشعب البولندي- تحت السيطرة الألمانية والسوفيتية- اضطهادًا شديدًا، وهجرة قسرية، وقتلًا وتشريدًا،  وأجبرت الإدارة السوفيتية أعدادًا كبيرة من البولنديين على الانتقال إلى سيبيريا وكازاخستان، أو العمل في معسكرات العمل الجماعي.

في يناير (كانون الثاني) 1945، هاجمت القوات السوفيتية مرة أخرى، وطردت الجيش الألماني من وارسو، وأنشأت إدارة وجيشًا مواليًا للسوفيت من خلال توحيد العناصر الشيوعية في بولندا، وقبلت الولايات المتحدة وإنجلترا المطالب السوفيتية بشأن شرق بولندا خلال مؤتمر يالطا في فبراير (شباط) 1945، وأعيد رسم حدود بولندا، وتضمنت الأراضي الألمانية مع الإشارة إلى نهري أودر- نايس في مؤتمر بوتسدام في أغسطس (آب) 1945، وتحولت حدود بولندا إلى الغرب، مع مناطق جديدة لصالح الاتحاد السوفيتي.

كانت بولندا تندرج في فلك الكتلة الشرقية التي يمثلها الاتحاد السوفيتي، وتحولت إلى نظام على الطراز السوفيتي، وغيّر الدستور الجديد اسم الدولة إلى “جمهورية بولندا الشعبية”، في عام 1952، وأعيد تنظيم الاقتصاد البولندي لتلبية احتياجات الاتحاد السوفيتي، ونُفِّذَ نموذج اقتصادي مخطط مركزيًّا تدريجيًّا بدءًا من عام 1948، وكان التحول نحو المنشآت الصناعية الثقيلة، مثل مصانع الحديد والصلب، والصناعات العسكرية.

 حاول الشعب البولندي تسهيل بيئة ناشئة حديثًا من الحرية النسبية في عهد نيكيتا خروتشوف، وفي عام 1978، كان هناك تطور خارجي مهم لبولندا عندما اختير الكاردينال البولندي كارول فويتيلا ليكون البابا يوحنا بولس الثاني، وأصبح زعيمًا للمسيحيين الكاثوليك.

كانت زيارة البابا لبولندا في يونيو (حزيران) 1979 نقطة تحول لمجموعة جديدة من التطورات في هذا البلد، واكتسب الشعب البولندي مصدرًا لزيادة الثقة بالنفس ضد الهيمنة الشيوعية التي كانت في حالة اضمحلال في جميع أنحاء الكتلة الشرقية، واضطلعت حركة التضامن في بولندا بدور مهم في تقليل النفوذ الشيوعي؛ من خلال أعمال الشغب الضخمة، والصراعات السياسية في الثمانينيات، وأدى التوتر المتزايد بين حركة التضامن والحزب الشيوعي، إلى إلقاء القبض على زعماء حركة التضامن، وقمعت قوات الدولة أعمال الشغب بعنف.

التحولات مع البريسترويكا

وصلت المعارضة البولندية إلى هدفها المتمثل في وجود نظام سياسي بولندي أكثر حرية نتيجة لمقاومتها الحاسمة وعدد من التطورات الدولية، مثل ظهور سياسات الغلاسنوست والبريسترويكا في الاتحاد السوفيتي، وبيئة دولية مناسبة، ودعم بلدان الغرب للإصلاح في بولندا، وأجريت انتخابات حرة عام 1989، وانتهت بتشكيل أول حكومة غير شيوعية في الكتلة الشرقية. وبعد اختفاء حلف وارسو، وسقوط الاتحاد السوفيتي، حدثت تغييرات جوهرية في الأراضي السوفيتية السابقة، وتحولات في الأنظمة الدولية.

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بقيت العلاقات الروسية البولندية فاترة وغير مشجعة، بل حتى أسوأ مما كانت عليه خلال الحقبة السوفيتية، وتجمدت المخططات المشتركة في المجالات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، وظهرت تصورات المصالح المختلفة في كثير من القضايا الإقليمية.

وجهت بولندا وجهها شطر الغرب عسكريًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا. وبدا أنه لا يوجد بديل آخر لحل مشكلات الاقتصاد والأمن في ظل غياب النظام الاشتراكي، لقد قُدِّم خيار الاندماج في العالم الغربي للشعب البولندي فرصةً لبولندا لإحراز تقدم سريع للوصول إلى مستوى العالم المتقدم.

وفي منتصف التسعينيات، كانت النتيجة المتوقعة لطلب بولندا الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي هي تدهور العلاقات الروسية البولندية، وشهدت العلاقات فضائح قصيرة المدى، ومناورات سياسية.

وفي مرحلة ما بعد الشيوعية، أرادت بولندا إبعاد روسيا عن الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي، والسيطرة على النفوذ الروسي في عدد من الدول، مما سيشكل منطقة عازلة بين روسيا وبولندا. تعود جذور سياسة تطوير العلاقات الجيدة مع ليتوانيا وأوكرانيا وبيلاروس إلى المناقشة الفكرية للمهاجرين البولنديين في الغرب في الخمسينيات من القرن الماضي، وكانت الفكرة تتلخص في منع تأثير الدومينو من خلال الحفاظ على سقوط أوكرانيا في النفوذ الروسي، وهو ما قد يؤدي لاحقًا إلى سقوط دول أخرى.

موقف بولندا من الحرب الروسية الأوكرانية

لقد أدى اندلاع العدوان الروسي تجاه أوكرانيا إلى خلق تهديد وجودي لبولندا؛ إذ تُعد أوكرانيا دولة مهمة جدًّا لبولندا، ولها أبعاد كثيرة؛ فتاريخيًّا، كانت بولندا أول دولة تعترف باستقلال أوكرانيا عام 1991، وتلاها في عام 1992 التوقيع على معاهدة بشأن التعاون الجيد وعلاقات الجوار المتبادلة، ويشترك كلا البلدين في تاريخ مرتبط بمواجهة ضغوط مماثلة من تدخلات روسيا، ورغبتها في بناء إمبراطورية، وشمل ذلك حملة مستمرة من روسيا لتوسيع مكاسبها الإقليمية، وتوسيع حدودها الوطنية، وكانت كلتا الدولتين- في أجزاء معينة من تاريخهما- جزءًا من الإمبراطورية القيصرية، أو الاتحاد السوفيتي، أو كيانًا مستقلًا تمامًا.

ومن الناحية الجغرافية، يبلغ طول الحدود البولندية الأوكرانية 535 كيلومترًا، مما يجعل أوكرانيا منطقة عازلة بين بولندا والبر الروسي الرئيس، ولهذا الجانب أهمية كبيرة من الناحية الأمنية، والحرب الحالية تثبت هذا العامل.

إن مصير أوكرانيا مهم جدًّا للشعب البولندي، ليس فقط بسبب الحدود المشتركة؛ ولكن أيضًا للعلاقات التاريخية، مع أنه لا تزال هناك بعض المناقشات والنزاعات غير المكتملة، فالوحشية تجاه أوكرانيا تمثل- بوضوح- ما يمكن أن يكون عليه مصير بولندا إذا تعرضت لهجوم من روسيا.

حذرت السلطات البولندية ودول البلطيق الشركاء من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي من أن روسيا تشكل تهديدًا حقيقيًّا، وقد تبدأ صراعًا عسكريًّا لتحقيق مصالحها الوطنية، وانتقدت بولندا حكومات بعض الدول الأوروبية بسبب سياساتها المتهورة تجاه الاتحاد الروسي، واعتمادها على الموارد الروسية (على سبيل المثال، نورد ستريم 2)؛ لذا فإن الهجوم الروسي على أوكرانيا لم يشكل مفاجأة في بولندا، فقد كانت العلاقات البولندية الروسية صعبة تقليديًّا، بسبب قربها الجيوسياسي، وتجاربها التاريخية؛ ومن ثم فإن التغلب على العداء البولندي الروسي في العلاقات الثنائية ليس بالأمر الممكن على المدى القصير. بالفعل بعد استعادة الاستقلال الكامل، كان تحقيق التفاهم والمصالحة المتبادلة بين وارسو وموسكو يمثل مشكلة دائمًا.

مسألة كالينينغراد في العلاقات البولندية الروسية

تتمتع مدينة كالينينغراد بتاريخ حافل، حيث كانت تنتمي- في بعض الأحيان- إلى ألمانيا، وبولندا، وروسيا حاليًا. إنها جيب حيوسياسي محاط بكثير من الدول، وتشترك فيه حدود 209 كم (130 ميلًا) مع بولندا كجزء من النقطة الثلاثية التي تجمع ليتوانيا وبولندا وروسيا، التي تنتهي عند بحر البلطيق.

تعد هذه الحدود من أكثر الحدود ازدحامًا في المنطقة، حيث تضم خمسة معابر برية، ولقد  تم الاعتراف بهذه الحدود عدة قرون مع تحول القوى الإقليمية؛ بعد الحرب العالمية الأولى، حددتها معاهدة ريغا حدودًا للاتحاد السوفيتي، واحتُفِظَ بها بعد انهيار الشيوعية، واليوم، تعد حدودًا للاتحاد الأوروبي وروسيا بعد انضمام بولندا إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004.

تعد منطقة كالينينغراد معزولة عن روسيا، وعن بقية منطقة البلطيق أيضًا بعد توسيع الاتحاد الأوروبي عام 2004، وتنظر روسيا إليها باعتبارها عنصرًا حيويًّا في قدرتها على إبراز القوة في منطقة البلطيق، فهناك دعوات إلى استقلال كالينينغراد، وتحظى بدعم قوى سياسية، مثل الحزب الجمهوري في منطقة البلطيق، الذي منعه الكرملين من المشاركة في الانتخابات، عام 2023، وادعت أنها أجرت استفتاء عبر الإنترنت، حيث صوت 72.1 في المئة من المشاركين لصالح انفصال كالينينغراد عن الاتحاد الروسي.

كانت كالينينغراد، أو كونيغسبيرغ، جزءًا من النظام التوتوني، ودوقية بروسيا (لبعض الوقت تابعة لبولندا)، ومملكة بروسيا، والإمبراطورية الألمانية قرونًا طويلة حتى الحرب العالمية الثانية.

أصبح دمج منطقة كونيغسبيرغ في بروسيا الشرقية مع روسيا هدفًا علنيًّا للاتحاد السوفيتي في مؤتمر طهران في ديسمبر (كانون الأول) 1943، وفي عام 1945، في نهاية الحرب العالمية الثانية، استولى الاتحاد السوفيتي على المدينة،  كما اتفق الحلفاء في مؤتمر بوتسدام على تسليم شمال شرق بروسيا، بما في ذلك كونيغسبيرغ، إلى الاتحاد السوفيتي، أصبحت كالينينغراد منطقة معزولة تابعة لجمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفيتية، مفصولة عن بقية الجمهورية من قبل جمهورية ليتوانيا، وبيلاروس الاشتراكية السوفيتية، ونُقلت الأجزاء الجنوبية من شرق بروسيا إلى بولندا. وفي عام 1946، تغيّر اسم مدينة كونيغسبيرغ إلى كالينينغراد.

منذ أوائل التسعينيات، كان هناك اقتراح من بعض السكان المحليين  لاستقلال منطقة كالينينغراد عن روسيا، وتشكيل “دولة البلطيق الرابعة”، وتأسس الحزب الجمهوري البلطيقي في 1 ديسمبر (كانون الأول) 1993 بهدف تأسيس جمهورية البلطيق المتمتعة بالحكم الذاتي، وفي النهاية منعت سلطات الكرملين هذا الحزب من المشاركة في الانتخابات عام 2003.

يدعي الحزب الجمهوري البلطيقي أن موسكو تشكل عائقًا أمام التنمية الاقتصادية في المنطقة، ويقول إن المنطقة تابعة لأوروبا، ويدعي أن عضوية الحزب داخل الجيب وخارجه آخذة في الازدياد، وإن الانفصال ليس سوى “مسألة وقت”.

أصبحت كالينينغراد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، منطقة معزولة، ورأى محللو السياسة الخارجية ذلك على خلفية احتمالين:

  • أنها يمكن أن تصبح نقطة اشتعال للصراع،
  • أو بوابة فساد على أوروبا.

 في الاحتمال الأول، أعربت موسكو عن مخاوفها بشأن الادعاءات بأن الوضع القانوني لكالينينغراد لا يزال يمثل مشكلة قد تتطور إلى الانفصال عن الاتحاد الروسي، وبعد ذلك يصبح الإقليم مطوقًا من حلف شمال الأطلسي.

وفي الوقت نفسه، أعرب جيران كالينينغراد عن مخاوفهم بشأن التركيز الكبير للقوات الروسية هناك، في حين رفضت السلطات في فيلنيوس مطالب موسكو بممر عبر ليتوانيا إلى كالينينغراد.

أما في الاحتمال الثاني، وهو أن كالينينغراد قد تكون بوابة إلى أوروبا، فقد حظي باهتمام جديد في الغرب، وترتبط هذه الفكرة بشبح تحول كالينينغراد إلى ثقب أسود في قلب أوروبا، ولتجنب تحولها إلى مصدر لعدم الاستقرار، يدعو بعض مراقبي كالينينغراد الاتحاد الأوروبي إلى تقديم مساعدة كبيرة للمنطقة، والمساعدة على تطوير اقتصادها، وحل مشكلاتها الاجتماعية والبيئية، ويعتقد المسؤولون في كالينينغراد أن هذه المساعدة الخارجية مطلوبة، لكن المسؤولين في موسكو ما زالوا حذرين من الفكرة، ويتشككون فيها باعتبارها طريقًا لسرقة الإقليم تحت عنوان المساعدات الاقتصادية والتنموية.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع