أدب

بوشكين عن النبي محمد


  • 13 مارس 2024

شارك الموضوع

ما من شاعر في روسيا ينافس شهرة ألكسندر بوشكين ومكانته. تجد المعاهد اللغوية في كبريات الجامعات تحمل اسمه، وتتزين بتماثيله الساحات والميادين.

لا يحب الروس بوشكين لأنه شاعر عبقري فحسب؛ بل لأن عددًا من علماء فقه اللغة الروسية يقولون إن بوشكين هو الأب الشرعي لتطوير هذه اللغة بفضل إسهاماته.

وقصة حياة بوشكين مثيرة جدًّا، أولها أصله وجذوره ونشأته؛ فقد ولد بوشكين عام 1799، ولقي مصرعه شابًا لم يكمل الأربعين عام 1837 في مبارزة أمام رجل كان بوشكين يشك في أن زوجته تخونه معه، فمات بوشكين بين نارين: شك الخيانة من دون دليل، وطعنة الخائن الذي أنكر الاتهام.

لا يتذكر أحد كثيرًا نهاية بوشكين، لكن الجميع يحتفي بإبداعه الأدبي الذي ملأ دنيا الأدب الروسي.

كتب بوشكين عن الحب والمشاعر الإنسانية، وعن الشعوب التي تسكن روسيا، وعن جبال القوقاز، وعن تمرد الشعوب من أجل الحرية، وعن الغجر، وعن شعوب الشرق، كما كتب عن النبي محمد (صل الله عليه سلم).

في عام 2015، غامرتُ بترجمة قصيدة بوشكين عن رسولنا الكريم، التي كتبها عام 1825.

لا أستطيع تكرار تلك المغامرة اليوم في القاهرة، ففي موسكو كان بجواري أحباء وأصدقاء من الروس ساعدوني بالكشف عن سر الخبايا اللغوية التي انغلقت على فهمي في قصيدة بوشكين.

يمكن أن نمنح القصيدة عنوان “من وحي القرآن”، يقول بوشكين في مستهلها:

  • أقسمُ بالشفع وبالوتر
  • أقسمُ بالسيف ومعركة العدل
  • وبنجوم تسبق الصبح
  • وصلاة في آخر الليل
  • لا… لم أتخل عنك!

وتبدو هنا محاكاة بوشكين لمعنى الآيات التي جاءت في عدة سور من القرآن الكريم، كما في سورة الفجر، وسورة المدثر، وغيرهما.

ينتقل بوشكين إلى الوعد الذي أعطاه الله لرسوله بتهدئة روعه، فيقول في قصيدته:

  • أتخليت عنك يومًا؟
  • كيف وقد أنزلت عليك ظلال رحمتي؟
  • أتركتك يومًا؟
  • كيف وقد كرمتُ هامتك بمحبتي؟
  • وكنت لك ملجأ
  • من كل شر محدق!

وبوسعنا بالطبع أن نجد آيات عدة من القرآن استلهم منها بوشكين معانيه الرقيقة عن دعم الله لنبيه الكريم.

ثم يدخلنا بوشكين بعد ذلك في الوعد الحق الذي أعطاه الله لنبيه، فيقول في قصيدته:

  • أتراني أسقيتك
  • في يوم الظمأ
  • سراب الصحراء؟
  • هل نصرتُ فصاحة لسانك
  • على رجاحة عقلك؟

في الشق الثاني من القصيدة يأخذنا بوشكين إلى الوعد بالنصر، وطمأنة قلب الرسول بانتشار دعوته للإنسانية، فيقول:

  • استجمع شجاعتك الآن!
  • وأعرض عن الخادعين
  • والتمس واثقًا
  • طريق الحق
  • كن لليتامي محبة
  • وطمئن بقرآني
  • قلوب الخائفين

لم يكن اهتمام بوشكين بالقرآن محض مصادفة؛ فلهذا الرجل روح شرقية بامتياز.

يختلف الباحثون في أصل “ألكسندر بوشكين”، وتتأرجح الروايات ما بين تشاد، أو الكاميرون، أو غرب إفريقيا. وتميل أكثر الآراء قوة في الفترة الأخيرة إلى ترجيح الأصل الحبشي.

وبغض النظر عن إثيوبيا، أو تشاد، أو الكاميرون، يذهب المؤرخون إلى أن جد الشاعر الروسي (ويعرف باسم أبراهام هانيبال) كان فارسًا إفريقيًّا من قبيلة نبيلة، وبعد هزيمته في معركة كبرى وقع في أسر تجار الرقيق، فنقلوه عبر شبه جزيرة العرب إلى تركيا، ومنها إلى بلاط القيصر الروسي في سانت بطرسبورغ قبل نحو 300 سنة،

وبعد ذلك ترقى أبراهام في البلاط القيصري، وكان من نسله ألكسندر بوشكين، الذي يوصف اليوم بأنه “أبو الأدب الروسي”.

في وقت الأزمات وعدم الثقة بالنفس، يخرج بعض العنصريين الروس فيتبرؤون من بوشكين العظيم، وآخرهم السياسي الروسي القومي المتطرف الراحل جيرونوفسكي، الذي قال: “لا نعرف من أي دغل في إفريقيا السوداء جاء إلينا هذا البوشكين”.

وفي سنوات الثقة بالنفس، تحتفي روسيا وشعبها بألكسندر بوشكين الذي يعد مثالًا عظيمًا على قدرة إنسان ألقت تجارة الرقيق قبل ثلاثة قرون بجده إلى قصور الأباطرة الروس، ليخرج من نسله ذلك العبقري الذي يعد مؤسس اللغة الروسية، وشاعرها الأعظم.

إن بوشكين هو المثال الفريد الخالد للجسر الحضاري الملهم، المتجاوز للألوان، والأعراق، والديانات، الباحث عن الحب، والحق، والجمال.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع